صحِّح نسختك من «صحيح مسلم»: خطأ في جميع طبعات «صحيح مسلم»
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعدُ:
فقولي: «جميع طبعات» فيه تجوُّز، إلا أن النادر لا حكم له.
وهذا الموضوع قديم، فقد بحثته منذ أربع سنوات أو تزيد، وكان الدافع له هو أن الأخ حسني حسانين الباحث في مكتب الشيخ سعد الحميد (الألوكة)، من أربع سنوات تقريبًا ذاكرني به، وقد ظهر لهم أثناء عملهم في تحقيق «تلخيص صحيح مسلم» للقرطبي، فلما ذاكرني به طلبت منه أن يسمح لي ببحث المسألة، وأستفيد من عملهم الذي عملوه في تحقيق «التلخيص»- وهو في مراحله النهائية- وأتم بحثي، ويستفيد منه في بحثه، فكان هذا البحث، ولكني تأخرت فيه إلى هذا الوقت، وكان ذلك من الخير، فقد طُبعت طبعة أخيرة على الصواب يأتي التنبيه عليها.
أخرج الإمام مسلم رحمه الله في «كتاب الرضاع» (1455): (حدَّثنا هنَّاد بن السَّرِيِّ: حدَّثنا أبو الأَحْوَص، عن أشعث بن أبي الشعثاء، عن أبيه، عن مسروق قال: قالت عائشة: دخل عليَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وعندي رجلٌ قاعدٌ، فاشتدَّ ذلك عليه، ورأيتُ الغضبَ في وجهه. قالت: فقلت: يا رسولَ الله، إنه أخي من الرَّضاعة! قالت: فقال: «انْظُرْنَ إِخْوَتَكُنَّ من الرَّضاعة؛ فإنما الرَّضاعةُ من المجاعة».
وحدَّثناه محمد بن المُثَنَّى وابن بشار قالا: حدَّثنا محمد بن جعفر، ح وحدَّثنا عُبيد الله بن معاذ: حدَّثنا أبي، قالا جميعًا: حدَّثنا شعبة، ح وحدَّثنا أبو بكر بن أبي شيبة: حدَّثنا وكيع، ح وحدَّثني زُهير بن حرب: حدَّثنا عبد الرحمن بن مهدي، جميعًا عن سفيان، ح وحدَّثنا عبد بن حُميد: حدَّثنا حسين الجُعفي، عن زائدة، كلهم عن أشعث بن أبي الشعثاء، بإسناد أبي الأحوص كمعنى حديثه، غير أنهم قالوا: «من المجاعة».
هكذا في طبعات «صحيح مسلم»، وشروحه، وبعض مخطوطاته التي وقفت عليها: «من المجاعة» في الموضعين، وأحدهما خطأ؛ ليصح كلامه عن الطريق الآخر، إذا لو كان في الموضعين «من المجاعة» لما كان هناك فرق!
والصواب في الموضع الأول: «عن المجاعة»، وفي الموضع الثاني: «من المجاعة»، والتفصيل في الآتي:
ففي هامش «الطبعة التركية- العامرة» (4/ 170): «قوله: «غير أنهم قالوا: «من المجاعة» لم يظهر وجه الاستثناء؛ لعدم ظهور الفرق».
وفي «تلخيص مسلم» للقرطبي المطبوع مع «المفهم» (4/ 190-191) ساق القرطبي حديث أبي الأحوص، وأورده بلفظ: «عن المجاعة»، وقال: وفي رواية: «من» بدل «عن».
وقال في «المفهم»: وقوله : «إنما الرضاعة عن المجاعة»؛ «إنما»: للحصر، فكأنه قال : لا رضاعة معتبرة إلا الْمُغْنِية عن الْمَجَاعة ، أو المطعمة من الْمَجَاعة ، كما قال تعالى : {أطعمهم من جوع} ، فـ«عن» أو «من»- على اختلاف الروايتين- متعلَّق بمحذوف، تقديره ما ذكرناه». وينظر: «فتح الباري» (9/ 148)، و«سبل السلام» (3/ 214)، و«عمدة القاري» (29/ 246).
وفي «فتح الملهم» لمحمد تقي العثماني (1/ 61) قال عن الطريق الثاني: «قوله: «غير أنهم قالوا: «من المجاعة»: قال الأستاذ محمد ذهني في «شرحه» (1/ 660): «لم يظهر وجه الاستثناء لعدم وجود الفرق».
قلت: الفرق يظهر على [ما في] بعض النسخ، وهو أن المصنف أورد هذا الحديث بطريقين، ووقع في الطريق الأول في بعض النسخ: «إنما الرَّضاعة عن المجاعة». فنبَّه في الطريق الثاني أنهم قالوا: «من المجاعة». بدل: «عن المجاعة». والله أعلم».
وفي شرح «صحيح مسلم» المسمى: «الكوكب الوهاج والروض البهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج»، لمحمد الأمين بن عبد الله الأُرمي العلوي الهرري الشافعي (16/ 92-94) ذكرها في المتن: «من» في الموضعين، وقال في شرح الموضع الأول: «الصواب: عن المجاعة» كما في بعض النسخ؛ ليصح كلامه في المتابعة».
وقال عن الموضع الثاني: «من المجاعة»: «قالوا: «من المجاعة» بدل قوله في الطريق الأول: «عن المجاعة» كما في بعض النسخ...».
ثم ذكر مثل ما في «فتح الملهم».
و«شرح محمد ذهني» المقصود به «حواشي الطبعة التركية».
وفي «مشارق الأنوار» (1/ 384): «قوله: «إنما الرضاعة من المجاعة» ويُروى: «عن المجاعة».
وعلى الصواب في مخطوط «صحيح مسلم»، نسخة ابن خير (ورقة 212)، والنسخة المصرية (لقطة 1528)، و«صحيح مسلم» طبعة دار التأصيل (4/ 85) (1477، 1477/ 1)، و«مختصر صحيح مسلم» للنووي، المطبوع عن دار النوادر (ص667-668) (2128، 2129).
وعلى الصواب أيضًا في طبعة أخيرة لدار الجيل (4/ 170) (3596، 3597)، وفيها تعليق مكتب الشيخ سعد الحميد (الألوكة).
ونبه على اختلاف الروايتين أيضًا في «صحيح مسلم» الضياء المقدسي في «السنن والأحكام عن المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام» (5/ 324)، وابن الملقِّن في «الإعلام بفوائد عمدة الأحكام» (9/ 21- 22).
والحديث أخرجه النسائي في (6/ 102)، وفي «الكبرى» (5440) عن هنَّاد، به، بلفظ: بلفظ: «من المجاعة». وقال محقق «المجتبى» في الهامش: «في النظامية: «عن»، بدلًا من: «من».
وأخرجه أبو نعيم في «المستخرج» (3408) من طريق هنَّاد، ومن طريق خلف بن هشام، عن أبي الأحوص، وساق لفظ خلف بلفظ: «من المجاعة». وقال: «لفظ هنَّاد مثله». ومثل هذا لا يعتمد عليه، وكذلك ما عند ابن حزم:
فأخرجه ابن حزم في «المحلى» (10/ 196) من طريق مسلم بالطريقين، وفيهما: «من المجاعة»، ولكنه لم يذكر سياق مسلم بالتفريق بين الروايتين.
وذكره الحميدي في « الجمع بين الصحيحين» (4/ 166-167) بلفظ «من المجاعة» ثم ذكر رواية هنَّاد كذلك «من المجاعة».
وهكذا على الخطأ في طبعات «صحيح مسلم»، وشروحه، ومما وقفت عليه في ذلك:
1) «صحيح مسلم»، الطبعة التركية (4/ 170).
2) «صحيح مسلم»، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي (2/ 1078، 1079).
3) «صحيح مسلم»، دار الجيل بيروت، دار الأفاق الجديدة- بيروت (4/ 170- 171) (3679، 3680). ثم طبعته دار الجيل طبعة جديدة على الخطأ أيضًا (4/ 170) (3596، 3597).
4) «صحيح مسلم»، جهاز الإرشاد والتوجيه الحرس الوطني (ص619).
5) «صحيح مسلم»، رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد (2/ 1078، 1079).
6) «صحيح مسلم»، دار العربية، مصور عن الطبعة التركية.
7) «صحيح مسلم»، دار ابن الهيثم (ص362).
8) «صحيح مسلم»، دار السلام (ص1078- 1079).
9) «صحيح مسلم»، المكنز (ص720-721)، وطبعة اخرى (1/ 601-602) (3679، 3680).
10) «صحيح مسلم»، دار الأفكار الدولية (ص579).
11) «صحيح مسلم»، دار المغني (ص766).
12) «صحيح مسلم»، خرجه وفهرسه صدقي جميل العطار، دار الفكر (ص688) (3496، 3497).
13) «صحيح مسلم»، المكتبة العصرية (ص534).
14) «صحيح مسلم»، دار الثقافة العربية (ص595).
15) «صحيح مسلم»، دار طيبة، عناية نظر الفاريابي (ص665).
16) «صحيح مسلم»، دار ابن حزم (ص396-397).
17) «صحيح مسلم»، تحقيق خليل مأمون شيحا، دار المعرفة (ص662).
18) «صحيح مسلم»، مكتبة عباد الرحمن، مصر (ص 396-397).
19) «صحيح مسلم»، ألفا للنشر والتوزيع (ص396-397)، وهي نفس طبعة مكتبة عباد الرحمن السابقة، مع تغير اسم الناشر.
20) «صحيح مسلم»، دار صادر (2/531) (2623، 2624).
21) «صحيح مسلم»، موسوعة حرف، الإصدار (2.1).
22) «صحيح مسلم»، مؤسسة المختار، مصر (ص595).
23) «صحيح مسلم»، مع «إكمال إكمال المعلم» للأُبي (5/139).
24) «صحيح مسلم» المرفق مع «شرح النووي»، بهامش «إرشاد الشاري» (6/217-218).
25) «شرح النووي على صحيح مسلم»، المكتبة العصرية، تقديم وهبة الزحيلي (10/28).
26) «إكمال المعلم بفوائد مسلم» للقاضي عياض (4/644).
27) «فتح المنعم شرح صحيح مسلم»، لموسى شاهين لاشين (5/620).
28) «صحيح مسلم، بشرح النووي»، دار الفكر (10/33-34).
29) «منة المنعم في شرح صحيح مسلم»، للمباركفوري، دار السلام (2/417) (3606، 3607).
30) «شرح النووي على صحيح مسلم»، المطبعة المصرية بالأزهر (10/33-34).
31) «شرح النووي على صحيح مسلم»، دار الأفكار الدولية (ص910-911).
32) «شرح النووي على صحيح مسلم»، دار الريان (10/33-34).
33) «شرح النووي على صحيح مسلم»، دار ابن حزم (ص1097).
34) «شرح النووي على صحيح مسلم»، دار عالم الكتب (10/36).
35) «شرح النووي على صحيح مسلم»، دار البيان العربي، اعتنى به أبو الفضل الدمياطي (5/239).
36) «شرح النووي على صحيح مسلم»، راجعه واعتنى به عبد السلام محمد علوش، مكتبة الرشد (5/275).
37) «شرح النووي على صحيح مسلم»، مؤسسة قرطبة (10/50-51).
38) «شرح النووي على صحيح مسلم»، دار إحياء التراث الإسلامي، (5/378).
39) «تكملة فتح الملهم بشرح صحيح مسلم»، لمحمد تقي العثماني، مكتبة دار العلوم- كراتشي (1/57-61).
40، 41) «وشي الديباج على صحيح مسلم بن الحجاج»، لعلي بن سليمان البجمعوي، دار أضواء السلف (ص180)، وهو مختصر: الديباج على صحيح مسلم بن الحجاج للسيوطي، تحقيق أبي إسحاق الحويني، دار ابن عفان. ساقط منه 4/62 الباب كله وجزء من الباب الذي قبله، على أن السيوطي لم يذكر نص «صحيح مسلم» في كتابه، وإنما من وضع المحقق.
ومن هذه الطبعات ما هو تصوير لطبعة أخرى، يتضح ذلك من اتفاق العزو، ومن الشروح مما سبق هو نسخة «صحيح مسلم» مع الشرح، والشرح مثل شرح النووي لم يضع في أعلاه نسخة للصحيح، وإنما هي من صنع الطابع، فهو بمثابة طبعة أخرى للصحيح.
والله أعلم..
رد مع اقتباس
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أم علي طويلبة علم
