قال ابن بطة في "الإبانة الكبرى" (1/259)، بعد أن ذكر حديث عبد الله بن مغفل: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الخذف، وقال: «إنها لا تصطاد صيدا، ولا تنكأ عدوا، ولكنها تفقأ العين، وتكسر السن» فقال رجل لعبد الله بن مغفل: وما بأس هذا؟، فقال: إني أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقول هذا والله لا أكلمك أبدا"= فاعتبروا يا أولي الأبصار، فشتان بين هؤلاء العقلاء السادة الأبرار الأخيار، الذين ملئت قلوبهم بالغيرة على إيمانهم، والشح على أديانهم، وبين زمان أصبحنا فيه، وناس نحن منهم، وبين ظهرانيهم هذا عبد الله بن مغفل صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسيد من ساداتهم يقطع رحمه، ويهجر حميمه حين عارضه في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحلف أيضا على قطيعته، وهجرانه، وهو يعلم ما في صلة الأقربين، وقطيعة الأهلين. وعبادة بن الصامت وأبو الدرداء - سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم حكيم هذه الأمة - وأبو سعيد الخدري يظعنون عن أوطانهم، وينتقلون عن بلدانهم، ويظهرون الهجرة لإخوانهم؛ لأجل من عارض حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتوقف عن استماع سنته، فيا ليت شعري كيف حالنا عند الله عز وجل، ونحن نلقى أهل الزيغ في صباحنا والمساء، يستهزئون بآيات الله، ويعاندون سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم حائدين عنها، وملحدين فيها؟ سلمنا الله وإياكم من الزيغ والزلل».