الحلقة الثانية من : قراءة شيخنا أبي عُبُود - عبد الله بن عبود باحمران - لكتاب ( الجامع في العلل والفوائد / للدكتور ماهر الفحل ) .
قال الشيخ الفاضل أبو عُبُود عبدالله بن عبود باحمران - حفظه الله ووفقه - :


((
الحلقة الثانية :

ذكر الدكتور الفحل – حفظه الله- في (1/15-20) مميزات كتابه ، ومما قاله :
1- في (1/16) : (( 5- إنه كتاب تعريفات ؛ فقد جمع كثيراً من التعريفات والحدود من حيث اللغة والاصطلاح ، مهتماً ببيان مدى ارتباط المعنى الاصطلاحي للفظ بالمعنى اللغوي له . )) أهـ .
*أ) هذه الميزة فيها نفس وروح الذين لا يفرِّقون ، وكذلك نفس وروح الدكتور .
*ب) فالدكتور اهتم في كتابه ببيان مدى ارتباط المعنى الاصطلاحي للفظ بالمعنى اللغوي له .
*ج) ولم يذكر اهتمامه ببيان الفرق في المعنى الاصطلاحي بين المتقدمين والمتأخرين ، وأثر هذا الفرق في الحكم على الحديث ؛ لماذا ؟ :
*د) لأنه في الأعم الأغلب في التعريفات أخذ بالمعنى الاصطلاحي عند المتأخرين .
*هـ) ويؤكِّد هذا أنَّ الدكتور أخذ بمعنى العلة في اصطلاح المتأخرين تاركاً إطلاق وعمل المتقدمين كما سيأتي بيانه – إن شاء الله – َ في محله .
*و) والعلة هي الأصل الذي قام عليه كتاب الدكتور .
*ز) فالدكتور عندما يُعَرِّف بالمصطلح في كتابه ويذكر الفرق فيه بين المتقدمين والمتأخرين ، فهو بنفس وروح غير نفس وروح المفرِّقين .
*ح) فالدكتور عندما يذكر الفرق فهو ينظر إلى اصطلاح المتأخرين بأنه : (( محاولة لتقريب المفاهيم ، وضبط المسائل ، وحدها بحدود معروفة ؛ لكي يسهل تناولها ودراسته )) كما قاله في (5/155) عند ذكره شروط المتأخرين للحديث المنكر .
*ط) عند الفرق بين الشاذ والمنكر ؛ أخذ الدكتور بتفريق الحافظ ابن حجر ووصفه بأنه : (( هو الأولى )) ، وعلَّل ذلك الوصف بأنه (( كي لا تتداخل المصطلحات )) ، فقال في (5/102) : (( إنَّ تفريق ابن حجر وأهل العلم بعده بين الشاذ والمنكر ، وقصر مدلول الشاذ على الشاذ ، والمنكر على المنكر ، هو الأولى ؛ كي لا تتداخل المصطلحات ...)) أهـ .
*ي) وقد وصف الدكتور تعريفات المحدثين المتأخرين في الجملة فقال في (5/103) : (( وهذا الصنيع هو الذي يبين للمرء حق المحدثين المتأخرين ، الذين نجموا بعد القرن الثالث الهجري ، والذين كان لهم أثر في خدمة العلم وبيان المصطلحات حتى لا يقع اللبس على الحديثي المبتدئ . )) أهـ .
*ك) وهذا كله غير نفس وروح الذين يفرِّقون فهم يصفون اصطلاحات المتأخرين المقيدة لاصطلاحات المتقدمين بأنها : (( اختراع جديد في المصطلح ؛ ثم جعلوه اصطلاحاً خاصاً بما اصطلحوا عليه ، فنتج عن ذلك الأحكام على الأحاديث بموجب هذه الاصطلاحات الخاصة وعُوْرِضَ بها اصطلاحات المتقدمين )) .
*ل) ولم يكتف الدكتور بهذا بل وفسَّر بالمدلول الخاص للاصطلاح عند المتأخرين قولَ المتقدمين :
1) الدكتور في (5/102) : (( لكن المختار – كما تقدم – أن الشاذ هو : ما رواه الثقة مخالفاً لمن هو أوثق منه عدداً أو حفظاً ، ويقابله المحفوظ ، وأنّ المنكر : ما رواه الضعيف مخالفاً للثقات ، ويقابله المعروف ، مع وجوب الانتباه إلى الاستعمالات الأخرى التي يستعملها أهل العلم لتلك المعاني بإطلاقات أخرى ، حتى يفهم طالب العلم ويدرك أقوال النقاد من أهل الحديث . )) أهـ .
فالشاذ يقابله المحفوظ ، والمنكر يقابله المعروف .
2) نقل الدكتور في (1/339) قول ابن عدي : (( وذكر سعد بن عبيدة – في هذا الإسناد عن الثوري – غير محفوظ ... )) . ثم علَّقَ عليه في ( الحاشية "2" ) فقال : (( المحفوظ يقابله الشاذ ، فكأنما رمى ابن عدي هذا الإسناد بالشذوذ . )) أهـ .
*أ) المحفوظ يقابله الشاذ ، قاعدة متأخرة مسلّم بها الدكتور ، لماذا ؟
*ب) لأن قصر الشاذ على معنى غير معنى المنكر (( قاله ابن حجر وأهل العلم بعده )) كما قاله الدكتور في (5/102) .
*ج) وعليه فقول : (( غير محفوظ )) أي : غير شاذ على القاعدة المتأخرة التي قررها ابن حجر .
*د) نقل الدكتور قول ابن عدي : (( غير محفوظ )) وفسَّرها بقاعدة ابن حجر المتأخرة .
*هـ) أَلاَ يكون الدكتور الفاضل قد فسَّر قولَ ابن عدي المتقدم بقول ابن حجر المتأخر وبينهما في المعنى والمدلول فرق من أسبابه ظهر : (( الفرق بين منهج المتقدمين والمتأخرين )) ؟ .
*و) وذلك لأن قول : (( غير محفوظ )) وقول : (( منكر )) هما بمعنى ومدلول واحد عند المتقدمين ، قاله الدكتور في (1/234 – الحاشية "5" ) .
*ز) وابن عدي في كامله استعمل (( غير محفوظ )) بمعنى ومدلول المنكر :
1) كم من راوٍ صدَّر الحكم عليه بأنه : (( منكر الحديث )) و يختم ترجمته بقوله : (( وعامة ما يرويه غير محفوظ )) أو (( عامة ما يرويه ليس بالمحفوظ )) أو (( عامة حديثه غير محفوظ )) . ؟ .
2) وهناك تراجم قال فيها : (( كل حديثه غير محفوظ وهو منكر الحديث )) ، أو يقول : (( له أحاديث غير محفوظة وهو منكر الحديث إسناداً ومتناً )) .
3) وهناك تراجم قال فيها : (( وكلها غير محفوظة مناكير ))، وقال : (( كل أحاديثه مناكير غير محفوظة )) ، وقال : (( وهذا الحديث غير محفوظ منكر المتن والإسناد )) ، وقال : (( هذه الأحاديث عامتها مناكير غير محفوظة )) .
4) وكذلك قال في (6/317) : (( وهذا عن الأعمش غير محفوظ وهو منكر )) . وقال في (6/362) : (( روى ... أحاديث غير محفوظة منكرة .. )) أهـ .
2- قال الدكتور في (1/16) : (( 10- الحرص على حشد أقوال الأئمة النقاد ، وفي طليعتهم المتقدمين في إعلالهم للأحاديث أو تصحيحها . )) أهـ .
أ*) هذه الميزة فيها نفس وروح مَن لم يفرِّق .
ب*) ويبقى التوجس من المراد بقول : (( الأئمة النقاد )) فالمفرِّقون يطلقونه على المتقدمين ومن تبعهم وليس على الأئمة المتأخرين .
3- قال الدكتور في (1/17) : (( 12- البحث في إعلال الحديث إعلالاً شمولياً يشمل كل ما يخص الإعلال واقعياً أو غير واقعي ، فإن كان غير واقعي تتم الإجابة عنه كما هو الحال في كثير من الأحاديث التي أعلها الفقهاء ، فمع أن الكتاب مؤلف على طريقة أهل الحديث فإنه يشمل إعلالات غيرهم . )) أهـ .
*أ) هذه الميزة فيها نفس وروح مَن لم يفرِّق ؛ لأنَّ فيها :
*ب) الكتاب مُؤَلَّف على طريقة أهل الحديث ؛ فلم يفرِّق .
*ج) ذكر إعلال الفقهاء للأحاديث .
*د) ففي الكتاب طريقتان للإعلال : طريقة أهل الحديث بدون تفريق ، وطريقة غيرهم وهم الفقهاء ؛
*هـ) فيكون عند مؤلف الكتاب طريقتان للإعلال : طريقة أهل الحديث بدون تفريق بينهم ، وطريقة غيرهم وهم الفقهاء وليس أهل الحديث المتأخرين .
*و) وللتغاير في طريقة الإعلال وُجِد في الكتاب الإعلال الواقعي وهو إعلال أهل الحديث بدون تفريق بينهم ، ووُجِد الإعلال غير الواقعي وهو إعلال الفقهاء وليس إعلال أهل الحديث المتأخرين ؛
*ز) فيجيب الدكتور على إعلال الفقهاء غير الواقعي .
4- قال الدكتور في (1/17) : (( 13- شرح قواعد العلل التي قعَّدها المتقدمون ، وسار عليها من بعدهم ممن حذا حذوهم ، وكذلك فيما يتعلق بالسلاسل الإسنادية ، والتوثيق الضمني . )) أهـ .
أ*) هذه الميزة محتملة للكل ، ولكن قول : (( ... من بعدهم ممن حذا حذوهم )) ففيه نفس وروح المفرِّقين أقوى .
ب*) وعن التوثيق الضمني ؛ قال في (5/298) : (( 168- التوثيق الضمني – وهو تصحيح أو تحسين حديث الرجل – مقبول عند بعض أهل العلم . )) أهـ .
مَنْ بعض أهل العلم هؤلاء أَمِنَ المتقدمين أم من المتأخرين ؟ .
وهل الدكتور يقبل التوثيق الضمني ؛ لنعرف بعد الإجابة عن السؤال الأول : أَأَخَذَ الدكتورُ بقول المتقدمين أم بقول المتأخرين ؟ .
ج) ولذكر (( قواعد العلل التي قعَّدها المتقدمون )) أنقل قواعد في الإعلال بالتفرد ذكرها الدكتور في الباب النافع : (( الفوائد والقواعد الحديثية )) في آخر كتابه (5/285-303) .
د) قال الدكتور في (5/287) : (( 27- إن الحكم بتفرد الراوي من أصعب الأمور ، فلابد من التثبت العالي والتوقي الدقيق ، لأن الإعلال بالتفرد مما يرد به حديث الراوي ، وربما بني على ذلك الطعن في حفظ الراوي وضبطه . )) أهـ .
ففي هذه القاعدة : (( الإعلال بالتفرد مما يرد به حديث الراوي )) .
وهذه القاعدة فيها نفس وروح غُلاة الذين يفرِّقون والذي يمثلهم كتاب ( مستدرك التعليل ) للدكتور الخليل .
فلم تضبط هذه القاعدة بحال الراوي من حيث درجة ومرتبة حفظه وإتقانه ، وكذلك نوع مرويِّه هل مما جرت العادة بأن ينقله غير الفرد الحافظ المتقن ؟ .
فالإعلال عندهم : يكون بمطلق التفرد من الراوي دون النظر لحال الراوي و مرويه .
ثم قال الدكتور في (5/288) : (( 33- التفرد بحد ذاته لَيْسَ علة ، وإنما يكون أحياناً سبباً من أسباب العلة ، يلقي الضوء على العلة ويبين ما يكمن في أعماق الرواية من خطأ ووهم . )) أهـ .
وهذه القاعدة فيها نفس وروح الذين لا يفرِّقون ، وكذا نفس وروح الدكتور .
ثم قال الدكتور في (5/292) : (( 86 – إن الحفاظ يردون تفرد الثقة إذا كان في المتن نكارة ، أو انفرد هذا الثقة عن بقية أقرانه بما لا يحتمل انفراده به . )) أهـ .
وهذه القاعدة فيها نفس وروح الذين لا يفرِّقون ، وبعض الذين يفرِّقون ، ونفس وروح الدكتور .
وإذا كان : (( إن الحفاظ يردون ... )) ؛ فمَن هم الذين يُعلون بمطلق التفرد في القاعدة (27) قبلُ ؟ .
ثم قال الدكتور في (5/303) : (( 233- نقاد الحديث إنما يعلون الحديث بالتفرد حيث تنضم إليه قرينة على خطأ ذلك الراوي المتفرد بالحديث . )) أهـ .
وهذه الفائدة والقاعدة فيها نفس وروح الذين لا يفرِّقون ، وبعض الذين يفرِّقون ، ونفس وروح الكاتب .
وإذا كان : (( نقاد الحديث إنما ... )) ؛ فمَن هم الذين يعلون بمطلق تفرد الراوي ؟ .
فهل عند الدكتور الفاضل كلا القاعدتين صحيحتان ولا تنسب إحداهما إلى الخطأ حفاظاً على ألاَّ يدخل في السنة ما ليس منها ، وألاَّ يخرج منها ما هو منها ؟ .
هل الدكتور أشار إلى الإجابة عندما قال في (5/158) : (( فردّ حديث الثقة مطلقاً مع السلامة من أي علة سواءً كانت في المتن أم في الإسناد منهج لم نعرفه في أقوال المتقدمين ولا في أحكامهم ... )) أهـ .
لماذا الدكتور الفاضل ذكر هذه القاعدة وجعل لها رقماً مستقلاً (27) في الفوائد والقواعد النافعة التي ذكرها فقال : ((27- إن الحكم ... لأن الإعلال بالتفرد مما يرد به حديث الراوي ... )) أهـ ؟ .
5- قال الدكتور في (1/17) : (( 16- تذليل المصطلحات الصعبة العامة والخاصة التي استخدمها الأئمة النقاد وبيان مرادهم بها ، إذ إن المتقدمين ممن تكلم في العلل لهم اصطلاحات ومناهج قد يعسر فهمها على كل أحد ، ولا يفهمها إلاّ الحذاق ممن مارس هذا الفن ، وكانت له بضاعة في هذه الصناعة ، ولعل من أوجب الواجبات على المشتغلين بهذا الفن الشريف تبسيط هذا الفن على الناس . )) أهـ .
أ*) هذِه الميزة محتملة للكل ، ولكن فيها رائحة نفس وروح مَن يفرِّق من حيثُ ليس للمتأخرين مخالفة المتقدمين وإنما عليهم فهم مصطلحات الأئمة النقاد العامة والخاصة وبيان مرادهم بها ، وفهم كلام المتقدمين في الإعلال .
ب*) وأتذاكر مع الدكتور في مصطلح من مصطلحات الإمامين البخاري وأبو حاتم ؛ فقد فهمهما على غير الواقع .
أولاً : البخاري :
ج) فقد ذكر الدكتور في (5/270-276) حديثاً رواه خالد بن أبي بكر ، عن سالم ، عن أبيه ، عن عمر ... ونقل في خالد قول أبي حاتم : (( يكتب حديثه )) ، وقول البزار : (( لين الحديث )) ، وقول ابن حبان : (( يخطئ )) ، وقول زيد بن حباب : (( ليس بقوي )) .
د) وعقب هذه النقولات قال الدكتور في (5/270-271) : (( قلت :فهذه النقولات عن أهل العلم لا تشكل جرحاً ترد بموجبه رواية خالد ، إلاّ أنَّ الإشكال حاصل في روايته عن سالم ، فقد نقل الترمذي عقب (2548) عن البخاريِّ أنَّه قال : (( لخالد بن أبي بكر مناكير عن سالم بن عبد الله )) وكما هو معروف أن مصطلح المنكر عند البخاريِّ لا يستخدمه إلاّ في موضع القدح الشديد . )) أهـ .
هـ ) الدكتور الفاضل أقام إشكالاً بين قول أبي حاتم وغيره في خالد وبين قول البخاري : (( لخالد بن أبي بكر مناكير عن سالم )) أي : قول البخاري في خالد : (( له مناكير ، عن سالم )) .
و) ولا إشكال في الواقع : فقول البخاري : (( له مناكير ، عن سالم )) أي : أنَّ خالداً روى مناكير عن سالم ، يتحملها خالدٌ نفسه ، ومن هذا حاله فلا يبعد أن يخطئ عن غير سالم ؛ لذلك أتى فيه قول أبي حاتم ، وغيره ، والذي به يكون حال خالدٍ عند الجميع ممن يصلح حديثه في الشواهد والمتابعات .
ز) وسبب الإشكال الذي قام في فهم الدكتور الفاضل أنه ساوى في الفهم بين قول البخاري : (( له مناكير )) وقوله : (( منكر الحديث )) .
ح) فقال عن قول : (( لخالد بن أبي بكر مناكير عن سالم .. )): (( وكما هو معروف أنَّ مصطلح المنكر عند البخاريِّ لا يستخدمه إلاّ في موضع القدح الشديد ))
....... يتبع .

لمشاهدة الحلقة الأولى ؛ أنقر على الرابط التالي :
http://kulalsalafiyeen.com/vb/showthread.php?t=60141
[/SIZE]