الحمد لله رب العالمين
هذا البحث يتطرق إلى بيان حكم الإسبال خيلاء, و حكم الإسبال أو الزيادة على ما أسفل الكعبين لغير خيلاء.


تعريف الإسبال:
قال الصنعاني في استيفاء الأقوال في تحريم الإسبال على الرجال:قال في النهاية:المسبل إزاره: هو الذي يطول ثوبه و يرسله إلى الأرض إذا مشى, و إنما يفعل ذلك كبرا واختيالا.انتهى.
قال ابن حزم في الإعراب: هو جر ذيل الثوب,
و قال المنذري في الترغيب و الترهيب:هو الذي يطوّل ثوبه و يرسله إلى الأرض, كأنه يفعل ذلك تجبرا واختيالا,
الإسبال لخيلاء:
الإسبال لخيلاء منهي عنه, و في كل ثوب لما روى البخاري عن ابن عمر أنّ رسول الله صلى الله عليه و سلم قال:" لا ينظر الله إلى من جرّ ثوبه خيلاء "1.
و عنه أيضا: "من جرّ ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة"2.
و عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال:"لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جرّ إزاره بطرا"3.
و عن ابن عمر قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:"من جرّ ثوبه مخيلة لم ينظر الله إليه يوم القيامة", و في الحديث أنّ شعبة قال لمحارب: أذكر إزاره؟ قال : ما خصّ إزارا و لا قميصا"4.
الإسبال و الزيادة على ما أسفل الكعبين لغير الخيلاء:
إن الإسبال و الزيادة على ما أسفل الكعبين المنهي عنهما لغير الخيلاء جاء في الإزار فقط و هذا هو البيان:
روى مسلم عن ابن عمر قال: مررت برسول الله صلى الله عليه و سلم, و في إزاري استرخاء, فقال"يا عبد الله, ارفع إزارك, فرفعته, ثم قال:"زد", فزدت, فما زلت أتحرّاها بعد, فقال بعض القوم, إلى أين؟ فقال أنصاف الساقين"5.
الذي يظهر من الحديث أن ما تحت أنصاف الساقين منهي عنه, لأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم برفع الإزار إلى أنصاف الساقين.
إلا أنه ثبتت أحاديث أخر أن الرفع إلى أنصاف الساقين هو للاستحباب, لحديث حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم "موضع الإزار إلى أنصاف الساقين و العضلة, فإن أبيت فأسفل, فإن أبيت فمن وراء الساقين, و لا حق للكعبين في الإزار"6.
و لحديث جابر بن سليم و فيه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال:"و ارفع إزارك إلى نصف الساقين, فإن أبيت فإلى الكعبين, و إيّاك و إسبال الإزار فإنها من المخيلة, و إن الله عز و جل لا يحب المخيلة"7.
و حديث العلاء بن عبد الرحمان عن أبيه قال: قلت لأبي سعيد , هل سمعت من رسول الله صلى الله عليه و سلم شيئا في الإزار؟ قال:نعم, سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول"إزرة المؤمن إلى أنصاف ساقيه , لا جناح عليه ما بينه و بين الكعبين, و ما أسفل الكعبين في النار" يقول ثلاثا:"لا ينظر الله إلى من جرّ إزاره بطرا"8.

في هذه الأحاديث بيان أن الزيادة على ما فوق الكعبين للاستحباب و ليس للوجوب, أمّا ما كان أسفل الكعبين من الإزار فمنهيّ عنه لما تقدّم, و لما روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال:"ما أسفل الكعبين من الإزار ففي النار"9, و عنه أيضا: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم"ما تحت الكعبين من الإزار ففي النار"10.
في هذه الأحاديث أحكام:
أن ما أسفل الكعبين من الإزار في النار للنهي الصريح الذي تضمنته هذه الأحاديث, و التي لم تخصّ فعل ذلك لخيلاء من غيرها.

فإن اعترض معترض بأنّ حديث أبي سعيد الذي فيه قوله صلى الله عليه و سلم "لا ينظر الله إلى من جرّ إزاره بطرا" يقيد النهي المطلق بما كان للمخيلة و البطر, قيل له: و ما هو البرهان على أن النبي صلى الله عليه و سلم أراد بهذا القول أن يقيد النهي المطلق, فقوله صلى الله عليه و سلم : "لا ينظر الله إلى من جرّ إزاره بطرا" لا يعارض قوله صلى الله عليه و سلم:"ما أسفل الكعبين من الإزار ففي النار", و لا يعارض قوله صلى الله عليه و سلم:"و لا حق للكعبين في الإزار".
و لا نقول كما يقول البعض أن المطلق لا يحمل على المقيد لأن الحكم مختلف, يريدون أن الحكم الأول هو لا ينظر الله إليه يوم القيامة, و الحكم الثاني: هو ما كان أسفل الكعبين ففي النار".
بل حتى لو كان لنا قولان أحدهما:"لا ينظر الله إلى من جر إزاره بطرا", و آخر:"ما أسفل الكعبين من الإزار لا ينظر الله إليه يوم القيامة", لم يصحّ حمل المطلق على المقيد, لأن القولان لا يتعارضان, و لا يستحيل العمل بهما.


و كان يلزم على هؤلاء حمل المطلق على المقيد عملا بأصولهم, لأنه في الحقيقة الحكم واحد, و هذا الحكم هو حرمة الإسبال, أما ما ذكروه فهو الجزاء و ليس الحكم, أترى كل الأشياء المنهي عنها التي حمّل فيها المطلق على المقيد جزاؤها واحد؟
- حديث جابر بن سليم فيه بيان أن إسبال الإزار من المخيلة.
فإن اعترض أحدهم على هذين الحكمين بحديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه و سلم قال:"من جرّ ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة, قال أبو بكر: يا رسول الله : إنّ أحد شقي إزاري يسترخي إلّا أن أتعاهد ذلك منه, فقال النبي صلى الله عليه و سلم : لست ممن يصنعه خيلاء"11.

فقال المعترض:بأن الأحاديث التي فيها النهي المطلق لخيلاء و لغير خيلاء عن إسبال الإزار يعارض قول النبي صلى الله عليه و سلم"لست ممن يصنعه خيلاء",أي رضي النبي صلى الله عليه و سلم عن أبي بكر مادام لم يصنعه خيلاء,
فيرد على هذا المعترض:بأن استرخاء الإزار لم يفعله أبو بكر خيلاء, أمّا أنّ أبا بكر لم ينكر عليه النبي صلى الله عليه و سلم, فنعم, فالنهي لمن قصد الإسبال, أمّا من لم يقصد ذلك فكان يسترخي و مع هذا يتعاهد منه, فلا يدخل في النهي.
- أن الأحاديث المتقدمة لم تتعرض لمسبل أو لمن زاد على ما أسفل الكعبين من غير الإزار لغير مخيلة,
فإن اعترض أحدهم واحتجّ بحديث أبي سعيد و فيه "ما أسفل الكعبين في النار"على النهي عن كل ما كان أسفل الكعبين و لا يختصّ ذلك بالإزار, فيقال له , أن النبي صلى الله عليه و سلم كان في حال بيان إزرة المؤمن
أمّا حديث أبي هريرة قال: بينما رجل يصلي مسبلا إزاره, فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم "اذهب فتوضأ, فذهب فتوضأ, ثم جاء فقال"اذهب فتوضأ" فقال له رجل يا رسول الله, مالك أمرته أن يتوضأ ثمّ سكتّ عنه, قال"إنّه كان يصلي و هو مسبل إزاره, و إنّ الله تعالى لا يقبل صلاة رجل مسبل"12.

و هذا الحديث لا يمكن الاحتجاج به على حرمة استرخاء الثياب غير الإزار إلى تحت الكعبين لوجوه:
أن الحديث ليس فيه إلا عدم قبول الله عز و جل صلاة مسبل, كما لم يقبل من صلى بغير الفاتحة,
ثمّ إن الحديث ليس فيه إلا عدم قبول صلاة رجل مسبل, و الاسبال هو جر ذيل الثوب, أما ما عدا ذلك فلا يسمّى إسبالا,
ثمّ إن الحديث من طريق أبي جعفر المدني
و لو صحت روايته لوجب الأخذ بالزيادة التي رواها أبو داود في سننه"و إنّ الله جلّ ذكره لا يقبل صلاة رجل مسبل إزاره"13.

أمّا حديث أبي ذر عن النبي صلى الله عليه و سلم أنّه قال "ثلاثة لا يكلمهم الله و لا ينظر إليهم يوم القيامة و لا يزكيهم و لهم عذاب أليم" قلت من هم يا رسول الله, فقد خابوا و خسروا, فأعادها ثلاثا, قلت: من هم يا رسول الله, خابوا و خسروا, قال:"المسبل و المنّان و المنفق سلعته بالحلف الكاذب أو الفاجر"14.

فيجب الأخذ بالزيادة التي رواها النسائي و مسلم و فيها" و المسبل إزاره "15.

أمّا ما جاء عن المغيرة بن شعبة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:"يا سفيان بن سهل لا تسبل فإن الله لا يحب المسبلين"16.

فهذا الحديث من طريق شريك بن عبد الله الذي رمي بسوء الحفظ, و رواه أحمد في مسنده, وابن حبان في صحيحه بلفظ"يا سفيان, لا تسبل إزارك فإن الله لا يحب المسبلين"17,

فلو صحت طريق شريك لوجب الأخذ باللفظة الزائدة و هي لفظة "إزارك" لاتحاد مخرج الحديث.
إلاّ أن قوله صلّى الله عليه و سلّم "فإن الله لا يحب المسبلين" هو عام لكل مسبل, فلو صح الحديث لخصّص بحديث ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلّم"الإسبال في الإزار و القميص و العمامة, من جرّ منها شيئا خيلاء لا ينظر الله إليه يوم القيامة"18.

و هو من طريق عبد العزيز بن أبي الروّاد, قال المنذري في الترغيب و الترهيب:و الجمهور على توثيقه.
إلا أن حديث شريك لا يصحّ,
و الحمد لله رب العالمين.
----------------

1- صحيح البخاري (5783), صحيح مسلم(2085), جامع الترمذي(1730).
2- صحيح البخاري(5784), سنن النسائي-المجتبى-(5345).
3- صحيح البخاري(5788), صحيح مسلم(2087).
4- صحيح البخاري(5791).
5 - صحيح مسلم(2086).
6- سنن النسائي-المجتبى-(5339),سنن ابن ماجة(3572), جامع الترمذي(1784).

7- سنن أبي داود(4084).

8- سنن ابن ماجة(3573), موطأ مالك(كتاب اللباس,باب ما جاء في إسبال الرجل ثوبه).

9- صحيح البخاري(5787), سنن النسائي-المجتبى-(5341).
10-النسائي-المجتبى-(5340).
11- صحيح البخاري(5784), سنن النسائي-المجتبى-(5345).

12- سنن أبي داود(4086).

13- سنن أبي داود(638).

14- سنن أبي داود(4087).

15- سنن النسائي-المجتبى-(5343), صحيح مسلم(106).

16- سنن ابن ماجة(3574).

17- مسند أحمد(18402),الاحسان في تقريب صحيح ابن حبان(5442).
18-النسائي-المجتبى-(5344),سنن ابن ماجة(3576),سنن أبي داود(4094).

الموضوع الأصلي: http://www.feqhweb.com/vb/t14068.html#ixzz3G6QDeZWY