تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: فقه المياه وبعض ما يتعلق بها من أحكام ( 5) - إعداد / عبدرب الصالحين العتموني

  1. #1

    افتراضي فقه المياه وبعض ما يتعلق بها من أحكام ( 5) - إعداد / عبدرب الصالحين العتموني

    فقه المياه وبعض ما يتعلق بها من أحكام
    الجزء الخامس
    إعداد / العبد الفقير إلى الله
    أبو معاذ / عبدرب الصالحين أبوضيف العتموني
    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
    وبعد
    ● حُكم غمس اليدين في الإناء عند الاستيقاظ من النوم قبل غسلهما خارجه :
    نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن غمس اليدين في الإناء قبل غسلهما خارجه عند الاستيقاظ من النوم فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثاً فإنه لا يدري أين باتت يده ) رواه البخاري ومسلم إلا أن البخاري لم يذكر العدد .
    والمراد باليد هنا : الكف دون ما زاد عليها لجريان العادة أن الذي يدخل في الإناء من اليد هو الكف .
    والمراد بالإناء : هو إناء الوضوء كما ورد التصريح بذلك في رواية البخاري وهي : « إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يده قبل أن يدخلها في وضوئه فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده » ويلحق به إناء الغسل لأنه وضوء وزيادة .
    وقد اختلف الفقهاء في هذه المسألة أي - حُكم غسل اليدين قبل إدخالهما الإناء - على قولين :
    القول الأول :
    أنه مستحب وهو مذهب الجمهور من الحنفية والمالكية والشافعية ورواية عن أحمد وبه قال عطاء والأوزاعي وإسحاق وابن المنذر .
    لأن آية الوضوء ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى المَرَافِقِ ... ) لم تذكر غسل الكفين من بين الفروض والواجبات ولأن قوله صلى الله عليه وسلم : ( إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثاً فإنه لا يدري أين باتت يده ) يدل على الاستحباب لتعليله بما يقتضي ذلك وهو أن طهارة اليد متيقنة ونجاسة اليد مشكوك فيها والشك لا يقضي علي اليقين ولا يؤثر فيه .
    قال ابن دقيق العيد رحمه الله : ( الأمر وإن كان ظاهره الوجوب إلا أنه يصرف عن الظواهر لقرينة ودليلة وقد دل الدليل وقامت القرينة ههنا فإنه صلى الله عليه وسلم علل بأمر يقتضي الشك وهو قوله : ( فإنه لا يدري أين باتت يده ؟ ) والقواعد تقتضي أن الشك لا يقتضي وجوباً في الحكم إذا كان الأصل المستصحب على خلافه موجوداً والأصل : الطهارة في اليد فلتستصحب ) أهـ .
    القول الثاني :
    أنه واجب وهو مذهب أحمد في الرواية الأخرى وبه قال الظاهرية ومروي عن ابن عمر وأبي هريرة والحسن البصري .
    وذلك للأمر الوارد في الحديث السابق وأمره صلى الله عليه وسلم يقتضي الوجوب .
    الترجيح :
    رجح شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله القول الثاني وهو وجوب غسل الكفين قبل إدخالهما في الإناء عند القيام من النوم ورجحه الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ والشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي والشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز والشيخ محمد بن صالح بن عثيمين و الشيخ عبدالله بن عبد العزيز بن عقيل رحمهم الله جميعاً ورجحه غيرهم من المحققين .
    قال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله : ( الحديث صريح بالأمر بغسلهما قبل إدخالهما الإناء وقوله صلى الله عليه وسلم : "إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يديه قبل أن يدخلهما في الإناء فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده" رواه مسلم فلا يحل إدخالهما قبل غسلهما ثلاثاً فإن أدخلهما قبل ذلك فهو عاصٍ آثم مخالف لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم ... ) أهـ .
    وقال الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله : ( النبي صلى الله عليه وسلم أرشد الأمة إلى أن الإنسان إذا قام من النوم وأراد أن يتوضأ فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثاً وكانوا في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ليس عندهم صنابير ماء إنما هي أواني توضع فيها المياه ويتوضأ منها ويغتسل منها والإنسان لابد له أن يغمس يده فنهى الرسول صلى الله عليه وسلم أن يغمس الرجل يده حتى يغسلها ثلاثاً وبين الحكمة من ذلك في قوله : "فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده" والمراد أنه قد يكون الشيطان عبث بها وألقى فيها أوساخاً وهو لا يدري وإلا فكل واحد يدري أن يده باتت في فراشه لكن مراده أنه لا يدري ما حصل بها فيكون هذا التعليم شبيهاً بالتعليم السابق في الاستنثار بأن الشيطان يبيت على الخيشوم فهنا ربما يسلط على النائم ويضع في يديه أشياء ملوثة ضارة فبهذا نهى أن يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثاً ) أهـ .
    ثم اختلف الموجبون في أي نوم يجب منه الغسل ؟ على أقوال منها :
    القول الأول :
    يجب الغسل عند القيام من نوم الليل ولا يجب غسلهما من نوم النهار وهو مذهب أحمد في رواية عنه بالوجوب بدلالة الحديث على ذلك حيث قال : ( فإنه لا يدري أين باتت يده ) والمبيت لا يكون إلا بليل ولأن نوم الليل مظنة الاستغراق فإصابته فيه بالنجاسة أكثر احتمالاً .
    وهذا من باب تخصيص العام بالعلة المنصوصة وقد ورد ذلك أيضاً مقيداً بالليل في حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً ولفظه : ( إذا قام أحدكم من الليل ) .
    القول الثاني :
    أنه لا فرق بين نوم الليل ونوم النهار لإطلاقه صلى الله عليه وسلم النوم من غير تقييد : ( إذا استيقظ أحدكم من نومه ) لأن كلمة ( نومه ) نكرة مضافة تشمل العموم أي تشمل كل نوم ( نوم الليل ونوم النهار ) .
    وأيضاً قوله : ( إذا استيقظ ) ظرف يشمل آناء الليل وآناء النهار .
    ولعموم العلة مع أن نوم الليل آكد وقوله : ( فإنه لا يدري أين باتت يده ) خرج مخرج الأكثر والغالب وما خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له كما في الأصول وهو قول إسحاق بن راهوية .
    ولأن قوله : ( فإنه لا يدري ) علة موجودة في نوم النهار فالنائم إذا نام لا يدري سواء كان نومه بالليل أم في النهار لأن النوم يحجب العقل .
    قال ابن حجر رحمه الله : ( لكن التعليل يقتضي إلحاق نوم النهار بنوم الليل وإنما خص نوم الليل بالذكر للغلبة ) أهـ .
    وقال المباركفوري رحمه الله : ( وقال إسحاق ( هو بن راهوية ) : ( إذا استيقظ من النوم بالليل أو النهار فلا يدخل يده في وضوئه حتى يغسلها ) فلم يخص إسحاق بن راهويه الحكم بالاستيقاظ من نوم الليل كما خصه به الإمام أحمد .
    قلت القول الراجح عندي هو ما ذهب إليه إسحاق والله تعالى أعلم ) أهـ .
    وقال الشوكاني رحمه الله : ( قوله ( من نومه ) أخذ بعمومه الشافعي والجمهور فاستحبوه عقب كل نوم وخصه أحمد وداود بنوم الليل لقوله في آخر الحديث ( باتت يده ) لأن حقيقة المبيت تكون بالليل ويؤيده ما ذكره المصنف رحمه الله في رواية الترمذي وابن ماجة وأخرجها أيضاً أبوداود وساق مسلم إسنادها وما في رواية لأبي عوانة ساق مسلم إسنادها أيضاً : ( إذا قام أحدكم للوضوء حين يصبح ) لكن التعليل بقوله ( فإنه لا يدري أين باتت يده ) يقضي بإلحاق نوم النهار بنوم الليل وإنما خص نوم الليل بالذكر للغلبة ) أهـ .
    وقال النووي رحمه الله : ( مذهبنا ومذهب المحققين أن هذا الحكم ليس مخصوصاً بالقيام من النوم بل المعتبر فيه الشك في نجاسة اليد فمتى شك في نجاستها كره له غمسها في الإناء قبل غسلها سواء قام من نوم الليل أو النهار أو شك في نجاستها من غير نوم وهذا مذهب جمهور العلماء وحكى عن أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى رواية أنه إن قام من نوم الليل كره كراهة تحريم وان قام من نوم النهار كره كراهة تنزيه ووافقه عليه داود الظاهري اعتماداً على لفظ المبيت في الحديث وهذا مذهب ضعيف جداً فإن النبي صلى الله عليه وسلم نبه على العلة بقوله صلى الله عليه وسلم : ( فإنه لا يدري أين باتت يده ) ومعناه أنه لا يأمن النجاسة على يده وهذا عام لوجود احتمال النجاسة في نوم الليل والنهار وفي اليقظة وذكر الليل أولا لكونه الغالب ولم يقتصر عليه خوفاً من توهم أنه مخصوص به بل ذكر العلة بعده ... ) أهـ .
    واختار هذا القول الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله باز والشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمهما الله لعموم النهي في نوم الليل والنهار لأنه لا فرق بينهما في الحكم .
    القول الثالث :
    أن الحكم ليس مخصوصاً بالقيام من النوم بل المعتبر فيه الشك في نجاسة اليد فمتى شك في نجاستها كره له غمسها في الإناء قبل غسلها سواء قام من نوم الليل أو نوم النهار أو شك في نجاستها من غير نوم وأما إذا تيقن طهارتها فوجهان الأصح منهما عند الشافعية أنه لا كراهة في غمس اليد إن شاء غمس يده ولو لم يغسلها وإن شاء غسل قبل الغمس لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر النوم ونبه على العلة وهي الشك فإذا انتفت العلة انتفت الكراهة .
    ● حُكم طهارة الماء إذا غُمست فيه اليدين قبل غسلهما خارج الإناء عند الاستيقاظ من النوم :
    اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين :
    القول الأول :
    أنه طهور ( باق على طهوريته ) وهو مذهب جمهور العلماء أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد في رواية عنه وبه قال الظاهرية .
    لان الماء قبل الغمس كان طهوراً فيبقى على الأصل ونهي النبي صلى الله عليه وسلم عن غمس اليد كان لوهم النجاسة فالوهم لا يزيل الطهورية كما لم يزل الطهارة وإن كان تعبداً اقتصر على مورد النص .
    قال ابن قدامة رحمه الله : ( يحتمل أن لا تزول طهوريته ولا تجب إراقته لأن طهورية الماء كانت ثابتة بيقين والغمس المحرم لا يقتضي إبطال طهورية الماء لأنه إن كان لوهم النجاسة فالوهم لا يزول به يقين الطهورية لأنه لم يزل يقين الطهارة فكذلك لا يزيل الطهورية فإننا لم نحكم بنجاسة اليد ولا الماء ولأن اليقين لا يزول بالشك فبالوهم أولى وإن كان تعبدا فنقتصر على مقتضى الأمر والنهي وهو وجوب الغسل وتحريم الغمس ولا يعدى إلى غير ذلك ) أهـ .
    القول الثاني :
    أنه طاهر غير مطهر وهو المشهور في مذهب أحمد في الرواية الأخرى عنه .
    لأنه مستعمل في طهارة تعبد أشبه المستعمل في رفع الحدث ولأن النبي صلى الله عليه وسلم : ( نهى أن يغمس القائم من نوم الليل يده في الإناء قبل غسلها ) فدل ذلك على أنه يفيد منعاً .
    القول الثالث :
    أنه نجس إن كان قليلاً وهو قول الحسن البصري وإسحاق بن راهوية ورواية عن أحمد .
    الترجيح :
    رجح شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله القول الأول أن الماء باق على طهوريته ورجحه الشيخ عبدالرحمن السعدي والشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ والشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز رحمه الله والشيخ محمد بن صالح بن عثيمين والشيخ عبدالله بن عبدالعزيز بن عقيل رحمهم الله جميعاً ورجحه غيرهم من المحققين .
    لأن النبي صلى الله عليه وسلم هنا لم يتعرض للماء اطلاقاً فعلى هذا يبقى الماء على ما كان عليه وهو أنه طهور ولكن الفاعل لذلك يكون عاصياً وعليه الاستغفار والتوبة إلى الله لوقوعه في النهي .
    سُئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : عن رجل غمس يده في الماء قبل أن يغسلها من قيامه من نوم الليل : فهل هذا الماء يكون طهوراً ؟ وما الحكمة في غسل اليد إذا باتت طاهرة ؟ أفتونا مأجورين .
    الجواب : ( أما نهيه صلى الله عليه وسلم : { أن يغمس القائم من نوم الليل يده في الإناء قبل أن يغسلها ثلاثاً } فهو لا يقتضي تنجيس الماء بالاتفاق بل قد يكون لأنه يؤثر في الماء أثراً وأنه قد يفضي إلى التأثير وليس ذلك بأعظم من النهي عن البول في الماء الدائم وقد تقدم أنه لا يدل على التنجيس وأيضاً ففي الصحيحين عن أبي هريرة : { إذا استيقظ أحدكم من نومه فليستنثر بمنخريه من الماء ؛ فإن الشيطان يبيت على خيشومه } فعلم أن ذلك الغسل ليس مسبباً عن النجاسة بل هو معلل بمبيت الشيطان على خيشومه والحديث المعروف : { فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده } يمكن أن يراد به ذلك فتكون هذه العلة من العلل المؤثرة التي شهد لها النص بالاعتبار .
    وأما نهيه عن الاغتسال فيه بعد البول فهذا إن صح عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فهو كنهيه عن البول في المستحم وقوله : { فإن عامة الوسواس منه } فإنه إذا بال في المستحم ثم اغتسل حصل له وسواس وربما بقي شيء من أجزاء البول فعاد عليه رشاشه وكذلك إذا بال في الماء ثم اغتسل فيه فقد يغتسل قبل الاستحالة مع بقاء أجزاء البول فنهي عنه لذلك .
    ونهيه عن الاغتسال في الماء الدائم إن صح يتعلق بمسألة الماء المستعمل وهذا قد يكون لما فيه من تقذير الماء على غيره لا لأجل نجاسته ولا لصيرورته مستعملاً فإنه قد ثبت في الصحيح عنه أنه قال : { إن الماء لا يجنب } ) أهـ .
    وسُئل أيضاً رحمه الله : عن الماء إذا غمس الرجل يده فيه : هل يجوز استعماله أم لا ؟ .
    فأجاب : ( لا ينجس بذلك بل يجوز استعماله عند جمهور العلماء كمالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد وعنه رواية أخرى : أنه يصير مستعملاً والله سبحانه وتعالى أعلم ) أهـ .
    وقال رحمه الله : ( نهيه صلى الله عليه وسلم أن يغمس القائم من نوم الليل يده في الإناء قبل أن يغسلها ثلاثاً فهو لا يقتضي تنجس الماء بالاتفاق بل قد يكون لأنه يؤثر في الماء أثراً أو أنه قد يفضي إلى التأثير وليس ذلك بأعظم من النهي عن البول في الماء الدائم .
    وقد تقدم أنه لا يدل على التنجس وأيضاً فإن في الصحيحين : عن أبي هريرة قال : { إذا استيقظ أحدكم من نومه فليستنشق بمنخريه من الماء فإن الشيطان يبيت على خيشومه } .
    فأمر بالغسل معللاً بمبيت الشيطان على خيشومه فعلم أن ذلك سبب للغسل غير النجاسة والحدث المعروف .
    وقوله : " { فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده } " يمكن أن يراد به ذلك فتكون هذه العلة من العلل المؤثرة التي شهد لها النص بالاعتبار ) أهـ .
    وقال النووي رحمه الله : ( الجماهير من العلماء المتقدمين والمتأخرين على أنه نهى تنزيه لا تحريم فلو خالف وغمس لم يفسد الماء ولم يأثم الغامس وحكى أصحابنا عن الحسن البصري رحمه الله تعالى أنه ينجس إن كان قام من نوم الليل وحكوه أيضاً عن إسحاق بن راهوية ومحمد بن جرير الطبري وهو ضعيف جداً فإن الأصل في الماء واليد الطهارة فلا ينجس بالشك وقواعد الشرع متظاهرة على هذا ولا يمكن أن يقال الظاهر في اليد النجاسة ) أهـ .
    وقال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله : ( الحديث صريح بالأمر بغسلهما قبل إدخالهما الإناء وقوله صلى الله عليه وسلم : ( إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يديه قبل أن يدخلهما في الإناء فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده ) رواه مسلم فلا يحل إدخالهما قبل غسلهما ثلاثاً فإن أدخلهما قبل ذلك فهو عاصٍ آثم مخالف لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم وأما المدخلة فيه اليدان فلم يتعرض لحكمه في الحديث فقال بعض الفقهاء : إنه يفسد بذلك وهذا المشهور عند متأخري فقهائنا وقال آخرون : إن الماء لا يفسد بذلك ما دام طهوراً لم يتغير بالنجاسة ولا غيرها وهذا الصواب الذي عليه المحققون ) أهـ .
    وسُئل أعضاء اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء برئاسة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز رحمه الله : هل من قام من نوم ليلاً ووضع يديه في إناء به ماء هل سلب طهورية الماء ولا يجوز الوضوء به أم باق على الطهورية ويجوز الوضوء به فأيهما أصح وأولى ؟ أفيدونا أفادكم الله وجزاكم الله كل خير .
    الجواب : ( النهي الوارد في هذا الحديث أمر تعبدي لا يقتضي تنجيس الماء والصحيح جواز الوضوء به وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم ) أهـ .
    وقال الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله : ( لكن لو غمسها ؟ نقول له لو غمستها قبل أن تغسلها ثلاثاً فاستغفر الله وتب إلى الله ولا تعد لما نهاك عنه الرسول صلى الله عليه وسلم أما الماء فإنه باق على طهوريته لا يتأثر بشيء لأن النبي صلى الله عليه وسلم هنا لم يتعرض للماء اطلاقاً لا قال أنه يكون طهوراً ولا أنه نجساً فعلى هذا يبقى على ما كان عليه وهو أنه طهور ) أهـ .
    وقال أيضاً رحمه الله : ( قوله : « فإن أحدكم لا يدري أين باتت يدُه » دليل على أن الماء لا يتغير الحكم فيه لأن هذا التعليلَ يدل على أن المسألة من باب الاحتياط وليست من باب اليقين الذي يرفع به اليقين وعندنا الآن يقين وهو أن هذا الماء طهور وهذا اليقين لا يمكن رفعه إلا بيقين فلا يرفع بالشك ) أهـ .
    وقال الشيخ عبدالله بن عقيل عندما سُئل عن : حديث النهي عن غمس اليد في الإناء بعد القيام من نوم الليل قبل أن يغسلهما ثلاثاً هل ذلك ينجس الماء أو يسلبه الطهورية وما الحكمة في ذلك ؟ .
    الجواب : ( الحديث صحيح رواه البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يديه قبل أن يدخلهما في الإناء ثلاثاً فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده" .
    والحديث يدل على النهي عن غمس اليدين في الإناء بعد القيام من نوم الليل قبل غسلهما ثلاثاً فإن فعل الإنسان ذلك بأن غمسهما ناسياً أو متعمداً عالماً أو جاهلاً : فهل يعتبر الماء نجساً أو طاهراً غير مطهر أو أنه باق على طهوريته ؟ .
    المشهور من المذهب أنه طاهر غير مطهر فإن لم يجد غيره استعمله ثم تيمم احتياطاً .
    والقول الثاني في المذهب : أن الماء باق على طهوريته ولو أدخل يديه فيه وهو رواية عن الإمام أحمد اختارها الخرقي وأبو محمد وغيرهما وهو قول أكثر الفقهاء واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره من الأصحاب وشيخنا ابن سعدي .
    وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في جواب له : ( إن الماء لا ينجس بذلك بل يجوز استعماله عند جمهور العلماء كمالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد في رواية عنه .
    وقال : والحكمة في غسل اليد فيها ثلاثة أقوال :
    الأول : خوف النجاسة مثل أن تمر يده على موضع الاستجمار لاسيما مع العرق ونحو ذلك .
    الثاني : أنه من باب التعبد فنسلم به ولو لم نعقل معناه .
    الثالث : أن ذلك لشيء معنوي وهو أن الشيطان يبيت على يد النائم ويلامسها كما في الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "إذا استيقظ أحدكم من منامه فتوضأ فليستنثر ثلاثاً فإن الشيطان يبيت على خيشومه" فعلم أن ذلك الغسل ليس مسبباً عن النجاسة بل هو معلل بمبيت الشيطان على خيشومه فتكون هذه العلة من العلل المؤثرة التي شهد لها النص بالاعتبار ) أهـ ملخصاً .
    وقال النووي رحمه الله : ( وفي قوله صلى الله عليه وسلم : "أين باتت يده" استحباب استعمال ألفاظ الكنايات فيما يتحاشى التصريح به إذ لم يقل : فلعل يده وقعت في دبره أو على ذكره أو نجاسة أو نحو ذلك وإن كان هذا هو المقصود ونظائر ذلك في القرآن والأحاديث كثيرة هذا إذا كان السامع يفهم بالكناية المقصود فإن لم يفهمه فلا بد من التصريح لنفي اللبس وعليه يحمل ما جاء مصرحاً به من ذلك والله أعلم ) أهـ .
    وقال الشيخ خالد بن علي المشيقح عندما سُئل عن : قول الرسول الله صلى الله عليه وسلم : "إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا" هل هذا النهي للتنجيس أم للاستقذار ؟ بمعنى إذا استيقظ أحد كان بجانبك وأراد مصافحتك فهل يده طاهرة أم نجسة ؟ بارك الله فيكم ونفعنا بعلمكم .
    الجواب : ( الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذا موضع خلاف بين أهل العلم رحمهم الله في علة النهي عن غمس القائم من نوم الليل ليده حتى يغسلها ثلاثاً فذهب الإمام أحمد رحمه الله إلى أن الأمر تعبدي أي أن علته ليست معقولة المعنى وقال الشافعي رحمه الله إن العلة هي ما يخشى من تنجس اليد لأنهم في الحجاز يستعملون الاستجمار وبلادهم حارة فقد يعرق الإنسان وأثناء النوم قد تمس يده شيئاً من الأذى والرأي الثالث ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إلى أن العلة هي ما يخشى من ملابسة الشيطان ليد النائم واستدل على هذا بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "إذا استيقظ أحدكم من منامه فليستنثر ثلاث مرات فإن الشيطان يبيت على خياشيمه" أخرجه البخاري ومسلم وهذا القول هو الصواب وعلى هذا فلا تكون العلة هي النجاسة ومن ثم فلا بأس أن تصافح إنساناً استيقظ من نومه ) أهـ .
    وقال الشيخ خالد بن سعود البليهد : ( الصحيح أن غمس اليدين في الإناء قبل الغسل لا يسلب الماء الطهورية ولا ينجسه ولا يؤثر عليه في الحكم إلا إذا تيقن الإنسان أن يده أصابت نجاسة وحصل تغير الماء بها ) أهـ .
    وقال الشيخ عبدالله بن صالح الفوزان : ( الصحيح من قولي أهل العلم أنه لو خالف إنسان وغمس يده في الماء قبل أن يغسلها فإن الماء لا ينجس بل هو باق على طهوريته وهو قول الجمهور ورواية عن الإمام أحمد ومن أهل العلم من قال : إنه يكون طاهراً غير مطهر وهذا المذهب عند الحنابلة إذا كان الماء دون القلتين والظاهر أن ذلك مبني على أن الأمر بالغسل للوجوب وعن أحمد أن الماء نجس وهذان القولان ضعيفان والصواب الأول وهو أن الماء باق على طهوريته لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن غمس اليد ولم يتعرض للماء وما دام أن هذا الماء طهور فهذا يقين واليقين لا يمكن رفعه إلا بيقين مثله لا بشك وعلى هذا فالأصل الطهارة ) أهـ .
    وسُئل الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي : لو أن إنساناً غمس يده في الإناء قبل أن يغسلهما ثلاثاً فما حكم ذلك الماء ؟ .
    فأجاب بقوله : ( الراجح أنه باق على طهوريته لأن الحديث الذي فيه النهي عن غمس اليدين في الإناء قبل غسلهما ثلاثاً غاية ما فيه النهي عن غمس اليد ولم يتعرض النبي صلى الله عليه وسلم للماء وفي قوله "فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده " دليل على أن الماء لا يتغير الحكم فيه لأن هذا التعليل يدل على أن المسألة من باب الاحتياط وليست من باب اليقين الذي يرفع به اليقين وعندنا الآن يقين وهو أن الماء طهور وهذا اليقين لا يمكن رفعه إلا بيقين فلا يُرفع بالشك ) أهـ .
    ● أخي الحبيب :
    ● أكتفي بهذا القدر وللحديث بقية في الجزء السادس إن شاء الله .
    ● وأسأل الله عز وجل أن يكون هذا البيان شافياً كافياً في توضيح المراد وأسأله سبحانه أن يرزقنا التوفيق والصواب في القول والعمل .
    ● وما كان من صواب فمن الله وما كان من خطأ أو زلل فمنى ومن الشيطان والله ورسوله منه بريئان والله الموفق وصلي اللهم علي نبينا محمد وعلي آله وأصحابه أجمعين .
    أخوكم
    أبومعاذ / عبدرب الصالحين أبوضيف العتموني
    وشهرته / عبدربه العتموني
    ج . م . ع / محافظة سوهاج / مركز طما / قرية العتامنة
    01002889832 / 002

  2. #2

    افتراضي رد: فقه المياه وبعض ما يتعلق بها من أحكام ( 5) - إعداد / عبدرب الصالحين العتموني

    بارك الله فيكم
    الحمد لله رب العالمين

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •