جواب الشيخ أبي عُبُود على سؤالَي أخينا أبي دعاء
بارك الله فيك أخي أبي دعاء وسلّمك .
رفعتُ أخي سؤالَيْك لشيخنا أبي عُبُود - حفظه الله ووفقه - فكان منه الجواب التالي :
قال حفظه الله تعالى - ومن خطه نقلتُ - :
(( شكراً جزيلاً لإحسانك الظن بأخيك ، وقوَّاني الله عزوجل بأمثالك ، وأعانني وإياك أن نكون ممن يشارك في حفظ سنة نبينا صلى الله عليه وآله وسلم ، وثبتني وإياك على طريق حفظ حق أئمتنا المتأخرين والمعاصرين ، وأن يكرمني ويشرفني وإياك أن نكون سبباً في هداية بعض مَنْ أُعْطِيَ مكانةً هي حق غيره ؛ فيعرف قدر نفسه ؛ فيعرف مكانه ؛ فيعطي غيره حقه . آمين .
تنبيه :
عندما ذكرتُ الترجيح بالأحفظ عند مخالفة العدد الذين دونه في الحفظ كأفراد ثم مجتمعين ، ليس ترجيحاً من قِبَلي إنما هو توجيه وبيان لحكم إمام من أئمتنا المتقدمين ؛ لنفهم جميعاً – ومعنا الدكتور – سبب حكمه ؛ ثم بعد ذلك نوازن بين قوَّة هذا السبب والسبب الذي قام عليه حكم المخالف له ؛ فلا يكون همنا وجهدنا في بيان وتوجيه الحكم الذي نعتقده صواباً فقط ، وللأسف الشديد كتاب الدكتور مليئ بتوجيه وتفهيم قارئ كتابه الحكم الذي يعتقد صوابه ورجحانه فقط ، وعند المحاققة أغلب ما يراه غير راجح وغير صواب وبخاصة من أحكام الإمام الناقد الترمذي من المتقدمين وإمام أهل العلل في عصره الإمام الألباني من المعاصرين ؛ عند تعليلها وتفهيم سبب ما ذهبا إليه على الأقل يكون حكمهما له حظٌّ كبير من الاعتبار والوجاهة ، وليس كما يُظْهِر حكمهما المؤلف الدكتور في كتابه .
والجواب عن السؤال الأول :
الله أعلم ، وإجابته الحقيقية والواقعية عند الدكتور الفاضل .
والجواب عن السؤال الآخر :
من حكمة الله عزوجل وعدله وفضله ، خلق عباده متفاوتين في قدراتهم البدنية والذهنية ، وفَطَرهم عزوجل لإعمار الأرض بأن خلق في نفوسهم قابلية أن يُنَمُّوا هذه القدرات ، فكما أن القدرات البدنية يُحافَظ عليها وتُنَمَّى بالغذاء والرياضة البدنية والبعد عمَّا يضر البدن شرعاً وعرفاً ، كذلك القدرات الذهنية من الفهم والحفظ والضبط والإتقان يُحافَظ عليها وتُنَمَّى بالحرص على المعلومة الجديدة ومذاكرة ومتابعة وتعاهد ما عنده من معلومة قديمة . وبالمذاكرة والمتابعة والتعاهد يتفاوت الناس في حفظ وضبط وإتقان ما في صدورهم من علم ، ونتيجة لهذا التفاوت وُجِد الاختلاف في رواياتهم ، وبالفطرة التي فطر الله عزوجل عليها عباده فالاختلاف في الروايات المتضادة ، يكون الخطأ والوهم ملازماً لبعض الروايات ؛ لذلك من أسباب معرفة الخطأ والوهم في الرواية هو معرفة التفاوت في الحفظ والضبط والإتقان ؛ فترجح رواية الأحفظ والأتقن ، ويكون الأحفظ والأتقن هو الأقل وهماً وخطأً ، ولا يوجد راوٍ لم يهم ولم يخطئ ؛ لأن الراوي بشر ، والبشرية الملازمة للراوي تكون سبباً بذاتها في وجود الوهم والخطأ لأمور ملازمة للبشر كالنسيان ، وإذا أضيف إلى النسيان عدم المذاكرة والمتابعة و التعاهد لما في صدره زادت أوهامه وأخطاؤه في مروياته ، هذا في عموم الرواة ، وقد يتعرض بعض الرواة لأمور خاصة : كالعمى ، وكِبَر السن ، والسفر ؛ فيظهر في مروياته الخطأ والوهم بعد أن كان حافظاً ضابطاً لمروياته ، وقد يحدث لبعض الرواة أن يلازم شيخه ؛ فيتقن حديث شيخه ؛ فيكون مقدَّماً على الأحفظ منه غالباً في حديث هذا الشيخ ؛ لأنه بطول صحبته لشيخه مع ضبطه حديث شيخه ومدارسته ؛ أتقن الذي لم يتقنه الحافظ .
هنا تظهر قيمة وخطورة معرفة مراتب الرواة وتفاوتهم في الحفظ والضبط والإتقان عند اختلاف مروياتهم المتضادة التي لا يمكن الجمع بينها ؛ فتأتي مراتب الرواة وتفاوتهم ؛ لتكون الأس في الترجيح بين هذه المرويات .
وعند البحث في المرجحات تأتي المتابعات كمرجح مهم ، وهو الترجيح بالعدد أو بالكثرة ؛ لأن الوهم والخطأ أقرب إلى الواحد أو الأقل ولكن هذا بقيد وهو إذا تساوى الرواة في الحفظ والضبط ، فإن كان الراوي الواحد أحفظ وأتقن من حفظ العدد المخالفين له ولم يكن مرجحاً لترجيح ؛ فالترجيح للراوي الواحد الأحفظ و الأتقن ؛ وذلك على الأصل الذي تقدم إجماله وهو تفاوت الرواة في حفظهم وضبطهم ، ولهذا قال محدث اليمن العلامة مقبل بن هادي الوادعي – رحمه الله – في ( المقترح في أجوبة بعض أسئلة المصطلح ) (ص123) : (( الترجيح : تقارن بين الرواة ، ... . وتقارن بين الصفات وبين العدد فرب شخص يعدل خمسة . ما تقارن بين العدد فقط ... )) أهـ .
وفي ( علل الحديث ) لابن أبي حاتم ترجيح أبي حاتم ، وأبي زرعة لرواية الراوي الواحد الأحفظ على رواية رواة ذي عدد أنزل في الحفظ والضبط ، مرات بدون تنصيص على أن سبب الترجيح : (( الحفظ )) ، ومرات أخرى بالتنصيص على أن سبب الترجيح : (( الحفظ )) ، فيقولان : (( فلان أحفظ )) ، أو (( فلان أحفظ القوم )) ونحو ذلك .
وأنقل لأخي الفاضل بعض ما فيه التنصيص على الترجيح بسبب (( الحفظ )) مقابل مخالفة العدد :
1) في ( 1/76 ، رقم 205) سأل أباه عن حديث داود بن قيس ومحمد بن علي الهاشمي أبي جعفر ، ومالك ، عن نعيم المجمر ...
فرجَّح أبو حاتم حديث مالك على حديثيهما ، وقال : (( مالك أحفظ )) .
وأبو جعفر الهاشمي الظاهر هو الباقر ، وداود بن قيس الفراء وثقه أبو حاتم وأبوزرعة كما في ( الجرح والتعديل ) (3/422-423) .
2) في (1/221 ، رقم 642) سأل أباه وأبازرعة عن حديث معمر والثوري وابن عيينة ، عن زيد بن أسلم .. ورجَّح أبو حاتم حديث الثوري ، وقال : (( والثوري أحفظ )) .
معمر بن راشد ، وسفيان بن عيينة .
3) في (2/54-55، رقم 1648) سأل أباه وأبازرعة عن حديث الثوري و عنبسة بن سعيد قاضي الري ، وعمرو بن أبي قيس ، عن الزبير بن عدي ...
رجَّح أبوزرعة بالعدد فرجَّح ما اتفق عليه عنبسة وعمرو .
ورجَّح أبو حاتم بالأحفظ فرجح حديث الثوري ، فقال : (( وهو أحفظهم وأعلى من هؤلاء بدرجات )) .
وعنبسة وثقه أبو حاتم وأبوزرعة كما في ( الجرح والتعديل ) (6/399) .
وعمرو بن أبي قيس المعروف بالأزرق .
4) في (2/148 ، رقم 1939) سأل أباه عن حديث شعبة ، وسماك بن حرب ، وحاتم بن أبي صغيرة عن النعمان بن سالم ...
ورجح أبو حاتم حديث شعبة ؛ فقال : (( وشعبة أحفظ القوم )) .
وسماك بن حرب وثقه أبو حاتم وأبوزرعة كما في ( الجرح والتعديل ) (4/280) .
وحاتم بن أبي صغيرة ؛ وثقه أبو حاتم وأبوزرعة كما في ( الجرح والتعديل ) (3/258) .
أكتفي بهذه الأمثلة من عمل إمام ناقد متقدم هو أبو حاتم الرازي ؛ لتأكيد صحة ما الدكتور يعلمه وما به يثبت المعلومة لديك .
وكنتُ أتمنى أن أنقل لك من عمل إمام عصرنا في العلل الإمام ناصر الدين الألباني في ترجيحه بالأحفظ عند مخالفة العدد له ، ولكن عندما انتقلت إلى بيتي الجديد ( بيت بالإيجار ) عام 2009م لم أجد فهرست الإعلال والترجيح من عمل الإمام ناصر الدين الألباني والذي اعتنيتُ فيه بتاريخ الانتهاء من التأليف والكتابة أو تاريخ كتابة المقدمة للكتاب ، وذلك بقصد محاجة مَن يدعو إلى طريقة المتقدمين تاريخياً ، وذلك بأن يذكر أحدُهم قاعدة أو عملاً ينسبه إلى منهج المتقدمين ؛ فأُثْبِتُ له من هذا الفهرست تاريخياً أن الإمام ناصر الدين الألباني قالها أو عَمِل بها في تاريخ كذا وكذا وأنت كم كان سنك في هذا العام وماذا كنتَ تعمل ؟ - كما أثْبتُّ ذلك لأبي رحيِّم في عقيدة الإمام في العمل في (ما هكذا الحقيقة يا أبا رحيِّم ) ؛ فنفع الله عزوجل به مَنْ شاء من عباده - ، وانتهيتُ في هذا الفهرست إلى تاريخ (1/ذو القعدة /1398هـ ) ، فالحمد لله على كل حال ، وإن شاء الله أبدأ بفهرست جديد ؛ فأسأل الله عزوجل الإعانة والتمام ، والوقوف على كتب الإمام الأخرى التي لم أقف عليها .
كتبه أبو عُبُود
فجر الثلاثاء 9/شوال/1435هـ - 5/ أغسطس /2014م ))
انتهى جواب شيخنا أبي عُبُود حفظه الله ونفع به
|