الفارق بين الناصح والحاقد ..


النصيحة .. مطلب الشريعة ، وخلق جميلٌ يختاره عقلاء المصلحين في الحياة ؛ فلا يستقيم نظامُ دينٍ ودنيا إلا بنصيحة عاقلة موجهة من صحاب علم ودراية وتخصص ، وحب لإشاعة الخير في المجتمع ..


وهذا الناصح الموفق : وظيفته الجميلة بناؤها على الستر والنصح ، ومقصوده النبيل : إزالة العيب والخطأ عمن وقع فيه من إخوانه المؤمنين ، واجتنابهم للزلل والخلل .. والوصف الصــادق للنـــاصح المصلح ، قوله تعالى - واصفاً - نبيه عليه الصلاة والسلام : ( لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُــولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِين َ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ ) ..


ومن صفات الناصحين المخلصين : التواصي بالصبر ، والتواصي بالمرحمة ..
وما أجمل النصيحة لــمَّـا تكون بتقديم الحجة والبرهان المقنع ، وبيانها الأجمل : بعبارة هادئة ، وابتسامة صادقة ساحرة ، < وستر لا تشهير فيه ، ولا تعيير ، ولا فضح !! > .. فنهاك يُسَلَّـم لذاك الناصح ، وبه تصلحُ الجماعة والأمة والمجتمع ..


أما ذلك الإنسان الحاقد : فقلبه امتلأ بسواد حقده ، وعلة مرض الهوى ، والانتصار للانتماء الضيق ، وغلب عليه داء حسد النعم المسبغة على عباد الله المؤمنين .. فلو قدمت له جميع الـخُـلُــق الحسن ، فلا يحرك فيه جانبَ الرحمة على أخيه المؤمن ، وليس له سعادة إلا بزوال النعم جميعها عمن حسد ونقد وظلم !! ..


ومن الكواشف له !! :


أنه : لا غرض له في زوال المفاسد ، ولا في اجتناب المؤمن للنقائص والمعايب ، إنما غرضه في نقده ذاك : مجرد إشاعة العيب والخطأ عند أخيه المؤمن ، وهتك عرضه.. ومن القرائن : تراه في نقده < يُــعيد ذلك ويبديه !! > مكرراً في كل محفل ومجلس ذلك النقد المريض ، ومقصوده : التنقص من أخيه المؤمن بإظهار عيوبه ومساويه للناس ؛ ليُدخل عليه الضرر في الدنيا ، وإسقاطه وحرقه إذا كان ممن يُشار إليه ببنان التوجيه والعلم ..


وهذه العلة المرضية : لها وجود بكثرة عند من يقول : أنه من أهل العلم والنصح والتوجيه إلا من رحم ربي عز وجل ..


ومن مكر الشيطان بأولئك النفر من الناس : أنهم يقررون نقدَهم وأقوالهم الظالمة والعابثة < بصبغة النصائح الدينية !! > ، والحرص على الاجتماع ودرء الاختلاف .. وحقيقة المقاصد : دنيا ، وحسد ، وهوى ، وعلو كاذب ، ونصرة للحزب والجماعة والانتماء .. يكشفُها واقع الحال الناطق ، أو الأفعال المتناقضة بين القول والعمل !! ..


لكنَّ المؤمن في هذه الحياة المليئة بالمشاغبين المكدِّرين لصفوها النسبي : يشتغل بإرضاء ربه سبحانه ، وإصلاح نفسه وعقيدته ، ومن يلزمه إصلاحه ، ولا عبرة بنقد الناقدين ممن يُظهر حلاوة لسان ، وحُسنَ بيان ، وتوجعاً وألماً ، ويبطن : غشاً وحقداً لدعاة الفضيلة ، وحملة رسالة الإصلاح في الأرض .. والله يعلم المصلح من المفسد ..


فمن فقه هذه المعاني المقررة ، والصفات الكاشفة : تبين له الفارق بين الناصح والحاقد ، وبين من قصده النصيحة ، وبين من قصده الفضيحة ، < ميزان فاصل > يعرفه أصحاب العقول الصحيحة ، ومن له معرفة بطباع الناس ، وحال الدنيا التي لا يكمل فيها شيء .. فكلنا ذوو خطأ وزلل ، إلا من رحم الله ووقى وعصم ..

حسن الحملي.