تقديم الجبال على الطيور
تقوم اللغة على الاحتياج المعنوي والأهمية المعنوية ، والإنسان يتحدث بمستويات متعددة تحت رعاية الاحتياج المعنوي غالبا واللفظي نادرا مع علامات أمن اللبس ليكون بعيدا عن اللبس والتناقض وهو غاية كل لغة من لغات العالم كما هو الحال في قوله تعالى :" وسخرنا مع داود الجبال يُسَبِّحنَ والطير" ،وهذا الجزء من الآية الكريمة مبني على تسبيح وتسخير المخلوقات وقدرة الله وغرائبه في خلقه ، وتترتب المباني "الجبال والطيور " بعد المبني عليه من الأهم إلى الأقل أهمية ، من الخاص إلى العام ،فقد جاءت الجبال أولا وارتبطت مع المبني عليه بحسب قوة العلاقة المعنوية لأنها أدل على القدرة الإلهية من الطير لأنها جماد والطير كائن حي ، وتسبيحها وتسخيرها أكثر غرابة ، يليها الطير وهو كائن حي وأكثر قدرة على التسبيح من الجبال ،وأقل دلالة على قدرة الله ، ولهذا تأخر عن المبني عليه بسبب ضعف منزلة المعنى مع المبني عليه ،وفي هذه الآية الكريمة تقدم شبه الجملة "مع داود" على المفعول "الجبال " لأن الاهتمام منصب على "شبه الجملة"فتسخير الجبال لسيدنا داود مزية اختص بها،و"مع " ظرف متعلق بالفعل " يسبِّحن " ، وقُدِّم على متعلقه للاهتمام به لإظهار كرامة سيدنا داود ،فيكون المعنى : أن سيدنا داودكان إذا سبَّح بين الجبال سمع الجبال تسبح مثل تسبيحه ، كما تأخر المفعول "المعطوف عليه " الجبال ، من أجل أن يتصل المعطوف "الطير" مع المعطوف عليه "الجبال" بسبب الاحتياج المعنوي .
وبهذا يتضح أن اللغة تقوم على الاحتياج المعنوي ،وأن الإنسان يتحدث تحت رعاية الاحتياج المعنوي وعلامات أمن اللبس .