التقدُّم بالأهمية المعنوية وبالفضل والشرف
يتقدم الكلام بأحد الأسباب التالية :بالزمن أو بالرتبة أو بالطبع أو بالسبب أو بالفضل والشرف ،أو بأكثر من سبب من هذه الأسباب ، ومهما كان سبب التقديم فإن الكلام يتقدم بحسب الأهمية المعنوية عند المتكلم ،والمباني المتقدمة بالفضل والكمال تتقدم كذلك بالرتبة "الأهمية ومنزلة المعنى "من الأهم على الأقل أهمية ، ومما تقدم بالأهمية والفضل والشرف قوله تعالى:" صلُّوا عليه وسلموا تسليما"فإن الصلاة على سيدنا محمد أهم وأفضل من التسليم ،وقوله تعالى"محلقين رؤوسكم ومقصرين"فإن الحلق أهم وأفضل من التقصير،ومنه قوله تعالى"والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة "تقدمت الخيل وتراجعت البغال والحمير لأن الخيل حصون القوم ومعاقلهم وعزهم وشرفهم ،وقال تعالى:"ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها "والصوف أشرف وأفضل وأنفع من الوبر والشعر،وقال تعالى:والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة"والذهب أشرف وأفضل وأهم من الفضة ،ومن التقدم بالأهمية المعنوية والفضل والشرف قوله تعالى:يأتوك رجالا وعلى كل ضامر"لأن الذي يأتي راجلا يأتي من المكان القريب والذي يأتي على الضامر يأتي من المكان البعيد ، فتقدم القريب على البعيد بالأهمية المعنوية ، على أنه روي عن ابن عباس – رضي الله عنه –أنه قال:وددت أني حججت راجلا لأن الله قدم الرجال على الركبان ،فجعله ابن عباس من تقدم الفاضل على المفضول ،والمعنيان:الأه ية والفضل موجودان ،وربما تقدم الشيء لثلاثة معان وأربعة وخمسة وربما لمعنى واحد من الخمسة ،كما أن تقديم الرجال على الركبان فيه فائدة جليلة وهي أن الله شرط في الحج الاستطاعة ،ولا بد من السفر إليه لغالب الناس ،فذكر نوعي الحج لقطع توهم من يظن أنه لا يجب إلا على راكب ،وقدم الرجال اهتماما بهذا المعنى وتأكيدا ولأمن اللبس ،كما قدم الرجال اهتماما بهم وجبرا لنفوسهم وخواطرهم لأن نفوس الركبان تزدريهم وتوبخهم وتقول:إن الله لم يكتبه عليكم ولم يرده منكم ،وربما توهموا أنه غير نافع لهم ،فبدأ بهم جبرا لهم ورحمة .
ومن التقدم بالفضل والشرف أن يقال:يتقدم الأقرأ فالأسن ،فالأقرأ أفضل من الأسنّ ليكون إماما .
فالإنسان يتحدث تحت رعاية الأهمية المعنوية وعلامات أمن اللبس ،والمتقدم في المنزلة والمكانة متقدم في الموقع والمتأخر في المنزلة والمكانة متأخر في الموقع كذلك .