وقال الشيخ: سليمان بن سحمان، رحمه الله تعالى:
الحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. أما بعد: فقد اشتملت هذه المنظومة، على ستة مشاهد، ذكرها العلامة ابن القيم، رحمه الله، في إغاثة اللهفان، في علامة صحة القلب; وختمت ما ذكره الشيخ بذكر ما عليه أهل السنة والجماعة من الاعتقاد، وهذا نصها:
بحمد الله نبدأ في المقال * وذكر الله في كل الفعال
فذكر الله يجلو كل هم * عن القلب السليم على التوال
فللقلب السليم إذا تزكى *علامات هنالك للكمال
علامات لصحة كل قلب * سليم عن مداخلة الضلال
علامات ذكرن بكل نثر*عن الأعلام واضحة لتال
ولكني نظمت لها نظاما * به أرجو التنافس في الفضال
مع الإقرار بالتقصير فيها *وذكر للعقيدة في المقال
علامة صحة للقلب ذكره * لذي العرش المقدس ذي الجلال
وخدمة ربنا في كل حال * بلا عجز هنالك أو ملال
ولا يأنس بغير الله طرا * سوى من قد يدل إلى المعالي
ويذكر ربه سرا وجهرا * ويدمن ذكره في كل حال
ومنها وهو ثانيها إذا ما * يفوت الورد يوما لاشتغال
فيألم للفوات أشد مما * يفوت على الحريص من الفضال
ومنها شحه بالوقت يمضي * ضياعا كالشحيح ببذل مال
وأيضا من علامته اهتمام * بهم واحد غير انتحال
فيصرف همه لله صرفا * ويترك ما سواه من المقال
وأيضا من علامته إذا ما * دنا وقت الصلاة لذي الجلال
وأحرم داخلا فيها بقلب * منيب خاضع في كل حال
تناءى همه والغم عنه * بدنيا تضمحل إلى زوال
ووافى راحة وسرور قلب * وقرة عينه ونعيم بال
ويشق الخروج عليه منها * فيرغب جاهدا في الابتهال
وأيضا من علامته اهتمام * بتصحيح المقالة والفعال
وأعمال ونيات وقصد * على الإخلاص يحرص بالك
أشد تحرصا وأشدهما * من الأعمال ثمت لا يبالي
بتفريط المقصر ثم فيها * وإفراط وتشديد لغال
وتصحيح النصيحة غير غش * يمازج صفوها يوما بحال
ويحرص في اتباع النص جهدا * مع الإحسان في كل الفعال
ولا يصغى لغير النص طرا * ولا يعبأ بآراء الرجال
فست مشاهد للقلب منها * علامات عن الداء العضال
ويشهد منة الرحمن يوما * بما أسدى عليه من الفضال
ويشهد منه تقصيرا وعجزا * بحق الله في كل الخلال
فقلب ليس يشهدها سقيم * ومنكوس لفعل الخير قال
فإن رمت النجاة غدا وترجو *نعيما لا يصير إلى زوال
نعيما لا يبيد وليس يفنى * بدار الخلد في غرف عوال
فلا تشرك بربك قط شيئا * فإن الله جل عن المثال
إله واحد أحد عظيم *عليم عادل حكم الفعال
رحيم بالعباد إذا أنابوا * وتابوا من متابعة الضلال
شديد الانتقام بمن عصاه * ويصليه الجحيم ولا يبالي
فبادر بالذي يرضى لتحظى * بخير في الحياة وفي المآل
ولازم ذكره في كل وقت * ولا تركن إلى قيل وقال
وأهل العلم جالسهم وسائل * ولا يذهب زمانك في اغتفال
وأحسن وانبسط وارفق ونافس * لأهل الخير في رتب المعالي
فحسن البشر مندوب إليه * ويكسو أهله ثوب الجمال
وأحبب في الإله وعاد فيه * وأبغض جاهدا فيه ووال
وأهل الشرك باينهم وفارق * ولا تركن إلى أهل الضلال
وتشهد قاطعا من غير شك *بأن الله جل عن المثال
علا بالذات فوق العرش حقا * بلا كيف ولا تأويل غال
علو القدر والقهر اللذان * هما لله من صفة الكمال
بهذا جاءنا في كل نص * عن المعصوم من صحب وآل
وينْزل ربنا في كل ليل * إلى أدنى السماوات العوالي
لثلث الليل ينْزل حين يبقى * بلا كيف على مر الليالي
ينادي خلقه: هل من منيب * وهل من تائب في كل حال؟
وهل من سائل يدعو بقلب * فيعطى سؤله عند السؤال؟
وهل مستغفر مما جناه *من الأعمال أو سوء المقال؟
وتشهد أنما القرآن * حقا كلام الله من غير اعتلال
ولا تمويه مبتدع جهول * بخلق القول عن أهل الضلال
وآيات الصفات تمر مرا * كما جاءت على وجه الكمال
ورؤيا المؤمنين له تعالى * عيانا في القيامة ذي الجلال
يرى كالبدر أو كالشمس صحوا * بلا غيم ولا وهم خيال
وميزان الحساب كذاك حقا * مع الحوض المطهر كالزلال
ومعراج الرسول إليه حق * بنص وارد للشك جال
كذاك الجسر يبسط للبرايا * على متن السعير بلا محال
فناج سالم من كل شر * وهاو هالك للنار صال
وتؤمن بالقضا خيرا وشرا * وبالمقدور في كل الفعال
وأن النار حق قد أعدت * لأعداء الرسول ذوي الضلال
بحكمة ربنا عدلا وعلما * بأحوال الخلائق في المآل
وأن الجنة الفردوس حق أعدت * للهداة أولي المعالي
بفضل منه إحسانا وجودا * وتكريما لهم بعد الوصال
وكل في المقابر سوف يلقى * بلا شك هنالك للسؤال
نكيرا منكرا حقا بهذا * أتانا النقل عن صحب وآل
وأعمالا تقارنه فإما * بخير قارنت أو سوء حال
فيا فردا بلا ثان أجرني * وثبتني بعزك ذا الجلال
وعاملني بعفوك واغن قلبي * بفضلك عن حرامك بالحلال
ونق القلب من درن الخطايا * ورشني من فواضلك الجزال
ولاطف باللطائف والعنايا * ضعيفا في جنابك ذا اتكال
وجملني بعافية وعفو *فإن تمنن بعفوك لا أبال
وصلى الله ما غنت بأيك * على الأغصان من طلح وظال
تنادي دائما تدعو هديلا * حمامات على فنن عوال
على المعصوم أفضل كل خلق * وأزكى الخلق مع صحب وآل
الدرر السَّنيَّة في الأجوبة النجدية- مج1 ص588-592