السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ويعد اخوتي في الله هذا بحث لاحد اخواننا الجزائريين حفظه الله وبارك الله في علمه وجعل ماقدم وماابلى من بلاء حسن في ميزان حسناته يوم لاينفع مال ولابنون الا من اتى الله بقلب سليم اردت ان احييه من جديد ليستفيد به طلبة العلم وهذا الموضوع ان وفق الرحمن هو مفتاح لمواضيع مهمة بعد توجيه اخواننا ومشايخنا الافاظل................ ......
بدا الاخ الفاظل بخطبة الحاجة التي كان السلف رحمهم الله ياتون بها في كل مواضيعهم وهاده هي السنة خلاف ما يقع فيه اليوم كثير من الاخوة الافاظل وحتى بعض الدعاة بصرنا الله واياهم الى الحق ورزقنا اتباعه
قال الاخ والشيخ الفاظل إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم:
وبعد:فقد رأيت الشيخ المحدث أبا الأشبال أحمد محمد شاكر المصري قد تعرض في تحقيقاته الفاضلة وتعليقاته الحافلة على سنن الترمذي إلى مسألة مهمة من مسائل علم الجرح والتعديل طالما غفل عنها المشتغلون ، وتغافل عنها المحققون وهي قوله :
" والذي ظهر لي بالتتبع أن كثيرا من علماء الجرح والتعديل من أهل المشرق كانوا أحيانا يخطئون في أحوال الرواة والعلماء من أهل المغرب …".
ت : والذي ظهر لي أيضا ، أن منشأ الخطأ راجع إلى سببين لا ثالث لهما :
السبب الأول:
زهد أهل المغرب في علمائهم:
بل هم أحق الناس بقول من قال :أزهد الناس في العالم أهله وجيرانه، وقد شكى أهل العلم منهم ذلك:
- قال أبو العرب حافظ القيروان (ت:333)-رحمه الله- " في طبقات علماء القيروان وتونس" ص:155: " وحدثني جبلة بن حمود أخبرنا سحنون قال : كان من يعرف العلم يبقى في صدره لا يسألونه عنه -يعني أهل أفريقية- فيموت به ، مثل عبد الرحمن بن زياد بن أنعم ، بقي العلم في صدره لا ينتشر عنه ولا يعرف…"اهـ.
- وقال ص:54: " وأخبرني جبلة بن حمود الصدفي قال سمعت سحنون بن سعيد يقول : " كان بأفريقية رجال عدول بعضهم بالقيروان وتونس وطرابلس… لو قورنوا بمالك بن دينار لساووه.."اهـ.
- وقال صاحب كتاب مفاخر البربر- لمؤلف مغربي مجهول- ص:222:-نقلا من كتاب الإفتخار بمناقب علماء القيروان الأخيار" سمعت الشيخ الفقيه العالم الراوية المحدث الباحث أبا عبد الله بن عبد الملك-رحمه الله- يقول:" كان بفاس من الفقهاء الأعلام والأجلة أعيان الناس ماليس في غيرها من البلدان ولكن أهلها أهملوا ذكر محاسن علمائهم ، وأغفلوا تخليد مفاخر فقهائهم…"اهـ.
- وقال ابن مريم في مقدمة كتابه "البستان في ذكر الأولياء والعلماء بتلمسان" نقلا عن السنوسي - وهو يعدد فوائد ترجمة علماء بلده المغمورين-:" الرابع : أن فيه تخلصا مما عليه أهل الزمن من القدح بمن عاصرهم، وهذا خلق ذميم جدا وقد نال منه أهل المغرب خصوصا أهل بلدنا حظا أوفر مما نال غيرهم ولهذا لا يجد أكثرنا اعتناء بمشايخنا ولا يحسن الأدب معهم بل يستحي كثير منا أن ينتسب بالتلمذة لهم ، رغم أن جل انتفاعه به فيعدل عن الانتساب إليهم إلى من هو مشهور عند الظلمة وربما نسب بعض من لا خلاق له العداوة والسب والأذية لمن سبقت له شيخوخته عليه ولا يبالي وذلك مذموم جدا…-إلى أن قال:- ويرحم الله المشارقة ما أكثر اعتناءهم بمشايخهم…"اهـ.
- ت: وهذا مادفع الإمام ابن حزم الأندلسي من التذمر من المغرب وأهله فقال:
أنا الشمس في جو العلوم منيرة --- ولكن عيبي أن مطلعي الغرب.
ولو أنني في جانب الشرق طالع --- لجد على ما ضاع من ذكري النهب.
وهو القائل في رسالته في المفاضلة بين علماء الأندلس وغيرهم :" أما جهتنا فالحكم في ذلك ما جرى به المثل السائر :أزهد الناس في العلم أهله . وقد قرأت في الإنجيل أن عيسى عليه السلام قال: لا يفقد النبي حرمته إلا في بلده . وقد تيقنا ذلك بما لقي النبي صلى الله عليه وسلم من قريش ، وهم أوفر الناس أحلاما وأصحهم عقولا… ولا سيما أندلسنا فإنها خصت من حسد أهلها العلم الظاهر فيهم الماهر منهم واستقلالهم كثير ما يأتي به، واستهجانهم ما يأتي من حسناته ، وتتبعهم سقطاته وعثراته ، وأكثر ذلك مدة حياته بأضعاف ما في سائر البلدان ، إذا أجاد قالوا سارق مغير ، وإن انتحل قذع وإن توسط قالوا : غث بارد وضعيف ساقط،وإن باكر الحيازة لقصب السبق ، قالوا : متى كان هذا ومتى تعلم؟ وفي أي زمن قرأ ولأمه الهبل . وبعد ذلك إن ولجت به الأقدار أحد طريقين إما شفوفا دائما يعليه على نظرائه ، أو سلوكا في غير السبيل التي عهدوها فهنالك حمي الوطيس على اليائس وصار غرضا للأقوال وهدفا للمطالب ، وعرضا للتطرق إلى عرضه، وربما نحل ما لم يقل، وطوق ما لم يتقلد ، وألحق بما لم يفه به، ولا اعتقده قلبه، فإن لم يتعلق بالسلطان بحظ لا يسلم من المتالف ولا ينجو من المخالف فإن تعرض لتأليف غمز ولمز، وتعرض وهمز وسترت فضائله وهتف ونودي بما أغفل فتسكن لذلك همته ، وتكل نفسه وتبرد حميته …الخ كلامه (أنظره في رسائل ابن حزم الأندلسي تحقيق إحسان عباس).
ت: وكأني بأهل مصر قد هبت عليهم ريح مغربية، حين قال الشافعي عن الليث بن سعد المصري :" الليث أفقه من مالك لولا أن قومه ضيعوه ".
السبب الثاني:
جهل أهل المشرق بعلماء المغرب(*):
وهو ظاهر لمن تتبع عبارات الحفاظ كالدارقطني وابن حبان وأبو حاتم وغيرهم …فإنهم درجوا على إطلا ق وصف الجهالة على الرواة المغاربة ، ووصف النكارة على مروياتهم.
جاء في ترجمة عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الأفريقي في التهذيب للمزي :" أما الأفريقي فإن أحاديثه التي تنكر عن شيوخ لا نعرفهم وعن أهل بلده فيحتمل أن يكون منهم ويحتمل أن لا يكون… ويروى عن يحيى القطان أنه قال : الأفريقي ثقة ورجاله لا نعرفهم فقال لي أبو زرعة حديثه عن هؤلاء لاندري ، ولكن … ".
ت: وقد أطلق بعضهم هذا الوصف في المشاهير منهم :
قال ابن حجر في ترجمة عبد الله بن عمر بن غانم قاضي أفريقية من التهذيب له، بعد أن اورد كلام ابن حبان فيه - وكان قد أفحش القول فيه- :" ابن حبان ما عرف هذا الرجل لأنه جليل القدر ثقة لاريب فيه .."اهـ.
وفي ترجمة محمد بن عبد السلام بن سعيد التنوخي ، من اللسان - بعد أن أورد له حديثا من رواية يحيى بن خشيش القيرواني عنه هن أبيه عن مالك … قال الدارقطني .لا يثبت ورواته مجهولون !!!.
قال ابن حجر: " ثم ظهر لي أن محمد بن عبد السلام ثقة معروف، وهو ابن سحنون فإن اسم سحنون عبد السلام بن سعيد وسحنون لقبه كما تقدم في ترجمته وابنه محمد من كبار العلماء بالمغرب"اهـ.
هذا وبعد الوقوف على كلام الشيخ شاكر -رحمه الله- عزمت على تتبع مواطن تراجم الرواة المغاربة من كتب التاريخ والرجال والعلل وتحقيق أحوالهم - بما تيسر-، فاجتمع لي من ذلك جملة نافعة - إن شاء- تصلح أن تنشر في بحوث متتابعة ، ولا يفوتني الإلماع إلى أن من بين الذين نبهوا على كثير من التراجم المغربية الحافظ مغلطاي الحنفي في استدراكاته على الإمام المزي في كتابه "إكمال تهذيب الكمال" ، فإنه قد استفاد كثيرا من كتب حافظ القيروان أبي العرب القيرواني التي لم يطلع عليها المشارقة ، وتبعه على ذلك ابن حجر فإنه صرح في مقدمة تهذيب التهذيب أنه اعتمد على كتاب مغلطاي في العاجل قبل أن يكشف الأصول في الآجل،واعتمد على غيرها من كتب الأندلسيين وعليها بنى أكثر استدراكاته على الذهبي في اللسان فيما يتعلق بتراجم الرواة المغاربة.
ولكنهم مع ذلك ند عنهم ما أجمع بعضه هنا ، والآن لنشرع في المقصود بعون الملك المعبود ، فأقول :
1)- الحافظ أبو العرب القيرواني هو محمد بن أحمد التميمي (ت:333) ترجم له من المشارقة الذهبي في السير وتذكرة الحفاظ وأثنى عليه وعلى حفظه وترجم له من المغاربة عياض في المدارك والخشني في طبقاته وكذا صاحب معالم الإيمان له كتاب طبقات علماء أفريقية وتونس (مطبوع باختصار الطلمنكي) وثقات المحدثين وضعفائهم ( وهو مفقود) وغيرها ،ونقل منها مغلطاي وابن حجر- كما سبق- وهذا الأخير يصفه دائما بأبي العرب الصقلي.!!! حافظ القيروان ، (كذا) ولم أجد أحدا ممن ترجم له نسبه إلى صقلية ولا حتى مغلطاي الذي من كتبه ينقل الحافظ كما نص في ةمقدمة تهذيب التهذيب، والمشهور أنه قيرواني وقد يقال نسبة إليها: قروي ، بها ولد وأخذ العلم عن شيوخها وبها توفي ولم يثبت أنه نزل صقلية بله ينسب إليها ، فمن أين للحافظ بهذه النسبة… ؟؟؟. وأبو العرب الصقلي هذا لعله هو شاعر بلاط المعتمد بن عباد الأندلسي له ترجمة في وفيات ابن خلكان وقد نقل المقري شيئا من شعره في نفح الطيب ، وهو متأخر عن زمان القيرواني ولم يرد أنه كان له اشتغال بالحديث ولا قيروانيا فضلا عن كونه حافظ القيروان!!
وهذا ما يؤكد أن الحافظ ما وقف على كتب الحافظ أبي العرب ، وأن جل نقوله عن مغلطاي ، أما قوله في المقدمة إنه اعتمد على كتاب مغلطاي في العاجل قبل أن يكشف الأصول في الآجل ، فلم يف به ، أما نسبة القيرواني إلى صقلية فهو شيء عجيب ..!!!.
2) - جاء في تهذيب التهذيب في ترجمة أبي غطيف الهذلي الذي روى عنه الأفريقي حديث( من توضأ على طهر كتب الله له عشر حسنات):" قال ابن أبي حاتم عن أبي زرعة : لا يعرف اسمه"اهـ.
ت : وهو في طبقات أبي العرب(ص:91). قال"وأبو غطيف من أهل أفريقية واسمه بشر ، وقد تزوج أبو غطيف بنت بكر بن سوادة الجذامي"اهـ. وهذا يرد على من عده في جملة المجاهيل الجهالة العينية، كما هو مفهوم من ترجمة عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الأفريقي.
(يتبع إن شاء الله…).