استحب بعض الفقهاء أن الإمام إذا سمع أقدام الداخلين إلى المسجد أن ينتظرهم؛ واستدلوا على ذلك بحديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُومُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ حَتَّى لَا يُسْمَعَ وَقْعُ قَدَمٍ([1]).
وهو حديث ضعيف.
واستدلوا على ذلك أيضًا بحديث سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ رضي الله عنه، أَنَّهُ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ ذَاتِ الرِّقَاعِ صَلَاةَ الْخَوْفِ، فَصَفَّتْ طَائِفَةٌ مَعَهُ وَطَائِفَةٌ وِجَاهَ الْعَدُوِّ، فَصَلَّى بِالَّذِينَ مَعَهُ رَكْعَةً، ثُمَّ ثَبَتَ قَائِمًا، وَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ انْصَرَفُوا فَصَفُّوا وِجَاهَ الْعَدُوِّ، وَجَاءَتِ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى فَصَلَّى بِهِمُ الرَّكْعَةَ الَّتِي بَقِيَتْ، ثُمَّ ثَبَتَ جَالِسًا، وَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ سَلَّمَ بِهِمْ([2]).
قال ابن قدامة رحمه الله: ((ولأنه انتظار ليدرك المأموم على وجه لا يشق، فلم يُكْره؛ كالانتظار في صلاة الخوف([3])))اهـ.
قلت: وللشيخ ابن عثيمين رحمه الله هنا تفصيل حسن؛ حيث قال رحمه الله:
والانتظارُ يشمَلُ ثلاثةَ أشياء:
1 - انتظارٌ قبل الدُّخولِ في الصَّلاةِ.
2 - انتظار في الرُّكوعِ، ولا سيَّما في آخر ركعة.
3 - انتظار فيما لا تُدرك فيه الركعة، مثل: السُّجود.
أما الأول: وهو انتظارُ الدَّاخلِ قبل الشروعِ في الصَّلاةِ، فهذا ليس بسُنَّة، بل السُّنّةُ تقديمُ الصَّلاةِ التي يُسَنُّ تقديمُها، وأما ما يُسَنُّ تأخيرُه مِن الصَّلوات وهي العشاء؛ فهنا يُراعي الدَّاخلين؛ لأنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم كان في صلاةِ العشاءِ، إذا رآهم اجتمعوا عَجَّلَ، وإذا رآهم أبطأوا أخَّرَ، لأنَّ الصَّلاةَ هنا لا يُسنُّ تقديمُها، ولذلك كان الرَّسولُ عليه الصلاة والسَّلام يستحبُّ يُؤخِّرَ من العشاءِ، ولكنهم إذا اجتمعوا لا يُحِبُّ أن يُؤخِّرَ مِن أجلِ أنْ لا يَشُقَّ عليهم، أما غيرُها مِن الصَّلوات فلا يؤخِّرُها ولا ينتظر، بل يُصلِّي الصَّلاة في أولِ وقتِها.
الثاني: انتظاره في الرُّكوع، مثل: أن يكون الإِمامُ راكعًا، فأحسَّ بداخلٍ في المسجدِ، فلينتظرْ قليلًا حتى يُدركَ هذا الدَّاخلُ الرَّكعةَ، فهنا يكون للقولِ باستحبابِ الانتظارِ وَجْهٌ، ولا سيما إذا كانت الرَّكعةُ هي الأخيرةُ، مِن أجل أنْ يدركَ الجماعةَ؛ لكن؛ بشرطِ أن لا يَشُقَّ على المأمومين، مثل: لو سَمِعَ إنسانًا ثقيلَ المشيِ لكِبَرٍ؛ وبابُ المسجدِ بعيدٌ عن الصَّفِّ، فهذا يستغرقُ بِضْعَ دقائق في الوصول إلى الصَّفِّ، فهنا لا ينتظرُه؛ لأنه يَشُقُّ على المأمومين، ولكن الانتظار اليسير لا بأس به.
الثالث: انتظار الدَّاخلِ في رُكنٍ غيرِ الرُّكوعِ، أي: في رُكنٍ لا يُدرِكُ فيه الرَّكعةَ ولا يُحسبُ له، فهذا نوعان:
النوع الأول: ما تحصُلُ به فائدةٌ.
النوع الثاني: ما ليس فيه فائدةٌ، إلا أن يشاركَ الإِمامُ فيما اجتمع معه فيه.
مثال النوع الأول: إذا دخلَ في التشهُّدِ الأخيرِ، فهنا الانتظارُ حَسَنٌ؛ لأنَّ فيه فائدةً، وهي: أنه يدركُ صلاةَ الجماعةِ عند بعضِ أهلِ العِلمِ.
وأيضًا: فيه فائدة - حتى على القولِ بعدمِ إدراكِ الجماعةِ - لأنَّ إدراكَ هذا الجُزءِ خيرٌ مِن عدمِهِ فهو مستفيدٌ.
ومثال النوع الثاني: ما ليس فيه فائدة في إدراكِ الجماعةِ؛ إلا مجرد المتابعة للإِمام، مثل: أن يكون ساجدًا في الرَّكعةِ الثالثة في الرُّباعيةِ فأحسَّ بداخلٍ، فهنا لا يُستحبُّ الانتظار؛ لأنَّ المأمومَ الداخلَ لا يستفيدُ بهذا الانتظارِ شيئًا في إدراكِ الجماعةِ؛ إذ سيدركُ الرَّكعةَ الأخيرةَ([4]).
[1])) أخرجه أحمد (19146)، وأبو داود (802)، وابن ماجه (4249)، وضعفه الألباني في ((الإرواء)) (513)، وكذا ضعفه محققو المسند.
[2])) متفق عليه: أخرجه البخاري (4129)، ومسلم (842).
[3])) ((الكافي)) (1/ 291).
[4])) ((الشرح الممتع)) (4/ 196- 199)، مختصرًا.