دور منزلة المعنى في التقدير
زيد في الدار
تقوم اللغة على الاحتياج المعنوي والأهمية المعنوية ، والإنسان يتحدث بمستويات متعددة تحت رعاية الاحتياج المعنوي غالبا واللفظي نادرا مع علامات أمن اللبس ليكون بعيدا عن اللبس والتناقض وهو غاية كل لغة من لغات العالم كما هو الحال في قول العرب :زيد في الدار ، فيحذفون الخبر الذي هو الكون العام أو الاستقرار إذا كان المتكلم لا يعرف شيئا عن أحوال زيد كأن يكون قائما أو نائما.....إلخ أما إذا كان يعلم عن أحواله فيقول:زيد قائم في الدار أو نائم ......إلخ .
ونحن نستخدم هذا في حياتنا اليومية ،كان تسأل أحدهم في الشارع :أين أبوك ؟فيرد عليك :أبي في الدار ،فتقول له :ماذا يفعل ؟فيقول:لا أدري ، وإن كان يعلم عنه شيئا فيقول:أبي نائم أو جالس.....إلخ ، فأنت ترى أنه يذكر الحالة الخاصة التي يعرفها ويحذف ما لا يعرف لأنه كون عام .
ويختلف البصريون والكوفيون حول تقدير متعلق الظرف والجار والمجرور،في قولنا :زيد في الدار ، ،فيرى البصريون أن الخبر كون عام مقدر تقديره مستقر أو موجود بينما يرى الكوفيون أن الخبر هو شبه الجملة . والذي حدا بالبصريين إلى تقدير الخبر هو قولهم :إن الخبر هو عين المبتدأ في المعنى ، وبينهما احتياج معنوي ، كقولنا: زيد نشيط ،فزيد هو النشيط والنشيط هو زيد ،وإذا أتينا إلى خبر شبه الجملة فلا نجد أن الخبر هو عين المبتدأ في المعنى ولهذا قدروا خبرا تقديره موجود أو مستقر ، من أجل توافر منزلة المعنى بين أجزاء التركيب ، لأن "في الدار" ليس "زيدا" و"زيد" لا يدل على "في الدار" ولا يوجد بينهما احتياج معنوي ، كما أن المجرورات إذا لم تكن حروف الجر الداخلة عليها زائدة فلا بد لها من متعلق ، إن لم يكن ظاهرا كقولنا :زيد قائم في الدار كان مضمرا ،كقولنا: زيد في الدار ، وهذا يدل على أن اللغة تقوم على منزلة المعنى.
والذي يبدو لي أن قول البصريين هو الصواب إذ لا تتوافر منزلة المعنى في هذا التركيب إلا بالتقدير ، فلا يوجد احتياج معنوي بين "زيد" و"في الدار " بل الاحتياج المعنوي موجود بين "الاستقرار" وبين"في الدار" وبين "الاستقرار" وبين" زيد" وقول البصريين هو الصواب لأن التركيب يحتاج إلى هذا التقدير ، والتقدير ينبغي أن يكون بقدر يحتاجه التركيب لتوضيح علاقات الاحتياج المعنوي داخله .