تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 10 من 10

الموضوع: الى كل من نصح نفسه.

  1. #1

    افتراضي الى كل من نصح نفسه.

    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله اما بعد قال العلامة المفسر و الاصولي المتبحر صاحب الفنون و الدرر شيخ شيخي اسال الله ان ينفعني بعلمه في معاشي و رمسي الشيخ محمد الامين الشنقيطي رحمه الله وَيُفْهَمُ مِنْ هَذِهِ الْآيَاتِ، كَقَوْلِهِ: وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا [18 \ 26] ، أَنَّ مُتَّبِعِي أَحْكَامِ الْمُشَرِّعِينَ غَيْرِ مَا شَرَعَهُ اللَّهُ أَنَّهُمْ مُشْرِكُونَ بِاللَّهِ، وَهَذَا الْمَفْهُومُ جَاءَ مُبَيَّنًا فِي آيَاتٍ أُخَرَ، كَقَوْلِهِ فِيمَنِ اتَّبَعَ تَشْرِيعَ الشَّيْطَانِ فِي إِبَاحَةِ الْمَيْتَةِ بِدَعْوَى أَنَّهَا ذَبِيحَةُ اللَّهِ: وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُم ْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ [6 \ 121] ، فَصَرَّحَ بِأَنَّهُمْ مُشْرِكُونَ بِطَاعَتِهِمْ، وَهَذَا الْإِشْرَاكُ فِي الطَّاعَةِ، وَاتِّبَاعِ التَّشْرِيعِ الْمُخَالِفِ لِمَا شَرَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى هُوَ الْمُرَادُ بِعِبَادَةِ الشَّيْطَانِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَابَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ [36 \ 60، 61] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى عَنْ نَبِيِّهِ إِبْرَاهِيمَ: يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا [19 \ 44] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا [4 \ 117] ، أَيْ: مَا يَعْبُدُونَ إِلَّا شَيْطَانًا، أَيْ: وَذَلِكَ بِاتِّبَاعِ تَشْرِيعِهِ، وَلِذَا سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى الَّذِينَ يُطَاعُونَ فِيمَا زَيَّنُوا مِنَ الْمَعَاصِي شُرَكَاءَ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ الْآيَةَ [6 \ 137] ، وَقَدْ بَيَّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا لِعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا سَأَلَهُ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ [9 \ 31] ، فَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُمْ أَحَلُّوا لَهُمْ مَا حَرَّمَ اللَّهُ، وَحَرَّمُوا عَلَيْهِمْ مَا أَحَلَّ اللَّهُ فَاتَّبَعُوهُمْ فِي ذَلِكَ، وَأَنَّ ذَلِكَ هُوَ اتِّخَاذُهُمْ إِيَّاهُمْ أَرْبَابًا.
    وَمِنْ أَصْرَحِ الْأَدِلَّةِ فِي هَذَا: أَنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَلَا فِي «سُورَةِ النِّسَاءِ» بَيَّنَ أَنَّ مَنْ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى غَيْرِ مَا شَرَعَهُ اللَّهُ يَتَعَجَّبُ مِنْ زَعْمِهِمْ أَنَّهُمْ مُؤْمِنُونَ، وَمَا ذَلِكَ إِلَّا لِأَنَّ دَعْوَاهُمُ الْإِيمَانَ مَعَ إِرَادَةِ التَّحَاكُمِ إِلَى الطَّاغُوتِ بَالِغَةٌ مِنَ الْكَذِبِ مَا يَحْصُلُ مِنْهُ الْعَجَبُ ; وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا [4 \ 60] .
    وَبِهَذِهِ النُّصُوصِ السَّمَاوِيَّةِ الَّتِي ذَكَرْنَا يَظْهَرُ غَايَةَ الظُّهُورِ: أَنَّ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الْقَوَانِينَ الْوَضْعِيَّةَ الَّتِي شَرَعَهَا الشَّيْطَانُ عَلَى أَلْسِنَةِ أَوْلِيَائِهِ مُخَالَفَةً لِمَا شَرَعَهُ اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا عَلَى أَلْسِنَةِ رُسُلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ لَا يَشُكُّ فِي كُفْرِهِمْ وَشِرْكِهِمْ إِلَّا مَنْ طَمَسَ اللَّهُ بَصِيرَتَهُ، وَأَعْمَاهُ عَنْ نُورِ الْوَحْيِ مِثْلَهُمْ. وقال رحمه الله فَالْكُفْرُ بِالطَّاغُوتِ الَّذِي صَرَّحَ اللَّهُ بِأَنَّهُ أَمَرَهُمْ بِهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ - شَرْطٌ فِي الْإِيمَانِ كَمَا بَيَّنَهُ - تَعَالَى - فِي قَوْلِهِ: فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى [2 \ 256] .
    فَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ مَنْ لَمْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ لَمْ يَتَمَسَّكْ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى، وَمَنْ لَمْ يَسْتَمْسِكْ بِهَا فَهُوَ مُتَرَدٍّ مَعَ الْهَالِكِينَ.
    وَمِنَ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ - تَعَالَى -: لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا [18 \ 26] .
    فَهَلْ فِي الْكَفَرَةِ الْفَجَرَةِ الْمُشَرِّعِينَ مَنْ يَسْتَحِقُّ أَنْ يُوصَفَ بِأَنَّ لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ؟ وَأَنْ يُبَالَغَ فِي سَمْعِهِ وَبَصَرِهِ لِإِحَاطَةِ سَمْعِهِ بِكُلِّ الْمَسْمُوعَاتِ وَبَصَرِهِ بِكُلِّ الْمُبْصَرَاتِ؟ وَأَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ دُونَهُ مِنْ وَلِيٍّ؟
    سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا.
    وَمِنَ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ - تَعَالَى -: وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [28 \ 88] .
    فَهَلْ فِي الْكَفَرَةِ الْفَجَرَةِ الْمُشَرِّعِينَ مَنْ يَسْتَحِقُّ أَنْ يُوصَفَ بِأَنَّهُ الْإِلَهُ الْوَاحِدُ؟ وَأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ؟ وَأَنَّ الْخَلَائِقَ يَرْجِعُونَ إِلَيْهِ؟
    تَبَارَكَ رَبُّنَا وَتَعَاظَمَ وَتَقَدَّسَ أَنْ يُوصَفَ أَخَسُّ خَلْقِهِ بِصِفَاتِهِ.
    وَمِنَ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ - تَعَالَى -: ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ فَهَلْ فِي الْكَفَرَةِ الْفَجَرَةِ الْمُشَرِّعِينَ النُّظُمَ الشَّيْطَانِيَّ ةَ مَنْ يَسْتَحِقُّ أَنْ يُوصَفَ فِي أَعْظَمِ كِتَابٍ سَمَاوِيٍّ بِأَنَّهُ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ؟
    سُبْحَانَكَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ عَنْ كُلِّ مَا لَا يَلِيقُ بِكَمَالِكَ وَجَلَالِكَ.
    وَمِنَ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ - تَعَالَى -: وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [28 \ 73] .
    فَهَلْ فِي مُشَرِّعِي الْقَوَانِينِ الْوَضْعِيَّةِ مَنْ يَسْتَحِقُّ أَنْ يُوصَفَ بِأَنَّ لَهُ الْحَمْدَ فِي الْأَوْلَى وَالْآخِرَةِ، وَأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يُصَرِّفُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، مُبَيِّنًا بِذَلِكَ كَمَالَ قُدْرَتِهِ، وَعَظَمَةَ إِنْعَامِهِ عَلَى خَلْقِهِ.
    سُبْحَانَ خَالِقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ - جَلَّ وَعَلَا - أَنْ يَكُونَ لَهُ شَرِيكٌ فِي حُكْمِهِ أَوْ عِبَادَتِهِ أَوْ مُلْكِهِ.
    وَمِنَ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ - تَعَالَى -: إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ [12 \ 40] .
    فَهَلْ فِي أُولَئِكَ مَنْ يَسْتَحِقُّ أَنْ يُوصَفَ بِأَنَّهُ هُوَ الْإِلَهُ الْمَعْبُودُ وَحْدَهُ، وَأَنَّ عِبَادَتَهُ وَحْدَهُ هِيَ الدِّينُ الْقَيِّمُ؟
    سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا.
    وَمِنْهَا قَوْلُهُ - تَعَالَى -: إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُو نَ [12 \ 67] .
    فَهَلْ فِيهِمْ مَنْ يَسْتَحِقُّ أَنْ يُتَوَكَّلَ عَلَيْهِ، وَتُفَوِّضَ الْأُمُورُ إِلَيْهِ؟
    وَمِنْهَا قَوْلُهُ - تَعَالَى -:وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ [5 \ 49 - 50] .
    فَهَلْ فِي أُولَئِكَ الْمُشَرِّعِينَ مَنْ يَسْتَحِقُّ أَنْ يُوصَفَ بِأَنَّ حُكْمَهُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِاتِّبَاعِ الْهَوَى؟ وَأَنَّ مَنْ تَوَلَّى عَنْهُ أَصَابَهُ اللَّهُ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِ؟ لِأَنَّ الذُّنُوبَ لَا يُؤَاخَذُ بِجَمِيعِهَا إِلَّا فِي الْآخِرَةِ؟ وَأَنَّهُ لَا حُكْمَ أَحْسَنُ مِنْ حُكْمِهِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ؟
    سُبْحَانَ رَبِّنَا وَتَعَالَى عَنْ كُلِّ مَا لَا يَلِيقُ بِكَمَالِهِ وَجَلَالِهِ.
    وَمِنْهَا قَوْلُهُ - تَعَالَى -: إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ [6 \ 57] .
    فَهَلْ فِيهِمْ مَنْ يَسْتَحِقُّ أَنْ يُوصَفَ بِأَنَّهُ يَقُصُّ الْحَقَّ، وَأَنَّهُ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ؟
    وَمِنْهَا قَوْلُهُ - تَعَالَى -: أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا الْآيَةَ [6 \ 114 - 115] .
    فَهَلْ فِي أُولَئِكَ الْمَذْكُورِينَ مَنْ يَسْتَحِقُّ أَنْ يُوصَفَ بِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ هَذَا الْكِتَابَ مُفَصَّلًا، الَّذِي يَشْهَدُ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ، وَبِأَنَّهُ تَمَّتْ كَلِمَاتُهُ صِدْقًا وَعَدْلًا - أَيْ صِدْقًا فِي الْأَخْبَارِ، وَعَدْلًا فِي الْأَحْكَامِ - وَأَنَّهُ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ؟
    سُبْحَانَ رَبِّنَا، مَا أَعْظَمَهُ، وَمَا أَجَلَّ شَأْنَهُ.
    وَمِنْهَا قَوْلُهُ - تَعَالَى -: قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ [10 \ 59] .
    فَهَلْ فِي أُولَئِكَ الْمَذْكُورِينَ مَنْ يَسْتَحِقُّ أَنْ يُوصَفَ بِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الرِّزْقَ لِلْخَلَائِقِ، وَأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ تَحْلِيلٌ وَلَا تَحْرِيمٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ؟ لِأَنَّ مِنَ الضَّرُورِيِّ أَنَّ مَنْ خَلَقَ الرِّزْقَ وَأَنْزَلَهُ هُوَ الَّذِي لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِالتَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ؟
    سُبْحَانَهُ - جَلَّ وَعَلَا - أَنْ يَكُونَ لَهُ شَرِيكٌ فِي التَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ.
    وَمِنْهَا قَوْلُهُ - تَعَالَى -: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [5 \ 44] .فَهَلْ فِيهِمْ مَنْ يَسْتَحِقُّ الْوَصْفَ بِذَلِكَ؟
    سُبْحَانَ رَبِّنَا وَتَعَالَى عَنْ ذَلِكَ.
    وَمِنْهَا قَوْلُهُ - تَعَالَى -: وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [16 \ 116 - 117] .
    فَقَدْ أَوْضَحَتِ الْآيَةُ أَنَّ الْمُشَرِّعِينَ غَيْرَ مَا شَرَّعَهُ اللَّهُ إِنَّمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ، لِأَجْلِ أَنْ يَفْتَرُوهُ عَلَى اللَّهِ، وَأَنَّهُمْ لَا يُفْلِحُونَ، وَأَنَّهُمْ يُمَتَّعُونَ قَلِيلًا ثُمَّ يُعَذَّبُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ، وَذَلِكَ وَاضِحٌ فِي بُعْدِ صِفَاتِهِمْ مِنْ صِفَاتِ مَنْ لَهُ أَنْ يُحَلِّلَ وَيُحَرِّمَ.
    وَمِنْهَا قَوْلُهُ - تَعَالَى -: قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا فَإِنْ شَهِدُوا فَلَا تَشْهَدْ مَعَهُمْ [6 \ 150] .
    فَقَوْلُهُ: هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ صِيغَةُ تَعْجِيزٍ، فَهُمْ عَاجِزُونَ عَنْ بَيَانِ مُسْتَنَدِ التَّحْرِيمِ. وَذَلِكَ وَاضِحٌ فِي أَنَّ غَيْرَ اللَّهِ لَا يَتَّصِفُ بِصِفَاتِ التَّحْلِيلِ وَلَا التَّحْرِيمِ. وَلَمَّا كَانَ التَّشْرِيعُ وَجَمِيعُ الْأَحْكَامِ - شَرْعِيَّةً كَانَتْ أَوْ كَوْنِيَّةً قَدَرِيَّةً - مِنْ خَصَائِصِ الرُّبُوبِيَّةِ - كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآيَاتُ الْمَذْكُورَةُ - كَانَ كُلُّ مَنِ اتَّبَعَ تَشْرِيعًا غَيْرَ تَشْرِيعِ اللَّهِ قَدِ اتَّخَذَ ذَلِكَ الْمُشَرِّعَ رَبًّا، وَأَشْرَكَهُ مَعَ اللَّهِ.
    وَالْآيَاتُ الدَّالَّةُ عَلَى هَذَا كَثِيرَةٌ، وَقَدْ قَدَّمْنَاهَا مِرَارًا وَسَنُعِيدُ مِنْهَا مَا فِيهِ كِفَايَةٌ، فَمِنْ ذَلِكَ - وَهُوَ مِنْ أَوْضَحِهِ وَأَصْرِحِهِ - أَنَّهُ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَعَتْ مُنَاظَرَةٌ بَيْنَ حِزْبِ الرَّحْمَنِ وَحِزْبِ الشَّيْطَانِ فِي حُكْمٍ مِنْ أَحْكَامِ التَّحْرِيمِ وَالتَّحْلِيلِ، وَحِزْبُ الرَّحْمَنِ يَتَّبِعُونَ تَشْرِيعَ الرَّحْمَنِ فِي وَحْيِهِ فِي تَحْرِيمِهِ، وَحِزْبُ الشَّيْطَانِ يَتَّبِعُونَ وَحْيَ الشَّيْطَانِ فِي تَحْلِيلِهِ.
    وَقَدْ حَكَمَ اللَّهُ بَيْنَهُمَا وَأَفْتَى فِيمَا تَنَازَعُوا فِيهِ فَتْوَى سَمَاوِيَّةً قُرْآنِيَّةً تُتْلَى فِي سُورَةِ «الْأَنْعَامِ» .
    وَذَلِكَ أَنَّ الشَّيْطَانَ لَمَّا أَوْحَى إِلَى أَوْلِيَائِهِ فَقَالَ لَهُمْ فِي وَحْيِهِ: سَلُوا مُحَمَّدًا عَنِ الشَّاةِ تُصْبِحُ مَيْتَةً، مَنْ هُوَ الَّذِي قَتَلَهَا؟ فَأَجَابُوهُمْ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الَّذِي قَتَلَهَا.
    فَقَالُوا: الْمَيْتَةُ إِذًا ذَبِيحَةُ اللَّهِ، وَمَا ذَبَحَهُ اللَّهُ كَيْفَ تَقُولُونَ إِنَّهُ حَرَامٌ؟ مَعَ أَنَّكُمْ تَقُولُونَ إِنَّمَا ذَبَحْتُمُوهُ بِأَيْدِيكُمْ حَلَالٌ، فَأَنْتُمْ إِذًا أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ وَأَحَلُّ ذَبِيحَةً.
    فَأَنْزَلَ اللَّهُ بِإِجْمَاعِ مَنْ يُعْتَدُّ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ قَوْلَهُ - تَعَالَى -: وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ [6 \ 121] ، يَعْنِي الْمَيْتَةَ، أَيْ وَإِنْ زَعَمَ الْكُفَّارُ أَنَّ اللَّهَ ذَكَّاهَا بِيَدِهِ الْكَرِيمَةِ بِسِكِّينٍ مِنْ ذَهَبٍ. وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ [6 \ 121] ، وَالضَّمِيرُ عَائِدٌ إِلَى الْأَكْلِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ: وَلَا تَأْكُلُوا، وَقَوْلُهُ: لَفِسْقٌ، أَيْ خُرُوجٌ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ، وَاتِّبَاعٌ لِتَشْرِيعِ الشَّيْطَانِ. وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُم ْ [6 \ 121] . أَيْ بِقَوْلِهِمْ: مَا ذَبَحْتُمُوهُ حَلَالٌ وَمَا ذَبَحَهُ اللَّهُ حَرَامٌ، فَأَنْتُمْ إذًا أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ، وَأَحَلُّ تَذْكِيَةً، ثُمَّ بَيَّنَ الْفَتْوَى السَّمَاوِيَّةِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ، فِي الْحُكْمِ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى -: وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ [6 \ 121] فَهِيَ فَتْوَى سَمَاوِيَّةٌ مِنَ الْخَالِقِ - جَلَّ وَعَلَا - صَرَّحَ فِيهَا بِأَنَّ مُتَّبِعَ تَشْرِيعِ الشَّيْطَانِ الْمُخَالِفِ لِتَشْرِيعِ الرَّحْمَنِ - مُشْرِكٌ بِاللَّهِ.و قال رحمه الله وجعل الجنة مثواه التَّنْبِيهُ الْحَادِيَ عَشَرَ
    اعْلَمْ يَا أَخِي أَنَّ هَذَا الْإِعْرَاضَ عَنْ كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَاعْتِقَادَ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُمَا بِالْمَذَاهِبِ الْمُدَوَّنَةِ الَّذِي عَمَّ جُلَّ مَنْ فِي الْمَعْمُورَةِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَعْظَمِ الْمَآسِي وَالْمَصَائِبِ، وَالدَّوَاهِي الَّتِي دَهَتِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ مُدَّةِ قُرُونٍ عَدِيدَةٍ.
    وَلَا شَكَّ أَنَّ النَّتَائِجَ الْوَخِيمَةَ النَّاشِئَةَ عَنِ الْإِعْرَاضِ عَنِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مَنْ جُمْلَتِهَا مَا عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ فِي وَاقِعِهِمُ الْآنَ مِنْ تَحْكِيمِ الْقَوَانِينِ الْوَضْعِيَّةِ الْمُنَافِي لِأَصْلِ الْإِسْلَامِ ; لِأَنَّ الْكُفَّارَ إِنَّمَا احْتَاجُوهُمْ بِفَصْلِهِمْ عَنْ دِينِهِمْ بِالْغَزْوِ الْفِكْرِيِّ عَنْ طُرُقِ الثَّقَافَةِ وَإِدْخَالِ الشُّبَهِ وَالشُّكُوكِ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ.
    وَلَوْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَتَعَلَّمُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَعْمَلُونَ بِمَا فِيهِمَا لَكَانَ ذَلِكَ حِصْنًا مَنِيعًا لَهُمْ مِنْ تَأْثِيرِ الْغَزْوِ الْفِكْرِيِّ فِي عَقَائِدِهِمْ وَدِينِهِمْ.
    وَلَكِنْ لَمَّا تَرَكُوا الْوَحْيَ وَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاسْتَبْدَلُوا بِهِ أَقْوَالَ الرِّجَالِ لَمْ تَقُمْ لَهُمْ أَقْوَالُ الرِّجَالِ وَمَذَاهِبُ الْأَئِمَّةِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ مَقَامَ كَلَامِ اللَّهِ وَالِاعْتِصَامِ بِالْقُرْآنِ، وَكَلَامِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالتَّحَصُّنِ بِسُنَّتِهِ.
    وَلِذَلِكَ وَجَدَ الْغَزْوُ الْفِكْرِيُّ طَرِيقًا إِلَى قُلُوبِ النَّاشِئَةِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَلَوْ كَانَ سِلَاحُهُمُ الْمُضَادُّ الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ لَمْ يَجِدْ إِلَيْهِمْ سَبِيلًا.
    وَلَا شَكَّ أَنَّ كُلَّ مُنْصِفٍ يَعْلَمُ أَنَّ كَلَامَ النَّاسِ، وَلَوْ بَلَغُوا مَا بَلَغُوا مِنَ الْعِلْمِ وَالْفَضْلِ - لَا يُمْكِنُ أَنْ يَقُومَ مَقَامَ كَلَامِ اللَّهِ وَكَلَامِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
    وَبِالْجُمْلَةِ فَمِمَّا لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّ هَذَا الْغَزْوَ الْفِكْرِيَّ الَّذِي قَضَى عَلَى كِيَانِ الْمُسْلِمِينَ، وَوَحْدَتِهِمْ وَفَصَلَهُمْ عَنْ دِينِهِمْ، لَوْ صَادَفَهُمْ وَهُمْ مُتَمَسِّكُونَ بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ لَرَجَعَ مَدْحُورًا فِي غَايَةِ الْفَشَلِ لِوُضُوحِ أَدِلَّةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَكَوْنِ الْغَزْوِ الْفِكْرِيِّ الْمَذْكُورِ لَمْ يَسْتَنِدْ إِلَّا عَلَى الْبَاطِلِ وَالتَّمْوِيهِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ.و قال رحمه الله قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ...


    وَالتَّحْقِيقُ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّ هَذِهِ الْآيَاتِ عَامَّةٌ فِي كُلِّ مَا يَتَنَاوَلُهُ لَفْظُهَا، وَأَنَّ كُلَّ مَا فِيهَا مِنَ الْوَعِيدِ عَامٌّ لِمَنِ أَطَاعَ مَنْ كَرِهَ مَا نَزَّلَ اللَّهُ.
    مَسْأَلَةٌ
    اعْلَمْ أَنَّ كُلَّ مُسْلِمٍ، يَجِبُ عَلَيْهِ فِي هَذَا الزَّمَانِ تَأَمُّلُ هَذِهِ الْآيَاتِ، مِنْ سُورَةِ مُحَمَّدٍ وَتَدَبُّرِهَا، وَالْحَذَرُ التَّامُّ مِمَّا تَضَمَّنَتْهُ مِنَ الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ ; لِأَنَّ كَثِيرًا مِمَّنْ يَنْتَسِبُونَ لِلْمُسْلِمِينَ دَاخِلُونَ بِلَا شَكٍّ فِيمَا تَضَمَّنَتْهُ مِنَ الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ.
    لِأَنَّ عَامَّةَ الْكُفَّارِ مِنْ شَرْقِيِّينَ وَغَرْبِيِّينَ كَارِهُونَ لِمَا نَزَّلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ هَذَا الْقُرْآنُ وَمَا يُبَيِّنُهُ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ السُّنَنِ.فَكُل ُ مَنْ قَالَ لِهَؤُلَاءِ الْكُفَّارِ الْكَارِهِينَ لِمَا نَزَّلَهُ اللَّهُ: سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ، فَهُوَ دَاخِلٌ فِي وَعِيدِ الْآيَةِ.
    وَأَحْرَى مِنْ ذَلِكَ مِنْ يَقُولُ لَهُمْ: سَنُطِيعُكُمْ فِي الْأَمْرِ كَالَّذِينِ يَتَّبِعُونَ الْقَوَانِينَ الْوَضْعِيَّةَ مُطِيعِينَ بِذَلِكَ لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ لَا شَكَّ أَنَّهُمْ مِمَّنْ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ .
    وَأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ، وَأَنَّهُ مُحْبِطٌ أَعْمَالَهُمْ.
    فَاحْذَرْ كُلَّ الْحَذَرِ مِنَ الدُّخُولِ فِي الَّذِينَ قَالُوا: سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ.
    لا يتعصب الا غبي او عصبي او حزبي

  2. #2

    افتراضي رد: الى كل من نصح نفسه.

    فَكُلُّ مَنْ قَالَ لِهَؤُلَاءِ الْكُفَّارِ الْكَارِهِينَ لِمَا نَزَّلَهُ اللَّهُ: سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ، فَهُوَ دَاخِلٌ فِي وَعِيدِ الْآيَةِ.
    وَأَحْرَى مِنْ ذَلِكَ مِنْ يَقُولُ لَهُمْ: سَنُطِيعُكُمْ فِي الْأَمْرِ كَالَّذِينِ يَتَّبِعُونَ الْقَوَانِينَ الْوَضْعِيَّةَ مُطِيعِينَ بِذَلِكَ لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ لَا شَكَّ أَنَّهُمْ مِمَّنْ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ .
    وَأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ، وَأَنَّهُ مُحْبِطٌ أَعْمَالَهُمْ.
    فَاحْذَرْ كُلَّ الْحَذَرِ مِنَ الدُّخُولِ فِي الَّذِينَ قَالُوا: سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ.


    لا يتعصب الا غبي او عصبي او حزبي

  3. #3

    افتراضي رد: الى كل من نصح نفسه.

    و قال رحمه الله فالذين يتمردون على هذا الأمر ويسمعون في القرآن: {اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ} ويقولون: لا، لا يمكن أن نتبع ما أُنزل إلينا من ربنا بل نتبع قانون نابليون، أو قانون فلان، أو فلان من القوانين الوضعية المستوردة المتمردة على نظام خالق السماوات والأرض!! هذا أمر لا يليق، وصاحبه ليس من الإيمان في شيء؛ لأن هذا الكون ليس فوضى، وإنما له خالق جبار ملك عظيم قهار خالق كل شيء، وبيده كل شيء، وإليه مرجع كل شيء، ولا يقبل أبداً ولا يرضى أبداً أن يُتبع شيء إلا الشيء الذي أنزل هو (جل وعلا) على رسوله الكريم لينذر به ويذكر به المؤمنين، فهذا هو الذي ينبغي أن يُتبع، وهو نظام السماء الذي يحفظ لبني آدم في دار الدنيا أديانهم أتم الحفظ، ويحفظ لهم أنفسهم، ويحفظ لهم عقولهم، ويحفظ لهم أنسابهم، ويحفظ لهم أموالهم، ويحفظ لهم أعراضهم، إلى غير ذلك من مقوماتهم الدينية والدنيوية، فيجب اتباعه وعدم العدول عنه إلى غيره.
    لا يتعصب الا غبي او عصبي او حزبي

  4. #4

    افتراضي رد: الى كل من نصح نفسه.

    و قال رحمه الله وهذه الآية الكريمة دالة على أنه لا يشرع للخلق ويأمرهم وينهاهم ويحرم عليهم إلا الملك الذي هو نافذ التصرف نفوذًا مطلقًا، وله الكلمة العليا، وهو فوق كل شيء. هذه الآية تدل على هذا، وبذلك يُعلم أن الضعيف المسكين العاجز لا تشريع له، ولا يصح منه أن يحلل ولا أَنْ يُحَرِّمَ، فالَّذِي يُحَلِّلُ ويُحرِّم ويُشرع هو خالق هذا الكون (جل وعلا)؛ لأنه لا يشرع إلا الملك الأعظم الكبير الأكبر، كما قال هنا فيمن يرسل ويشرع على ألسنة الرسل: {الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ} [الأعراف: آية 158] فالذي يشرع قانونًا وضعيًّا إن كان له ملك السماوات والأرض، وهو الذي يحيي ويميت، وهو المعبود وحده فليتقدم وليشرع، وإن كان عاجزًا مسكينًا مربوبًا فليعلم قدره، وليقف عند حده، وليعلم أن من يحلل ويحرم هو الكبير الأكبر، والملك العظيم، كما قال تعالى: {ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لله الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ (12)} [غافر: آية 12] فالعلي الكبير الذي هو أعلى وأكبر من كل شيء، وأعظم من كل شيء، وهو الملك الأعظم، هذا هو الذي له حق التشريع، والتحليل والتحريم. وبهذا تعلمون أن الأمر ما أمر الله به، والنهي ما نهى الله عنه، والحلال ما أحله الله، والحرام ما حرمه الله، والدين ما شرعه الله،وأن القوانين الوضعية خزي ووبال وكفر على أصحابها، يعطون مُسْتَحَق خالق السماوات والأرض لأجهل خلق الله، وأخسهم وأكفرهم سبحانه (جل وعلا) أن يكون له في حكمه شريك، كما تقدس (تعالى) أن يكون له في عبادته شريك، فحكم الله (جل وعلا) كعبادته، فَكَمَا أنَّ مَنْ أشْرَك به في عبادته كافر به فكذلك مَنْ أشْرَكَ به في حكمه فهو كافر به.
    والقرآن بين استوائهما، قال في الإشراك في العبادة: {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: آية 110] وقال في حكمه: {وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ} [الكهف: آية 27] {وَلاَ يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا} [الكهف: آية 26] وقرأه ابن عامر من السبعة: {ولا تُشْرِك في حكمه [21/ب] أحدًا} (1) / فالحكم لخالق السماوات والأرض، لا تشريع لغيره، لا تحليل إلا لله، ولا تحريم إلا لله، ولا تشريع إلا لخالق السماوات والأرض {قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَامًا وَحَلاَلاً قُلْ آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ (59)} [يونس: آية 59] فما جعل (جل وعلا) بين إذنه والافتراء عليه واسطة.
    وقد ذكرنا مرارًا (2) أن هذه الآيات القرآنية تدل على أن الذين يتحاكمون إلى نظم وضعية وقوانين لم يشرعها خالق السماوات والأرض زاعمين أنها هي الكفيلة بتنظيم الحياة، ومسايرة ركب الحضارة، والكفالة للناس بحقوقهم، زاعمين -لطمس بصائرهم وقلة عقولهم- أن نور السَّمَاءِ الذي أنزله خالق السماوات والأرض على سيد الخلق من تشريع رب العالمين لا يمكن أن يكون كفيلاً بذلك!! فهؤلاء كفرهم لا يخفى، ولا يشك في كفرهم وبعدهم من الإيمان إلا مَنْ طَمَسَ اللهُ بَصِيرَتَهُ. وهذا كثير في القرآن لا تكاد تحصيه في المصحف الكريم.
    وقد بيّنا لكم مرارًا في هذه الدروس والمناسبات (1) أن ذلك الأمر وقعت فيه مناظرة بين حزب الشيطان وحزب الرحمن، وكل يتمسك بمستنده، فحزب الشيطان يتمسك بوحي الشيطان وفلسفة إبليس، وحزْب الرَّحْمَن يَتَمَسَّكُ بهذا الوحي المُنَزَّل الذي لا يَضِلُّ مَنِ اتَّبَعَهُ في الدنيا ولا يشقى في الآخرة.
    لا يتعصب الا غبي او عصبي او حزبي

  5. #5

    افتراضي رد: الى كل من نصح نفسه.

    و قال الشيخ رحمه الله اعْلَمُوا أيها الإخوانُ أن الإشراكَ بِاللَّهِ في حُكْمِهِ والإشراكَ به في عبادتِه كلاهما بمعنًى واحدٍ، لا فَرْقَ بينهما ألبتةَ، فالذي يَتْبَعُ نظامًا غيرَ نظامِ اللَّهِ، وتشريعًا غيرَ ما شَرَّعَهُ اللَّهُ، وقانونًا مُخَالِفًا لشرعِ اللَّهِ من وَضْعِ البشرِ، مُعْرِضًا عن نورِ السماءِ الذي أَنْزَلَهُ اللَّهُ على لسانِ رسولِه، مَنْ كان يفعلُ هذا هو وَمَنْ يعبدُ الصنمَ ويسجدُ للوثنِ لاَ فرقَ بينَهما ألبتةَ بوجهٍ من الوجوهِ، فَهُمَا واحدٌ، فَكِلاَهُمَا مشركٌ بِاللَّهِ، هذا أَشْرَكَ به في عبادتِه، وهذا أَشْرَكَ به في حُكْمِهِ، والإشراكُ به في عبادتِه، والإشراكُ به في حُكْمِهِ كِلاَهُمَا سواءٌ، وقد قال اللَّهُ (جلَّ وعلا) في الإشراكِ به في عبادتِه: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: آية 110].
    وقال في الإشراكِ به في حُكْمِهِ أيضًا: {لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُم مِّنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلاَ يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا} [الكهف: آية 26]. وَفِي قراءةِ ابنِ عامرٍ من السبعةِ: {ولا تُشْرِكْ في حكمه أحدا} (1) بصيغةِ النهي المطابقةِ لقولِه: {وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: آية 110] فَكِلاَهُمَا إشراكٌ بِاللَّهِ؛ وَلِذَا بَيَّنَ النبيُّ لعديِّ بنِ حاتمٍ أنهم لَمَّا اتبعوا نظامَهم في التحليلِ والتحريمِ وَشَرْعِهِمُ المخالفِ لشرعِ اللَّهِ كانوا عبدةً لهم، مُتَّخِذِيهِمْ أربابًا، والآياتُ القرآنيةُ في المصحفِ الكريمِ المُصَرِّحةُ بهذا المعنَى لا تكادُ تُحْصِيهَا، ومن أَصْرَحِهَا: الْمُنَاظَرَةُ التي أَشَرْنَا لها، وَوَعَدْنَا بإيضاحِ مَبْحَثِهَا هنا، وهي المناظرةُ التي وَقَعَتْ بَيْنَ حزبِ الرحمنِ وحزبِ الشيطانِ في حُكْمِ تحليلِ لحمِ الميتةِ وتحريمِه، فحزبُ الشيطانِ يقولونَ: إن الميتةَ حلالٌ، ويستدلونَ بِوَحْيٍ مِنْ وَحْيِ الشيطانِ، وهو أن الشيطانَ أَوْحَى إلى أصحابِه وتلامذتِه في مكةَ أَنِ اسْأَلُوا محمدًا عن الشاةِ تصبحُ ميتةً مَنْ هُوَ الذي قَتَلَهَا؟ فَلَمَّا قال: اللَّهُ قَتَلَهَا.
    احْتَجُّوا على النبيِّ وأصحابِه في تحريمِهم الميتةَ بفلسفةٍ مِنْ وَحْيِ الشيطانِ وقالوا: ما ذَبَحْتُمُوهُ وَذَكَّيْتُمُوه ُ بأيديكم حلالٌ، وما ذَبَحَهُ اللَّهُ بيدِه الكريمةِ بسكينٍ مِنْ ذَهَبٍ تقولونَ حرامٌ!! فَأَنْتُمْ أحسنُ مِنَ اللَّهِ إِذًا!! فهذا فلسفةُ الشيطانِ ووحيُ إبليسَ اسْتَدَلَّ بها كفارُ مكةَ على اتباعِ نظامِ الشيطانِ وتشريعِه وقانونِه بِدَعْوَى أن ما ذَبَحَهُ اللَّهُ أحلُّ مِمَّا ذَبَحَهُ الناسُ، وأن تذكيةَ اللَّهِ أطهرُ من تذكيةِ الخلقِ، وَاسْتَدَلَّ أصحابُ النبيِّ والنبيُّ صلى الله عليه وسلم على تحريمِ الميتةِ بوحيِ الرحمنِ في قولِه تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: آية 3] {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ} [البقرة: آية 173] فَأَدْلَى هؤلاء بنصٍّ من نصوصِ السماءِ، وَأَدْلَى هؤلاء بفلسفةٍ من وحيِ الشيطانِ، وَوَقَعَ بينَهم جدالٌ وخصامٌ، فَتَوَلَّى رَبُّ السماواتِ والأرضِ الْفُتْيَا في ذلك بنفسِه فَأَنْزَلَهَا قُرْآنًا يُتْلَى في سورةِ الأنعامِ مُعَلِّمًا بها خلقَه، أن كُلَّ مَنْ يتبعُ نظامًا وتشريعًا وقانونًا مُخَالِفًا لِمَا شَرَعَهُ اللَّهُ على لسانِ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فهو مشركٌ بِاللَّهِ كافرٌ مُتَّخِذٌ ذلك المتبوعَ رَبًّا
    لا يتعصب الا غبي او عصبي او حزبي

  6. #6

    افتراضي رد: الى كل من نصح نفسه.

    {لِيُجَادِلُوكُ ْ} لأجلِ أن يجادلُوكم بِوَحْيِ الشيطانِ، ما ذبحتمُوه حلالٌ، وما ذَبَحَهُ اللَّهُ حرامٌ، فأنتم أحسنُ من اللَّهِ.
    ثم قال - وهو مَحَلُّ الشاهدِ -: {وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ } أي:اتَّبَعْتُمُ هُمْ في ذلك النظامِ الذي وَضَعَهُ الشيطانُ لأَتْبَاعِهِ وَأَقَامَ دليلاً من وَحْيِهِ عليه {إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} بِاللَّهِ، متخذونَ مَنِ اتَّبَعْتُمْ تشريعَه رَبًّا غيرَ اللَّهِ. وهذا الشركُ في قولِه: {إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} هو الشركُ الأكبرُ المخرجُ عن مِلَّةِ الإسلامِ بإجماعِ المسلمينَ، وهو الذي أَشَارَ اللَّهُ إليه في قولِه: {إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ (100)} [النحل: آية 100] وهو الذي صَرَّحَ به الشيطانُ في خطبتِه يومَ القيامةِ المذكورةِ في قولِه: {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُم ْ} إلى قولِه: {إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ} [إبراهيم: آية 22] وهو المرادُ على أَصَحِّ التفسيرين في قولِه: {بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ} [سبأ: آية 41] يعبدونَ الشياطينَ باتباعِهم أنظمتَهم وتشريعاتِهم على ألسنةِ الكفارِ، وهو الذي نَهَى عنه إبراهيمُ أَبَاهُ: {يَا أَبَتِ لاَ تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ} [مريم: آية 44] أي: بِاتِّبَاعِ ما يقررُ لَكَ من نظامِ الكفرِ والمعاصِي مُخَالِفًا لشرعِ اللَّهِ الذي أَنْزَلَهُ على رُسُلِهِ، وهذه العبادةُ بعينِها هي التي وَبَّخَ اللَّهُ مُرْتَكِبَهَا وَبَيَّنَ مصيرَه الأخيرَ في سورةِ "يس" في قولِه: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (60)} [يس: آية 60] ما عَبَدُوهُ بسجودٍ ولاَ ركوعٍ وإنما عَبَدُوهُ باتباعِ نظامٍ وتشريعٍ وقانونٍ شَرَعَ لهم أمورًا غيرَ ما شَرَعَهُ اللَّهُ فاتبعوه وتركوا ما شَرَعَ اللَّهُ فعبدوه بذلك واتخذوه رَبًّا كما بَيَّنَهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم لعديِّ بنِ حاتمٍ (رضي الله عنه)، فهذا أمرٌ لاَ شَكَّ فيه، وهو المرادُ بقولِه: {وَإِنْ يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَانًا مَّرِيدًا} [النساء: آية 117] يعني: ما يعبدونَ إلا شيطانًا مَرِيدًا،
    أي: عبادةَ اتباعِ نظامٍ وتشريعٍ. وَاعْلَمْ أن قومًا زَعَمُوا أنهم يريدونَ أن يتحاكموا إلى شرعِ الشيطانِ والذي وَضَعَهُ،
    لا يتعصب الا غبي او عصبي او حزبي

  7. #7

    افتراضي رد: الى كل من نصح نفسه.

    وَادَّعُوا مع ذلك أنهم مؤمنونَ فعَجَّبَ اللَّهُ نَبِيَّهُ من دَعْوَاهُمُ الكاذبةِ الفاجرةِ التي لا يمكنُ أن تُصَدَّقَ في سورةِ النساءِ في قولِه (جلَّ وعلا): {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ} [النساء: آية60].
    وَكُلُّ مَنْ تَحَاكَمَ إلى غيرِ ما أنزل اللَّهُ فهو متحاكمٌ إلى الطاغوتِ، وهؤلاء قومٌ أَرَادُوا التحاكمَ إلى الطاغوتِ وزعموا أنهم مؤمنونَ بالله فَعَجَّبَ اللَّهُ نَبِيَّهُ مِنْ كَذِبِ هؤلاءِ وعدمِ حيائِهم في قولِه: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ} يُعَجِّبه منهم {يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ} الذي شَرَعَ لهم تلك النظمَ والأوضاعَ التي يسيرونَ عليها {وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيدًا} وَأَقْسَمَ اللَّهُ (جلَّ وعلا) إقسامًا سماويًّا من رَبِّ العالمينَ على أنه لا إيمانَ لِمَنْ لم يُحَكِّمْ رسولَ اللَّهِ فيما جاء به عن اللَّهِ خالصًا من قلبِه في باطنِه وَسِرِّهِ في قولِه: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)} [النساء: آية 65] وَبَيَّنَ اللَّهُ (جلَّ وعلا) في آياتٍ كثيرةٍ من كتابِه أن الْحُكْمَ له وحدَه لاَ شريكَ له في حُكْمِهِ، وكلما ذَكَرَ اختصاصَه بالحكمِ أَوْضَحَ العلاماتِ التي يُعَرِّفُ بها بَيْنَ مَنْ يستحقُّ أن يحكمَ ويأمرَ وَيَنْهَى وَيُشَرِّعَ ويحللَ ويحرمَ، وَبَيْنَ مَنْ ليس له شيءٌ من ذلك، قال تعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ} [يوسف: آية 40] {لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ} [القصص: آية 70]
    لا يتعصب الا غبي او عصبي او حزبي

  8. #8

    افتراضي رد: الى كل من نصح نفسه.

    وَسَنُبَيِّنُ لكم أمثلةً من ذلك، من ذلك قولُه في سورةِ الشورى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} [الشورى: آية 10] ثم إِنَّ اللَّهَ كأنه قال: هذا الذي يكونُ المرجعُ إليه،والقولُ قولُه، والكلمةُ كلمتُه، حتى يُرَدَّ إليه كُلُّ شَيْءٍ، اخْتُلِفَ فيه ما صفاتُه التي يَتَمَيَّزُ بها عن غيرِه؟ قال: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ}
    ثم بَيَّنَ صفاتِ مَنْ يستحقُّ الحكمَ والتشريعَ والتحليلَ والتحريمَ والأمرَ والنهيَ فقال: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (10) فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ (11) لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (12)} [الشورى: الآيات 10 - 12] هذه صفاتُ مَنْ له أن يحكمَ ويحللَ ويحرمَ ويأمرَ وينهى، أَفَتَرَوْنَ أيها الإخوانُ أن واحدًا من هؤلاءِ القردةِ الخنازيرِ الكلابِ أبناءِ الكلابِ الذين يضعونَ القوانينَ الوضعيةَ فيهم واحدٌ يستحقُّ هذه الصفاتِ التي هي صفاتُ مَنْ له أن يحكمَ ويحللَ ويحرمَ ويأمرَ وينهى؟!! ومن الآياتِ الدالةِ على هذا النوعِ قولُه تعالى في سورةِ القصصِ: {وَهُوَ اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (70)}.
    لا يتعصب الا غبي او عصبي او حزبي

  9. #9

    افتراضي رد: الى كل من نصح نفسه.

    ثم بَيَّنَ صفاتِ مَنْ له أن يحكمَ فقال: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلاَ تَسْمَعُونَ (71) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ (72) وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (73)} [القصص: الآيات 70 - 73] هل في الكفَرَةِ القردةِ الخنازيرِ الكلابِ أبناءِ الكلابِ الذين يضعونَ النظمَ ويزعمونَ أنهم يرتبونَ بها علاقاتِ الإنسانِ ويضبطونَ بها شؤونَه هل في هؤلاء من يستحقُّ أن يوصفَ بهذه الصفاتِ التي هي صفاتُ مَنْ له أن يحكمَ ويأمرَ وينهى ويحللَ ويحرمَ؟! ومن ذلك قولُه تعالى في أخرياتِ القصصِ: {وَلاَ تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لاَ إِلَهَ (1) [إِلاَّ هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}] [القصص: آية 88].
    [6/أ] / والآياتُ القرآنيةُ في مثلِ هذا كثيرةٌ جِدًّا. والحاصلُ أن التشريعَ لا يكونُ إلا للأعلى الذي لا يمكنُ أن يكونَ فوقَه آمِرٌ ولاَ نَاهٍ ولا مُتَصَرِّفٌ، فهو للسلطةِ العليا، أما المخلوقُ الجاهلُ الكافرُ المسكينُ فليس له أن يُحللَ ويحرِّمَ، والعجبُ كُلُّ العجبِ مِنْ قومٍ كان عندهم كتابُ اللَّهِ وَرِثُوا الإسلامَ عن آبائِهم، وعندَهم هذا القرآنُ العظيمُ، والنورُ المبينُ، وَسُنَّةُ خيرِ الخلقِ صلى الله عليه وسلم، يُبَيِّنُ اللَّهُ ورسولُه كُلَّ شيءٍ، ومع ذلك يعرضونَ عن هذا زاعمينَ أنه لا يَحْسُنُ القيامُ بشؤونِ الدنيا بعدَ تطوراتِها الراهنةِ، يطلبونَ الصوابَ في زبالاتِ أذهانِ كفرةٍ خنازيرَ، لاَ يعلمونَ شيئًا!! هذا مِنْ طمسِ البصائرِ - والعياذُ بالله - لا يُصَدِّقُ به إلا مَنْ رآه، ولكن الخفافيشَ يعميها نورُ القرآنِ العظيمِ، فالقرآنُ العظيمُ نورٌ عظيمٌ، والخفاشُ لا يكادُ أن يرى النورَ:
    خَفَافِيشُ أَعْمَاهَا النَّهَارُ بِضَوْئِهِ ... فَوَافَقَهَا قِطْعٌ مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمُ (2)
    لا يتعصب الا غبي او عصبي او حزبي

  10. #10

    افتراضي رد: الى كل من نصح نفسه.

    هذا القرآنُ العظيمُ ينصرفونَ عنه، وترى الواحدَ الذي هو مسؤولٌ عنهم يُعْلِنُ في غيرِ حياءٍ من اللَّهِ ولا حياءٍ من الناسِ بوجهٍ لا ماءَ فيه، بكلِّ وقاحةٍ أنه يُحَكِّمُ في نفسِه وفي الناسِ الذين هم رعيتُه الذين هو مسؤولٌ عنهم يحكمُ في أديانِهم، وفي أنفسِهم، وفي عقولِهم، وفي أنسابِهم، وفي أموالِهم، وفي أعراضِهم، قانونًا أَرْضِيًّا
    وضعَه خنازيرُ كفرةٌ جهلةٌ أنتنُ من الكلابِ والخنازيرِ، وأجهلُ خلقِ اللَّهِ، مُعْرِضًا عن نورِ السماءِ الذي وَضَعَهُ اللَّهُ (جلَّ وعلا) على لسانِ خَلْقِهِ، فهذا مِنْ طَمْسِ البصائرِ لاَ يُصَدِّقُ به إلا مَنْ رَآهُ - والعياذُ بالله - اللَّهُمَّ لا تَطْمِسْ بصائرَنا ولا تُزِغْ قُلُوبَنَا بعدَ إِذْ هَدَيْتَنَا.
    وَاعْلَمُوا - أيها الإخوانُ - أن كُلَّ مَنْ يَتَعَالَمُ أمامَ الخالقِ (جلَّ وعلا) بلا حياءٍ في وَجْهِهِ أنه يُعْرِضُ عمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ على محمدٍ صلى الله عليه وسلم مُدَّعِيًا أنه لا يَقْدِرُ أن يقومَ بتنظيمِ علاقاتِ الدنيا يطلبُ النورَ وَالْهُدَى في زبالاتِ أذهانِ خنازيرَ كفرةٍ فجرةٍ جهلةٍ في غايةِ الجهلِ أنه هو وفرعونُ وهامانُ وقارونُ في الكفرِ سواءٌ، لأنه لا يُعْرِضُ عن اللَّهِ، وعن تشريعِ اللَّهِ، ويفضِّل عليه تشريعَ الشيطانِ، ونظامَ إبليسَ الذي شَرَعَهُ على ألسنةِ أوليائِه إلا مَنْ لاَ نصيبَ له في الإيمانِ بوجهٍ مِنَ الوجوهِ، كما رأيتُم الآياتِ الكثيرةَ الدالةَ على ذلك، وَتَعْجِيبُ اللَّهِ نَبِيَّهُ مِنَ ادِّعَاءِ مِثْلِهِ الإيمانَ. فعلى المسلمينَ جميعًا أن يعلموا ويعتقدوا- ونحن نقولُ: لاَ شَكَّ يجبُ على كُلِّ مسلمٍ كَائِنًا مَنْ كان أن يعلمَ- أنه لاَ حلالَ إلا ما أَحَلَّهُ اللَّهُ، ولا حرامَ إلا ما حَرَّمَهُ اللَّهُ، ولا دينَ إلا ما شَرَّعَهُ اللَّهُ، فَمَنْ سِوَى اللَّهِ لاَ تحليلَ له ولا تحريمَ؛ لأنه عَبْدٌ مسكينٌ ضعيفٌ مربوبٌ، عليه أن يعملَ بما يَأْمُرُ بِهِ رَبُّهُ، فيتبعُ ما يُشَرِّعُهُ رَبُّهُ.
    لا يتعصب الا غبي او عصبي او حزبي

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •