الجار والمجرور في موقع النُّور
تقوم اللغة على الاحتياج المعنوي والأهمية المعنوية ، والإنسان يتحدث بمستويات متعددة وبلغات متعددة تحت رعاية الاحتياج المعنوي غالبا واللفظي نادرا مع علامات أمن اللبس ليكون بعيدا عن اللبس والتناقض وهو غاية كل لغة من لغات العالم كما هو الحال في قول الشاعر أبي العتاهية:
أما والله إن الظلم لؤم//وما زال اللئيم هو الظلومُ
إلى ديَّان يوم الدِّين نمضي//وعند الله تجتمع الخصومُ
وفي البيت الثاني عدة أمور منها:
الأول:تتكون الجملة العربية من مواقع ثلاث هي :موقع النُّور وموقع الظل وموقع الظلام ،وتتوزع فيها مكونات الجملة العربية في الأصل وفي العدول عن الأصل ، والأصل في بيت أبي العتاهية الثاني هو:نمضي إلى ديَّان يوم الدين/وتجتمع الخصوم عند الله ،وهو كلام يترتب من الخاص إلى العام ومن الأهم إلى الأقل أهمية ،إلا أنه حصل عدول عن الأصل ليترتب البيت من العام إلى الخاص ،ومن الأهم إلى الأقل أهمية كذلك،حيث تقدم الجار والمجرور من موقع الظلام إلى موقع النور مما أدى إلى تسليط الأضواء عليه ليرشح بمعنى المعنى وهو التخصيص ،فالمضيُّ إلى ديَّان يوم الدين لا إلى أحد سواه ، وعند الله تجتمع الخصوم وليس عندغيره ،قال تعالى:"*إلى ربك يومئذ المساق ،فالمساق إلى الله وحده وليس إلى أحد سواه.
الثاني: نلاحظ أن تقديم حرف الجر "إلى" أدَّى إلى تقديم ما يرتبط به معنويا وهو المجرور ،ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل تقدم ما يرتبط به معنويا وهو المضاف إليه ،وتقدم المضاف وكذلك المضاف إليه،فتقدمت شبه الجملة دفعة واحدة مما يدل على قوة العلاقة المعنوية بين أجزائها ،ومما يعني أن الكلام يترتب بحسب الأهمية المعنوية في الأصل وفي العدول عن الأصل.
الثالث:تم تقديم العام على الخاص من أجل الهدف المعنوي وهو التخصيص ومن أجل الهدف اللفظي وهو رعاية القافية،فالمتكل م يتكلم تحت رعاية الأهمية المعنوية والأهمية اللفظية .
الرابع :تم نصب الظرف "عند"لأن المتكلم يريد أن يجعله ظرفا للفعل القادم الذي ما زال في الذاكرة ،ويربط بينهما برابط الاحتياج المعنوي ،ويدلل على هذه العلاقة بواسطة علامة أمن اللبس ،أو علامة الإعراب ،فهناك علاقة احتياج معنوي بين أجزاء التركيب سواء أتقدم الكلام أم تأخر ، مما يعني أن المتكلم يتكلم تحت رعاية الاحتياج المعنوي وعلامات أمن اللبس ،في الأصل وفي العدول عن الأصل.
وبهذا يتضح أن اللغة تقوم على الاحتياج المعنوي والأهمية المعنوية ،وأن الإنسان يتحدث تحت رعاية الاحتياج المعنوي غابا واللفظي نادرا مع علامات أمن اللبس في الأصل وفي العدول عن الأصل.