- الاقتداء بمن أخطأ بترك شرط أو غير ذلك ولم يعلم المأموم، لحديث أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: ”يصلون لكم فإن أصابوا فلكم [ولهم] وإن أخطأوا فلكم وعليهم“البخاري وقد دلّت الأحاديث والآثار على أن صلاة الإمام إذا فسدت لم تفسد صلاة المأمومين إذا لم يعلموا فساد صلاة إمامهم، وحتى لو علموا بعد انتهاء الصلاة لا يؤثر ذلك في صحة صلاتهم، ويعيد الإمام ولا يعيد المأمومون([19]).
9- الاقتداء بمن ذكر أنه محدث أو خرج لحدث
عن أبي بكرة – رضي الله عنه – أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم استفتح الصلاة فكبّر ثم أومأ أن مكانكم ثم دخل فخرج ورأسه يقطر فصلى بهم، فلما قضى صلاته قال: ”إنما أنا بشر وإني كنت جنباً“أحمد. وفي لفظ أبي داود: ”دخل في صلاة الفجر [فكبر] فأومأ بيده أن مكانكم، ثم جاء ورأسه يقطر فصلى بهم فلما قضى الصلاة قال: ”إنما أنا بشر مثلكم، وإني كنت جنباً“أبوداود وصححه الألباني.وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: ”أقيمت الصلاة وعدلت الصفوف قياماً فخرج إلينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فلمّا قام في مصلاه ذكر أنه جنب فقال لنا: ”مكانكم“ ثم رجع فاغتسل ثم خرج إلينا ورأسه يقطر فكبر فصلينا معه“متفق عليه. وفي رواية: ”أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خرج وقد أقيمت الصلاة وعدلت الصفوف حتى إذا قام في مصلاه انتظرنا أن يكبر انصرف، قال: ”على مكانكم...“البخار ي وفي لفظ لمسلم: ”حتى إذا قام في مصلاه قبل أن يكبر ذكر فانصرف، وقال لنا: ”مكانكم“ فلم نزل قياماً ننتظره حتى خرج إلينا وقد اغتسل ينطف رأسه ماءً فكبر فصلى بنا“. وفي لفظ: ”فأومأ إليهم بيده أن مكانكم“مسلم.قال الخطابي في معالم السنن :في حديث أبي بكرة دلالة على أن الإمام إذا صلى بالناس وهو جنب وهم لا يعلمون بجنابته أن صلاتهم صحيحة ولا إعادة عليهم، وعلى الإمام الإعادة، وذلك أن الظاهر أنهم قد دخلوا في الصلاة مع النبي صلّى الله عليه وسلّم ثم استوقفهم إلى أن اغتسل وجاء فأتم الصلاة بهم.قال صحاب عون المعبود :وفي حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – دلالة صريحة على أنه صلّى الله عليه وسلّم انصرف بعدما قام في مصلاه وقبل أن يكبر، وحديث أبي هريرة هذا معارض لحديث أبي بكرة، وقد أشكل ذلك على كثير من العلماء
فقال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -: ”ويمكن الجمع بينهما بحمل قوله ”كبّر“ على أراد أن يكبر، أو بأنهما واقعتان، أبداه عياض والقرطبي احتمالاً
وقال النووي إنه الأظهر وجزم به ابن حبان كعادته، فإن ثبت وإلا فما في الصحيح أصح“.وقال النووي – رحمه الله – عن حديث أبي بكرة: ”فتحمل هذه الرواية على أن المراد بقوله: دخل في الصلاة أنه قام في مقامه للصلاة وتهيأ للإحرام بها، ويحتمل أنهما قضيتان وهو الأظهر“. وقال القرطبي في المفهم– رحمه الله -: ”وقد أشكل هذا الحديث على هذه الرواية على كثير من العلماء، ولذلك سلكوا فيه مسالك: فمنهم من ذهب إلى ترجيح الرواية الأولى ورأى أنها أصح وأشهر، ولم يعرج على هذه الرواية([20]).
ومنهم من رأى أن كليهما صحيح، وأنه لا تعارض بينهما إذ يحتمل أنهما نازلتان في وقتين فيقتبس من كل واحدة منهما ما تضمنته من الأحكام“.قال صاحب منتقى الأخبار: وقال أحمد بن حنبل – رحمه الله -: ”إن استخلف الإمام فقد استخلف عمر وعليّ، وإن صلوا وحداناً فقط طُعن معاوية وصلى الناس وحداناً من حيث طعن أتموا صلاتهم“.
10- اقتداء الجالس القادر على القيام بالجالس المعذور ،
لحديث عائشة أم المؤمنين – رضي الله عنها – أنها قالت: صلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في بيته وهو شَاكٍ فصلى جالساً وصلى وراءه قوم قياماً فأشار إليهم أن اجلسوا، فلما انصرف قال: ”إنما جُعل الإمام ليؤتم به فإذا ركع فاركعوا، وإذا رفع فارفعوا، وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً“متفق عليه.
11- اقتداء القائم بالجالس المعذور جائز
لحديث عائشة – رضي الله عنها – قالت: ”مرض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: ”مُروا أبا بكر فليصلِّ بالناس“ فخرج أبو بكر يصلي فوجد النبي صلّى الله عليه وسلّم في نفسه خفة فخرج يهادى([21]) بين رجلين، فأراد أبو بكر أن يتأخر، فأومأ إليه النبي صلّى الله عليه وسلّم أن مكانك، ثم أتيا به حتى جلس إلى جنبه عن يسار أبي بكرن وكان أبو بكر يصلي قائماً، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصلي قاعداً، يقتدي أبو بكر بصلاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، والناس بصلاة أبي بكر“. وفي لفظ للبخاري: ”فخرج يهادى بين رجلين في صلاة الظهر“. وفي لفظ لمسلم: ”وكان النبي صلّى الله عليه وسلّم يصلي بالناس وأبو بكر يسمعهم التكبير“متفق عليه. قال الإمام الشوكاني – رحمه الله -: ”وقد استدل بحديث الباب القائلون بجواز ائتمام القائم بالقاعد“.
12- اقتداء الجالس المعذور بالقائم
لا بأس به لحديث أنس – رضي الله عنه – قال: ”صلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في مرضه خلف أبي بكر قاعداً في ثوب متوشحاً به“الترمذي وصححه الألباني،
13- قراءة المأموم خلف الإمام واجبة عند الذكر على القول الصحيح في الصلاة السرية والجهرية،
لحديث عبادة بن الصامت – رضي الله عنه – يرفعه، وفيه: ”لعلكم تقرؤون خلف إمامكم؟“ قلنا: نعم هذّاً يا رسول الله، قال: ”لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها“أبوداود والترمذي،وقد اختلف العلماء – رحمهم الله تعالى – في حكم قراءة الفاتحة خلف الإمام في صلاة الجماعة على أقوال ثلاثة: فقيل: القراءة خلف الإمام واجبة فيما يجهر فيه وفيما لا يجهر فيه، وقيل: لا يقرأ المأموم في الصلاة الجهرية ولا في السرية، وقيل: يقرأ المأموم فيما أسرّ به الإمام، ولا يقرأ فيما جهر به([22])
عاشراً: آداب الإمام على النحو الآتي:
إمامة الصلاة تعتبر من خير الأعمال التي يتولاها خير الناس ذوو الصفات الفاضلة من العلم والقراءة والعدالة وغيرها.
أن يأتي للصلاة مبكراً ، ولا يتأخر عن القدوم إلا لسبب وظرف طارئ .
أن يجلس بمكان يراه الناس – وخاصة إذا كان إماماً في بلد غير بلده – .
إن علم أنه سيغيب أو سيتأخر عن الصلاة أناب مكانه أحداً من المصلين يقدر على الإمامة ويتقنها وتصح الصلاة بإمامته.
أن يأتي الصلاة وهو مستعد لها، كحفظ الآيات حفظاً متقناً، وهو يعلم أي الآيات سيقرأ في الصلاة، لا أن يأتيها من غير استعداد ولا حفظ فيقع في الخطأ...
أن يحسّن صوته بالقرآن الكريم، وأن يقرأ على أحكام التجويد ، فإن لم يعلم فيجب عليه أن يتعلم أحكام التجويد حتى يُتقن القراءة والتلاوة .
إذا أراد أن يقرأ في الصلاة على غير القراءة التي قد تعوّد عليها الناس في بلده ، أو كان يتقن أكثر من قراءة ، أو كان إمام المسجد قد أنابه في تلك الصلاة فيجب عليه أن يُخبر المصلين ويعلمهم بذلك .
أن يأتي الصلاة وهو متجمل متزين ، نظيف البدن والثوب ، يلبس أجمل وأجود ما عنده من الثياب ، متطيباً ، مُسرّحاً لحيته وشعره ، مُقلماً أظافره ، مُنظفاً فاه من الروائح الكريهة المؤذية ، فيأتيها على أحسن حال ، وأتم هيئة ، وأجمل منظر ، لأنه واقف بين يدي الله تعالى ، إمام منظور إليه .
أن يتقدم المأمومين في الموقف .
أن يقف في وسط الصف .
يُسن أن يأمر بتسوية الصفوف ، فيلتفت عن يمينه وشماله قائلاً : اعتدلوا ، تراصوا ، لا تختلفوا فتختلف قلوبكم ، أتموا الصف المقدم ( الأول ) ، وسدوا الخلل ، وسووا صفوفكم فإن تسوية الصف من تمام الصلاة .

12-تخفيف الصلاة مع الكمال والتمام لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذا أمَّ أحدكم الناس فليخفف؛ فإن فيهم الصغير، والكبير، والضعيف، والمريض [وذا الحاجة] فإذا صلى وحده فليصلِّ كيف كيف شاء“متفق عليه،
التخفيف المطلوب من الإمام ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: تخفيف لازم
القسم الثاني: تخفيف عارض عند بكاء طفل أو سماع
13-تطويل الركعة الأولى أكثر من الثانية حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: ((لقد كانت صلاة الظهر تقام فيذهب الذاهب إلى البقيع فيقضي حاجته، ثم يأتي أهله فيتوضأ، ثم يرجع إلى المسجد ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الركعة الأولى مما يطيله.)) رواه مسلم
14-تطويل الركعتين الأوليين وتقصير الأخريين
لحديث جابر بن سمرة – رضي الله عنه – وفيه أن سعداً – رضي الله عنه – قال لعمر بن الخطاب: ”إني لأصلي بهم صلاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأمدُّ في الأوليين وأحذف في الأخريين، ولا آلو ما اقتديت به من صلاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم“متفق عليه.

15-مراعاة مصلحة المأمومين بشرط ألا يخالف السنة
لحديث جابر – رضي الله عنه – فقد راعى فيه النبي صلّى الله عليه وسلّم مصلحة الناس فيؤخر العشاء إذا لم يجتمع أصحابه، قال جابر: ”والعشاء أحياناً وأحياناً: إذا رآهم اجتمعوا عجَّل، وإذا رأهم أبطؤا أخَّر“متفق عليه. فالصلاة هنا يسن تأخيرها ولكن النبي صلّى الله عليه وسلّم يراعي أحوالهم ولا يشق عليهم فيقدمها إذا اجتمعوا، أما غير العشاء من الصلوات الأخرى فكان يصليها في أول وقتها ما عدا الظهر في شدة الحر([1]).

16-لا يصلي في موضعه الذي صلى فيه المكتوبة
لما روي عن المغيرة بن شعبة – رضي الله عنه – يرفعه: ”لا يصلي الإمام في الموضع الذي صلى فيه، حتى يتحول“أبوداود.ولابأس للمأموم
17-يمكث في مكانه بعد السلام يسيراً
لحديث أمِّ سلمة – رضي الله عنها – قالت: ”كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا سلم قام النساء حين يقضي تسليمه، ومكث يسيراً قبل أن يقوم“. وفي لفظ: ”كان يسلم فينصرف النساء فيدخلن بيوتهن من قبل أن ينصرف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم“. قال ابن شهاب: فأرى والله أعلم أن مكثه لكي ينفذ النساء قبل أن يدركهن من انصرف من القومالبخاري.
18-يستقبل المأمومين بوجهه إذا سلم
لحديث سمرة بن جندب – رضي الله عنه – قال: ”كان النبي صلّى الله عليه وسلّم إذا صلى صلاة أقبل علينا بوجهه“البخاري
19-لا يخص نفسه بالدعاء الذي يؤمن عليه المأمومون دونهم،
لِمَا روي عن أبي هريرة – رضي الله عنه – يرفعه، وفيه: ”لا يحل لرجل يؤمن بالله واليوم الآخر أن يؤم قوماً إلا بإذنهم، ولا يختص نفسه بدعوة دونهم فإن فعل فقد خانهم“صحيح إلا الدعوة.
20-لا يصلي في مكان مرتفع جداً عن المأمومين إلا أن يكون معه بعض الصفوف فلا حرج، أما المأموم فلا يكره إذا كان الإمام هو الذي في الأسفل([2]).
21-لا يصلي في مكان يستتر فيه عن جميع المأمومين
22-لا يطيل القعود بعد السلام مستقبلاً القبلة
لحديث عائشة – رضي الله عنها – قالت: كان النبي صلّى الله عليه وسلّم لا يقعد إلا مقدار ما يقول: ”اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام“مسلم
ينصرف إلى الناس بعد السلام تارة عن يمينه وتارة عن شماله، لا حرج في شيء من ذلك، لحديث عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – قال: ”لا يجعل أحدكم للشيطان شيئاً من صلاته يرى أن حقّاً عليه أن لا ينصرف إلا عن يمينه، لقد رأيت النبي صلّى الله عليه وسلّم كثيراً ينصرف عن يساره“. ولفظ مسلم: ”أكثر ما رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ينصرف عن شماله“متفق عليه. وعن أنس – رضي الله عنه – قال: ”أما أنا فأكثر ما رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ينصرف عن يمينه“. وفي رواية لمسلم: ”كان ينصرف عن يمينه“مسلم
يتخذ سترة لأنها سترة له ولمن خلفه، لحديث أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – يرفعه: ”إذا صلى أحدكم فليصلِّ إلى سترة وليدنُ منه“أبوداود صححه الألباني، ولأن ابن عباس – رضي الله عنهما – سار بحماره بين يدي بعض الصف الأول ثم نزل عنه ولم ينكر ذلك أحدمتفق عليه، فدل ذلك على أن سترة الإمام سترة لمن خلفه.
يُسن للإمام أن يُخفف على المأمومين – في القراءة والأذكار – ، فإن فيهم السقيم، والضعيف ، والكبير، والمسافر، وذا الحاجة، أو الصائم، أو الجوعان، أو العامل...
أن يطمئن في القيام والركوع والسجود وكل هيئات الصلاة من غير إطالة .
إن أحسّ بشخص داخل وهو راكع ينتظره يسيراً ما لم يشق على من خلفه .
إذا حدث له عذر لا تبطل به صلاة المأمومين يجوز له أن يستخلف غيره من المأمومين لتكميل الصلاة بهم . – ومن هنا يُسن أن يلي الإمام في الصلاة خيار المأمومين وقراؤهم ومن يستطيع أن يخلف الإمام إذا طرأ عليه عذر – .
يُستحب له إذا فرغ من الصلاة أن يُقبل على الناس بوجهه ، ويكره له المكث على هيئته مستقبل القبلة .
أن يأتي بالأذكار الواردة عن النبي – صلى الله عليه وسلم – بعد الصلاة .
أن يتعلم أحكام قصر الصلاة ( بسبب السفر ) ، وأحكام الجمع بين الصلوات وخاصة بسبب المطر وغيره .
يُستحب للإمام المسافر إذا صلى بمقيمين وقصر صلاته أن يقول لهم عقب تسليمه: أتموا صلاتكم فإنّا سَفَر .
إذا أراد الانصراف وكان خلفه نساء يُستحب له أن يلبث يسيراً حتى ينصرف النساء ولا يختلطن بالرجال .
يستحب للإمام أن تكون له حلقة علم أو أكثر خلال الأسبوع – عدا يوم الجمعة – فيفقه الناس ، ويعلم أهل بلده ، لأنه مسؤول عنهم أمام الله تعالى ، ولأنها أمانة في عنقه ، فلا يكن همه انتهاء الصلاة ثم الانصراف ، فلربما كان لأحدهم حاجة أو سؤال


([1]) انظر: الشرح الممتع لابن عثيمين 4/276-277.

([2]) تقدم الدليل على كراهة ارتفاع الإمام على المأموم في ارتفاع مكان الإمام اليسير على المأمومين. وانظر: المغني لابن قدامة 3/48، والشرح الممتع لابن عثيمين 4/423-426.