تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 20 من 20

الموضوع: ما حكم حكم كشف وجه و يدين المرأة أمام الرجال الأجانب

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Apr 2014
    المشاركات
    64

    افتراضي ما حكم حكم كشف وجه و يدين المرأة أمام الرجال الأجانب

    حكم كشف الوجه واليدين للمرأة أمام الرجال الأجانب


    اختلف العلماءرحمهم الله في حكم تغطيتهما وكثير من الناس يجهل ويخلط في هذه المسألة
    .
    ولذا لابد من تحرير محل النزاع بين العلماء فيها:


    أولاً
    :
    محل الخلاف إنما هو الوجه واليدين، أما ما عداهما فيجب فيها التغطية بالاتفاق
    كالقدم، والساعد، وشعر الرأس، كل هذا عورة بالاتفاق.


    ثانياً:
    اتفق العلماء على وجوب تغطية الوجه واليدين إذا كان فيهما زينة كالكحل في العين، والذهب والحناء في اليدين
    .

    ثالثاً: اتفق العلماء على وجوب تغطية الوجه واليدين إذا كان في كشفهما فتنة.





    و للاطلاع على المقال الأصلي كاملاً
    العنوان هنا مع الاجابة الكاملة


    وقد نص كثير من العلماء القائلين بأن وجه المرأة ليس بعورة على وجوب تغطية الشابة لوجهها دفعاً للفتنة.

    وعليه فإن كشف أكثر النساء اليوم لوجوههن أمر محرم باتفاق العلماءلكونها كاشفة عن مقدمة الرأس والشعر، أو لأنها قد وضعت زينة في وجهها أو يديهاكالكحل أو الحمرة في الوجه، أو الخاتم في اليد.

    فمحل الخلاف إذاً بين العلماء: هو الوجه واليدين فقط، إذا لم يكن فيهما زينة، ولم يكن في كشفهما فتنة، واختلفوا على قولين: الوجوب والاستحباب.

    فالقائلون بأن وجه المرأة عورة: قالوا بوجوب التغطية، والقائلون بأن وجه المرأة ليس بعورة قالوا يستحب تغطيته.

    ولم يقل أحد من أهل العلم إن المرأة يجب عليها كشف وجهها، أو أنه الأفضل، إلا دعاة الفتنة ومرضى القلوب.

    أما العلماء: فإنهم لما بحثوا المسألة بحثوا عورة المرأةهل الوجه عورة؟ أو ليس بعورة؟ بمعنى هل تأثم المرأة إذا كشفت وجهها أو لا تأثم؟ أما استحباب تغطية الوجه للمرأة فهو محل اتفاق بين القائلين بأن وجه المرأة ليس بعورة.

    ومن العلماء المعاصرين القائلين بأن وجه المرأة ليس بعورة الألباني رحمه الله لكنه يقول بالاستحباب، ويدعو النساء إلى تغطية الوجه تطبيقاً للسنة، حتى قال في كتابه جلباب المرأة المسلمة: "ولقد علمت أن كتابنا هذا كان له الأثر الطيب ـ والحمد لله ـ عند الفتيات المؤمنات، والزوجات الصالحات، فقد استجاب لما تضمنه من الشروط الواجب توافرها في جلباب المرأة المسلمة الكثيرات منهن، وفيهن من بادرت إلى ستر وجهها أيضاً، حين علمت أن ذلك من محاسن الأمور، ومكارم الأخلاق، مقتديات فيه بالنساء الفضليات من السلف الصالح، وفيهن أمهات المؤمنين رضي الله عنهن" انتهى كلامه رحمه الله
    (جلباب المرأة المسلمة ص26).

    وأردت بهذا أن يتميز كلام العلماء القائلين بأن وجه المرأة ليس بعورة، وبين دعاة الرذيلة.

    فإن العلماء لم يدعوا واحد منهم إلى أن تكشف المرأة وجهها، بل أقل ما قيل بينهم إن التغطية هي الأفضل، بخلاف دعاة السوء الذين يطالبون بكشف المرأة لوجهها.

    وما الذي يَضُرهم؟! وما الذي يُغيظهم من تغطية المرأة وجهها؟! إنه سؤال يحتاج منا إلى جواب، نسأل الله الكريم أن يحفظ نساء المسلمين من كيدهم.

    وأعود مرةً أخرى إلى محل النزاع في حكم تغطية المرأة لوجهها ويديها، هل هو واجب أو مستحب؟ الراجح من قولي العلماء وجوب تغطية المرأة لوجهها ويديها أمام الرجال الأجانب

  2. #2

    افتراضي رد: ما حكم حكم كشف وجه و يدين المرأة أمام الرجال الأجانب

    اتفق العلماء على وجوب تغطية الوجه واليدين إذا كان في كشفهما فتنة.
    كلام باطل ليس له أساس من الصحة

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,352

    افتراضي رد: ما حكم حكم كشف وجه و يدين المرأة أمام الرجال الأجانب

    أقوالُ الفقهاءِ في تغطيةِ وجهِ المرأةِ بين الفَهم والوَهم

    الشيخ الدكتور منصور بن حمد العيدي

    14 ربيع الأول 1436هـ

    الحمدُ للهِ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على رسولِ اللهِ
    أمَّا بعدُ:
    فلقدِ اطلعتُ على مقالةٍ للدكتور حاتم العوني- وفَّقه الله- في صفحته في (الفيس بوك)، يُؤكِّد فيها على أنَّ أئمَّةَ المذاهب يَرَون أنَّ وجهَ المرأة وكفَّيها ليسا بعورةٍ، وأنه يحلُّ كشفهما، وذكر لذلك نُقولًا عن أرباب المذاهب يرَى أنها تُؤيِّد صحَّةَ ما ذهب إليه، وليتَه وقَف عند هذا الحدِّ، لكن المؤسِف أنَّه– سامحه الله- حشَى مقالَه بعباراتٍ لا تليقُ بمِثله لا عِلمًا ولا نَسبًا، وكنتُ أظنُّ أنَّها سَوْرةُ غضبٍ وسَرعانَ ما يتنبه لها الدكتور حاتم ويُجري تعديلًا عليها، إلَّا أنه للأسف الشَّديد أصرَّ عليها وردَّ على مَن عاتَبه على تِلك الألفاظ في صَفحته أيضًا لاحقًا!!

    وبعدَ قِراءتي للمقال وجدتُ أنَّه من المناسب التَّذكيرُ والتنبيهُ على بَعضِ الضوابطِ والملحوظاتِ التي ينبغي مراعاتُها عند بحْث مسألة كشْف الوجه، وهي مفيدةٌ أيضًا في نِسبة الأقوال إلى الأئمَّة بشكلٍ عامٍّ، وأحسبُ أنَّ عدمَ مراعاةِ هذه الملحوظات سيُوقِع الباحثَ في خَلل في التصوُّر، ومِن ثَمَّ لن يصلَ إلى النتيجة المَرجُوَّة.
    وليس الغرضُ مِن المقال أصالةً مناقشةُ الدكتور حاتم، غير أنَّ ذلك سيقعُ ضِمنًا وتبعًا كما سيَلحَظُ القارئُ الكريم.

    الملحوظة الأولى: ليتذكَّرِ الفقيهُ أنَّ كثيرًا ممَّن يتطرَّق إلى هذه المسألةِ ليس مهمومًا بالانتصار للشَّرع ولا للسُّنَّة، وإنما قضيتُه التغريبُ؛ فهو يستغلُّ الخلافَ الفِقهيَّ لإثارة القضية أولًا، ثم ينتقلُ بعد ذلك إلى تثبيتِ أَجندته التغريبيَّة؛ وعليه: فليس يَحسُن التعامُل مع كلِّ أحد يتحدَّثُ عن هذه المسألة بالطريقة الفقهيَّة، فقد يكون من المناسبِ فَضْحُ مشروعِه التغريبيِّ دون التفاتٍ إلى مسألةِ كشف الوجه فقهيًّا.

    الملحوظة الثانية: ليَحْذَرِ الفقيهُ مِن أن تُستغلَّ فتواه لهدْمِ الشرع وهو لا يَشعُر؛ وعليه: فليتنبه لسياقِ الحالِ الذي طرَح فيه رأيَه، وليتنبه لِمَا قد يفهمه الناسُ مِن فتواه وهو لا يَشعُر.
    لقد همَّ عمرُ رضي الله عنه أن يَخطُبَ الناسَ في مكَّةَ في آخِر حَجَّةٍ له؛ ليُنكر قولَ بعض الناس في أمْر البيعةِ والخِلافة، فأشار عليه بعضُ الصحابة أن يُؤخِّر خُطبتَه ولْيقُل ما شاء في المدينةِ؛ لئلَّا يُفهمَ كلامُه على غير مرادِه، فاستحسنَ المشورةَ وأخَذ بها، فكانت تلك الخُطبة البليغة التي أخرجَها الإمامُ البخاريُّ في صَحيحه.
    إنَّ مِن غيرِ المناسب أنْ يتحمَّس مُتحمِّسٌ لعَرْض الخلاف الفقهيِّ في مسألة كشْف الوجه في وقتٍ يقومُ فيه شخصٌ بعَرْض زوجتِه مُتزيِّنة على رؤوسِ الأشهاد؛ فعندها سيفهمُ العامَّةُ أنَّ هذا المتحمِّسُ يُصوِّبُ ذلك الفِعلَ ويؤيِّده؛ فيُسيء إلى نفْسه، وإلى أقوالِ العلماء، وإلى الخِلاف الفقهيِّ، ويُوقِع الناسَ في حَيرةٍ كانوا في غِنًى عنها، وفي آخِر الأمْر أعظمُ الناس فرحًا بصَنيعِه هم أبعدُ الناس عن شرْع اللهِ، بل هم المحاربِون له!
    كم هي غفلةٌ عظيمة أن يَتطوَّعَ الفقهاءُ لخِدمة المشروعِ التغريبيِّ وهم لا يَشعرون!
    وهذه الملحوظةُ لا تقتصرُ على مسألتنا هذه، بل يَنبغي أن تكون منَّا على بالٍ في عُمومِ الطرح الفِقهي.

    الملحوظة الثالثة: مَن أراد بحْثَ مسألة حُكم كشف المرأة لوجهها، أو عورة المرأة بشكلٍ عامٍّ، وآراء العلماء في ذلك، فمن الخطأ الاقتصارُ في ذلِك على آيةِ سورة النور، وهي قولُه تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31]، بل عليه أن يضمَّ إلى ذلك ابتداءً الآياتِ الواردةَ في الحجاب عمومًا، ثم السُّنَّة؛ وعليه: فلا يَقتصِر على ذِكر أقوال المفسِّرين في بعضها، ويُهمل أقوالَهم في بقيَّتها، بل عليه أن يَجمعَ أقوالهم في جميعِ آيات الحجاب؛ لينظرَ في حقيقة مُرادهم، وإلَّا فإنه سيُخطئ في نِسبة الأقوال إلى أصحابها، ومِن ثَمَّ لن يكونَ ترجيحُه مستقيمًا، وأضرِبُ لذلك مثلًا مِن هذه المسألة التي نحن بصددها بشكلٍ مختصَر:

    يَرى أبو بكرٍ الجَصَّاص أنَّ الزِّينةَ المستثناة في الآية السابقة، المباحَ إبداؤُها هي: الوجهُ والكفَّان[أحكام القرآن 5/172]، فلو أنَّ باحثًا اقتصَر على هذا لتَوهَّم أنَّ الجصَّاص يُبيح للمرأة كشْفَ وجهها؛ لأنَّه ليس بعورةٍ؛ ولأنَّه ممَّا استثنى الله، غير أنَّ الباحث لو أكْمَل بحثَه في آية الأحزاب، وهي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ} [الأحزاب: 59] لوَجَدَ الجَصَّاصَ نفْسَه يُوجِبُ تغطيةَ الوجه، ويُبيِّن أنه واجبٌ على الحرائر دون الإماء؛ يقول- رحمه الله -: (في هذه الآية دَلالةٌ على أنَّ المرأةَ الشابَّةَ مأمورةٌ بسَتْر وجْهِها عن الأجنبيِّين، وإظهارِ السِّترِ والعفافِ عند الخروجِ؛ لئلَّا يطمعَ أهلُ الريب فيهنَّ، وفيها دلالةٌ على أنَّ الأَمَةَ ليس عليها سترُ وجهها وشَعرها؛ لأنَّ قوله تعالى: {وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ} ظاهرُه: أنه أراد الحرائرَ، وكذا رُوِي في التفسير؛ لئلَّا يكُنَّ مِثلَ الإماء اللاتي هنَّ غيرُ مأموراتٍ بستر الرأس والوجه، فجَعَل السِّترَ فَرقًا يُعرَفُ به الحرائرُ من الإماء) [أحكام القرآن 5/245]، فمَن نظَر إلى النصِّ الأوَّل فقط سيحكُم بأنَّ الوجه مُباحٌ كشفُه عند الجصَّاص، ومَن نظَر إلى النص الثاني فقط عكَس القضيةَ، وفي ذلك إساءةٌ للعالِم، وقد يُسارعُ مسارعٌ إلى الحُكم بالتناقُضِ، أو يحاولُ تقديمَ أحد النصَّينِ على الآخَر، غير أنَّ المتعيِّن هو التدقيقُ في فَهم النصَّينِ، ووضْعُ كلٍّ في موضعِه، وعدمُ ضرب بعضها ببعض.

    إنَّنا بحاجةٍ ماسَّة لاستيعاب هذه القضية عمومًا، وبشكلٍ خاصٍّ في مسألة عورة المرأة؛ لأنَّنا في واقع الأمر سنجِدُ عددًا من العلماء ومِن أهل التفسيرِ- ممَّن حُكي عنه القولُ بأنَّ الزِّينة في سورة النور هي الوجهُ واليدان- ينصُّ في آيةِ الأحزابِ على وجوبِ تغطية الوجه، منهم الآن الحَبْر ابنُ عبَّاس رضي الله عنهما، والحسن، وإبراهيم النَّخَعي، وقتادة. [تفسير ابن أبي حاتم 8/2574، المحرر الوجيز 7/147، وتفسير القرطبي 17/230]، ونسَب الواحديُّ هذا القولَ للمفسِّرين ولم يَحكِ خلافًا، كما في الوسيط 3/482 والبسيط 18/292، بل هو ظاهرُ اختيار الطبريِّ 19/181.
    ويَتبيَّن لنا مِن هذا: أنَّ مَن قال: إنَّ آية النور هي في الوجه واليدين، فلا ينبغي الاستعجالُ، وأن ننسُبَ إليه أنَّه يُبيح كشْفَ الوجه مطلقًا،، وأظنُّ سائلًا يقول: فما مرادُهم إذن؟ وهو ما سأوضِّحه في الملحوظة التالية

    الملحوظة الرابعة:
    ظهَر لنا من خلال النَّقل السابق أنَّ قولَ بعض العلماء من المفسِّرين وغيرهم: إنَّ الزينةَ المباحَ إبداؤُها هي الوجه والكفان، لا يعني بالضرورة أنَّه يُجوِّز كَشفَهما مطلقًا، والسؤال هو: فما مرادُ هؤلاء بإظهارها إذن؟
    والجواب: للعلماء في ذلك توجيهاتٌ مُتعدِّدة، أذكر منها ما يلي:

    - أنَّ هذا كان في أوَّل الإسلام، وقبلَ نزول آية الحجاب التي في سورة الأحزاب، وهو رأي شيخ الإسلام. [مجموع الفتاوى 22/110] وانظر ثَمَّةَ مُؤيِّداتِه.
    - أنَّ الاستثناء مرادٌ به ما يقعُ بضرورةِ حركةٍ فيما لا بدَّ منه، أو إصلاح شأنٍ، ونحو ذلك؛ فما أدَّتْ إليه الضرورةُ فهو معفوٌّ عنه، وهو قول ابن عطية. [المحرر الوجيز 6/375].
    - أنَّ المرادَ ما ظهَر منها بغير اختيارها، كأنْ كشفته الريحُ، وهو رأي الشِّهاب الخفاجي، وأيَّد كلامَه أنَّ الآية هي فيما ظهَر لا فيما أَظْهَرْن. [حاشية الشهاب 6/372]، والفرق بينه وبين ما قَبْلَه: أنَّ السابق أظهرتْه هي لحاجةٍ أو ضرورة، وأمَّا هذا فظَهَر بغير اختيار.
    - أنَّ المراد جوازُ إظهارها للحاجةِ المعتبرة شرعًا، كالعلاج والشهادة ورؤية الخاطِب، وهو رأيُ جمهرةٍ من الحنفيَّة والشافعيَّة. المرجع السابق.
    - أنَّ المراد بالزينة هنا: الزِّينةُ التي نُهي عن إبدائها، لا ما أُبِيحَ إبداؤُه. [تفسير ابن كثير 6/45].

    وليس مُرادي حصْرَ توجيهات المفسِّرين- لابن عبَّاس توجيهٌ سيأتي قريبًا- وإنَّما توضيحُ عدم الملازمة بين تفسير الآية بالوجه والكفَّين وبين إباحةِ كَشفهما مطلقًا؛ وعليه: فمَن قال بالأوَّل لا يصحُّ أن يُنسَب له الأمرُ الثاني إلَّا بكلام صريح، بل إنَّه من العسير جدًّا أن نرى عالِمًا يُشار له بالبنان يُبيح صراحةً لِمَن تُلفِتُ الأنظارَ أن تَبرُز للناس غاديةً ورائحةً كاشفةً وجههَا، فضلًا عن أن تكونَ متجمِّلةً بأنواع الزِّينة، بل على العكس من ذلك يَنصُّون على تحريمه، فهذا أبو الحسن ابن القطَّان مع أنه يرى أنَّ الوجه ليس بعورةٍ، إلَّا أنه يقول: (إذا قَصَدتْ بإبداء ذلك- الوجه والكفين- التبرُّجَ وإظهارَ المحاسن، فإنَّ هذا يكون حرامًا) [النظر في أحكام النظر ص 62].
    فإنْ قال قائل: فما حقيقةُ قول ابن عبَّاس رضي الله عنهما في ذلك؟

    ورَدَ عن ابن عبَّاس رضي الله عنهما في تفسير آية النور أنَّ المراد الوجه والكفَّان، وكل الطرق إليه في ذلك ظاهرةُ الضَّعْفِ سِوى ما جاءَ من طريق عليِّ ابن أبي طلحةَ، عن ابن عبَّاس، والأقرب إنْ شاء الله أنَّها طريقٌ حسنةٌ- على خِلافٍ في ذلك؛ لأنَّ ظاهرها الانقطاع– ولفظه: (قال: والزِّينةُ الظاهرةُ: الوجهُ، وكُحل العين، وخِضاب الكفِّ، والخاتم؛ فهذه تَظهَرُ في بيتِها لِمَن دخَل مِن الناس عليها). [الطبري 17/259]. فإذا تأمَّلنا في هذا النصَّ وجَدْنا أنَّ ابن عباس لا يأذن للمرأةِ أن تَخرُجَ للناس باديةً ذلك، وإنما في بيتها، أي: لمحارمها، وليس لغيرهم، وهذا مقطوعٌ به، ومع ذلك نصَّ عليه ابنُ عبَّاس في تفسيرِ قوله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنّ َ}... إلى قوله: {عَوْرَاتِ النِّسَاءِ}- قال: الزِّينةُ التي تُبديها لهؤلاء: قُرطاها، وقِلادتها وسِوارها، فأمَّا خَلْخَالَاها ومِعْضَداهَا, ونَحْرُها، وشَعرُها؛ فإنَّه لا تُبديه إلَّا لزَوجِها. [الطبري 17/264]، فابن عبَّاس يُشدِّدُ فيما تُبديه المرأة لمحارمها خلافَ ما يظنُّه بعضُهم من تَساهُله رضِي الله عنه، وأنَّه يُبيح للمرأةِ أن تُبدي ذلك لكلِّ أحد، وهذا المرويُّ عن ابن عباس هنا يتوافَقُ مع روايته الأخرى في سورة الأحزاب من طريقِ عليِّ بن أبي طلحة أيضًا، حيث قال: (أمَر اللهُ نِساءَ المؤمنين إذا خَرجْنَ مِن بُيوتهنَّ في حاجةٍ أن يُغطِّين وجوههنَّ مِن فوق رؤوسهنَّ بالجلابيب، ويُبدين عينًا واحدةً). [الطبري 19/181].

    فانظرْ هنا كيف نصَّ ابنُ عباس على الخروجِ ولم يذكره هناك، وأوجب هنا تغطيةَ الوجه وهناك جعَل كشفَهما للمحارمِ؛ فليس بين قولي ابن عباس أيُّ تعارُضٍ لا مِن قريبٍ ولا من بعيد، وتأمَّل الجنايةَ على أقوال ابن عبَّاس حين يَزعُم بعضُهم أنَّها متعارضةٌ، ثم يتطلَّب ترجيحَ بعضها على بعضِ بأقوال تلاميذِ ابن عباس!!!

    وواقعُ الأمر: أنَّ كِلتا الرِّوايتينِ بنفس الإسناد، ومتونها لا تتعارض؛ فلا حاجةَ للترجيح أصلًا، كما أنَّ الترجيحَ بأقوال تلاميذ ابن عباس لا يَحُلُّ الإشكالَ أصلًا؛ لأنَّ جماعةً منهم رُوي عنه وجوبُ تغطية الوجه كما تقدَّم.
    بل لو كان الأمرُ يحتاج إلى ترجيحِ أحد النصَّينِ على الآخَر، لكان الأَوْلى تقديمَ النصِّ المانع من كشْف الوجه؛ لأنَّ له شاهدًا على شرْط الشيخين يَذكر فيه ابنُ عباس تَغطيةَ المُحرِمة لوجهها- مع أنها مُحْرِمة– ويَذكر فيه تفسيرَ إدناءِ الجلباب– وهو ما رواه أبو داوودَ في مسائله لأحمدَ، عن ابن عباس قال: (تُدني الجلبابَ إلى وَجهِها، ولا تَضْرِبُ به».
    قال رَوْحٌ في حديثِه، قُلتُ: وما لا تَضرِبُ به؟ فأشارَ لي كما تُجَلْبِبُ المرأةُ، ثُمَّ أشارَ لي ما على خَدِّها من الجِلبابِ، قال: تَعْطِفُه وتَضرِبُ به على وَجْهِها، كما هُو مَسْدُولٌ على وجْهِها) [ص: 155]، فأوجب ابنُ عباس على المحرِمة هنا غطاءَ الوجه، وتبيَّن بالنص أنَّ الإدناءَ سدلُه على الوجه.
    والترجيح بالنصِّ المؤيِّد أَوْلى اتفاقًا مِن الترجيحِ بأقوال التلاميذ.
    فظهَر بهذا حقيقةُ قول ابن عباس، وأنَّه لا يَحِلُّ أنْ يُنسب إليه السفورُ.

    وإذا كانت هذه حقيقةَ قول ابن عباس؛ فهل صحَّ عن الأئمَّة؛ أبي حنيفة، ومالك، والشافعي، أنَّهم أباحوا للمرأةِ كشْفَ وجهها؟ وما مرادُ أتْباعهم حين نَسبوا إليهم أنَّ وجه المرأة ليس بعورةٍ؟
    وقَبل الإجابة أحبُّ أن أُذكِّر بما يلي:

    الملحوظة الخامسة: يجبُ على الباحث أن يُفرِّق بين عورة الصَّلاة بالنسبة للمرأةِ، وعورةِ النَّظر؛ وعليه: فإذا وجَدْنا نصًّا عن عالِم يذكر فيه أنَّ عورةَ المرأة في الصَّلاة الوجه والكفَّان، فلا ينبغي أن نسحبَ ذلك على عورةِ النَّظرِ وما يَنبغي أن تَستُره.
    في المعيار المعرب (1/402): (لأنَّ عورة الصلاة والعورة التي يجوزُ النظر إليها نوعانِ مُختلفان؛ ولذلك يوجد أحدُهما دون الآخَر, فالمَحرَمُ يَنظُر إلى ذِراع ذات مَحْرَمِه وغير ذلك مِن أطرافها, ولا يجوزُ إبداؤها ذلك في الصَّلاة، والزوج يرَى من زوجته أكثرَ ومِن نفْسه ما لا يجوزُ إبداؤُه في الصَّلاة، والعورة في نفسها تختلف أحكامُها في الصلاة؛ فإنْ أبدت الحُرَّةُ شَعرَها أو صدْرَها أو ظهورَ قدميها أعادتْ في الوقت خاصَّةً على المشهور, وذلك حرامٌ على الأجنبيِّ النظرُ إليه، وفي العورة الحقيقيَّة تُعيد أبدًا كالرَّجُل، والنظر إلى العورةِ مِن الرَّجُل لا يَحِلُّ بحالٍ مع الاختيار, وطلبُ
    سَتْر العورةِ لذات الصَّلاة في الخَلوةِ مُختلَفٌ فيه؛ فدلَّ جميعُ هذا على أنَّ للعورةِ بالنسبة إلى النَّظر حُكمًا، وبالنسبة إلى الصَّلاة حُكمًا آخر, يدلُّ على طلب ستر الوجهِ للحُرَّة أنَّها لو صَلَّتْ متنقبة لم تُعِدْ).
    وقال شيخُ الإسلام ابنُ تيميَّة: (فليستِ العورةُ في الصلاة مرتبطةً بعورة النَّظر، لا طردًا ولا عكسًا) [مجموع الفتاوى 22/115]. وأنصح بمراجعة كلامِه في هذا مِن أوَّلِه– رحمه الله.

    الملحوظة السادسة: يَنبغي لشرح أقوال العلماء معرفةُ ما فَهِمه أتباعُهم من ذلك، وقد أحسن الدكتورُ حاتم حين قال مُعلِّلًا لذلك: (فهُمْ أعرفُ الناس بأقوالِه وآمنُهم على مذهبِه)، لكن ينبغي مع ذلك التأكُّدُ من عدم وجودِ الخِلاف بينهم، وأنْ يكون الباحثُ على دِرايةٍ بطُرق تحرير قولِ المذهب حين يوجدُ الخلافُ فيه.

    إذا تَقرَّر هذا؛ فلننظر إلى أقوال المذاهبِ مُبتدئين بأبي حنيفةَ.
    جاءَ عن أبي حنيفةَ ما ذكَرَه الدكتور حاتم من قولِ محمَّد بن الحسن: (وأمَّا المرأةُ الحُرَّة التي لا نِكاحَ بينه وبينها ولا حُرمة ممَّن يَحِلُّ له نكاحُها، فليس ينبغي له أن يَنظُرَ إلى شيءٍ منها مكشوفًا إلَّا الوجه والكف، ولا بأسَ بأنْ ينظُرَ إلى وجهها وإلى كفِّها ولا يَنظُر إلى شيءٍ غيرِ ذلك منها، وهذا قولُ أبي حنيفة، وقال الله تبارك وتعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31]، ففسَّر المفسِّرون أنَّ ما ظَهَر منها الكُحلُ والخاتم، والكحلُ زينةُ الوجه، والخاتم زينةُ الكفِّ؛ فرُخِّص في هاتين الزينتين، ولا بأسَ بأن ينظُر إلى وجهها وكفِّها إلَّا أن يكونَ إنَّما ينظُر إلى ذلك اشتهاءً منه لها) [الأصل 53 -54].
    وظاهره جوازُ النظر إلى وجْه الأجنبيَّة وكفِّها، وأنَّهما الزينةُ المباح إظهارُها بشَرْط عدم الاشتهاء!!

    والسؤال هنا: هل يُبيح أبو حنيفة كشْفَ الوجه مطلقًا، وهل يُجوِّز للنساءِ الخروجَ بين الرِّجال كذلك، وهل يصحُّ للرجِّال النظرُ لوجوههنَّ كيفما شاؤوا إذا لم يَحصُل اشتهاءٌ؟
    إنَّ مَن يقرأ هذا النصَّ قدْ يتوهَّم ذلك، ولكن مَن يطَّلع على آراء أبي حنيفة والحنفيَّة في مسائلَ أخرى متعلِّقة بالنساءِ سيَضَعُ هذا النقلَ مواضعَه.

    ومن هذه الآراء ما يلي:
    1- يَمنع أبو حنيفة غيرَ العجائزِ من شُهودِ الجماعة؛ لغلبة الفسادِ، وأمَّا العجائز فأباح لهنَّ حُضورَ فرضينِ فقط، ثم جاء متأخِّرو الحنفيَّة ومَنعوا حضورَ النِّساء كافَّةً كلَّ الفروض، وبيَّنوا أنَّ هذا هو حقيقةُ قول أبي حنيفة، وأنَّ المنع مِن حضور مجالسِ الوعظِ والاستسقاءِ أَوْلى وأَوْلى. [البحر الرائق 1/380]ٍ.
    2- يرَى الحنفيَّةُ أنَّ للزوج الحقَّ في ضَرْب زوجته على خروجها من البيت إلَّا لزيارةِ المحارم؛ فيجوز في السَّنةِ مرَّةً، وأمَّا الوالدان فاشترط أبو يوسفَ أنْ لا يتمكَّنَا من المجيء إليها، وقالوا: إنَّ زيارتها لوالديها في الأسبوع مرَّةً كثيرٌ مخالف للأمْر بالقرارِ في البيت، ولأنَّ في كثرةِ الخروج فتْحَ باب الفِتنة!! [شرح فتح القدير 4/398، درر الحكام 1/416].
    3- عند الحنفيَّة أنَّ ما تستأذن له الزوجةُ للخروج سبعةُ مواضع فقط، وهي: زيارة الأبوين، وعِيادتهما، وتَعزيتهما، وزيارة المحارم، وإنْ كان لها حقٌّ مِن دَين أو غَيره أو لغيرِها عليها حقٌّ، والسادسة: القابلةُ، والسابعة: المُغسِّلة. وفيما عدا ذلك تُمنع، فتُمنَع من زيارةِ غير المحارمِ، ومِن الوليمةِ والعِيادة، ولو أذِن لها الزوجُ فإنَّه وإيَّاها عاصيانِ!!!. [البحر الرائق 1/380].
    4- يرى الحنفيَّة أنَّ الزوجة التي تُوفي عنها زوجُها وله أبناءٌ من غيرها وهم في بيت واحدٍ، أنَّ عليهم أن يضعوا سِترًا بينهم وبينها- مع أنَّهم محارمُ بالاتفاق- ويُنظر توجيه ذلك عندهم. [البحر الرائق 4/168].
    5- المشهور عند الحنفيَّة أنَّه لا يحلُّ للمرأة رفْعُ صوتها عند الأجنبيِّ حتى لو قيل: إنَّه ليس بعورة. [شرح فتح القدير 1/260، حاشية ابن عابدين 1/406].
    6- يرَى الحنفيَّة أنَّ ما يَنظُر إليه الخاطبُ الوجهُ. [بدائع الصنائع 5/122].
    7- يرَى الحنفية أنَّ المحرِمة تُغطِّي وجهَها عن الأجانب وجوبًا، وأنَّه يستحبُّ لها ذلك عند عدمهم. [حاشية ابن عابدين 2/528].

    فهذا غيضٌ من فيضٍ مِن آراء الحنفيَّة، وفيها من التشديد ما ترَى؛ أفيُعقَلُ بعد هذا أن يُنسَب إليهم تجويزُ خروجِ النِّساءِ عامَّةً، والشوابِّ خاصَّةً إلى الأسواقِ والمقاهي ونحوِها وقد كشَفْنَ وجوههنَّ، والرِّجال ينظرون إليهنَّ؟!!
    إذا كانت المتزوِّجةُ لا تخرُج عندهم في منصوص أئمَّتهم إلَّا إلى أماكنَ خاصَّةٍ؛ فما قولهم في الشابَّة والعزباء؟! وإذا كان الخاطبُ عندهم لا يرَى إلَّا الوجهَ؛ فما قِيمةُ ذلك لو كانوا يُبيحون كشْفَ الوجه مطلقًا ونظَرَ الرجال إليه؟! سيكون هذا مِن تحصيل الحاصلِ، وتأمَّل كيف أوجبوا على المُحرِمةِ سترَ وجهها مع أنَّ إحرامها في وجهِها؟!

    إنَّ مراد الإمام بعيدٌ كلَّ البُعدِ أن يُراد به كلُّ النِّساء وعمومُ الناظرين وفي كافَّة الأحوال، ولا أقول هذا القول لِمَا تَقدَّم فحسبُ، بل لِمَا سأورده الآن من عِبارات أئمَّتهم المانعة من كشْف الوجه والنَّظر إليه، مُذكِّرًا نفْسي وإخوتي بأنَّه لا ينبغي أنْ نختارَ من أقوال أتْباع المذاهب ما يَروقُ لنا، ثم نجعله المذهبَ أو قولَ إمام المذهب!
    في المحيط البرهاني في الفقه النعماني (8/ 291): (والنظرُ إلى الأجنبيَّة مع ما فيه من خوفِ الفِتنة لا يجوزُ إلَّا لضرورة).
    وقال في مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (1/ 285): (ودلَّتِ المسألةُ على أنَّ المرأةَ لا تَكشِف وجهَها للأجانبِ من غيرِ ضرورةٍ).
    في البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق 1/284: (قال مَشايخُنا: تُمنَعُ المرأةُ الشابَّةُ من كشْفِ وجهِها بين الرِّجال في زَماننا للفِتنة).
    وفي مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر 1/81: (وفي المُنتقَى: تُمنَعُ الشابَّةُ عن كشْفِ وجهِها؛ لئلَّا يُؤدِّي إلى الفِتنة، وفي زَمانِنا المنعُ واجبٌ، بل فرضٌ؛ لغلبة الفسادِ).
    وفي حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح ص241: ("إلَّا وجهها" ومنع الشابَّة مِن كَشْفِه؛ لخوف الفتنة).
    وفي حاشية ابن عابدين (رد المحتار) 1/406 – وهو مِن العُمَد في معرفةِ الصَّحيح عند الحنفيَّة-: (والمعنى: تُمنَعُ من الكشْفِ لخوفِ أن يرَى الرجالُ وجهَها، فتقع الفتنةُ؛ لأنَّه مع الكشف قد يقَعُ النظر إليها بشهوةٍ).
    وفي الحاشية أيضًا 2/528: (وفي المحيط: ودلَّت المسألة على أنَّ المرأة منهيَّةٌ عن إظهارِ وجهِها للأجانب بلا ضرورة؛ لأنَّها منهيَّةٌ عن تغطيتِه لحقِّ النُّسك، لولا ذلك وإلَّا لم يكُن لهذا الإرخاءُ فائدةٌ. اهـ، ونحوه في الخانية، ووفَّق في البحر بما حاصلُه: أنَّ محمل الاستحباب عند عدَم الأجانب).
    ثم بيَّن ابن عابدين أنَّ وجوب التغطية هو رأيُ علماء الحنفيَّة.
    وسبَق ذِكر كلام الجصَّاص في وجوبِ غِطاء الوجه في أوَّل البحث.

    إنَّ هذه الكوكبةَ من علماء الحنفيَّة أدْرَى بمرادِ أبي حنيفة من كلامِه وأعرفُ بمقصوده، ومن خلال كلامِهم يظهر بجلاءٍ أنَّ ما نقَلَه عنه محمَّد بن الحسن من الكشفِ والنظرِ مُقيَّد بالحاجةِ، أو الضرورة، وأنْ لا يكون الكشفُ ممَّن تمتدُّ إليها الأنظار.
    وإنَّ الواقع السيِّئ لكثيرٍ من نِساء المسلمين لا يصحُّ بحالٍ أن يُنسَب تجويزُه لأبي حنيفة- رحمه الله- أو إلى مذهبِه.

    وأمَّا مذهب الإمام مالكٍ، فلا يَبعُد عن ذلك، غير أنَّه لا بأسَ من التذكير بأمورٍ، ومعها بعض زِيادات فأقول:
    - ما يَنقُله المالكيَّةُ عن الإمام مالكٍ من تفسيرِ الزينة الظاهرة بالوجه واليدين، لا يَعني بالضرورةِ أنَّ الإمامَ يُبيح الكشفَ على كلِّ حال، وأنَّهما ليسَا بعورة، ولا يصحُّ العبثُ بنصوص الأئمَّة؛ ففي مثالنا هذا نقَلَ ابنُ بُكيرٍ أنَّ الإمامَ مالكًا فسَّر الزينةَ في آية النور بالوجه والكفين فحسبُ، ولم يقُلِ ابنُ بكير إنَ مالكًا يرى أنَّهما ليسا من العورة، ولا أنَّه يجوز كشْفه للأجانب، وقد سبَق بيانُ عدم الملازمة بين تَفسيرِها بالوجه واليدين وبين الحُكم عليهما بكونِهما عورةً أو يُباح كشفُهما بإطلاق.

    - كذلك ما يَذكُرونه عن عورةِ الصَّلاة لا يَنسحِبُ بالضرورةِ على عورة النَّظر، وقد سبق النقلُ عن المعيار المعرب.
    فعلى الباحثِ عن رأيِ الإمام مالكٍ أن يضعَ هذه النقطةَ وما قبلها نُصبَ عينيه؛ ليحسن التعامُل مع النصوص الواردة عن الإمام.

    - رأيتُ بعضَ الباحثين، ومنهم الدكتور حاتم، يستدلُّون على إباحةِ الإمام مالكٍ لكَشْفِ الوجه بتناوُل المرأةِ الطعامَ مع غير مَحرَمٍ.
    والواقع أنَّ الإمام ما ذَكَر هنا كشْفَ الوجه واليدين، وإنما فَهِم هذا بعضُ المالكيَّة، وخالفَهم آخرون كما سيأتي، نعمْ لو أَطبقوا على هذا الفَهم لاحتَمَل ذلك. ولو سَلَّمْنا جدلًا أنَّ الإمام يرى أنَّ المرأة في هذه الحالة تُبدي وجهَها ويديها، فلا يلزم منه إباحةُ ذلك لكلِّ امرأة، ولعلَّ الإمامَ يَعدُّ هذه من الحاجاتِ المعتبرة شرعًا التي يسوغ معها كشفُ الوجه، وبكلِّ حال لا نستطيع مِن خلال هذا النصِّ فقط- لِمَا يَتطرَّق إليه من احتمالاتٍ- أن نجعلَ ذلك قولًا للإمامِ في عُمومِ الأحوال وعموم النِّساء.

    وأؤكِّد على أنَّ المرأةَ قد تأكُل بحضرة أجانب وهي ساترةٌ لوجهها، وقد رأيتُ ذلك عِيانًا، كما أنَّ القاضي عياضًا- رحمه الله- كان أمينًا في نقْله، حيث نقَل تفسيرَ الأزهريِّ لكلامِ مالكٍ بأنَّه أكْل المرأة في الحِجال؛ قال: (وقال الأزهري: معنى قول مالك المتقدِّم فى المؤاكلة ذلك فى الحِجَال– جمْع حَجلة، وهو بيتٌ كالقُبَّة يُستَرُ بالثياب) [إكمال المعلم 6/267، لسان العرب 11/144]، وهذا يُفيد أنها لم تُغطِّ وجهها فقط، بل حجَبَتْ كلَّ جِسمها!
    وعليُّ بن الجهمِ حمَل هذا على العجوزِ المتجالَّة. [النظر في أحكام النظر ص 50].
    كذلك ما يَنقُلونه عن الإمامِ في مسألةِ الرِّجال يُيمِّمون المرأةَ، ليس فيه التصريحُ بأنَّها كاشفةٌ؛ فقد يُيمِّمون المرأةَ وهي مستورة.
    لا سيَّما والإمام مالك يرَى أنَّه لو ماتت امرأةٌ في فلاة ليس معها سوى ابنِها، أنَّه يُغسِّلها من وراءِ الثوب. [النوادر والزيادات 1/551].
    سَلَّمْنا أنَّها كاشفةٌ، فلتُحْمَل على الضرورةِ، أو الحاجةِ المعتبرة شرعًا.

    وأمَّا إباحة المرأةِ الـمُظاهَر منها أن تكشفَ وجهها لزوجها، فهو لأنْ يكون دليلًا على تغطيته أقربُ منه لأنْ يكون دليلًا على كشْفِه، فقصارى ما يدلُّ عليه أنَّ الظِّهار لا يجعلها محرَّمةً عليه، بل تَبقَى الزوجيَّة، فيراها زوجُها ويراها غيرُه ممَّن أُبيح له ذلِك.
    وقد علَّق أبو الحسن ابن القَطَّان على هذه الرِّواية عن مالك، فقال: (يُمكن تأويلُه على أنَّه قد يراه غيرُه للضرورةِ من شهادةٍ، أو خِطبة، أو غير ذلك) [النظر في أحكام النظر ص 49-50]- وإنْ كان لم يَرتضِه، لكنَّه لم يأتِ بشيءٍ ظاهرٍ يردُّه.

    وأقول: لو كان الوجهُ مباحًا رؤيتُه لكلِّ أحد، لقال الإمام: وكلُّ أحد له النَّظر، ونحو ذلك مِن العبارات الدالَّة على الحِليَّة المطلَقة، وليس أنْ يقول: ( وقد يَنظُر غيرُه أيضًا إلى وجهِها) وهي عبارةٌ تدلُّ على التقليل، وهنا أنصحُ نْفسي وإخوتي بعدم نِسبة أقوال إلى الأئمَّة أخذًا من عِبارات مُجمَلة، لا سيَّما وقد حارَ فيها أتباعُهم!
    لقد سُئل الإمام مالك– كما في البيان والتحصيل 7/296- عن الرجُلِ يَشتري الجارية؛ أترَى أن ينظُرَ إلى كفَّيها؟ قال: أرجو أنْ لا يكون به بأسٌ.
    فهذه أَمَة كفَّاها غيرُ عورةٍ إجماعًا، ومع ذلك يُجيب الإمامُ بإجابة المتورِّعِ بادئًا بقوله: (أرجو)؛ فكيف يُنسب له إباحةُ ذلك من الحُرَّةِ مطلقًا؟!
    لو كان الإمامُ يَرى أنَّ الكفَّينِ ليسَا من العورةِ، لأجاب بأنَّ ذلك جائزٌ من الحُرَّة، فالأَمَة أَوْلى، لا أنْ يُجيب بهذه الطريقةِ.
    كما أنَّ حُدودَ نظر الخاطب عند المالكيَّة هي الوجهُ والكفَّان فقط، وبشَرْط أن يَغلِبَ على الظنِّ إجابتُه!! [الخرشي على مختصر خليل 3/165-166، حاشية الدسوقي 7/330]؛ فلو كانَ مكشوفًا في كلِّ أحوالها؛ فما قِيمةُ تقييد الرؤية بالوجهِ، وبقَيدِ ظنِّ الإجابة أيضًا؟!
    ويَرون أنَّ المُحرِمة إنْ خُشِي منها الفتنةُ وجَب عليها أنْ تُغطِّي وجهَها، وإلا استحبَّ ذلك. [حاشية الصاوي 2/75].

    ومن خلال ما وقفتُ عليه من نقولٍ كثيرةٍ عن المالكيَّة يظهر أنَّهم يرون وجهَ المرأة عورةً يجبُ سترُها إذا خُشِي منها الفتنة، وإذا نظَر إليها أحدٌ تلذُّذًا كنظر المحدِّق، ولو كانت مُحرِمةً، وأنه يجوزُ أن تكشفَ لحاجةٍ كشهادةٍ، وعلاجٍ، ورؤيةِ خاطب، والعجوزُ يجوزُ لها ذلك، أمَّا الكافرُ فعندهم جميعُ جسدِها بما في ذلِك الوجه والكفَّان عورةٌ، لا يَحِلُّ لها أن يرَى الكافرُ الأجنبيُّ منها شيئًا.
    وبناءً على ما تَقدَّم فلا يصحُّ للمرأة أنْ تَخرُجَ بين الرجال كاشفةً؛ لأنَّه لا يخلو الأمرُ من ناظرٍ بتلذُّذ، وليستِ الفتنةُ مأمونةً، ولَمَّا كان مآلُ الأمر في الواقع إلى التغطية اختارَ جمهرةٌ من المالكيَّة أنَّ كلَّ بدن المرأة عورةٌ، كابن عطية، وابن العربي، والقرطبي.

    إنَّ النُّصوصِ عن المالكيَّة بوجوب ستر الوجه كثيرة جدًا، وقول علماء المالكية بكون الوجه واليدان ليسا بعورة لا يريدون به إباحة الكشف مطلقًا وإنما عند الحاجة والضرورة
    وأسوق الآن طرفًا من هذه النصوص:
    قال ابنُ خُويز منداد: (إنَّ المرأةَ إذا كانتْ جميلةً وخِيف من وجهِها وكفَّيها الفتنةُ، فعليها سترُ ذلك، وإنْ كانت عجوزًا أو مقبَّحة، جاز أن تكشفَ وجهها وكفَّيها). القرطبي 12/229.
    وفي البيان والتحصيل (4/ 428): (فجائزٌ للرَّجُل أن يَنظُر إلى ذلك من المرأةِ عند الحاجةِ والضرورة)، أي: الوجه والكفَّين.
    وقال الحطَّاب: (واعلم أنَّه إنْ خُشي من المرأة الفتنةُ يجبُ عليها سترُ الوجه والكفَّين؛ قاله القاضي عبد الوهاب، ونقلَه عنه الشيخُ أحمد زروق، وهو ظاهرُ التوضيح) [مواهب الجليل 1/499].
    قال في الفواكه الدواني 2/277: (اعلم أنَّ المرأةَ إذا كان يُخشى من رُؤيتها الفتنةُ، وجَبَ عليها سترُ جميعِ جسدِها، حتى وجهِها وكفَّيها).
    وفي 2/313: ("وأمَّا المُتجالَّة" وهي العجوزُ الفانية "فله" أي: الأجنبي "أن يرَى وجهَها" وكفَّيها "على كل حال"، ولو لغيرِ عُذر؛ للأمنِ ممَّا يحصُل برؤية الشابَّة).
    في الشرح الكبير 1/214: (فإذا خِيف من أَمَة فِتنةٌ وجَب سترُ ما عدا العورةِ؛ لخوف الفتنةِ، لا لكونها عورةً، وكذا يُقال في نظيره كستر وجهِ الحرَّة ويديها).
    وفي حاشية الصاوي 2/75 عن المحرِمة قال: (حاصلُ المعتمَد: أنَّها متى أرادتِ السترَ عن أعينِ الرِّجالِ، جاز لها ذلك مطلقًا، عَلِمتْ أو ظنَّتِ الفِتنة بها أم لا، نعمْ إذا عَلِمتْ أو ظَنَّت الفتنة بها وجَبَ كما قال الشارحُ) قال الزرقاني: لأنَّه يصير عورةً. [شرح الزرقاني على مختصر خليل 2/290].
    وفي جواهر الإكليل 1/41: (وأمَّا الأجنبيُّ الكافر فجميعُ جسدِها، حتى وجهها وكفَّيها، عورةٌ بالنسبة له).
    قال ابنُ عَطيَّة: (لَمَّا كانتْ عادةُ العربيَّات التبذُّلَ في معنى الحِجْبة، وكنَّ يكشِفْنَ وجوههنَّ كما يفعلُ الإماءُ، وكان ذلك داعيةً إلى نظر الرِّجال إليهنَّ، وتشعُّب الفِكر فيهنَّ- أمَرَ الله تعالى رسولَه عليه السلام بأمرهنَّ بإدناءِ الجلابيب؛ ليقعَ سترُهنَّ، ويَبِين الفرقُ بين الحرائر والإماء، فيُعرف الحرائرُ بسترهنَّ) [المحرر الوجيز 7/147].
    وقال ابن العربي في أحكام القرآن 3/616: (والمرأةُ كلُّها عورةٌ؛ بَدنُها وصوتُها، فلا يجوزُ كشفُ ذلك إلَّا لضرورةٍ أو لحاجةٍ، كالشَّهادة عليها).

    أنتقل الآن إلى مذهب الشافعيِّ مُبتدئًا بعِدَّة نِقاط:
    - إنَّ ما ورد عن الإمامِ من نقولٍ؛ إمَّا أن تكونَ في عورةِ الصلاة، وإمَّا أن يكون تفسيرًا لآية النور، وسبَق أنه من الخطأ تنزيلُ ذَينك الأمرينِ على عورةِ النظر.
    - جاء عن الشافعيِّ إباحةُ نظر الخاطب إلى الوجه والكفَّين فقط. [مختصر المزني الملحق بكتاب الأم 8/264]، وقد ذكرتُ دلالةَ هذا على تغطية الوجه والكفَّينِ سابقًا.
    - إنَّ المعتمَد عند الشافعيَّة هو ما اتَّفق عليه الرافعيُّ والنوويُّ، ثم الهيتميُّ والرمليُّ.
    - إنَّ أكثرَ مذهب يَحكي الإجماعَ على تحريمِ خروج المرأةِ سافرةً هو مذهبُ الشافعيَّة.

    إذا تَقرَّر ما سبَق، فإنَّ الرافعيَّ والنوويَّ اتَّفقًا على أنَّ وجه المرأة عورةٌ لذاته، لا لكونه مظنَّةَ الفتنة، وأنه يجب غضُّ البصر حتى مع أمْن الفتنة، وحتى لو كانتْ متنقبةً. [منهاج الطالبين ص 204، تحفة المحتاج 7/192-193، مغني المحتاج 4/209، جواهر العقود 2/4].

    قال السبكيُّ: الأقربُ إلى صنيعِ الأصحاب أنَّ وجهها وكفَّيها عورةٌ في النظر. [نهاية المحتاج 6/187].
    قال الرمليُّ: (وحيثُ قيل بالتَّحريم- وهو الراجحُ- حرُمَ النظرُ إلى المنتقبةِ التي لا يَبينُ منها غيرُ عينيها ومحاجرِها، كما بحَثه الأذرعيُّ ولا سيَّما إذا كانتْ جميلةً؛ فكم في المحاجرِ مِن خناجِر! وأفهم تخصيصُ الكلامِ بالوجه والكفَّين حُرمةَ كشْفِ ما سوى ذلك من البَدن، وما اختاره الأذرعيُّ تبعًا لجمْعِ مَن حلَّ نظَرَ وجهِ وكفِّ عجوزٍ تُؤمَن الفِتنةِ من نظرها لآيةِ {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ} [النور: 60]- ضعيفٌ مردودٌ بما مرَّ مِن سدِّ الباب، وأنَّ لكلِّ ساقطةٍ لاقطةً) [نهاية المحتاج 6/188].

    ويُبيِّن العمرانيُّ معنى كشْف المحرِمة لوجهها، فيقول: (وإذا أَحرمت المرأةُ.. فإنَّه لا يجبُ عليها كشْفُ رأسها، ولكن لا يجوزُ لها تغطيةُ وجهها، ولَسْنا نريد بذلك أنَّها تُبرزه للناس، وإنما نُريد أنَّها لا تُغطِّيه؛ فإن أرادتِ المرأة أن تسترَ وجهها عن الناس.. عقدَتِ الثوبَ على رأسها، وسَدَلَتْه على وجهها) [البيان في مذهب الشافعي 4/154-155].
    وأمَّا الإجماعات التي يَنقُلها الشافعيَّةُ على تحريم السُّفور، أو على أنَّ عادة النساء في كلِّ عصرٍ تغطيةُ الوجه فمتعدِّدة، فقد حكاه الموزعيُّ. تيسير البيان 2/1001، والجويني. نهاية المطلب 12/31، والغزالي. إحياء علوم الدين 2/47، وابن حجر. فتح الباري 9/324.

    إنَّ عادةَ المسلِماتِ تغطيةُ الوجه على مرِّ العصور، وأحسَبُ أنَّ هذا هو الذي صرَفَ الأئمَّةَ كأبي حنيفة ومالك والشافعي عن التنصيصِ عليه، أو على خِلافه، وهم أجلُّ مِن أن يُنسَبَ إليهم جوازُ ما ابتُلي به عصرُنا من كثرة السُّفور وشُيوعه، بل ما هو أشدُّ!
    يقول الموزعيُّ الشافعيُّ: (والسَّلف والأئمَّة كمالكٍ والشافعيِّ وأبي حنيفة وغيرِهم لم يَتكلَّموا إلَّا في عورة الصلاة... وما أظنُّ أحدًا منهم يُبيح للشابَّةِ أن تَكشِفَ وجهَها لغير حاجة) [تيسير البيان 2/1002]، وما قاله الموزعيُّ ظنًّا، أقوله جزمًا.

    بقِي رأي الحنابلة في عورة المرأة.
    المعتمَد في مذهب الحنابلة- كما في كشاف القناع وغيره-: أنَّ الوجه والكفَّين من المرأة عورةٌ، وهو ما نصَّ عليه الإمامُ أحمد.
    قال الإمام أحمدُ: (كلُّ شيءٍ من المرأة عورةٌ، حتى ظُفرها، وقال: الزينةُ الظاهرة، والثياب، وكلُّ شيءٍ منها عورة- يعنى: المرأة- حتى الظُّفر، وقال: ظُفر المرأة عورةٌ، وإذا خرجت فلا يَبين منها لا يَدُها ولا ظُفرُها ولا خُفُّها؛ فإنَّ الخفَّ يصِفُ القدمُ) [أحكام النساء للإمام أحمد- رواية الخلال ص32-33].
    وفي كشاف القناع 1/266: ("وهما" أي: الكفَّان "والوجه" من الحُرَّةِ البالغة "عورةٌ خارجَها" أي: الصلاة "باعتبار النَّظرِ كبقيَّة بدنِها").
    قال في نيل المآرب 1/125: (والوجْهُ والكفَّانِ من الحُرَّةِ البالغةِ عورةٌ خارجَ الصلاة باعتبار النظرِ كبقيَّة بدنها).
    وقال في كشف المُخدَّرات 1/116: (والوَجْهُ والكفَّان عَورةٌ خارجَها باعتِبارِ النَّظرِ كبقِيَّةِ بدنِها).

    يقول شيخُ الإسلام: (اختلفت عبارةُ أصحابِنا في وجْه الحُرَّة في الصلاة؛ فقال بعضُهم: ليس بعورةٍ، وقال بعضُهم: عورةٌ وإنَّما رُخِّص في كشْفِه في الصلاة للحاجة، والتحقيق: أنَّه ليس بعورةٍ في الصَّلاة، وهو عورةٌ في باب النَّظر إذْ لم يَجُز النظر إليه) [الفتاوى الكبرى 5/324]. قال المرداويُّ: (وهو الصوابُ) [الإنصاف بحاشية المقنع والشرح الكبير 3/207].

    وأختِمُ بتنبيه الراغب في بحْثِ هذه المسألة- على أنَّه حِين يُصرِّح بحُسنِ نيَّة على أنَّ وجه المرأة وكفَّيها ليسَا بعورةٍ- فعليه أنْ يرَى الواقعَ الذي يَعيشه، وأن يتأمَّلَ في تِلك الشروطِ والمُحترَزات والتَّقييدات التي يَذكُرها الفقهاءُ؛ صونًا لجناب الشريعةِ، وحمايةً للأعراض، وأنْ لا يُحمِّل كلامَ العلماء ما لا يَحتمل، أو يُنزل كلامَهم على الواقِع المُزرِي الذي نَعيشه، فيَجني على نفْسِه، وعلى العلماءِ وعلى مُجتمعِه.
    https://www.dorar.net/article/1792/%...88%D9%87%D9%85
    وأمتثل قول ربي: {فَسَتَذْكُرُون ما أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jun 2022
    المشاركات
    2,228

    افتراضي رد: ما حكم حكم كشف وجه و يدين المرأة أمام الرجال الأجانب

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو البراء محمد علاوة مشاهدة المشاركة
    أقوالُ الفقهاءِ في تغطيةِ وجهِ المرأةِ بين الفَهم والوَهم

    الشيخ الدكتور منصور بن حمد العيدي

    14 ربيع الأول 1436هـ

    الحمدُ للهِ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على رسولِ اللهِ
    أمَّا بعدُ:
    فلقدِ اطلعتُ على مقالةٍ للدكتور حاتم العوني- وفَّقه الله- في صفحته في (الفيس بوك)، يُؤكِّد فيها على أنَّ أئمَّةَ المذاهب يَرَون أنَّ وجهَ المرأة وكفَّيها ليسا بعورةٍ، وأنه يحلُّ كشفهما، وذكر لذلك نُقولًا عن أرباب المذاهب يرَى أنها تُؤيِّد صحَّةَ ما ذهب إليه، وليتَه وقَف عند هذا الحدِّ، لكن المؤسِف أنَّه– سامحه الله- حشَى مقالَه بعباراتٍ لا تليقُ بمِثله لا عِلمًا ولا نَسبًا، وكنتُ أظنُّ أنَّها سَوْرةُ غضبٍ وسَرعانَ ما يتنبه لها الدكتور حاتم ويُجري تعديلًا عليها، إلَّا أنه للأسف الشَّديد أصرَّ عليها وردَّ على مَن عاتَبه على تِلك الألفاظ في صَفحته أيضًا لاحقًا!!

    وبعدَ قِراءتي للمقال وجدتُ أنَّه من المناسب التَّذكيرُ والتنبيهُ على بَعضِ الضوابطِ والملحوظاتِ التي ينبغي مراعاتُها عند بحْث مسألة كشْف الوجه، وهي مفيدةٌ أيضًا في نِسبة الأقوال إلى الأئمَّة بشكلٍ عامٍّ، وأحسبُ أنَّ عدمَ مراعاةِ هذه الملحوظات سيُوقِع الباحثَ في خَلل في التصوُّر، ومِن ثَمَّ لن يصلَ إلى النتيجة المَرجُوَّة.
    وليس الغرضُ مِن المقال أصالةً مناقشةُ الدكتور حاتم، غير أنَّ ذلك سيقعُ ضِمنًا وتبعًا كما سيَلحَظُ القارئُ الكريم.

    الملحوظة الأولى: ليتذكَّرِ الفقيهُ أنَّ كثيرًا ممَّن يتطرَّق إلى هذه المسألةِ ليس مهمومًا بالانتصار للشَّرع ولا للسُّنَّة، وإنما قضيتُه التغريبُ؛ فهو يستغلُّ الخلافَ الفِقهيَّ لإثارة القضية أولًا، ثم ينتقلُ بعد ذلك إلى تثبيتِ أَجندته التغريبيَّة؛ وعليه: فليس يَحسُن التعامُل مع كلِّ أحد يتحدَّثُ عن هذه المسألة بالطريقة الفقهيَّة، فقد يكون من المناسبِ فَضْحُ مشروعِه التغريبيِّ دون التفاتٍ إلى مسألةِ كشف الوجه فقهيًّا.

    الملحوظة الثانية: ليَحْذَرِ الفقيهُ مِن أن تُستغلَّ فتواه لهدْمِ الشرع وهو لا يَشعُر؛ وعليه: فليتنبه لسياقِ الحالِ الذي طرَح فيه رأيَه، وليتنبه لِمَا قد يفهمه الناسُ مِن فتواه وهو لا يَشعُر.
    لقد همَّ عمرُ رضي الله عنه أن يَخطُبَ الناسَ في مكَّةَ في آخِر حَجَّةٍ له؛ ليُنكر قولَ بعض الناس في أمْر البيعةِ والخِلافة، فأشار عليه بعضُ الصحابة أن يُؤخِّر خُطبتَه ولْيقُل ما شاء في المدينةِ؛ لئلَّا يُفهمَ كلامُه على غير مرادِه، فاستحسنَ المشورةَ وأخَذ بها، فكانت تلك الخُطبة البليغة التي أخرجَها الإمامُ البخاريُّ في صَحيحه.
    إنَّ مِن غيرِ المناسب أنْ يتحمَّس مُتحمِّسٌ لعَرْض الخلاف الفقهيِّ في مسألة كشْف الوجه في وقتٍ يقومُ فيه شخصٌ بعَرْض زوجتِه مُتزيِّنة على رؤوسِ الأشهاد؛ فعندها سيفهمُ العامَّةُ أنَّ هذا المتحمِّسُ يُصوِّبُ ذلك الفِعلَ ويؤيِّده؛ فيُسيء إلى نفْسه، وإلى أقوالِ العلماء، وإلى الخِلاف الفقهيِّ، ويُوقِع الناسَ في حَيرةٍ كانوا في غِنًى عنها، وفي آخِر الأمْر أعظمُ الناس فرحًا بصَنيعِه هم أبعدُ الناس عن شرْع اللهِ، بل هم المحاربِون له!
    كم هي غفلةٌ عظيمة أن يَتطوَّعَ الفقهاءُ لخِدمة المشروعِ التغريبيِّ وهم لا يَشعرون!
    وهذه الملحوظةُ لا تقتصرُ على مسألتنا هذه، بل يَنبغي أن تكون منَّا على بالٍ في عُمومِ الطرح الفِقهي.

    الملحوظة الثالثة: مَن أراد بحْثَ مسألة حُكم كشف المرأة لوجهها، أو عورة المرأة بشكلٍ عامٍّ، وآراء العلماء في ذلك، فمن الخطأ الاقتصارُ في ذلِك على آيةِ سورة النور، وهي قولُه تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31]، بل عليه أن يضمَّ إلى ذلك ابتداءً الآياتِ الواردةَ في الحجاب عمومًا، ثم السُّنَّة؛ وعليه: فلا يَقتصِر على ذِكر أقوال المفسِّرين في بعضها، ويُهمل أقوالَهم في بقيَّتها، بل عليه أن يَجمعَ أقوالهم في جميعِ آيات الحجاب؛ لينظرَ في حقيقة مُرادهم، وإلَّا فإنه سيُخطئ في نِسبة الأقوال إلى أصحابها، ومِن ثَمَّ لن يكونَ ترجيحُه مستقيمًا، وأضرِبُ لذلك مثلًا مِن هذه المسألة التي نحن بصددها بشكلٍ مختصَر:

    يَرى أبو بكرٍ الجَصَّاص أنَّ الزِّينةَ المستثناة في الآية السابقة، المباحَ إبداؤُها هي: الوجهُ والكفَّان[أحكام القرآن 5/172]، فلو أنَّ باحثًا اقتصَر على هذا لتَوهَّم أنَّ الجصَّاص يُبيح للمرأة كشْفَ وجهها؛ لأنَّه ليس بعورةٍ؛ ولأنَّه ممَّا استثنى الله، غير أنَّ الباحث لو أكْمَل بحثَه في آية الأحزاب، وهي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ} [الأحزاب: 59] لوَجَدَ الجَصَّاصَ نفْسَه يُوجِبُ تغطيةَ الوجه، ويُبيِّن أنه واجبٌ على الحرائر دون الإماء؛ يقول- رحمه الله -: (في هذه الآية دَلالةٌ على أنَّ المرأةَ الشابَّةَ مأمورةٌ بسَتْر وجْهِها عن الأجنبيِّين، وإظهارِ السِّترِ والعفافِ عند الخروجِ؛ لئلَّا يطمعَ أهلُ الريب فيهنَّ، وفيها دلالةٌ على أنَّ الأَمَةَ ليس عليها سترُ وجهها وشَعرها؛ لأنَّ قوله تعالى: {وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ} ظاهرُه: أنه أراد الحرائرَ، وكذا رُوِي في التفسير؛ لئلَّا يكُنَّ مِثلَ الإماء اللاتي هنَّ غيرُ مأموراتٍ بستر الرأس والوجه، فجَعَل السِّترَ فَرقًا يُعرَفُ به الحرائرُ من الإماء) [أحكام القرآن 5/245]، فمَن نظَر إلى النصِّ الأوَّل فقط سيحكُم بأنَّ الوجه مُباحٌ كشفُه عند الجصَّاص، ومَن نظَر إلى النص الثاني فقط عكَس القضيةَ، وفي ذلك إساءةٌ للعالِم، وقد يُسارعُ مسارعٌ إلى الحُكم بالتناقُضِ، أو يحاولُ تقديمَ أحد النصَّينِ على الآخَر، غير أنَّ المتعيِّن هو التدقيقُ في فَهم النصَّينِ، ووضْعُ كلٍّ في موضعِه، وعدمُ ضرب بعضها ببعض.

    إنَّنا بحاجةٍ ماسَّة لاستيعاب هذه القضية عمومًا، وبشكلٍ خاصٍّ في مسألة عورة المرأة؛ لأنَّنا في واقع الأمر سنجِدُ عددًا من العلماء ومِن أهل التفسيرِ- ممَّن حُكي عنه القولُ بأنَّ الزِّينة في سورة النور هي الوجهُ واليدان- ينصُّ في آيةِ الأحزابِ على وجوبِ تغطية الوجه، منهم الآن الحَبْر ابنُ عبَّاس رضي الله عنهما، والحسن، وإبراهيم النَّخَعي، وقتادة. [تفسير ابن أبي حاتم 8/2574، المحرر الوجيز 7/147، وتفسير القرطبي 17/230]، ونسَب الواحديُّ هذا القولَ للمفسِّرين ولم يَحكِ خلافًا، كما في الوسيط 3/482 والبسيط 18/292، بل هو ظاهرُ اختيار الطبريِّ 19/181.
    ويَتبيَّن لنا مِن هذا: أنَّ مَن قال: إنَّ آية النور هي في الوجه واليدين، فلا ينبغي الاستعجالُ، وأن ننسُبَ إليه أنَّه يُبيح كشْفَ الوجه مطلقًا،، وأظنُّ سائلًا يقول: فما مرادُهم إذن؟ وهو ما سأوضِّحه في الملحوظة التالية

    الملحوظة الرابعة:
    ظهَر لنا من خلال النَّقل السابق أنَّ قولَ بعض العلماء من المفسِّرين وغيرهم: إنَّ الزينةَ المباحَ إبداؤُها هي الوجه والكفان، لا يعني بالضرورة أنَّه يُجوِّز كَشفَهما مطلقًا، والسؤال هو: فما مرادُ هؤلاء بإظهارها إذن؟
    والجواب: للعلماء في ذلك توجيهاتٌ مُتعدِّدة، أذكر منها ما يلي:

    - أنَّ هذا كان في أوَّل الإسلام، وقبلَ نزول آية الحجاب التي في سورة الأحزاب، وهو رأي شيخ الإسلام. [مجموع الفتاوى 22/110] وانظر ثَمَّةَ مُؤيِّداتِه.
    - أنَّ الاستثناء مرادٌ به ما يقعُ بضرورةِ حركةٍ فيما لا بدَّ منه، أو إصلاح شأنٍ، ونحو ذلك؛ فما أدَّتْ إليه الضرورةُ فهو معفوٌّ عنه، وهو قول ابن عطية. [المحرر الوجيز 6/375].
    - أنَّ المرادَ ما ظهَر منها بغير اختيارها، كأنْ كشفته الريحُ، وهو رأي الشِّهاب الخفاجي، وأيَّد كلامَه أنَّ الآية هي فيما ظهَر لا فيما أَظْهَرْن. [حاشية الشهاب 6/372]، والفرق بينه وبين ما قَبْلَه: أنَّ السابق أظهرتْه هي لحاجةٍ أو ضرورة، وأمَّا هذا فظَهَر بغير اختيار.
    - أنَّ المراد جوازُ إظهارها للحاجةِ المعتبرة شرعًا، كالعلاج والشهادة ورؤية الخاطِب، وهو رأيُ جمهرةٍ من الحنفيَّة والشافعيَّة. المرجع السابق.
    - أنَّ المراد بالزينة هنا: الزِّينةُ التي نُهي عن إبدائها، لا ما أُبِيحَ إبداؤُه. [تفسير ابن كثير 6/45].

    وليس مُرادي حصْرَ توجيهات المفسِّرين- لابن عبَّاس توجيهٌ سيأتي قريبًا- وإنَّما توضيحُ عدم الملازمة بين تفسير الآية بالوجه والكفَّين وبين إباحةِ كَشفهما مطلقًا؛ وعليه: فمَن قال بالأوَّل لا يصحُّ أن يُنسَب له الأمرُ الثاني إلَّا بكلام صريح، بل إنَّه من العسير جدًّا أن نرى عالِمًا يُشار له بالبنان يُبيح صراحةً لِمَن تُلفِتُ الأنظارَ أن تَبرُز للناس غاديةً ورائحةً كاشفةً وجههَا، فضلًا عن أن تكونَ متجمِّلةً بأنواع الزِّينة، بل على العكس من ذلك يَنصُّون على تحريمه، فهذا أبو الحسن ابن القطَّان مع أنه يرى أنَّ الوجه ليس بعورةٍ، إلَّا أنه يقول: (إذا قَصَدتْ بإبداء ذلك- الوجه والكفين- التبرُّجَ وإظهارَ المحاسن، فإنَّ هذا يكون حرامًا) [النظر في أحكام النظر ص 62].
    فإنْ قال قائل: فما حقيقةُ قول ابن عبَّاس رضي الله عنهما في ذلك؟

    ورَدَ عن ابن عبَّاس رضي الله عنهما في تفسير آية النور أنَّ المراد الوجه والكفَّان، وكل الطرق إليه في ذلك ظاهرةُ الضَّعْفِ سِوى ما جاءَ من طريق عليِّ ابن أبي طلحةَ، عن ابن عبَّاس، والأقرب إنْ شاء الله أنَّها طريقٌ حسنةٌ- على خِلافٍ في ذلك؛ لأنَّ ظاهرها الانقطاع– ولفظه: (قال: والزِّينةُ الظاهرةُ: الوجهُ، وكُحل العين، وخِضاب الكفِّ، والخاتم؛ فهذه تَظهَرُ في بيتِها لِمَن دخَل مِن الناس عليها). [الطبري 17/259]. فإذا تأمَّلنا في هذا النصَّ وجَدْنا أنَّ ابن عباس لا يأذن للمرأةِ أن تَخرُجَ للناس باديةً ذلك، وإنما في بيتها، أي: لمحارمها، وليس لغيرهم، وهذا مقطوعٌ به، ومع ذلك نصَّ عليه ابنُ عبَّاس في تفسيرِ قوله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنّ َ}... إلى قوله: {عَوْرَاتِ النِّسَاءِ}- قال: الزِّينةُ التي تُبديها لهؤلاء: قُرطاها، وقِلادتها وسِوارها، فأمَّا خَلْخَالَاها ومِعْضَداهَا, ونَحْرُها، وشَعرُها؛ فإنَّه لا تُبديه إلَّا لزَوجِها. [الطبري 17/264]، فابن عبَّاس يُشدِّدُ فيما تُبديه المرأة لمحارمها خلافَ ما يظنُّه بعضُهم من تَساهُله رضِي الله عنه، وأنَّه يُبيح للمرأةِ أن تُبدي ذلك لكلِّ أحد، وهذا المرويُّ عن ابن عباس هنا يتوافَقُ مع روايته الأخرى في سورة الأحزاب من طريقِ عليِّ بن أبي طلحة أيضًا، حيث قال: (أمَر اللهُ نِساءَ المؤمنين إذا خَرجْنَ مِن بُيوتهنَّ في حاجةٍ أن يُغطِّين وجوههنَّ مِن فوق رؤوسهنَّ بالجلابيب، ويُبدين عينًا واحدةً). [الطبري 19/181].

    فانظرْ هنا كيف نصَّ ابنُ عباس على الخروجِ ولم يذكره هناك، وأوجب هنا تغطيةَ الوجه وهناك جعَل كشفَهما للمحارمِ؛ فليس بين قولي ابن عباس أيُّ تعارُضٍ لا مِن قريبٍ ولا من بعيد، وتأمَّل الجنايةَ على أقوال ابن عبَّاس حين يَزعُم بعضُهم أنَّها متعارضةٌ، ثم يتطلَّب ترجيحَ بعضها على بعضِ بأقوال تلاميذِ ابن عباس!!!

    وواقعُ الأمر: أنَّ كِلتا الرِّوايتينِ بنفس الإسناد، ومتونها لا تتعارض؛ فلا حاجةَ للترجيح أصلًا، كما أنَّ الترجيحَ بأقوال تلاميذ ابن عباس لا يَحُلُّ الإشكالَ أصلًا؛ لأنَّ جماعةً منهم رُوي عنه وجوبُ تغطية الوجه كما تقدَّم.
    بل لو كان الأمرُ يحتاج إلى ترجيحِ أحد النصَّينِ على الآخَر، لكان الأَوْلى تقديمَ النصِّ المانع من كشْف الوجه؛ لأنَّ له شاهدًا على شرْط الشيخين يَذكر فيه ابنُ عباس تَغطيةَ المُحرِمة لوجهها- مع أنها مُحْرِمة– ويَذكر فيه تفسيرَ إدناءِ الجلباب– وهو ما رواه أبو داوودَ في مسائله لأحمدَ، عن ابن عباس قال: (تُدني الجلبابَ إلى وَجهِها، ولا تَضْرِبُ به».
    قال رَوْحٌ في حديثِه، قُلتُ: وما لا تَضرِبُ به؟ فأشارَ لي كما تُجَلْبِبُ المرأةُ، ثُمَّ أشارَ لي ما على خَدِّها من الجِلبابِ، قال: تَعْطِفُه وتَضرِبُ به على وَجْهِها، كما هُو مَسْدُولٌ على وجْهِها) [ص: 155]، فأوجب ابنُ عباس على المحرِمة هنا غطاءَ الوجه، وتبيَّن بالنص أنَّ الإدناءَ سدلُه على الوجه.
    والترجيح بالنصِّ المؤيِّد أَوْلى اتفاقًا مِن الترجيحِ بأقوال التلاميذ.
    فظهَر بهذا حقيقةُ قول ابن عباس، وأنَّه لا يَحِلُّ أنْ يُنسب إليه السفورُ.

    وإذا كانت هذه حقيقةَ قول ابن عباس؛ فهل صحَّ عن الأئمَّة؛ أبي حنيفة، ومالك، والشافعي، أنَّهم أباحوا للمرأةِ كشْفَ وجهها؟ وما مرادُ أتْباعهم حين نَسبوا إليهم أنَّ وجه المرأة ليس بعورةٍ؟
    وقَبل الإجابة أحبُّ أن أُذكِّر بما يلي:

    الملحوظة الخامسة: يجبُ على الباحث أن يُفرِّق بين عورة الصَّلاة بالنسبة للمرأةِ، وعورةِ النَّظر؛ وعليه: فإذا وجَدْنا نصًّا عن عالِم يذكر فيه أنَّ عورةَ المرأة في الصَّلاة الوجه والكفَّان، فلا ينبغي أن نسحبَ ذلك على عورةِ النَّظرِ وما يَنبغي أن تَستُره.
    في المعيار المعرب (1/402): (لأنَّ عورة الصلاة والعورة التي يجوزُ النظر إليها نوعانِ مُختلفان؛ ولذلك يوجد أحدُهما دون الآخَر, فالمَحرَمُ يَنظُر إلى ذِراع ذات مَحْرَمِه وغير ذلك مِن أطرافها, ولا يجوزُ إبداؤها ذلك في الصَّلاة، والزوج يرَى من زوجته أكثرَ ومِن نفْسه ما لا يجوزُ إبداؤُه في الصَّلاة، والعورة في نفسها تختلف أحكامُها في الصلاة؛ فإنْ أبدت الحُرَّةُ شَعرَها أو صدْرَها أو ظهورَ قدميها أعادتْ في الوقت خاصَّةً على المشهور, وذلك حرامٌ على الأجنبيِّ النظرُ إليه، وفي العورة الحقيقيَّة تُعيد أبدًا كالرَّجُل، والنظر إلى العورةِ مِن الرَّجُل لا يَحِلُّ بحالٍ مع الاختيار, وطلبُ
    سَتْر العورةِ لذات الصَّلاة في الخَلوةِ مُختلَفٌ فيه؛ فدلَّ جميعُ هذا على أنَّ للعورةِ بالنسبة إلى النَّظر حُكمًا، وبالنسبة إلى الصَّلاة حُكمًا آخر, يدلُّ على طلب ستر الوجهِ للحُرَّة أنَّها لو صَلَّتْ متنقبة لم تُعِدْ).
    وقال شيخُ الإسلام ابنُ تيميَّة: (فليستِ العورةُ في الصلاة مرتبطةً بعورة النَّظر، لا طردًا ولا عكسًا) [مجموع الفتاوى 22/115]. وأنصح بمراجعة كلامِه في هذا مِن أوَّلِه– رحمه الله.

    الملحوظة السادسة: يَنبغي لشرح أقوال العلماء معرفةُ ما فَهِمه أتباعُهم من ذلك، وقد أحسن الدكتورُ حاتم حين قال مُعلِّلًا لذلك: (فهُمْ أعرفُ الناس بأقوالِه وآمنُهم على مذهبِه)، لكن ينبغي مع ذلك التأكُّدُ من عدم وجودِ الخِلاف بينهم، وأنْ يكون الباحثُ على دِرايةٍ بطُرق تحرير قولِ المذهب حين يوجدُ الخلافُ فيه.

    إذا تَقرَّر هذا؛ فلننظر إلى أقوال المذاهبِ مُبتدئين بأبي حنيفةَ.
    جاءَ عن أبي حنيفةَ ما ذكَرَه الدكتور حاتم من قولِ محمَّد بن الحسن: (وأمَّا المرأةُ الحُرَّة التي لا نِكاحَ بينه وبينها ولا حُرمة ممَّن يَحِلُّ له نكاحُها، فليس ينبغي له أن يَنظُرَ إلى شيءٍ منها مكشوفًا إلَّا الوجه والكف، ولا بأسَ بأنْ ينظُرَ إلى وجهها وإلى كفِّها ولا يَنظُر إلى شيءٍ غيرِ ذلك منها، وهذا قولُ أبي حنيفة، وقال الله تبارك وتعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31]، ففسَّر المفسِّرون أنَّ ما ظَهَر منها الكُحلُ والخاتم، والكحلُ زينةُ الوجه، والخاتم زينةُ الكفِّ؛ فرُخِّص في هاتين الزينتين، ولا بأسَ بأن ينظُر إلى وجهها وكفِّها إلَّا أن يكونَ إنَّما ينظُر إلى ذلك اشتهاءً منه لها) [الأصل 53 -54].
    وظاهره جوازُ النظر إلى وجْه الأجنبيَّة وكفِّها، وأنَّهما الزينةُ المباح إظهارُها بشَرْط عدم الاشتهاء!!

    والسؤال هنا: هل يُبيح أبو حنيفة كشْفَ الوجه مطلقًا، وهل يُجوِّز للنساءِ الخروجَ بين الرِّجال كذلك، وهل يصحُّ للرجِّال النظرُ لوجوههنَّ كيفما شاؤوا إذا لم يَحصُل اشتهاءٌ؟
    إنَّ مَن يقرأ هذا النصَّ قدْ يتوهَّم ذلك، ولكن مَن يطَّلع على آراء أبي حنيفة والحنفيَّة في مسائلَ أخرى متعلِّقة بالنساءِ سيَضَعُ هذا النقلَ مواضعَه.

    ومن هذه الآراء ما يلي:
    1- يَمنع أبو حنيفة غيرَ العجائزِ من شُهودِ الجماعة؛ لغلبة الفسادِ، وأمَّا العجائز فأباح لهنَّ حُضورَ فرضينِ فقط، ثم جاء متأخِّرو الحنفيَّة ومَنعوا حضورَ النِّساء كافَّةً كلَّ الفروض، وبيَّنوا أنَّ هذا هو حقيقةُ قول أبي حنيفة، وأنَّ المنع مِن حضور مجالسِ الوعظِ والاستسقاءِ أَوْلى وأَوْلى. [البحر الرائق 1/380]ٍ.
    2- يرَى الحنفيَّةُ أنَّ للزوج الحقَّ في ضَرْب زوجته على خروجها من البيت إلَّا لزيارةِ المحارم؛ فيجوز في السَّنةِ مرَّةً، وأمَّا الوالدان فاشترط أبو يوسفَ أنْ لا يتمكَّنَا من المجيء إليها، وقالوا: إنَّ زيارتها لوالديها في الأسبوع مرَّةً كثيرٌ مخالف للأمْر بالقرارِ في البيت، ولأنَّ في كثرةِ الخروج فتْحَ باب الفِتنة!! [شرح فتح القدير 4/398، درر الحكام 1/416].
    3- عند الحنفيَّة أنَّ ما تستأذن له الزوجةُ للخروج سبعةُ مواضع فقط، وهي: زيارة الأبوين، وعِيادتهما، وتَعزيتهما، وزيارة المحارم، وإنْ كان لها حقٌّ مِن دَين أو غَيره أو لغيرِها عليها حقٌّ، والسادسة: القابلةُ، والسابعة: المُغسِّلة. وفيما عدا ذلك تُمنع، فتُمنَع من زيارةِ غير المحارمِ، ومِن الوليمةِ والعِيادة، ولو أذِن لها الزوجُ فإنَّه وإيَّاها عاصيانِ!!!. [البحر الرائق 1/380].
    4- يرى الحنفيَّة أنَّ الزوجة التي تُوفي عنها زوجُها وله أبناءٌ من غيرها وهم في بيت واحدٍ، أنَّ عليهم أن يضعوا سِترًا بينهم وبينها- مع أنَّهم محارمُ بالاتفاق- ويُنظر توجيه ذلك عندهم. [البحر الرائق 4/168].
    5- المشهور عند الحنفيَّة أنَّه لا يحلُّ للمرأة رفْعُ صوتها عند الأجنبيِّ حتى لو قيل: إنَّه ليس بعورة. [شرح فتح القدير 1/260، حاشية ابن عابدين 1/406].
    6- يرَى الحنفيَّة أنَّ ما يَنظُر إليه الخاطبُ الوجهُ. [بدائع الصنائع 5/122].
    7- يرَى الحنفية أنَّ المحرِمة تُغطِّي وجهَها عن الأجانب وجوبًا، وأنَّه يستحبُّ لها ذلك عند عدمهم. [حاشية ابن عابدين 2/528].

    فهذا غيضٌ من فيضٍ مِن آراء الحنفيَّة، وفيها من التشديد ما ترَى؛ أفيُعقَلُ بعد هذا أن يُنسَب إليهم تجويزُ خروجِ النِّساءِ عامَّةً، والشوابِّ خاصَّةً إلى الأسواقِ والمقاهي ونحوِها وقد كشَفْنَ وجوههنَّ، والرِّجال ينظرون إليهنَّ؟!!
    إذا كانت المتزوِّجةُ لا تخرُج عندهم في منصوص أئمَّتهم إلَّا إلى أماكنَ خاصَّةٍ؛ فما قولهم في الشابَّة والعزباء؟! وإذا كان الخاطبُ عندهم لا يرَى إلَّا الوجهَ؛ فما قِيمةُ ذلك لو كانوا يُبيحون كشْفَ الوجه مطلقًا ونظَرَ الرجال إليه؟! سيكون هذا مِن تحصيل الحاصلِ، وتأمَّل كيف أوجبوا على المُحرِمةِ سترَ وجهها مع أنَّ إحرامها في وجهِها؟!

    إنَّ مراد الإمام بعيدٌ كلَّ البُعدِ أن يُراد به كلُّ النِّساء وعمومُ الناظرين وفي كافَّة الأحوال، ولا أقول هذا القول لِمَا تَقدَّم فحسبُ، بل لِمَا سأورده الآن من عِبارات أئمَّتهم المانعة من كشْف الوجه والنَّظر إليه، مُذكِّرًا نفْسي وإخوتي بأنَّه لا ينبغي أنْ نختارَ من أقوال أتْباع المذاهب ما يَروقُ لنا، ثم نجعله المذهبَ أو قولَ إمام المذهب!
    في المحيط البرهاني في الفقه النعماني (8/ 291): (والنظرُ إلى الأجنبيَّة مع ما فيه من خوفِ الفِتنة لا يجوزُ إلَّا لضرورة).
    وقال في مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (1/ 285): (ودلَّتِ المسألةُ على أنَّ المرأةَ لا تَكشِف وجهَها للأجانبِ من غيرِ ضرورةٍ).
    في البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق 1/284: (قال مَشايخُنا: تُمنَعُ المرأةُ الشابَّةُ من كشْفِ وجهِها بين الرِّجال في زَماننا للفِتنة).
    وفي مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر 1/81: (وفي المُنتقَى: تُمنَعُ الشابَّةُ عن كشْفِ وجهِها؛ لئلَّا يُؤدِّي إلى الفِتنة، وفي زَمانِنا المنعُ واجبٌ، بل فرضٌ؛ لغلبة الفسادِ).
    وفي حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح ص241: ("إلَّا وجهها" ومنع الشابَّة مِن كَشْفِه؛ لخوف الفتنة).
    وفي حاشية ابن عابدين (رد المحتار) 1/406 – وهو مِن العُمَد في معرفةِ الصَّحيح عند الحنفيَّة-: (والمعنى: تُمنَعُ من الكشْفِ لخوفِ أن يرَى الرجالُ وجهَها، فتقع الفتنةُ؛ لأنَّه مع الكشف قد يقَعُ النظر إليها بشهوةٍ).
    وفي الحاشية أيضًا 2/528: (وفي المحيط: ودلَّت المسألة على أنَّ المرأة منهيَّةٌ عن إظهارِ وجهِها للأجانب بلا ضرورة؛ لأنَّها منهيَّةٌ عن تغطيتِه لحقِّ النُّسك، لولا ذلك وإلَّا لم يكُن لهذا الإرخاءُ فائدةٌ. اهـ، ونحوه في الخانية، ووفَّق في البحر بما حاصلُه: أنَّ محمل الاستحباب عند عدَم الأجانب).
    ثم بيَّن ابن عابدين أنَّ وجوب التغطية هو رأيُ علماء الحنفيَّة.
    وسبَق ذِكر كلام الجصَّاص في وجوبِ غِطاء الوجه في أوَّل البحث.

    إنَّ هذه الكوكبةَ من علماء الحنفيَّة أدْرَى بمرادِ أبي حنيفة من كلامِه وأعرفُ بمقصوده، ومن خلال كلامِهم يظهر بجلاءٍ أنَّ ما نقَلَه عنه محمَّد بن الحسن من الكشفِ والنظرِ مُقيَّد بالحاجةِ، أو الضرورة، وأنْ لا يكون الكشفُ ممَّن تمتدُّ إليها الأنظار.
    وإنَّ الواقع السيِّئ لكثيرٍ من نِساء المسلمين لا يصحُّ بحالٍ أن يُنسَب تجويزُه لأبي حنيفة- رحمه الله- أو إلى مذهبِه.

    وأمَّا مذهب الإمام مالكٍ، فلا يَبعُد عن ذلك، غير أنَّه لا بأسَ من التذكير بأمورٍ، ومعها بعض زِيادات فأقول:
    - ما يَنقُله المالكيَّةُ عن الإمام مالكٍ من تفسيرِ الزينة الظاهرة بالوجه واليدين، لا يَعني بالضرورةِ أنَّ الإمامَ يُبيح الكشفَ على كلِّ حال، وأنَّهما ليسَا بعورة، ولا يصحُّ العبثُ بنصوص الأئمَّة؛ ففي مثالنا هذا نقَلَ ابنُ بُكيرٍ أنَّ الإمامَ مالكًا فسَّر الزينةَ في آية النور بالوجه والكفين فحسبُ، ولم يقُلِ ابنُ بكير إنَ مالكًا يرى أنَّهما ليسا من العورة، ولا أنَّه يجوز كشْفه للأجانب، وقد سبَق بيانُ عدم الملازمة بين تَفسيرِها بالوجه واليدين وبين الحُكم عليهما بكونِهما عورةً أو يُباح كشفُهما بإطلاق.

    - كذلك ما يَذكُرونه عن عورةِ الصَّلاة لا يَنسحِبُ بالضرورةِ على عورة النَّظر، وقد سبق النقلُ عن المعيار المعرب.
    فعلى الباحثِ عن رأيِ الإمام مالكٍ أن يضعَ هذه النقطةَ وما قبلها نُصبَ عينيه؛ ليحسن التعامُل مع النصوص الواردة عن الإمام.

    - رأيتُ بعضَ الباحثين، ومنهم الدكتور حاتم، يستدلُّون على إباحةِ الإمام مالكٍ لكَشْفِ الوجه بتناوُل المرأةِ الطعامَ مع غير مَحرَمٍ.
    والواقع أنَّ الإمام ما ذَكَر هنا كشْفَ الوجه واليدين، وإنما فَهِم هذا بعضُ المالكيَّة، وخالفَهم آخرون كما سيأتي، نعمْ لو أَطبقوا على هذا الفَهم لاحتَمَل ذلك. ولو سَلَّمْنا جدلًا أنَّ الإمام يرى أنَّ المرأة في هذه الحالة تُبدي وجهَها ويديها، فلا يلزم منه إباحةُ ذلك لكلِّ امرأة، ولعلَّ الإمامَ يَعدُّ هذه من الحاجاتِ المعتبرة شرعًا التي يسوغ معها كشفُ الوجه، وبكلِّ حال لا نستطيع مِن خلال هذا النصِّ فقط- لِمَا يَتطرَّق إليه من احتمالاتٍ- أن نجعلَ ذلك قولًا للإمامِ في عُمومِ الأحوال وعموم النِّساء.

    وأؤكِّد على أنَّ المرأةَ قد تأكُل بحضرة أجانب وهي ساترةٌ لوجهها، وقد رأيتُ ذلك عِيانًا، كما أنَّ القاضي عياضًا- رحمه الله- كان أمينًا في نقْله، حيث نقَل تفسيرَ الأزهريِّ لكلامِ مالكٍ بأنَّه أكْل المرأة في الحِجال؛ قال: (وقال الأزهري: معنى قول مالك المتقدِّم فى المؤاكلة ذلك فى الحِجَال– جمْع حَجلة، وهو بيتٌ كالقُبَّة يُستَرُ بالثياب) [إكمال المعلم 6/267، لسان العرب 11/144]، وهذا يُفيد أنها لم تُغطِّ وجهها فقط، بل حجَبَتْ كلَّ جِسمها!
    وعليُّ بن الجهمِ حمَل هذا على العجوزِ المتجالَّة. [النظر في أحكام النظر ص 50].
    كذلك ما يَنقُلونه عن الإمامِ في مسألةِ الرِّجال يُيمِّمون المرأةَ، ليس فيه التصريحُ بأنَّها كاشفةٌ؛ فقد يُيمِّمون المرأةَ وهي مستورة.
    لا سيَّما والإمام مالك يرَى أنَّه لو ماتت امرأةٌ في فلاة ليس معها سوى ابنِها، أنَّه يُغسِّلها من وراءِ الثوب. [النوادر والزيادات 1/551].
    سَلَّمْنا أنَّها كاشفةٌ، فلتُحْمَل على الضرورةِ، أو الحاجةِ المعتبرة شرعًا.

    وأمَّا إباحة المرأةِ الـمُظاهَر منها أن تكشفَ وجهها لزوجها، فهو لأنْ يكون دليلًا على تغطيته أقربُ منه لأنْ يكون دليلًا على كشْفِه، فقصارى ما يدلُّ عليه أنَّ الظِّهار لا يجعلها محرَّمةً عليه، بل تَبقَى الزوجيَّة، فيراها زوجُها ويراها غيرُه ممَّن أُبيح له ذلِك.
    وقد علَّق أبو الحسن ابن القَطَّان على هذه الرِّواية عن مالك، فقال: (يُمكن تأويلُه على أنَّه قد يراه غيرُه للضرورةِ من شهادةٍ، أو خِطبة، أو غير ذلك) [النظر في أحكام النظر ص 49-50]- وإنْ كان لم يَرتضِه، لكنَّه لم يأتِ بشيءٍ ظاهرٍ يردُّه.

    وأقول: لو كان الوجهُ مباحًا رؤيتُه لكلِّ أحد، لقال الإمام: وكلُّ أحد له النَّظر، ونحو ذلك مِن العبارات الدالَّة على الحِليَّة المطلَقة، وليس أنْ يقول: ( وقد يَنظُر غيرُه أيضًا إلى وجهِها) وهي عبارةٌ تدلُّ على التقليل، وهنا أنصحُ نْفسي وإخوتي بعدم نِسبة أقوال إلى الأئمَّة أخذًا من عِبارات مُجمَلة، لا سيَّما وقد حارَ فيها أتباعُهم!
    لقد سُئل الإمام مالك– كما في البيان والتحصيل 7/296- عن الرجُلِ يَشتري الجارية؛ أترَى أن ينظُرَ إلى كفَّيها؟ قال: أرجو أنْ لا يكون به بأسٌ.
    فهذه أَمَة كفَّاها غيرُ عورةٍ إجماعًا، ومع ذلك يُجيب الإمامُ بإجابة المتورِّعِ بادئًا بقوله: (أرجو)؛ فكيف يُنسب له إباحةُ ذلك من الحُرَّةِ مطلقًا؟!
    لو كان الإمامُ يَرى أنَّ الكفَّينِ ليسَا من العورةِ، لأجاب بأنَّ ذلك جائزٌ من الحُرَّة، فالأَمَة أَوْلى، لا أنْ يُجيب بهذه الطريقةِ.
    كما أنَّ حُدودَ نظر الخاطب عند المالكيَّة هي الوجهُ والكفَّان فقط، وبشَرْط أن يَغلِبَ على الظنِّ إجابتُه!! [الخرشي على مختصر خليل 3/165-166، حاشية الدسوقي 7/330]؛ فلو كانَ مكشوفًا في كلِّ أحوالها؛ فما قِيمةُ تقييد الرؤية بالوجهِ، وبقَيدِ ظنِّ الإجابة أيضًا؟!
    ويَرون أنَّ المُحرِمة إنْ خُشِي منها الفتنةُ وجَب عليها أنْ تُغطِّي وجهَها، وإلا استحبَّ ذلك. [حاشية الصاوي 2/75].

    ومن خلال ما وقفتُ عليه من نقولٍ كثيرةٍ عن المالكيَّة يظهر أنَّهم يرون وجهَ المرأة عورةً يجبُ سترُها إذا خُشِي منها الفتنة، وإذا نظَر إليها أحدٌ تلذُّذًا كنظر المحدِّق، ولو كانت مُحرِمةً، وأنه يجوزُ أن تكشفَ لحاجةٍ كشهادةٍ، وعلاجٍ، ورؤيةِ خاطب، والعجوزُ يجوزُ لها ذلك، أمَّا الكافرُ فعندهم جميعُ جسدِها بما في ذلِك الوجه والكفَّان عورةٌ، لا يَحِلُّ لها أن يرَى الكافرُ الأجنبيُّ منها شيئًا.
    وبناءً على ما تَقدَّم فلا يصحُّ للمرأة أنْ تَخرُجَ بين الرجال كاشفةً؛ لأنَّه لا يخلو الأمرُ من ناظرٍ بتلذُّذ، وليستِ الفتنةُ مأمونةً، ولَمَّا كان مآلُ الأمر في الواقع إلى التغطية اختارَ جمهرةٌ من المالكيَّة أنَّ كلَّ بدن المرأة عورةٌ، كابن عطية، وابن العربي، والقرطبي.

    إنَّ النُّصوصِ عن المالكيَّة بوجوب ستر الوجه كثيرة جدًا، وقول علماء المالكية بكون الوجه واليدان ليسا بعورة لا يريدون به إباحة الكشف مطلقًا وإنما عند الحاجة والضرورة
    وأسوق الآن طرفًا من هذه النصوص:
    قال ابنُ خُويز منداد: (إنَّ المرأةَ إذا كانتْ جميلةً وخِيف من وجهِها وكفَّيها الفتنةُ، فعليها سترُ ذلك، وإنْ كانت عجوزًا أو مقبَّحة، جاز أن تكشفَ وجهها وكفَّيها). القرطبي 12/229.
    وفي البيان والتحصيل (4/ 428): (فجائزٌ للرَّجُل أن يَنظُر إلى ذلك من المرأةِ عند الحاجةِ والضرورة)، أي: الوجه والكفَّين.
    وقال الحطَّاب: (واعلم أنَّه إنْ خُشي من المرأة الفتنةُ يجبُ عليها سترُ الوجه والكفَّين؛ قاله القاضي عبد الوهاب، ونقلَه عنه الشيخُ أحمد زروق، وهو ظاهرُ التوضيح) [مواهب الجليل 1/499].
    قال في الفواكه الدواني 2/277: (اعلم أنَّ المرأةَ إذا كان يُخشى من رُؤيتها الفتنةُ، وجَبَ عليها سترُ جميعِ جسدِها، حتى وجهِها وكفَّيها).
    وفي 2/313: ("وأمَّا المُتجالَّة" وهي العجوزُ الفانية "فله" أي: الأجنبي "أن يرَى وجهَها" وكفَّيها "على كل حال"، ولو لغيرِ عُذر؛ للأمنِ ممَّا يحصُل برؤية الشابَّة).
    في الشرح الكبير 1/214: (فإذا خِيف من أَمَة فِتنةٌ وجَب سترُ ما عدا العورةِ؛ لخوف الفتنةِ، لا لكونها عورةً، وكذا يُقال في نظيره كستر وجهِ الحرَّة ويديها).
    وفي حاشية الصاوي 2/75 عن المحرِمة قال: (حاصلُ المعتمَد: أنَّها متى أرادتِ السترَ عن أعينِ الرِّجالِ، جاز لها ذلك مطلقًا، عَلِمتْ أو ظنَّتِ الفِتنة بها أم لا، نعمْ إذا عَلِمتْ أو ظَنَّت الفتنة بها وجَبَ كما قال الشارحُ) قال الزرقاني: لأنَّه يصير عورةً. [شرح الزرقاني على مختصر خليل 2/290].
    وفي جواهر الإكليل 1/41: (وأمَّا الأجنبيُّ الكافر فجميعُ جسدِها، حتى وجهها وكفَّيها، عورةٌ بالنسبة له).
    قال ابنُ عَطيَّة: (لَمَّا كانتْ عادةُ العربيَّات التبذُّلَ في معنى الحِجْبة، وكنَّ يكشِفْنَ وجوههنَّ كما يفعلُ الإماءُ، وكان ذلك داعيةً إلى نظر الرِّجال إليهنَّ، وتشعُّب الفِكر فيهنَّ- أمَرَ الله تعالى رسولَه عليه السلام بأمرهنَّ بإدناءِ الجلابيب؛ ليقعَ سترُهنَّ، ويَبِين الفرقُ بين الحرائر والإماء، فيُعرف الحرائرُ بسترهنَّ) [المحرر الوجيز 7/147].
    وقال ابن العربي في أحكام القرآن 3/616: (والمرأةُ كلُّها عورةٌ؛ بَدنُها وصوتُها، فلا يجوزُ كشفُ ذلك إلَّا لضرورةٍ أو لحاجةٍ، كالشَّهادة عليها).

    أنتقل الآن إلى مذهب الشافعيِّ مُبتدئًا بعِدَّة نِقاط:
    - إنَّ ما ورد عن الإمامِ من نقولٍ؛ إمَّا أن تكونَ في عورةِ الصلاة، وإمَّا أن يكون تفسيرًا لآية النور، وسبَق أنه من الخطأ تنزيلُ ذَينك الأمرينِ على عورةِ النظر.
    - جاء عن الشافعيِّ إباحةُ نظر الخاطب إلى الوجه والكفَّين فقط. [مختصر المزني الملحق بكتاب الأم 8/264]، وقد ذكرتُ دلالةَ هذا على تغطية الوجه والكفَّينِ سابقًا.
    - إنَّ المعتمَد عند الشافعيَّة هو ما اتَّفق عليه الرافعيُّ والنوويُّ، ثم الهيتميُّ والرمليُّ.
    - إنَّ أكثرَ مذهب يَحكي الإجماعَ على تحريمِ خروج المرأةِ سافرةً هو مذهبُ الشافعيَّة.

    إذا تَقرَّر ما سبَق، فإنَّ الرافعيَّ والنوويَّ اتَّفقًا على أنَّ وجه المرأة عورةٌ لذاته، لا لكونه مظنَّةَ الفتنة، وأنه يجب غضُّ البصر حتى مع أمْن الفتنة، وحتى لو كانتْ متنقبةً. [منهاج الطالبين ص 204، تحفة المحتاج 7/192-193، مغني المحتاج 4/209، جواهر العقود 2/4].

    قال السبكيُّ: الأقربُ إلى صنيعِ الأصحاب أنَّ وجهها وكفَّيها عورةٌ في النظر. [نهاية المحتاج 6/187].
    قال الرمليُّ: (وحيثُ قيل بالتَّحريم- وهو الراجحُ- حرُمَ النظرُ إلى المنتقبةِ التي لا يَبينُ منها غيرُ عينيها ومحاجرِها، كما بحَثه الأذرعيُّ ولا سيَّما إذا كانتْ جميلةً؛ فكم في المحاجرِ مِن خناجِر! وأفهم تخصيصُ الكلامِ بالوجه والكفَّين حُرمةَ كشْفِ ما سوى ذلك من البَدن، وما اختاره الأذرعيُّ تبعًا لجمْعِ مَن حلَّ نظَرَ وجهِ وكفِّ عجوزٍ تُؤمَن الفِتنةِ من نظرها لآيةِ {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ} [النور: 60]- ضعيفٌ مردودٌ بما مرَّ مِن سدِّ الباب، وأنَّ لكلِّ ساقطةٍ لاقطةً) [نهاية المحتاج 6/188].

    ويُبيِّن العمرانيُّ معنى كشْف المحرِمة لوجهها، فيقول: (وإذا أَحرمت المرأةُ.. فإنَّه لا يجبُ عليها كشْفُ رأسها، ولكن لا يجوزُ لها تغطيةُ وجهها، ولَسْنا نريد بذلك أنَّها تُبرزه للناس، وإنما نُريد أنَّها لا تُغطِّيه؛ فإن أرادتِ المرأة أن تسترَ وجهها عن الناس.. عقدَتِ الثوبَ على رأسها، وسَدَلَتْه على وجهها) [البيان في مذهب الشافعي 4/154-155].
    وأمَّا الإجماعات التي يَنقُلها الشافعيَّةُ على تحريم السُّفور، أو على أنَّ عادة النساء في كلِّ عصرٍ تغطيةُ الوجه فمتعدِّدة، فقد حكاه الموزعيُّ. تيسير البيان 2/1001، والجويني. نهاية المطلب 12/31، والغزالي. إحياء علوم الدين 2/47، وابن حجر. فتح الباري 9/324.

    إنَّ عادةَ المسلِماتِ تغطيةُ الوجه على مرِّ العصور، وأحسَبُ أنَّ هذا هو الذي صرَفَ الأئمَّةَ كأبي حنيفة ومالك والشافعي عن التنصيصِ عليه، أو على خِلافه، وهم أجلُّ مِن أن يُنسَبَ إليهم جوازُ ما ابتُلي به عصرُنا من كثرة السُّفور وشُيوعه، بل ما هو أشدُّ!
    يقول الموزعيُّ الشافعيُّ: (والسَّلف والأئمَّة كمالكٍ والشافعيِّ وأبي حنيفة وغيرِهم لم يَتكلَّموا إلَّا في عورة الصلاة... وما أظنُّ أحدًا منهم يُبيح للشابَّةِ أن تَكشِفَ وجهَها لغير حاجة) [تيسير البيان 2/1002]، وما قاله الموزعيُّ ظنًّا، أقوله جزمًا.

    بقِي رأي الحنابلة في عورة المرأة.
    المعتمَد في مذهب الحنابلة- كما في كشاف القناع وغيره-: أنَّ الوجه والكفَّين من المرأة عورةٌ، وهو ما نصَّ عليه الإمامُ أحمد.
    قال الإمام أحمدُ: (كلُّ شيءٍ من المرأة عورةٌ، حتى ظُفرها، وقال: الزينةُ الظاهرة، والثياب، وكلُّ شيءٍ منها عورة- يعنى: المرأة- حتى الظُّفر، وقال: ظُفر المرأة عورةٌ، وإذا خرجت فلا يَبين منها لا يَدُها ولا ظُفرُها ولا خُفُّها؛ فإنَّ الخفَّ يصِفُ القدمُ) [أحكام النساء للإمام أحمد- رواية الخلال ص32-33].
    وفي كشاف القناع 1/266: ("وهما" أي: الكفَّان "والوجه" من الحُرَّةِ البالغة "عورةٌ خارجَها" أي: الصلاة "باعتبار النَّظرِ كبقيَّة بدنِها").
    قال في نيل المآرب 1/125: (والوجْهُ والكفَّانِ من الحُرَّةِ البالغةِ عورةٌ خارجَ الصلاة باعتبار النظرِ كبقيَّة بدنها).
    وقال في كشف المُخدَّرات 1/116: (والوَجْهُ والكفَّان عَورةٌ خارجَها باعتِبارِ النَّظرِ كبقِيَّةِ بدنِها).

    يقول شيخُ الإسلام: (اختلفت عبارةُ أصحابِنا في وجْه الحُرَّة في الصلاة؛ فقال بعضُهم: ليس بعورةٍ، وقال بعضُهم: عورةٌ وإنَّما رُخِّص في كشْفِه في الصلاة للحاجة، والتحقيق: أنَّه ليس بعورةٍ في الصَّلاة، وهو عورةٌ في باب النَّظر إذْ لم يَجُز النظر إليه) [الفتاوى الكبرى 5/324]. قال المرداويُّ: (وهو الصوابُ) [الإنصاف بحاشية المقنع والشرح الكبير 3/207].

    وأختِمُ بتنبيه الراغب في بحْثِ هذه المسألة- على أنَّه حِين يُصرِّح بحُسنِ نيَّة على أنَّ وجه المرأة وكفَّيها ليسَا بعورةٍ- فعليه أنْ يرَى الواقعَ الذي يَعيشه، وأن يتأمَّلَ في تِلك الشروطِ والمُحترَزات والتَّقييدات التي يَذكُرها الفقهاءُ؛ صونًا لجناب الشريعةِ، وحمايةً للأعراض، وأنْ لا يُحمِّل كلامَ العلماء ما لا يَحتمل، أو يُنزل كلامَهم على الواقِع المُزرِي الذي نَعيشه، فيَجني على نفْسِه، وعلى العلماءِ وعلى مُجتمعِه.
    https://www.dorar.net/article/1792/%...88%D9%87%D9%85
    ممكن أخي الفاضل طالما نقلت هذا المقال وقرأته وهو طويل علينا . . . ان تستخرج لنا منه حديث رسول الله معزولاً. .
    . .

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: ما حكم حكم كشف وجه و يدين المرأة أمام الرجال الأجانب

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابو لمى مشاهدة المشاركة
    ممكن أخي الفاضل طالما نقلت هذا المقال وقرأته وهو طويل علينا . . . ان تستخرج لنا منه حديث رسول الله معزولاً. .
    . .
    هل هذا الطلب للتعجيز ؟
    عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين " رواه البخاري وغيره .
    قال أبوبكر بن العربي : وذلك لأن سترها وجهها بالبرقع فرض إلا في الحج ، فإنها ترخي شيئا من خمارها على وجهها غير لاصق به وتعرض عن الرجال ويعرضون عنها ، انتهى من عارضة الأحوذي .
    وقد قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : كنا إذا مر بنا الركبان – في الحج- سدلت إحدانا الجلباب على وجهها ، فإذا جاوزونا كشفناه . إلى غير ذلك من الأدلة :

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: ما حكم حكم كشف وجه و يدين المرأة أمام الرجال الأجانب

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمدعبداللطيف مشاهدة المشاركة
    إلى غير ذلك من الأدلة :
    احتجاب المرأة عن الرجال الأجانب وتغطية وجهها أمر واجب دلَّ على وجوبه كتاب ربك تعالى وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم ، والاعتبار الصحيح والقياس المطرد . أولاً : أدلة القران .
    الدليل الأول /
    قال الله تعالى : " وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنّ َ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوْ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنْ الرِّجَالِ أَوْ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ " سورة النور / 31
    وجه الدلالة من الآية على وجوب الحجاب على المرأة ما يلي :
    أ- أن الله تعالى أمرالمؤمنات بحفظ فروجهن ، والأمر بحفظ الفرج أمرٌ بما يكون وسيلة إليه ، ولا يرتاب عاقل أن من وسائله تغطية الوجه لأن كشفه سبب للنظر إليها وتأمل محاسنها والتلذذ بذلك ، وبالتالي إلى الوصول والاتصال ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " العينان تزنيان وزناهما النظر ... ـ ثم قال ـ والفرج يصدق ذلك أويكذبه " رواه البخاري (6612) ومسلم (2657)
    فإذا كان تغطية الوجه من وسائل حفظ الفرج كان مأموراً به لأن الوسائل لها أحكام المقاصد .
    ب - قوله تعالى : " وليضربن بخمرهن على جيوبهن " والجيب هو فتحة الرأس والخمار ما تخمربه المرأة رأسها وتغطيه به ، فإذا كانت مأمورة بأن تضرب بالخمار على جيبها كانت مأمورة بستر وجهها إما لأنه من لازم ذلك أو بالقياس ، فإنه إذا وجب ستر النحر والصدر كان وجوب ستر الوجه من باب أولى لأنه موضع الجمال والفتنة .
    ج ـ أن الله نهى عن إبداء الزينة مطلقاً إلا ما ظهر منها وهي التي لابد أن تظهر كظاهر الثياب ولذلك قال " إلا ماظهر منها " لم يقل إلا ما أظهرن منها ـ وقد فسر بعض السلف : كابن مسعود، والحسن ، وابن سيرين ، وغيرهم قوله تعالى ( إلاماظهر منها ) بالرداء والثياب ، وما يبدو من أسافل الثياب (أي اطراف الأعضاء ) ـ . ثم نهى مرة أُخرى عن إبداء الزينة إلا لمن استثناهم فدل هذا على أنَّ الزينة الثانية غير الزينة الأُولى ، فالزينة الأُولى هي الزينة الظاهرة التي تظهر لكل أحد ولايُمكن إخفاؤها والزينة الثانية هي الزينة الباطنة ( ومنه الوجه ) ولو كانت هذه الزينة جائزة لكل أحد لم يكن للتعميم في الأُولى والاستثناء في الثانية فائدة معلومة .
    د ـ أن الله تعالى يُرخص بإبداء الزينة الباطنة للتابعين غير أُولي الإربة من الرجال وهم الخدم الذين لاشهوة لهم وللطفل الصغير الذي لم يبلغ الشهوة ولم يطلع على عورات النساء فدل هذا على أمرين :
    1- أن إبداء الزينة الباطنة لايحل لأحدٍ من الأجانب إلا لهذين الصنفين .
    2- أن علة الحكم ومدارة على خوف الفتنة بالمرأة والتعلق بها ، ولاريب أن الوجه مجمع الحسن وموضع الفتنة فيكون ستره واجباً لئلا يفتتن به أُولو الإربة من الرجال .
    هـ - قوله تعالى : ( ولا يضربن بأرجلهن ليُعلم ما يُخفين من زينتهن ) يعني لا تضرب المرأة برجلها ليُعلم ما تخفيه من الخلاخيل ونحوها مما تتحلى به للرِجْـل ، فإذا كانت المرأة منهية عن الضرب بالأرجل خوفاً من افتتان الرجل بما يسمع من صوت خلخالها ونحوه فكيف بكشف الوجه .
    فأيما أعظم فتنة أن يسمع الرجل خلخالاً بقدم إمرأة لايدري ماهي وما جمالها ؟ ولايدري أشابة هي أم عجوز ؟ ولايدري أشوهاء هي أم حسناء ؟ أو ينظر إلى وجه جميل ممتلىء شباباً ونضارة وحسناً وجمالاً وتجميلاً بما يجلب الفتنة ويدعو إلى النظر إليها ؟
    إن كل إنسان له إربة في النساء ليعلم أي الفتنتين أعظم وأحق بالستر والإخفاء .
    الدليل الثاني /
    قوله تعالى : ( وَالْقَوَاعِدُ مِنْ النِّسَاءِ اللاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) سورة النور / 60
    وجه الدلالة من الآية أن الله تعالى نفى الجناح وهو الإثم عن القواعد وهن العجاوز اللاتي لا يرجون نكاحاً لعدم رغبة الرجال بهن لكبر سنهن بشرط أن لا يكون الغرض من ذلك التبرج والزينة . وتخصيص الحكم بهؤلاء العجائز دليل على أن الشواب اللاتي يرجون النكاح يخالفنهن في الحكم ولو كان الحكم شاملاً للجميع في جواز وضع الثياب ولبس درع ونحوه لم يكن لتخصيص القواعد فائدة .
    ومن قوله تعالى ( غير متبرجات بزينة ) دليل آخر على وجوب الحجاب على الشابة التي ترجو النكاح لأن الغالب عليها إذا كشفت وجهها أنها تريد التبرج بالزينة وإظهار جمالها وتطلع الرجال لها ومدحها ونحو ذلك، ومن سوى هذه فنادر والنادر لاحكم له .
    الدليل الثالث /
    قوله تعالى ( يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ) الأحزاب / 59
    قال ابن عباس رضي الله عنهما : " أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب ويبدين عيناً واحدة " .
    وتفسير الصحابي حجة بل قال بعض العلماء : إنه في حكم المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم .
    وقوله رضي الله عنه : ويبدين عيناً واحدة إنما رخص في ذلك لأجل الضرورة والحاجة إلى نظر الطريق فأما إذا لم يكن حاجة فلا موجب لكشف العين .
    والجلباب هو الرداء فوق الخمار بمنزلة العباءة.
    الدليل الرابع /
    قوله تعالى : ( لا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلا أَبْنَائِهِنَّ وَلا إِخْوَانِهِنَّ وَلا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلا نِسَائِهِنَّ وَلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا ) الأحزاب / 55 .
    قال ابن كثير رحمه الله : لما أمر الله النساء بالحجاب عن الأجانب بين أن هؤلاء الأقارب لايجب الاحتجاب عنهم كما استثناهم في سورة النور عند قوله تعالى : " ولايبدين زينتهن إلا لبعولتهن "
    ثانياً : الأدلة من السنة على وجوب تغطية الوجه .
    الدليل الأول /
    قوله صلى الله عليه وسلم : " إذا خطب أحدكم إمرأة فلا جناح عليه أن ينظر منها إذا كان إنما ينظر إليها لخطبة وإن كانت لاتعلم " رواه أحمد . قال صاحب مجمع الزوائد : رجاله رجال الصحيح .
    وجه الدلالة منه : أن النبي صلى الله عليه وسلم نفى الجناح وهو الإثم عن الخاطب خاصة بشرط أن يكون نظره للخطبة ، فدل هذا على أن غير الخاطب آثم بالنظر إلى الأجنبية بكل حال ، وكذلك الخاطب إذا نظر لغير الخطبة مثل أن يكون غرضه بالنظر التلذذ والتمتع ونحو ذلك .
    فإن قيل : ليس في الحديث بيان ماينظر إليه ، فقد يكون المراد بذلك نظر الصدر والنحر ؟
    فالجواب : أن كل أحد يعلم أن مقصود الخاطب المريد للجمال إنما هو جمال الوجه ، وما سواه تبع لا يُقصد غالباً فالخاطب إنما ينظر إلى الوجه لأنه المقصود بالذات لمريد الجمال بلا ريب .
    الدليل الثاني :
    أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمر بإخراج النساء إلى مصلى العيد قلن يا رسول الله إحدنا لا يكون لها جلباب فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لتلبسها أُختها من جلبابها " . رواه البخاري ومسلم .
    فهذا الحديث يدل على أن المعتاد عند نساء الصحابة أن لاتخرج المرأة إلا بجلباب وأنها عند عدمه لا يمكن أن تخرج . وفي الأمر بلبس الجلباب دليل على أنه لابد من التستر والله أعلم .
    الدليل الثالث :
    ما ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الفجر فيشهد معه نساء من المؤمنات متلفعات بمروطهن ثم يرجعن إلى بيوتهن ما يعرفهن أحدٌ من الغلس . وقالت : لو رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم من النساء ما رأينا لمنعهن من المساجد كما منعت بنو إسرائيل نساءها " . وقد روى نحو هذا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه .
    والدلالة من هذا الحديث من وجهين :
    أحدها : أن الحجاب والتستر كان من عادة نساء الصحابة الذين هم خير القرون وأكرمهم على الله عزوجل .
    الثاني : أن عائشة أم المؤمنين وعبد الله ابن مسعود رضي الله عنهما وناهيك بهما علماً وفقهاً وبصيرة أخبرا أن الرسول صلى الله عليه وسلم لو رأى من النساء ما رأياه لمنعهن من المساجد وهذا في زمان القرون المفضلة فكيف بزماننا !!
    الدليل الرابع :
    عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلاءَ لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ فَكَيْفَ يَصْنَعْنَ النِّسَاءُ بِذُيُولِهِنَّ قَالَ يُرْخِينَ شِبْرًا فَقَالَتْ إِذًا تَنْكَشِفُ أَقْدَامُهُنَّ قَالَ فَيُرْخِينَهُ ذِرَاعًا لا يَزِدْنَ عَلَيْه " رواه الترمذي وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
    ففي هذا الحديث دليل على وجوب ستر قدم المرأة وأنه أمرٌ معلوم عند نساء الصحابة رضي الله عنهم ، والقدم أقل فتنة من الوجه والكفين بلا ريب . فالتنبيه بالأدنى تنبيه على ما فوقه وماهو أولى منه بالحكم وحكمة الشرع تأبى أن يجب ستر ما هو أقل فتنة ويرخص في كشف ما هو أعظم منه فتنة ، فإن هذا من التناقض المستحيل على حكمة الله وشرعه .
    الدليل الخامس :
    عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ الرُّكْبَانُ يَمُرُّونَ بِنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحْرِمَاتٌ فَإِذَا حَاذَوْا بِنَا سَدَلَتْ إِحْدَانَا جِلْبَابَهَا مِنْ رَأْسِهَا عَلَى وَجْهِهَا فَإِذَا جَاوَزُونَا كَشَفْنَاهُ "رواه أبو داوود (1562) .
    ففي قولها " فإذا حاذونا "تعني الركبان " سدلت إحدانا جلبابها على وجهها " دليل على وجوب ستر الوجه لأن المشروع في الإحرام كشفه فلولا وجود مانع قوي من كشفه حينئذٍ لوجب بقاؤه مكشوفاً حتى مع مرور الركبان .
    وبيان ذلك : أن كشف الوجه في الإحرام واجب على النساء عند الأكثر من أهل العلم والواجب لايعارضه إلا ما هو واجب فلولا وجوب الاحتجاب وتغطية الوجه عند الأجانب ما ساغ ترك الواجب من كشفه حال الإحرام وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما : أن المرأة المحرمة تنهى عن النقاب والقفازين .
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية : وهذا مما يدل على أن النقاب والقفازين كانا معروفين في النساء اللاتي لم يُحرمن وذلك يقتضي ستر وجوههن وأيديهن .
    هذه تسعة أدلة من الكتاب والسنة .
    الدليل العاشر :
    الاعتبار الصحيح والقياس المطرد الذي جاءت به هذه الشريعة الكاملة وهو إقرار المصالح ووسائلها والحث عليها ، وإنكار المفاسد ووسائلها والزجر عنها .
    وإذا تأملنا السفور وكشف المرأة وجهها للرجال الأجانب وجدناه يشتمل على مفاسد كثيرة ، وإن قدر أن فيه مصلحة فهي يسيرة منغمرة في جانب المفاسد . فمن مفاسده :
    1ـ الفتنة ، فإن المرأة تفتن نفسها بفعل ما يجمل وجهها ويُبهيه ويظهره بالمظهر الفاتن . وهذا من أكبر دواعي الشر والفساد .
    2ـ زوال الحياء عن المرأة الذي هو من الإيمان ومن مقتضيات فطرتها . فقد كانت المرأة مضرب المثل في الحياء فيقال (أشد حياءً من العذراء في خدرها ) وزوال الحياء عن المرأة نقص في إيمانها وخروج عن الفطرة التي خلقت عليها .
    3ـ افتتان الرجال بها لاسيما إذا كانت جميلة وحصل منها تملق وضحك ومداعبة كما يحصل من كثير من السافرات ، والشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم .
    4ـ اختلاط النساء بالرجال فإن المرأة إذا رأت نفسها مساوية للرجل في كشف الوجه والتجول سافرة لم يحصل منها حياءٌ ولا خجل من مزاحمة الرجال ، وفي ذلك فتنة كبيرة وفساد عريض ، فقد أخرج الترمذي (5272) عَنْ حَمْزَةَ بْنِ أَبِي أُسَيْدٍ الأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ وَهُوَ خَارِجٌ مِنْ الْمَسْجِدِ فَاخْتَلَطَ الرِّجَالُ مَعَ النِّسَاءِ فِي الطَّرِيقِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلنِّسَاءِ اسْتَأْخِرْنَ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكُنَّ أَنْ تَحْقُقْنَ الطَّرِيقَ ، عَلَيْكُنَّ بِحَافَّاتِ الطَّرِيقِ . فَكَانَتْ الْمَرْأَةُ تَلْتَصِقُ بِالْجِدَارِ حَتَّى إِنَّ ثَوْبَهَا لَيَتَعَلَّقُ بِالْجِدَارِ مِنْ لُصُوقِهَا بِهِ " حسنه الألباني في صحيح الجامع ( 929 )
    انتهى من كلام الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله من رسالة الحجاب بتصرف .
    المصدر الاسلام سؤال وجواب

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: ما حكم حكم كشف وجه و يدين المرأة أمام الرجال الأجانب

    الصحيح أن على المرأة أن تستر جميع بدنها حتى الوجه والكفين ، بل إن الإمام أحمد يرى أن ظفر المرأة عورة وهو قول مالك – رحمهما الله تعالى - ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى - :
    …. وهو ظاهر مذهب أحمد فإن كل شيء منها عورة حتى ظفرها وهو قول مالك .
    " مجموع الفتاوى " ( 22 / 110 ) .
    خلافا لمن قال بعدم وجوب ذلك ، ولو تتبعنا أقوال القائلين بعدم وجوب تغطية الوجه للمرأة فهي كما قال الشيخ بكر أبو زيد – حفظه الله تعالى - :
    ….. لا يخلو من ثلاث حالات :
    1-دليل صحيح صريح ، لكنه منسوخ بآيات فرض الحجاب ….
    2- دليل صحيح لكنه غير صريح ، لا تثبت دلالته أمام الأدلة القطعية الدلالة من الكتاب والسنة على حجب الوجه والكفين ….
    3-دليل صريح ولكنه غير صحيح ، ….
    " حراسة الفضيلة " ( ص 68 – 69 ) .
    أما الأدلة على وجوب ستر الوجه والكفين :
    1- قال الله تعالى : يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا الأحزاب / 59 .
    قال ابن تيمية – رحمه الله تعالى - :
    وأمر سبحانه النساء بإرخاء الجلابيب لئلا يُعرفن ولا يؤذين وهذا دليل على القول الأول وقد ذكر عبيدة السلمانى وغيره أن نساء المؤمنين كن يدنين عليهن الجلابيب من فوق رؤوسهن حتى لا يظهر إلا عيونهن لأجل رؤية الطريق ، وثبت في الصحيح أن المرأة المحرمة تنهى عن الانتفاب والقفازين ، وهذا مما يدل على أن النقاب والقفازين كانا معروفين في النساء اللاتي لم يُحرمن وذلك يقتضي ستر وجوههن وأيديهن .
    " مجموع الفتاوى " ( 15 / 371 – 372 ) .
    2-وقال الله تعالى : وَقُل لِّلْمُؤْمِنَات ِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ النور / 31 .
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية :
    ….. قوله تعالى : ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها ، قال عبد الله بن مسعود : الزينة الظاهرة : الثياب ، وذلك لأن الزينة في الأصل : اسم للباس والحلية بدليل قوله تعالى : خذوا زينتكم الأعراف / 31 ، وقوله سبحانه : قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده الأعراف / 32 ، وقوله تبارك وتعالى : ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن النور / 31 ، وإنما يعلم بضرب الرجل الخلخال ونحوه من الحلية واللباس وقد نهاهن الله عن إبداء الزينة إلا ما ظهر منها وأباح لهن إبداء الزينة الخفية لذوي المحارم ومعلوم أن الزينة التي تظهر في عموم الأحوال بغير اختيار المرأة هي الثياب ، فأما البدن فيمكنها أن تظهره ويمكنها أن تستره ونسبة الظهور إلى الزينة دليل على أنها تظهر بغير فعل المرأة ، وهذا كله دليل على أن الذي ظهر من الزينة الثياب .
    قال أحمد : الزينة الظاهرة : الثياب ، وقال : كل شيء من المرأة عورة حتى ظفرها وقد روي في حديث : " المرأة عورة " ، وهذا يعم جميعها ؛ ولأن الكفين لا يكره سترهما في الصلاة فكانا من العورة كالقدمين ، ولقد كان القياس يقتضي أن يكون الوجه عورة لولا أن الحاجة داعية إلى كشفه في الصلاة بخلاف الكفين .
    " شرح العمدة " ( 4 / 267 – 268 ) .
    3- عن عائشة قالت : " كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات فإذا حاذوا بنا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها فإذا جاوزونا كشفناه " .
    رواه أبو داود ( 1833 ) وأحمد ( 24067 ) .
    وقال الشيخ الألباني في " جلباب المرأة المسلمة " /107 : وسنده حسن في الشواهد .
    ومما هو معلوم أن المرأة لا تضع شيئاً على وجهها حال إحرامها ، ولكن عائشة ومن معها من الصحابيات كن يسدلن على وجوههن لأن وجوب تغطية الوجه في حال مرور الأجانب أوجب من تركها حال الإحرام .
    4-وعن عائشة رضي الله عنها قالت : " يرحم الله نساء المهاجرات الأول لما أنزل الله وليضربن بخمرهن على جيوبهن شققن مروطهن فاختمرن بها " .
    رواه البخاري ( 4480 ) .
    قال ابن حجر :
    قوله : " فاختمرن " أي : غطين وجوههن .
    " فتح الباري " ( 8 / 490 ) .
    5- وعن عائشة : " …… وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني من وراء الجيش فأصبح عند منزلي فرأى سواد إنسان نائم فعرفني حين رآني وكان رآني قبل الحجاب فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني فخمرت وجهي بجلبابي " .
    رواه البخاري ( 3910 ) ومسلم ( 2770 ) .
    6- وعن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان " .
    رواه الترمذي ( 1173 ) .
    وقال الألباني في " صحيح الترمذي " ( 936 ) : صحيح .
    المصدر الاسلام سؤال وجواب

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Jun 2022
    المشاركات
    2,228

    افتراضي رد: ما حكم حكم كشف وجه و يدين المرأة أمام الرجال الأجانب

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمدعبداللطيف مشاهدة المشاركة
    هل هذا الطلب للتعجيز ؟
    عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين " رواه البخاري وغيره .
    قال أبوبكر بن العربي : وذلك لأن سترها وجهها بالبرقع فرض إلا في الحج ، فإنها ترخي شيئا من خمارها على وجهها غير لاصق به وتعرض عن الرجال ويعرضون عنها ، انتهى من عارضة الأحوذي .
    وقد قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : كنا إذا مر بنا الركبان – في الحج- سدلت إحدانا الجلباب على وجهها ، فإذا جاوزونا كشفناه . إلى غير ذلك من الأدلة :
    عافاك الله حديث واضح عن ابن عمر وعن عائشة رضي الله عنهم
    كلام ابن العربي نتنازل لكم عنه . . (ما نشتريه)
    .
    اليد عورة؟ كلمة عورة نفسها "ايش" تعني؟
    حسب ما افهم انها تعني "المناطق" التي . . . . . (كلمتين محذوفة) . . كيف دخلت لكتب
    الفقه؟
    هل هي دخلت "شعبيا" مثل كلمة "عبد" رغم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن كلمة "عبد" !!



  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: ما حكم حكم كشف وجه و يدين المرأة أمام الرجال الأجانب

    قال الشيخ صالح الفوزان : الصحيح الذي تدل عليه الأدلة : أن وجه المرأة من العورة التي يجب سترها ، بل هو أشد المواضع الفاتنة في جسمها ؛ لأن الأبصار أكثر ما توجه إلى الوجه ، فالوجه أعظم عورة في المرأة ، مع ورود الأدلة الشرعية على وجوب ستر الوجه .
    من ذلك : قوله تعالى : وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن النور/31 ، فضرب الخمار على الجيوب يلزم منه تغطية الوجه .
    ولما سئل ابن عباس رضي الله عنهما عن قوله تعالى : يدنين عليهن من جلابيبهن الأحزاب/59 ، غطى وجهه وأبدى عيناً واحدةً ، فهذا يدل على أن المراد بالآية : تغطية الوجه ، وهذا هو تفسير ابن عباس رضي الله عنهما لهذه الآية كما رواه عنه عَبيدة السلماني لما سأله عنه .
    ومن السنة أحاديث كثيرة ، منها : أن النبي صلى الله عليه وسلم " نهى المحرمة أن تنتقب وأن تلبس البرقع " ، فدل على أنها قبل الإحرام كانت تغطي وجهها .
    وليس معنى هذا أنها إذا أزالت البرقع والنقاب حال الإحرام أنها تبقي وجهها مكشوفاً عند الرجال الأجانب ، بل يجب عليها ستره بغير النقاب وبغير البرقع ، بدليل حديث عائشة رضي الله عنها قالت : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم محرمات ، فكنا إذا مرَّ بنا الرجال سدلت إحدانا خمارها من على رأسها على وجهها ، فإذا جاوزنا كشفناه .
    فالمحرمة وغير المحرمة يجب عليها ستر وجهها عن الرجال الأجانب ؛ لأن الوجه هو مركز الجمال ، وهو محل النظر من الرجال ... ، والله تعالى أعلم .
    " فتاوى المرأة المسلمة " ( 1 / 396 ، 397 ) .

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: ما حكم حكم كشف وجه و يدين المرأة أمام الرجال الأجانب

    سئل الامام ابن باز رحمه الله
    ما الرد على حجج كشف المرأة وجهها؟

    السؤال:
    لقد قرأتُ مقالًا لأستاذٍ في جامعة الأزهر في مصر مضمونه أنَّ غطاء الوجه للمرأة أمرٌ اختياري، ليس بإلزامي، فما قولكم في ذلك؟

    الجواب:
    أما ما يتعلق بالحجاب فقد تكاثرت أقوالُ أهل العلم في ذلك ما بين مُبيح وما بين مُحرّم، والأدلة الشرعية لمَن تأمَّلها واضحة في وجوب الحجاب والستر، وأن كشف المرأة وجهها ومحاسنها من أعظم الفتن، ومن أعظم أسباب ظهور الفواحش في البلاد، وقد صنَّف العلماء في ذلك رسائل وكتبًا مفيدةً، وبيَّن القرآنُ الكريم هذا المقام، وممن صنَّف في ذلك أبو العباس ابن تيمية وآخرون.
    المقصود أنَّ الحجاب أمره مهمٌّ، وقد وقع في هذا العصر من الناس اضطرابٌ واختلافٌ ما بين مُبيح، وما بين محرّم، وقد يكون لكل واحدٍ وجهته وقصده الخير والطيب، ولكن كثيرًا من الناس يميل بهم الهوى إلى الإباحة والتَّساهل، وبعض الناس له نية صالحة وقصد صالح، ولكن هذا مبلغ اجتهاده، وهذا مبلغ علمه، فلا ينبغي للعاقل أن يتساهل في هذا الأمر.
    والصواب أنَّ الواجب الحجاب على المرأة في وجهها وشعورها وبدنها؛ لأنها عورة، سمَّاها الرسولُ عورةً، ولأنها فتنةٌ، يقول النبيُّ ﷺ: ما تركتُ بعدي فتنةً أضرّ على الرجال من النِّساء، هكذا جاء في "الصحيحين"، فأمر النساء فتنة، والرجال مفتونون بالميل إلى النساء، والنظر إلى النساء، والنساء مفتونات بذلك، فالواجب البُعد عن الخطر، الواجب أخذ الحيطة، وأخذ الأسباب التي تمنع الخطر، وتحول بين الصّنفين من الوقوع فيما حرَّم الله، أو تُقلل ذلك، والله يقول جلَّ وعلا في كتابه العظيم: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى [الأحزاب:33]، قال أهل التفسير: التَّبرج: إظهار المحاسن والمفاتن، هذا هو التبرج، سُمِّي تبرُّجًا لإظهاره كمثابة الشيء القائم، البرج القائم الذي يُرى من بعيدٍ.
    فإظهارها المحاسن والمفاتن أمرٌ يضرُّها ويضرُّ مجتمعها، ويُسبب الفحشاء والمنكر، فإظهار الوجه، الوجه أعظم الزينة، وإذا كان معه الرأس مكشوفًا صارت الفتنة أكبر وأعظم.
    ويقول جلَّ وعلا: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنّ َ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ [الأحزاب:53] فجعل الحجاب أطهر لقلوب الجميع، للذكور والإناث جميعًا، ومَن قال: إنَّ هذا خاصٌّ بالنساء بأزواج النبي ﷺ فلقد أبعد النُّجعة، وقد غلط؛ لأنه إذا كانت أزواج النبي ﷺ يُؤْمَرن بالحجاب مع تقواهنَّ وتقدمهنَّ في الخير، وكونهن في القمة في الخير، فغيرهن من باب أولى؛ لأنهن دونهن في هذا الباب، فإذا وجب على الأفضل الحجاب، فوجوبه للمفضول من باب أولى؛ لأنَّ الخطر عليه أكثر.
    وقد صح عن عائشة في "الصحيحين" رضي الله عنها أنها قالت في قصة الإفك لما سمعت صوت صفوان بن معطل يسترجع قالت: "وكان قد رآني قبل الحجاب، فلما سمعتُ صوته خمّرتُ وجهي"، فدلَّ ذلك على أنهم كانوا قبل الحجاب يكشفون الوجوه، وبعدما نزلت آيةُ الحجاب غطّوا وجوههم، تخمّروا؛ للبُعد عن الفتنة، وهل يُوجد شيء أعظم من الوجه؟! أي شيءٍ أعظم من الوجه؟! هو أعظم من اليد، وأعظم من القدم، وأعظم من الرأس، الوجه هو مجمع الزينة، يظهر منه جمالها أو دمامتها.
    فالواجب على النساء أن يتقين الله، وعلى أوليائهن أن يتَّقوا الله في الحجاب والبُعد عن السفور وعن أسباب الفتنة.
    ومَن قال بالجواز فقد غلط، سواء كان حسن القصد أو بخلاف ذلك، مَن قال بالجواز فقد غلط ولم يُعطِ المقام حقَّه من النظر، بل وقف مع أشياء وفاتته أشياء.
    ومَن قال: يجوز إذا كان بالعادة، ليس فيه تحسين، لا كحل، ولا كذا، ولا كذا، أما إذا كان فيه الكحل والتزين؛ حرم؛ فهذا شيءٌ لا ضابطَ له.
    ومَن يقول: إن المرأة تجتنب هذا وتجتنب هذا، كل هذا شيءٌ لا وجه له، فالجمال لخِلقتها، سواء تحسنت بالكحل أو لم تتحسن بالكحل، فخِلقتها التي خلقها الله عليها من دمامةٍ أو جمالٍ هو المقصود، وإذا كان مع جمال الخِلقة المُزينات بالمكياج والكحل وغير ذلك؛ صارت الفتنةُ أعظم، وصار الفسادُ أكبر.
    فالحاصل أنَّ الواجب الاحتجاب والتَّستر والبُعد عن مظانِّ الفتنة، هذا هو الواجب في الوجه وغيره، هذا هو الواجب على النِّساء المؤمنات اللاتي يتقين الله ، وعليهنَّ أن يحذرن هذه الكتب وهذه المقالات التي تدعو إلى السُّفور، وتدعو إلى التحلل والتبرج، فإنها والله ضارَّة غير نافعةٍ، سواء حسن قصد فاعلها أو ساء قصد فاعلها، فمَن حسن قصده فالله يغفر له بما أخطأ فيه، وله أجر الاجتهاد، ومَن ساء قصده جمع الله له الشرين والذّنبين، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
    https://binbaz.org.sa/fatwas

  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Jun 2022
    المشاركات
    2,228

    افتراضي رد: ما حكم حكم كشف وجه و يدين المرأة أمام الرجال الأجانب

    يا أخي الفاضل الا يوجد كلمة غير "عورة"<br>
    حسب علمي العورة الدبر والقبل وفخذ الرجل وغيره؟<br>
    لا اعلم حديثا وصف الوجه بالعورة؟

    نأتي للآية الكريمة . . ولا يبدين زينتهن . .

  12. #12
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: ما حكم حكم كشف وجه و يدين المرأة أمام الرجال الأجانب

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابو لمى مشاهدة المشاركة
    اليد عورة؟ كلمة عورة نفسها "ايش" تعني؟
    حسب ما افهم انها تعني "المناطق" التي . . . . . (كلمتين محذوفة) . . كيف دخلت لكتب الفقه؟

    كما قلت لك الفهم عزيز
    العورة في الشرعِ: أُطْلِقَ على معانٍ تعبديَّةٍ؛
    كعَوْرةِ الصلاةِ؛ فيقولون: «المرأةُ كُلُّها عَوْرةٌ إلا وجهَها وكَفَّيْها»
    ؛ لأنَّ الشارعَ يَكْرَهُ كشفَها في الصلاةِ، ولو كانت المرأةُ وحدَها ببيتِها،
    ولما كان اللهُ يَكْرَهُ أن يَكْشِفَ الرجالُ والنساءُ مواضعَ معيَّنةً مِن أبدانِهم، سُمِّيتْ عورةً،
    ولما كانَتِ المرأةُ العفيفةُ تكرَهُ أن ينظُرَ إلى شيءٍ مِن جسمِها رجلٌ غيرُ زوجِها غريزةً وشَهْوةً، سُمِّيَ المنظورُ إليه عورةً.
    فقد يكونُ العضوُ الواحدُ في حالٍ عورةً، وفي حالٍ ليس بعورةٍ؛ كوجهِ الأَمَةِ، ووجهِ الحُرَّةِ، ووجهِ الشابَّةِ، ووجهِ العجوزِ،
    بل يختلِفُ بحسبِ الناظِرِ؛ إن كان ذكَراً طفلاً لم يُصبِحْ ما ينظُرُ له عورةً،
    وإنْ كان بالغاً أصبَحَ عورةً؛
    لهذا قال اللهُ: {أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ} [النور: 31].
    وقد اتَّخَذَ بعضُ مَن لا يَفهَمُ لغةَ العربِ ولا مصطلحاتِ الشرعِ مصطلحَ العورةِ مدخلاً للتقليلِ مِن حجابِ المرأةِ وسَتْرِها لوجهِها والسخريةِ به؛ لاشتراكِ لفظِ العورةِ بين السَّوْءَتَيْنِ والوجهِ؛
    وهذا كحالِ مَن لا يُفرِّقُ بين إطلاقاتِ مصطلَحِ: (المَسِّ)؛ فلا يُفرِّقُ بين مَسِّ المُصحَفِ: {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ } [الواقعة: 79]، وبين جماعِ الزوجَيْنِ: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3 و 4].

  13. #13
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: ما حكم حكم كشف وجه و يدين المرأة أمام الرجال الأجانب

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابو لمى مشاهدة المشاركة
    حسب علمي العورة الدبر والقبل وفخذ الرجل وغيره؟
    هذا حسب علمك !
    أما حسب علمنا فقد تقدم فى المشاركة السابقة
    وعلى حسب علمك ما هى عورة المرأة فى الصلاة ؟
    والجواب على حسب علمنا
    عورة المرأة الحرة في الصلاة جميع بدنها ما عدا الوجه والكفين اتفاقاً، واختلفوا في القدمين، والصحيح الذي عليه جمهور الفقهاء أنهما عورة، لحديث أم سلمة رضي الله عنها: أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم أتصلي المرأة في درع وخمار ليس عليها إزار؟ قال: إذا كان الدرع سابغاً يغطي ظهور قدميها. رواه أبو داود والحاكم وصححه وأقره الذهبي.

    وما انكشف منها بغير قصد فقد اختلفوا فيه فذهب الشافعية إلى أنه إن لم يستر حالاً فإن صلاته تبطل، قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: فإن انكشف شيء من عورة المصلي لم تصح صلاته سواء أكثر المنكشف أم قل، ولو كان أدنى جزء، وهذا إذا لم يسترها في الحال.

    ويرى الحنابلة أنه يعفى عن اليسير دون الكثير، قال ابن قدامة في المغني: فإن انكشف من العورة يسير. لم تبطل صلاته. نص عليه أحمد. والمرجع عندهم في قدر اليسير إلى العرف.



  14. #14
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: ما حكم حكم كشف وجه و يدين المرأة أمام الرجال الأجانب

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابو لمى مشاهدة المشاركة
    لا اعلم حديثا وصف الوجه بالعورة؟

    . .
    عن ابنِ مسعودٍ عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((المرأةُ عورةٌ ))
    رواه الترمذي (1173)، والبزار (2061)، وابن خزيمة (1685)، وابن حبان (5598). قال الترمذي: حسن غريب، واحتج به ابن حزم في ((المحلى)) (4/201)، وصححه ابن القطان في ((أحكام النظر)) (137)، ووثق رجال إسناده ابن رجب في ((فتح الباري)) ( 5/318)، والهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (2/38). وصحح الحديث على شرط مسلم الوادعي في ((الصحيح المسند)) (881)، وصححه الألباني في ((الإرواء)) (273).

  15. #15
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: ما حكم حكم كشف وجه و يدين المرأة أمام الرجال الأجانب

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابو لمى مشاهدة المشاركة
    حسب علمي العورة الدبر والقبل وفخذ الرجل وغيره؟
    السؤال عن العورة الصغرى والكبرى العورة المغلظة والمخففة،
    العلماء قد قسموا العورة إلى مغلظة ومخففة، وهاك ما في الموسوعة الفقهية في بيان ذلك:
    لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي حُرْمَةِ النَّظَرِ إِلَى الْعَوْرَةِ، وَوُجُوبِ سَتْرِهَا فِي الصَّلاَةِ وَخَارِجِهَا.
    وَلَكِنَّ الْحَنَفِيَّةَ وَالْمَالِكِيَّ ةَ قَسَّمُوهَا فِي الصَّلاَةِ، وَالنَّظَرِ إِلَيْهَا إِلَى:
    مُغَلَّظَةٍ وَمُخَفَّفَةٍ.
    فَالْمُغَلَّظَة ُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ هِيَ السَّوْأَتَانِ، وَهُمَا الْقُبُل، وَالدُّبُرُ، بِالنِّسْبَةِ لِلرَّجُل وَالْمَرْأَةِ عَلَى السَّوَاءِ.
    وَقَال الْمَالِكِيَّةُ : إِنَّ الْعَوْرَةَ الْمُغَلَّظَةَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ النَّوْعِ، فَعَوْرَةُ الرَّجُل الْمُغَلَّظَةِ هِيَ السَّوْأَتَانِ فِي الصَّلاَةِ، أَمَّا الْمَرْأَةُ فَهِيَ مَا عَدَا صَدْرَهَا وَأَطْرَافَهَا، وَهِيَ الذِّرَاعَانِ وَالرِّجْلاَنِ وَالْعُنُقُ. وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ إِذَا صَلَّى مَكْشُوفَ الْعَوْرَةِ الْمُغَلَّظَةِ فَإِنَّهُ يُعِيدُ الصَّلاَةَ فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَ الْوَقْتِ. وَلَمْ يَرِدْ فِي كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَة ِ هَذَا التَّقْسِيمُ لِلْعَوْرَةِ، وَكُل مَا جَاءَ فِيهَا أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَجِدْ مَا يَسْتُرُ بِهِ الْعَوْرَةَ كُلَّهَا يُقَدِّمُ السَّوْأَتَيْنِ . انتهى.
    وأما حدود العورة في الصلاة،
    فالسوأتان عورة إجماعا،
    وفيما بين السرة والركبة من الرجل خلاف والجمهور على أن ما بين السرة والركبة عورة لأحاديث وردت في ذلك ينتهض مجموعها لتقوم به الحجة، وزاد الحنابلة وجوب ستر أحد العاتقين في الفرض.

    وأما المرأة فجميع بدنها عورة في الصلاة إلا الوجه فإنه لا خلاف في جواز كشفه في الصلاة، وفي الكفين خلاف، ومذهب الجمهور جواز كشفهما خلافا للمشهور عند الحنابلة، وفي القدمين خلاف
    المصدر الاسلام سؤال وجواب
    الواجب على المصلي ستر عورته في الصلاة بإجماع المسلمين ، وعورة الرجل ما بين السرة والركبة ، عند جماهير أهل العلم .
    ينظر : المغني (3/7) ، الاستذكار (2/197) ، فتاوى إسلامية" (1/427) .
    وأما المرأة : فشعرها ، وجميع جسمها عورة ، يجب عليها أن تسترها ، ما عدا الوجه والكفين ؛ فإذا فعلت ذلك فقد تمت صلاتها باتفاق .
    ينظر : الإقناع في مسائل الإجماع ، لابن القطان (1/121-123) ، الشرح الممتع (2/160)

  16. #16
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: ما حكم حكم كشف وجه و يدين المرأة أمام الرجال الأجانب

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابو لمى مشاهدة المشاركة
    كلمة عورة نفسها "ايش" تعني؟
    أقول لك إيش تعنى
    َالْعَوْرَةُ لُغَةً : الْخَلَل فِي الثَّغْرِ وَفِي غَيْرِهِ .
    وَفِي الْمِصْبَاحِ المنير: كُل شَيْءٍ يَسْتُرُهُ الإِْنْسَانُ أَنَفَةً وَحَيَاءً فَهُوَ عَوْرَةٌ .
    وعند الْفُقَهَاء : كل مَا يَحْرُمُ كَشْفُهُ مِنَ الرَّجُل وَالْمَرْأَةِ فَهُوَ عَوْرَةٌ ..
    وَسِتْرُ الْعَوْرَةِ فِي اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ هُوَ: تَغْطِيَةُ الإِْنْسَانِ مَا يَقْبُحُ ظُهُورُهُ وَيُسْتَحَى مِنْهُ ، ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى أَوْ خُنْثَى.
    ينظر: الموسوعة الفقهية (24/173) .

  17. #17
    تاريخ التسجيل
    Jun 2022
    المشاركات
    2,228

    افتراضي رد: ما حكم حكم كشف وجه و يدين المرأة أمام الرجال الأجانب

    لا كبير خلاف بيننا . .
    ولكن وليست وجهة نظر . .
    الوجه واليد والقدم . . حسب فهمي للأدلة . . . ليست من العورات . .
    .
    أو دعك من كلامي:
    وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن الآية . .
    .
    وباختصار شديد إذا أمكن . . ما الفرق يبن زينتهن الأولى وزينتهن الثانية ؟ ونريد أدلة وليس اراء جال . .

  18. #18
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: ما حكم حكم كشف وجه و يدين المرأة أمام الرجال الأجانب

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابو لمى مشاهدة المشاركة
    لا كبير خلاف بيننا . .

    .
    نعم الرجوع الى الحق فضيلة - والحمد لله أنا ادفعك تجاه الحق فقط-هذا هو الغرض النبيل عندى - لا مغالبة ولا استعلاء - وفى الأثر عن الإمام أحمد في مسنده: يا بُنيَّ، لا تَعلَّم العلم لتُباهي بِه العلماءَ، أو تماري به السفهاءَ، وتُرائي به في المجالس
    وقد جاء هذا المعنى في قول النبي صلى الله عليه وسلم قال:
    من تعلم العلم ليباهي به العلماء، أو يماري به السفهاء، أو يصرف به وجوه الناس إليه أدخله الله جهنم. رواه ابن ماجه، وغيره، وصححه الألباني.


    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابو لمى مشاهدة المشاركة
    ولكن وليست وجهة نظر . .
    الوجه واليد والقدم . . حسب فهمي للأدلة . . . ليست من العورات . .
    .
    أو دعك من كلامي:
    .
    حسب فهمك للادلة لابد أن تستند الى كلام الحنفية فى تقسيم العورة الى الْمُغَلَّظَة ُو هِيَ السَّوْأَتَانِ- وعندك طبعا ابو حنيفة - هو من هو - فعلام اذا تستند فى فهمك-
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابو لمى مشاهدة المشاركة
    ونريد أدلة وليس اراء جال . .
    آراء الرجال عندى هى فهم السلف الصالح فهل تريد منى أن افهم الدين بفهم أبو لمى على سبيل المثال-
    أنا افهم الدين بفهم السلف من الصحابة والتابعين وأئمة الدين فى كل فن من الفنون او علم من العلوم الشرعية-
    وهل انت اخى ابو لمى تفهم علم الاسناد والجرح والتعديل بفهم مَنْ ؟ -أليس بفهم المتقدمين من المحدثين والحفاظ ؟ -
    أليس إتباعك ليحيى القطان فى التشدد فى التجريح - رأى رجال - بل رأيه عندك فى الجرح مقدم على رأى البخارى وجميع المحدثين والحفاظ- هل نازعك أحد فى الاخذ به ؟
    أحلال على ابو لمى ان يفهم علم الاسناد والجرح بفهم بعض المحدثين والحفاظ !
    حرام على ابن عبد اللطيف ان يفهم الفقه بفهم الفقهاء والمفسرين من الصحابة والتابعين وأئمة الدين والمحققين من أهل العلم

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابو لمى مشاهدة المشاركة
    وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن الآية . .
    .
    وباختصار شديد إذا أمكن . .
    ما الفرق يبن زينتهن الأولى وزينتهن الثانية ؟
    قد تقدم الجواب على ذلك ولا مانع من اعادته

    ج ـ أن الله نهى عن إبداء الزينة مطلقاً إلا ما ظهر منها وهي التي لابد أن تظهر كظاهر الثياب ولذلك قال " إلا ماظهر منها " لم يقل إلا ما أظهرن منها ـ
    وقد فسر بعض السلف
    : كابن مسعود، والحسن ، وابن سيرين ، وغيرهم قوله تعالى ( إلاماظهر منها ) بالرداء والثياب ، وما يبدو من أسافل الثياب (أي اطراف الأعضاء ) ـ .
    ثم نهى مرة أُخرى عن إبداء الزينة إلا لمن استثناهم
    فدل هذا على أنَّ الزينة الثانية غير الزينة الأُولى ،
    فالزينة الأُولى هي الزينة الظاهرة التي تظهر لكل أحد ولايُمكن إخفاؤها
    والزينة الثانية هي الزينة الباطنة ( ومنه الوجه ) ولو كانت هذه الزينة جائزة لكل أحد لم يكن للتعميم في الأُولى والاستثناء في الثانية فائدة معلومة .
    د ـ أن الله تعالى يُرخص بإبداء الزينة الباطنة للتابعين غير أُولي الإربة من الرجال وهم الخدم الذين لاشهوة لهم وللطفل الصغير الذي لم يبلغ الشهوة ولم يطلع على عورات النساء فدل هذا على أمرين :
    1- أن إبداء الزينة الباطنة لايحل لأحدٍ من الأجانب إلا لهذين الصنفين .
    2- أن علة الحكم ومدارة على خوف الفتنة بالمرأة والتعلق بها ، ولاريب أن الوجه مجمع الحسن وموضع الفتنة فيكون ستره واجباً لئلا يفتتن به أُولو الإربة من الرجال .

  19. #19
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: ما حكم حكم كشف وجه و يدين المرأة أمام الرجال الأجانب

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمدعبداللطيف مشاهدة المشاركة

    من تعلم العلم ليباهي به العلماء، أو يماري به السفهاء، أو يصرف به وجوه الناس إليه أدخله الله جهنم. رواه ابن ماجه، وغيره،
    وصححه الألباني.

    عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ لِيُمَارِيَ بِهِ السُّفَهَاءَ، أَوْ لِيُبَاهِيَ بِهِ الْعُلَمَاءَ، أَوْ لِيَصْرِفَ وُجُوهَ النَّاسِ إِلَيْهِ، فَهُوَ فِي النَّارِ رواه ابن ماجه (253).
    و عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ لِتُبَاهُوا بِهِ الْعُلَمَاءَ، وَلَا لِتُمَارُوا بِهِ السُّفَهَاءَ، وَلَا تَخَيَّرُوا بِهِ الْمَجَالِسَ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَالنَّارُ النَّارُ رواه ابن ماجه (254).

    وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ لِيُبَاهِيَ بِهِ الْعُلَمَاءَ، وَيُجَارِيَ بِهِ السُّفَهَاءَ، وَيَصْرِفَ بِهِ وُجُوهَ النَّاسِ إِلَيْهِ، أَدْخَلَهُ اللَّهُ جَهَنَّمَ رواه ابن ماجه (260).

    وهذه الأحاديث وإن كان في أسانيدها ضعف؛ إلا أنه يشهد بعضها لبعض؛ فلذا صححها الألباني رحمه تعالى؛
    حيث قال عن حديث جابر:

    " وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وصححه أيضاً الحافظ العراقي (1/ 52)، وهو كما قالوا إنْ سلم من الانقطاع؛ فإن ابن جريج وشيخه أبا الزُبير (مدلّسان) معروفان بذلك، وقد عنعناه، غير أنَّ الحديث صحيح على كل حال، فإن له شواهد في الباب يتقوّى بها، وتتقوّى به " انتهى من "صحيح الترغيب والترهيب" (1 / 154).

    وقال الشيخ محمد بن علي بن آدم الأثيوبي:
    " حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما هذا من أفراد المصنّف، وهو صحيح، قال البوصيريّ: " هذا إسناد رجاله ثقات، على شرط مسلم " انتهى.
    وهو كما قال، لكن فيه عنعنة ابن جريج، وأبي الزبير، وهما مدلّسان، لكن الحديث صحيح بشواهده " انتهى من "مشارق الأنوار" (4 / 485 - 486).
    جاء في "شرح الطيبي على مشكاة المصابيح" (2 / 681):

    " قوله: ( ليجاري ):
    المجاراة المفاخرة، مأخوذة من الجري، لأن كل واحد من المتفاخرين يجري مجرى الآخر.
    و ( المماراة ) المحاجة ، والمجادلة، من المرية، وهو الشك؛ فإن كل واحد من المحتاجين يشك فيما يقول صاحبه، أو يشكك بما يورَد على حجته. أو المري، وهو مسح الحالبِ الضرعَ ليستنزل ما به من اللبن؛ فإن كلا من المتناظرين يستخرج ما عند صاحبه. و ( السفهاء ) الجهال، فإن عقولهم ناقصة مرجوحة بالإضافة إلى عقول العلماء.

    أوقل: ههنا ألفاظ متقاربة: المجاراة، والمماراة، والمجادلة " انتهى.
    فظاهر الحديث يبين أن الشخص الذي يتعلم شرع الله تعالى لأجل جدال السفهاء؛ متوعد بالعذاب لأنه لم يحقق الإخلاص في تعلمه لشرع الله تعالى؛ بل جعل غايته من التعلم هو الجدال.

    عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ تَعَلَّمَ عِلْمًا مِمَّا يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَتَعَلَّمُهُ إِلَّا لِيُصِيبَ بِهِ عَرَضًا مِنَ الدُّنْيَا، لَمْ يَجِدْ عَرْفَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رواه أبو داود (3664).

    والنية الصحيحة والسليمة في طلب العلم؛ هو أن ينوي العمل به في خاصة نفسه ، ثم تعليمه للناس، وتبليغه إليهم، وحمل الشريعة لمن غابت عنه ، ثم دفع عدوان المعتدين ، وتحريفات المبطلين عنه.

    قال الله تعالى: فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ التوبة/122.

    وقال الله تعالى: فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا الفرقان/52.

    قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى:
    " ( وَجَاهِدْهُمْ ) بالقرآن ( جِهَادًا كَبِيرًا )
    أي: لا تبق من مجهودك في نصر الحق وقمع الباطل إلا بذلته، ولو رأيت منهم من التكذيب والجراءة ما رأيت،
    فابذل جهدك واستفرغ وسعك،
    ولا تيأس من هدايتهم ولا تترك إبلاغهم لأهوائهم " انتهى من "تفسير السعدي" (ص 585).

    فمن تعلم العلم بنيّة ردّ شبهات الكفار ونصح المسلمين؛ فهي نية صالحة.

    سُئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
    " هل من وصية لطالب العلم المبتدئ؟
    فأجاب:
    الوصية لكل إنسان أن يخلص النية لله عز وجل، وألا يكون قصده بذلك الرئاسة ولا الجاه ولا المال،
    بل ويكون مقصده أن يرفع الجهل عن نفسه وعن غيره،
    وأن يقيم الملة ويدافع عنها ويحميها، هذا أفضل شيء "
    انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (226 / 36 ترقيم الشاملة).

    فإن احتاج إلى الجدال والمماراة أثناء دعوته هذه؛ فلا بأس بهذا؛
    لأنها ليست الغاية من التعلم؛ وإنما وسيلة للتبليغ؛
    لكن عليه أن يجادل بالحسنى ووفق حدود الشرع.

    قال الله تعالى: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِين َ النحل/125.
    قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى:
    " أي: ليكن دعاؤك للخلق مسلمهم وكافرهم، إلى سبيل ربك المستقيم،
    المشتمل على العلم النافع، والعمل الصالح
    ( بِالْحِكْمَةِ ) أي: كل أحد على حسب حاله وفهمه وقوله وانقياده ...

    فإن كان المدعو يرى أن ما هو عليه حق. أو كان داعيه إلى الباطل،
    فيجادل بالتي هي أحسن، وهي الطرق التي تكون أدعى لاستجابته عقلا ونقلا.

    ومن ذلك الاحتجاج عليه بالأدلة التي كان يعتقدها،
    فإنه أقرب إلى حصول المقصود،
    وأن لا تؤدي المجادلة إلى خصام أو مشاتمة تذهب بمقصودها، ولا تحصل الفائدة منها، بل يكون القصد منها هداية الخلق إلى الحق لا المغالبة ونحوها " انتهى من "تفسير السعدي" (ص 452).

    وقال الله تعالى: فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا الكهف/22.
    قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى:

    " ( فَلا تُمَارِ ) أي: تجادل وتحاج ( فيهم إِلا مِرَاءً ظَاهِرًا ) أي: مبنيا على العلم واليقين،
    ويكون أيضا فيه فائدة " انتهى من "تفسير السعدي" (ص 474).

    فالحاصل؛ أن تعلم العلم الشرعي بنية دعوة الناس إلى دين الله تعالى؛ والدفاع عن الإسلام ورد كيد الكافرين؛ هي نية صالحة؛ بشرط أن لا يهتم طالب العلم بالعلوم التي هي من فرض الكفاية؛
    ويهمل فروض العين كتعلم أصول عقيدته وصفة العبادات الواجبة من صلاة وصيام وغير ذلك.

    عَنْ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْأَزْدِيِّ صَاحِبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَثَلُ الْعَالِمِ الَّذِي يُعَلِّمُ النَّاسَ الْخَيْرَ ويَنْسَى نَفْسَهُ كَمَثَلِ السِّرَاجِ يُضِيءُ لِلنَّاسِ ويَحْرِقُ نَفْسَهُ رواه الطبراني في "المعجم الكبير" (2 / 165 - 166)، وحسّنه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (1 / 164).المصدر الاسلام سؤال وجواب
    والنية الصحيحة والسليمة في طلب العلم؛ هو أن ينوي العمل به في خاصة نفسه ، ثم تعليمه للناس، وتبليغه إليهم، وحمل الشريعة لمن غابت عنه ، ثم دفع عدوان المعتدين ، وتحريفات المبطلين عنه.................
    ( فَلا تُمَارِ ) أي: تجادل وتحاج ( فيهم إِلا مِرَاءً ظَاهِرًا ) أي: مبنيا على العلم واليقين،
    ويكون أيضا فيه فائدة
    نعم

  20. #20
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: ما حكم حكم كشف وجه و يدين المرأة أمام الرجال الأجانب

    ذكر الإمام المحقق ابن القيم في كتابه (المنار المنيف في الصحيح والضعيف) أنه سئل: هل يمكن معرفة الحديث الموضوع بضابط، من غير أن ينظر في سنده؟.
    وأجاب ابن القيم عن هذا السؤال إجابة مستفيضة مفصلة استغرقت جل كتابه
    قال في مطلعها:
    (هذا سؤال عظيم القدر، وإنما يعلمُ ذلك مَنْ تضلَّع في معرفة السُّنَن الصحيحة، واختلطت بلحمه ودمه، وصار له فيها مَلَكة، وصار له اختصاص شديد بمعرفة السنن والآثار، ومعرفة سيرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهدْيه، فيما يأمر به وينهى عنه ويُخبِرُ عنه ويدعو إليه، ويحبه ويكرهه، ويشرعه للأمة. بحيث كأنه مخالطٌ للرسول -صلى الله عليه وسلم- كواحد من أصحابه.
    فمثل هذا:
    يَعْرِفُ من أحوال الرسول -صلى الله عليه وسلم- وهديه وكلامه وما يجوز أن يخبر به وما لا يجوز: ما لا يعرفه غيره
    وهذا شأن كل متبع مع متبوعه، فإنَّ للأخص به، الحريص على تتبع أقواله وأفعاله من العلم بها والتمييز بين ما يصح أن ينسب إليه وما لا يصح: ما ليس لمن لا يكون كذلك، وهذا شأن المقلدين مع أئمتهم، يعرفون أقوالهم ونصوصهم ومذاهبهم
    ******
    وقال الامام ابن القيم في رسالة المنار المنيف:
    ونحن ننبه على أمور كلية يعرف بها كون الحديث موضوعا.. اهـ.
    فذكر منها: تكذيب الحس له، كحديث: الباذنجان لما أكل له.
    ومنها: أن يكون الحديث باطلا في نفسه فيدل بطلانه على أنه ليس من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم، كحديث المجرة التي في السماء من عرق الأفعى التي تحت العرش.
    ومنها: أن يكون الحديث مما تقوم الشواهد الصحيحة على بطلانه، كحديث عوج بن عنق الطويل.
    ومنها: مخالفة الحديث صريح القرآن، كحديث مقدار الدنيا، وأنها سبعة آلاف سنة ونحن في الألف السابعة.
    ومنها: ما يقترن بالحديث من القرائن التي يعلم بها أنه باطل، مثل حديث: وضع الجزية عن أهل خيبر.

    هل احد يتوب من هذا الكلام يا ابو لمى؟؟؟؟؟؟؟؟؟!!!!!! !!!!!!!!!!
    بل التوبة واجبة على ابو لمى مما يرمى به شيخ الاسلام ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابو لمى مشاهدة المشاركة

    .
    هل تنصحني أن أتبع بشكل أعمى
    .
    من قال لك او نصحك أن تتبع بشكل اعمى- بل ابن القيم نفسه تكلم على ذم التقليد الاعمى فى اعلام الموقعين بما لا مزيد عليه فيمكن الرجوع اليه
    *********
    قال ابن عبدالبر (التقليد عند جماعة العلماء غير الإتباع، لأن الإتباع: هو أن تتبع القائل على مابان لك من فضل قوله وصحة مذهبه. والتقليد: أن تقول بقوله وأنت لا تعرفه ولا وجه القول ولا معناه) (جامع بيان العلم) 2/37
    2- وقال ابن عبدالبر أيضا (قال أبو عبدالله بن خويز منداد البصري المالكي: التقليد معناه في الشرع: الرجوع إلي قول لاحجة لقائله عليه، وذلك ممنوع منه في الشريعة. والإتباع: ما ثبت عليه حجة. وقال في موضع آخر من كتابه: كل من اتبعت قوله من غير أن يجب عليك قوله لدليل يوجب ذلك فأنت مُقلّده، والتقليد في دين الله غير صحيح. وكل من أوجب عليك الدليل إتباع قوله فأنت متبعه. والإتباع في الدين مسوّغ والتقليد ممنوع)(جامع بيان العلم) 2/117
    3- وقال أبو حامد الغزالي (التقليد هو قبول قول ٍ بلا حجة، وليس ذلك طريقا إلى العلم لا في الأصول ولا في الفروع) (المستصفى) جـ 2 صـ 387.
    وقد وردت عدة آيات تحث على الإتباع، لأن الإتباع يعتمد على الحجة والبرهان لا مجرد تقليد أعمى،
    قال تعالى (اتبعوا ماأنزل إليكم من ربكم ولاتتبعوا من دونه أولياء) الأعراف 3
    وقال تعالى (وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون) الأنعام 155 .
    وقال تعالى (اتبع ماأوحي إليـــك من ربـــك) الأنعام 106، وقال تعالى (قل إنما اتبع مايوحى إلي من ربي) الأعراف 203 .
    فالعمل بالوحي من الكتاب والسنة هو الاتباع كما دلت عليه هذه الآيات .
    فهذه قصيدة للإمام ابن عبد البر في ذم التقليد، قال:

    يا سائلــي عــن موضــع التقليـــد
    خذ عني الجواب بفهم لب حاظــر
    و اصغ إلى قولي و خذ بنصيحتي
    و احفظ علي بـوادري ونــوادري
    لا فــرق بيــن مقــلــد و بهـيـمــة
    تــنقـــاد مـــن جنــادل و دعائـــر
    تبـا لقـــاض أومــفـــت لا يـــرى
    عللا و معنــــى للمــقـال السائـــر
    فإذا اقـتـديـــت فبالكتــاب وسنـــة
    المبعوث بالدين الحنيف الطاهـــر
    ثم الصحابة عند عــدمـــك سنــــة
    فأولئك أهل نهـى و أهـــل بصــائر
    وكذاك إجمـاع الذيــن يلــونـــــهم
    مـن تابعيــهم كابـرا عـــن كــابــر
    إجـــمــاع أمتـــنا وقـــول نــبيـــنا
    مثل النصوص لذي الكتاب الزاهر
    وكــذا المدينــة حجــة إن أجمعـوا
    متــتــابــعيــ ن أوائــلا بــأواخــــر
    وإذا الخــلاف فدونــك فاجـتـهــــد
    ر ومع الدليــل فمــل بفــهم وافـــر
    وعلى الأصول فقس فروعك لا تقس
    فرعــا بفـــرع كالجــهــول الحـــائر
    والشر ما فيــــه ـ فديتـــك ـ أســـوة
    فانظـــر ولا تحفـــل بزلـــة ماهــــر
    (من كتاب جامع بيان العلم وفضله ص 990 )

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •