تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: بدر التمام في ترجمة الشيخ الإمام- شريط مفرغ

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    المشاركات
    433

    افتراضي بدر التمام في ترجمة الشيخ الإمام- شريط مفرغ

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    بدر التمام في ترجمة الشيخ الإمام
    إن للعلماء أهمية عظيمة في حياة الناس فهم أئمة الهدى ومصابيح الدجى، وإليهم يرجع الناس في المدلهمات والفتن. وإن من أولئك العلماء الربانيين الشيخ محمد ناصر الدين الألباني الذي ظل طوال حياته يدفع عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم تحريف المحرفين وانتحال المبطلين، فأحيا الله به السنن، وأمات به البدع. وإن كانت الأمة قد فقدت هذا الإمام إلا أن آثاره ستبقى بارزة المعالم لكل من أراد معرفة سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
    هذا شريط مفرغ للشيخ الحويني - حفظه الله -
    يروي فيه أحداث عظيمة عن الشيخ الألباني رحمه الله أردت أضعه هنا للاستفادة ولأهميته
    حقيقة يعجز اللسان عن القول .
    أترككم تتابعون حلقاته معنا .
    الحلقة الأولى
    خسارة فقد العلماء
    إن الحمد لله تعالى نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد. فدرسنا هذا المساء بعنوان (بدر التمام في ترجمة الشيخ الإمام) وهي ترجمة مختصرة لشيخنا الشيخ الإمام حسنة الأيام، ومحدث بلاد الشام بل بلاد الإسلام، عميد السلفيين، وشيخ المتكلمين، وناصر سنة سيد المرسلين، شيخنا أبي عبد الرحمن محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله. ففي يوم السبت الثاني والعشرين من شهر جمادى الآخرة سنة (1420هـ) الموافق الثاني من شهر أكتوبر سنة (1999م) قضى الله عز وجل قضاءه بالحق، وألحق بالرفيق الأعلى شيخنا رحمه الله، وقبض ملك الموت وديعته في الأرض، واستودع مسامعنا من ذكره اسماً زاكياً، ومن عمى الأبصار من رسمه شخصاً تالياً. وإني والله لحقيق بقول متمم بن نويرة يرثي أخاه مالكاً فقال: لَقَدْ لاَمَنِي عِنْدَ الْقُبُورِ عَلى البُكا رَفِيقي لِتَذْرَافِ الدُّمُوعِ السَّوَافِكِ وَقالَ أتَبْكِي كُلَّ قَبْرٍ رَأيْتَـهُ لِقَبْرٍ ثَوَى بَيْنَ اللِّوَى فَالدَّكَادِكِ فُقُلْتُ لَهُ إنَّ الشَّجَى يَبعَثُ الشَّجى فَدَعْنِي فَهَذَا كُلَّهُ قَبْرُ مالك وفاة الشيخ الألباني رحمه الله خسارة جسيمة على هذه الأمة، فقد اندك بموته أقوى معقل كان يرسل الشيخ منه القذائف على خصوم الإسلام، وما لانت له قناة قط رحمه الله. .....
    الشيخ الألباني رحمه الله وإحياء السنة
    أول معرفتي بشيخنا -رحمه الله- كانت سنة (1395هـ) كنت أصلي في مسجد (عين الحياة) خلف الشيخ عبد الحميد كشك رحمه الله، وبعد انتهاء الصلاة كنت أطوف على البائعين الذين يبيعون الكتب، ففي يوم من الأيام وقفت على كتاب (صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من التسليم إلى التكبير كأنك تراه) فأخذت الكتاب بيدي وقلبته، ولكنه كان باهظ الثمن، فتركته ومضيت أبحث عن كتاب آخر، فإذا بي أجد كتيباً لطيفاً بعنوان (تلخيص صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم للشيخ الألباني ) فاشتريته بخمسة قروش، وتصفحته وأنا في طريقي إلى مسكني، فوجدت ما فيه يخالف ما ورثته من الصلاة عن آبائي؛ إذ أن كثيراً من هيئات الصلاة لا تمت إلى السنة بصلة؛ فندمت ندامة الكسعي أنني لم أشتر الآخر. والكسعي هذا رجل يضرب به المثل في الندم، وقصته أنه كان رجلاً رامياً، وكان لا يخفق في رميه، فرمى بالليل ظباء، فظن أن السهم لم يصب الظباء فكسر قوسه، وقيل: قطع إصبعه، فلما أصبح وجد الظباء ميتة وسهمه فيها، فندم أنه كسر السهم، وصار مثلاً يقال: ندامة الكسعي ومنه قول الفرزدق : ندمتُ ندامةَ الكُسَعِيّ لمـا غدت منّي مُطلَّقةً نوار فندمت ندماً شديداً أنني لم أشتر ذلك الكتاب، وظللت أبحث عن ثمن الكتاب طيلة الأسبوع حتى وفقني الله عز وجل لشرائه في الجمعة التي بعدها، فلما قرأت الكتاب كنت كما قال القائل: (ألقيت الألواح، ولاح لي المصباح من الصباح) ووجدت نموذجاً فريداً في التصنيف، مع أنني ما كنت أفهم شيئاً قط من الحاشية التي كتبها الشيخ رحمه الله، ولكنني أحسست بفحولة وجزالة لم أعهدها في كل ما قرأته من قبل، فملك عليَّ هذا الكتاب حواسي، وكنت في كل جمعة أبحث عن مصنفات الشيخ ناصر الدين الألباني ، حتى وقفت على كتاب (سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة) وقفت على المائة الحديث الأولى، وهذا الكتاب هو الذي فتح عيني وأنار بصيرتي. وكان لهذا الشيخ رحمه الله الفضل ليس عليَّ فقط، ولكن على أبناء جيل الإسلام، فإن هذا الشيخ المبارك كان له من الأثر ما لم يفعله كثير من العلماء، فما من رجل ينسب إلى السنة في هذا الزمان إلا وللشيخ عليه فضل، دق أو جل. ومن بعدها لم أكن أصلي في مسجد عين الحياة خلف الشيخ عبد الحميد كشك رحمه الله؛ لأن الشيخ رحمه الله كان على رغم ما له من فضل، فكل المنتسبين إلى الصحوة هو الذي أجج فيهم نار الالتزام والحمية للإسلام، إلا إن أكثر من ستين أو سبعين بالمائة من الأحاديث التي يذكرها الشيخ رحمه الله كانت من الأحاديث الضعيفة والموضوعة. وللشيخ كشك رحمه الله عذر في ذلك؛ لأنه حفظ أحاديث كتاب (إحياء علوم الدين) لـأبي حامد الغزالي ، وأبو حامد الغزالي كان تام الفقر في علم الحديث، وكتابه من أكثر الكتب كذباً على النبي صلى الله عليه وسلم، وتستطيع أن تدرك ذلك بالنظر إلى حاشية الكتاب، وإلى تخريج الحافظ زين الدين العراقي المسمى بـ(المغني عن الأسفار في الأسفار بتخريج ما في الإحياء من الأخبار) فإن الحافظ زين الدين العراقي حكم على كل أحاديث هذا الكتاب، وأكثر من ستين أو سبعين بالمائة من أحاديث هذا الكتاب إما موضوع أو باطل أو منكر أو ضعيف أو لا أصل له، والقليل منها صحيح. وقد ذكر الشيخ الألباني رحمه الله في الجزء الأول من السلسلة الضعيفة الأحاديث المشهورة على ألسنة الناس، وإذا بي أفاجأ أن أغلب الأحاديث التي حفظتها من الخطباء في الجمعة تدور ما بين المكذوب على النبي عليه الصلاة والسلام والموضوع والباطل والضعيف والشاذ والمنكر... إلى آخر هذه الأقسام التي هي من نصيب الأحاديث الضعيفة. فعكر عليَّ كتاب الشيخ الألباني هذه الخطب، حتى أنني أصبحت أشك في كل حديث أسمعه، وفي يوم من الأيام سمعت الشيخ يقول على المنبر حديثاً وهو: (إن الله تبارك وتعالى يتجلى للناس عامة، ويتجلى لـأبي بكر خاصة) لأول مرة أشك في حديث أسمعه وأقول في نفسي: ترى هل هذا الحديث صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أم لا؟ ومع ذلك فقد انفعلت له لما أسمعه من صراخ الجماهير من حولي إعجاباً واستحساناً. فلما رجعت إلى بيتي نظرت في سلسلة الأحاديث الضعيفة للشيخ ناصر الدين فلم أجد هذا الحديث، فواصلت بحثي فوجدت هذا الحديث في كتاب (المنار المنيف في الصحيح والضعيف) لـابن القيم رحمه الله، وقد حكم عليه ابن القيم بأنه موضوع على النبي عليه الصلاة والسلام. وكان قد استقر عندي ببركة القراءة في كتب الشيخ الألباني أن التحذير من الأحاديث الضعيفة والموضوعة واجب أكيد، فقلت في نفسي: لابد أن أذهب إلى الشيخ وأبلغه أن هذا الحديث مكذوب. وكان للشيخ كشك رحمه جلسات في مسجده بين المغرب والعشاء، فلحقت بالصف الأول حتى أكون في أوائل الناس الذين يسلمون عليه، فسلمت عليه وهمست في أذنه إلى أن الحديث الذي ذكره في الجمعة الماضية وسميته قال عنه ابن القيم رحمه الله: إنه موضوع على النبي عليه الصلاة والسلام، فقال لي الشيخ: بل هو صحيح، وقال لي كلاماً لا أضبطه الآن، لكن خلاصة هذا الكلام أن ابن القيم لم يكن مصيباً في حكمه على هذا الحديث بالوضع، ولم يكن هناك وقت للمجادلة؛ لأن هناك طابوراً طويلاً خلفي، وكلهم يريد أن يسلم على الشيخ ويسر إليه بما يريد. وكان مما حز في نفسي أن الشيخ كشك رحمه الله سألني عن العلة في وضع هذا الحديث، فقلت له: لا أدري. فقال لي: يا بني! تعلم قبل أن تعترض. فمشيت من أمامه مستخزياً، وخرجت من عنده وكلي إصرار أن أدرس هذا العلم، حتى أعلم ما هو السبب في أن الحديث موضوع أو ضعيف أو باطل. فكان من بركات الشيخ الألباني عليَّ وعلى كثير من أمثالي أنني تمذهبت بمذهب أهل الحديث؛ لأن التمذهب بمذهب أهل الحديث بمثابة طوق النجاة، ولم أتقلب يميناً ولا شمالاً، ولا تعدد انتمائي للجماعات المختلفة أبداً، وكان الفضل في ذلك بعد الله للشيخ الألباني رحمه الله. فطفقت أسأل إخواني عن شيخ يدرس هذا العلم، فدللت في ذلك الوقت على شيخنا الشيخ محمد نجيب المطيعي رحمه الله، وكان يعقد هذه المجالس في بيت طلبة ماليزيا، وكان يدرس كتباً أربعة: كان يشرح صحيح البخاري، والمجموع للنووي ، وإحياء علوم الدين للغزالي ، والأشباه والنظائر للسيوطي . فوجدت في هذه المجالس ضالتي المفقودة، ودرست عليه نبذاً كثيرة من علم الحديث، ولكن قلبي متعلق بكتب الشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله. ......
    يتبع بإذن الله تعالى
    صدق من قال:
    بين الشيعة والصوفية شعرة فلوسب الصوفية الصحابة لصاروا شيعة ولولم يسب الشيعة الصحابة لكانواصوفية .

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    المشاركات
    433

    افتراضي رد: بدر التمام في ترجمة الشيخ الإمام- شريط مفرغ

    الحلقة الثانية
    يقول الحويني - حفظه الله -ودرست عليه نبذا كثيرة من علوم الحديث .

    الحويني ورحلته إلى الشيخ الألباني- رحمه الله

    يقول الشيخ الحويني حفظه الله .حتى منَّ الله تبارك وتعالى علي بأول رحلة إليه، وكانت في شهر محرم (1407) من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، وقد كنت التقيت قبلها بصهره وزوج ابنته الأخ نظام، فقلت له: إن كان هناك إمكانية للدراسة عند الشيخ وملازمته، فذكر لي أن المسألة في غاية الصعوبة، وأن ملازمة الشيخ مسألة صعبة، ولكن تعال وجرب، فكتبت للشيخ رسالة قلت له فيها كلاماً معناه: (إنني علمت أنكم تطردون الطلبة عن داركم، وأنا عندي أكثر من مائتي سؤال في علل الأحاديث و معانيها، ولست أقنع إلا بجوابكم دون غيركم) أو كلاماً نحو هذا المعنى، وسلمها الأخ للشيخ، وقرأها عليه، وكان مما تألم منه الشيخ في هذه الرسالة كلمة (الطرد). وكنت قبلها قد صنفت ثلاثة كتب، وكانت جميعها قد وصلت إلى الشيخ الألباني قبل أن أذهب إليه، فذهبت في الثاني من محرم، وكان ذلك في سنة (1407هـ)، ونزلت في عمَّان، وكلمت الشيخ بالهاتف، وقد هيأت نفسي على الرضا بالطرد إذا فعل الشيخ ذلك، فباغتني بأن بدأ، فألقى عليَّ السلام، فرددت عليه السلام بمثل قوله، فقال لي: لم تحسن الرد. فقلت: لم يا شيخنا؟! قال: اجعل هذا بحثاً بيني وبينك إذا التقينا غداً. وظللت طوال الليل أتأمل لم أسأت الرد، فهو قال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. فقلت: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. ولم أكتحل بنوم حتى أذن المؤذن للفجر، وقررت في نفسي أن الذي يرد السلام يزيد شيئاً على الملقي، يعني: أن أزيد بعد: (وبركاته) لفظ: (ورضوانه) (ومغفرته) ولم أكن وقفت على بحث الشيخ في سلسلة الأحاديث الصحيحة (الجزء الثالث).. لماذا؟ لأنه لم يصلنا في ذلك الوقت. وراح عليَّ لقاء الفجر مع الشيخ بسبب أنني نمت قبل الفجر بقليل ولم أستيقظ إلا بعد الفجر، فأخذت منه موعداً آخر بعد صلاة العشاء في يوم الثالث من محرم، فبعد صلاة العشاء التقيت بالشيخ، وإن لساني ليعجز عن وصف شعوري عندما رأيته لأول مرة. وقد كتبت ترجمة للشيخ الألباني سميتها (الثمر الداني في الذب عن الألباني) وقد نشرت قبل سنتين وحتى هذه اللحظة أشعر أنني عاجز عن وصف الشيخ مع أنني أمهلت نفسي كثيراً حتى أكتب ما شعرت به أول مرة رأيت الشيخ فيها، وكأني رأيت رجلاً من القرون الثلاثة الأول، عليه نضارة أهل الحديث، والشيخ ناصر كان بهي الوجه أبيضه، مشرباً بحمرة، ربعة من الرجال، خفيف اللحية أبيضها -لحيته بيضاء- عيناه زرقاوان، وزرقتهما رائقة كأنها بحر، ثم هو قوي البنية، فلما صافحني صافحني بقوة، وظل قوياً إلى آخر حياته رحمه الله، وكان شاباً فتياً بهمته، وكان يقود السيارة بسرعة عالية، ويحكي لي بعض الإخوة الذين كانوا يذهبون معه إلى العمرة بسياراتهم، فكانوا يتبادلون القيادة، فكان الشيخ أكثرهم قيادة، وكان التعب والملل يدركهم، وأما الشيخ فكان يقود سبع ساعات متواصلة لا يمل ولا يكل، مع ما كان عليه من الشيخوخة وكبر سنه. وفي الحقيقة أني لما رأيته تذكرت حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (نضر الله امرأ سمع منا مقالة فوعاها، فأداها كما سمعها). قال ابن حبان رحمه الله بعد رواية هذا الحديث: (وإني لأرجو أن تدرك بركة دعوة النبي صلى الله عليه وسلم كل من نقل عنه حديثاً، فترى تلك النضرة في وجهه) ولقد كانت نضرة الحديث على وجه الشيخ باهرة ظاهرة. فلما اقتربت منه -اقتربت منه على حذر؛ لأن له هيبة شديدة- ففوجئت بأنه يعانقني وكان لقاءً حاراً، ولم أتوقع أن يتلقى الشيخ تلميذاً صغيراً بمثل هذه الحفاوة، فتكلمت معه ساعتين، وكانت هذه هي أول جلسة مع الشيخ الألباني رحمه الله، وبعد هذه الجلسة تنحيت به جانباً وأخبرته أنني لم أخرج من بلدي إلا للقائه والاستفادة من علمه، فلو أذن لي أن أخدمه، وأكون معه سنداً له أقضي له حاجياته، فاعتذر بعدم وجود الوقت الكافي، فقلت له: إذاً أعطني قليلاً من الوقت أسألك عن الأسئلة التي جئت من أجلها، فاعتذر أيضاً؛ لضيق وقته. فقلت له: أعطني شيئاً من وقتك ولو كان قليلاً، فاعتذر أيضاً؛ فأحسست برغبة حارة في البكاء، وأحسست أن رحلتي ضاعت، وأنا لم أخرج من بلدي إلا بأعجوبة، وكان حلماً لا أستطيع تحقيقه، فخروجي إلى الأردن كان معجزة، فقد كابدت فيه الأهوال وذقت المر حتى وصلت إلى الشيخ الألباني . فقلت له -وقد خنقتني العبرة-: يا شيخنا! والله ما خرجت إلا لطلب العلم، فإن كنت أخلصت نيتي؛ فإن الله عز وجل سيفتح لي، وإن كانت الأخرى فحسبي عقاباً عاجلاً أن أرجع إلى بلدي بخفي حنين، وسأدعو الله عز وجل. فافترقنا ولم أذق طعم النوم في تلك الليلة، وكاد رأسي أن ينفجر من الصداع. فلما صليت الفجر معه في اليوم التالي قابلني، فصافحته وقبلت يده، فقال لي مبادراً: لعل الله استجاب دعاءك. ففرحت فرحاً عظيماً بأن الشيخ رحمه الله قد سمح لي بالجلوس، وأنه سيأذن لي بالاستفادة منه وسؤاله.

    الألباني رحمه الله ورحلته إلى بلاد الشام

    فكان من جملة فوائد الرحلة أنني سألته عن ترجمة لحياته، ولا أعلم أحداً سبقني إلى هذه الترجمة إلا الأخ محمد بن إبراهيم الشيباني، وهو أحد إخواننا من الكويت، وقد ألف في ذلك كتاباً وهو (حياة الألباني ) ويقع في مجلدين، وهذا هو الذي سبقني في سؤال الشيخ الألباني ولكن لا أعلم أحداً سبقني في تسجيل حياة الشيخ رحمه الله بتوضيح، وهذه الترجمة موجودة في خمسة أشرطة. فحياته رحمه الله -كما سردها لي- أنه ولد عام (1914م) أي: أن الشيخ الألباني رحمه الله توفي عن خمس وثمانين سنة. قال: وكنا في ألبانيا، وكان الحاكم أحمد سوغو بدأ يفرض على الألبانيين (القبعة) بدلاً من العمامة، وكان يضايق النساء في لباسهن، وكان والد الشيخ الألباني رحمه الله شيخ الحنفية في بلده، وكان هو المفتي الذي يرجع إليه، فلما رأى والده هذا النذير -نذير الشؤم- بفرض (القبعة) بدلاً من العمامة، وهذا هو شأن العلماء النابهين، فالمسألة ليست مجرد عمامة أو قبعة كما يتصور بعض الناس الذين يهمشون المسائل الخطيرة، ويقولون: المهم القلب .. لا، فالعمامة مظهر إسلامي والدين الإسلامي أصيل، بينما القبعة من أزياء أعدائنا، والقبعة إنما توضع على الرأس، وأعلى ما في المرء رأسه، فأنت حين تضع شيئاً على رأسك فكأنما وضعت عنواناً، وأعلى ما فيك هو الرأس، فلا يرى الناس إلا (القبعة). وهذه الغفلة قد سرت إلى بلادنا، وحتى في بعض الناس الذين يوصفون بالالتزام، فتجد ابنه يلبس (فنيلة) -مثلاً- عليها العلم الإمريكي، ويوضع العلم على صدر أبنائنا، وأنت تعلم أنه لا يوضع على الصدر إلا الوسام، فعندما أضع علم عدوي اللدود على صدر ابني، فكأنني أعطيته وساماً، أو يكون على ظهره، والولد يتحرك ليلاً ونهاراً وهو يرفع العلم الأمريكي مجاناً، ويصير لون العلم لوناً مستأنساً بالنسبة له، وليس غريباً، وهذا له تأثير خطير في مسألة الانتماء. فالمسألة ليست مسألة قماش يوضع على الرأس وإنما هو رمز تحمله، وأنت ترى كل دولة لها علم يرفرف باسمها، تكون حريصة على أن يظل العلم مرفوعاً، وأكبر جريمة أن شخصاً يمسك هذا العلم وينظف به الحذاء؛ لأن هذا يدل على أنه ليست له قيمة عنده. فلما رأى والد الشيخ الألباني هذا قرر أن يرحل إلى بلاد الشام لما كان قد قرأه من الأحاديث في فضائل الشام عامة وفي فضائل دمشق خاصة، فرحل إلى دمشق واستوطنها، وكان عمر الشيخ الألباني آنذاك تسع سنوات، ولم يكن يعرف عن العربية شيئاً، فبدأ تعليمه في جمعية اسمها ( جمعية الابتعاث الخيري ) وكان كما يقول: كأن الله عز وجل فطرني على محبة اللغة العربية، فتفوقت على أقراني من العرب السوريين من أول سنة، وقال: وأخذت الابتدائية في سنتين، وكان المدرس يعير الطلبة السوريين بي؛ لأنني رجل أعجمي، ومع ذلك أتقنت العربية خلال سنتين. ولم يواصل الشيخ رحمه الله تعليمه فخرج من المدرسة، وكان أبوه يمارس مهنة تصليح الساعات، فلما خرج من المدرسة بدأ يعمل مع خال له، وكان نجاراً يصنع البيوت التي سقفها من الخشب على نحو ما هو موجود في باريس. قال: فجئت ذات يوم مبكراً. فقال: ما جاء بك؟ فقلت: لأعمل، فقال: هذه المهنة لا تصلح لك، تعال معي، وبدأ الشيخ ناصر الدين رحمه الله يعمل مع والده في تصليح الساعات، حتى برع فيها، وكان الشيخ رحمه الله يقول: إن مهنة تصليح الساعات علمتني الدقة. وهو حقاً كان دقيقاً جداً، فعندما ذهبت إليه في بيته إلى (الفيلا) التي يسكن فيها في مازدا الجنوبية في الأردن، ودخلت الحديقة لمست أثر مهنته عليه. ......

    شدة الشيخ الألباني رحمه الله على المخالفين للدليل

    فالشيخ ناصر مشهور عند الناس أنه صارم، نعم كان الشيخ صارماًً؛ لأن أكثر الذين خالطوه ما كانوا يتأدبون مع الدليل، ولا أقول: يتأدبون معه؛ فالشيخ لم يكن يهتم بذلك، وقد رأيت أناساً في مجلس الشيخ الألباني وأحدهم نائم على ظهره وهو واضع إحدى رجليه على الأخرى أمام الشيخ الألباني ! وآخر قدمه موجهة إلى وجه الشيخ الألباني . وأما أن يعترض أحدهم على الشيخ بعد ظهور الدليل، ويجادل بالباطل، فكان يصير قاسياً جداً. بعض إخواننا أراد أن يناظره في مسألة في (كتاب المحلى) فجمع بحثاً وذهب إلى الشيخ ناصر وظن أنه سيقيم عليه الحجة، وقد سمعت الأشرطة، ولما سمعتها تعجبت من طريقة الشيخ الألباني في إقامة الدليل وإقامة الحجة، ولقد سأله عن أشياء في بحثه لم يستطع أن يرد عليها، وجعل يناظره فيها، وكانت المناظرة حامية جداً، فعندما أحرج الأخ قال وهو يسأل الشيخ: يا شيخنا! قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس منا من لا يرحم صغيرنا)، فكانت لفتة طيبة، فضحك الشيخ ناصر ضحكة تشعر أنها من القلب، قال له: هات ما عندك.

    رقة الشيخ الألباني رحمه الله في آخر حياته ورؤيا رؤيت له من بلاد الجزائر

    فالشيخ الألباني كان صارماً، ولكن في المناظرات مع المخالفين، ولكنه كان رقيقاً جداً في آخر حياته، وغلب عليه الزهد، ورق قلبه كثيراً، وكان سريع الدمعة في آخر حياته، وقد حدثني إخواني كثيراً عنه، وسمعته في أشرطة مع أخت جزائرية اتصلت به، وقالت: يا شيخ! أنا رأيت في المنام أنا وأخت لي -وكنا في شرفة- أن النبي صلى الله عليه وسلم يمشي في الطريق، وبعد ذلك بقليل رأيت شيخاً يمشي خلفه، فسألتني صاحبتي: من هذا؟ قلت: الشيخ الألباني ، فرأيتك تمشي خلف النبي صلى الله عليه وسلم على نفس الطريق. فالشيخ لم يتمالك نفسه من البكاء، وبكى وانتحب بصوت عال، وفض المجلس الذي كان معقوداً آنذاك لطلبة العلم في بيته أو في بيت أحد إخوته، فكان سريع الدمعة غزير العبرة في آخر حياته. نسأل الله تبارك وتعالى أن يرحم الشيخ الكبير، وأن يجزيه عما فعل من تنقية لسنة النبي صلى الله عليه وسلم من الأحاديث الضعيفة والموضوعة والمنكرة، ومن تعظيم الدليل، ومن تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم، أن يجزيه عنا خير الجزاء، وأن يخلف على المسلمين في مصابهم الجلل، لاسيما وقد فقدنا ركناً رشيداً أيضاً بوفاة شيخ جليل قبل أربعة أشهر وهو سماحة شيخنا الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز رحمه الله، فمات أكبر علمين من علماء المسلمين في هذا العصر، فنسأل الله تبارك وتعالى أن يرحم من مضى، وأن يبارك فيمن بقي. أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، والحمد لله رب العالمين.

    الشيخ الألباني رحمه الله والتمذهب

    وكان من الأسئلة المهمة التي سألتها الشيخ في هذا اليوم سألته عن التمذهب؛ لأنه شاع بين الناس أن الشيخ ناصر الدين الألباني يحارب المذاهب الأربعة، ويحارب التقليد، وكانت -في الحقيقة- شائعة قوية جداً وصلتنا إلى مصر، وكنت أريد أن أعرف رأي الشيخ فيها، فلما تكلم الشيخ في هذه المسألة تكلم بكلام هو الذي عليه الأئمة الأربعة، فالشيخ ناصر لا يقول للمسلمين: لا تتمذهبوا وإنما يقول: لا تتخذوا المذهب ديناً، بمعنى: أن تجمد على المذهب، وإذا علمت الحق في غيره تقول: لا، أنا لا أخالف المذهب، فهذا هو الذي كان الشيخ ناصر ينكره، وقد أنكره العلماء المتقدمون، وتبرءوا من مخالفة النبي صلى الله عليه وسلم أحياءً وأمواتاً، وقالوا قولتهم المشهورة: ( إذا صح الحديث فهو مذهبي). فالشيخ ناصر كان يقول: إذا كنت أنا شافعي المذهب، وظهر الحق في المسألة عند المالكية أو الحنابلة أو الحنفية، فليس معنى ذلك على الإطلاق أن أجمد على مذهبي وأقول: أنا شافعي ولا أخالف المذهب، وأترك الحق الذي قامت عليه الدلائل وأخالفه. فالشيخ ناصر كان يحارب هذا أشد المحاربة، كما كان الأئمة المتقدمون أيضاً يحاربون هذا أشد المحاربة. قال رجل للشافعي رحمه الله: (إذا جاءك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يخالف قولاً لبعض العلماء الذين من قبلك، أتأخذ بالحديث؟ قال: فصاح الشافعي وعلا صوته وغضب وقال: تراني في كنيسة؟! تراني في بيعة؟! ترى على وسطي زناراً؟! إذا قلت بقول على خلاف الحديث فاعلم أن عقلي قد ذهب). فالأئمة كلهم كانوا يحذرون من مخالفة النبي عليه الصلاة والسلام، فجاء الشيخ الألباني وأخذ هذا ومضى على نفس المنوال، ولكن الحياة العلمية كانت جامدة، وقد كان الناس ركنوا إلى التقليد، وأصحاب المذاهب كلهم لا يتركون المذهب، حتى لو كان على خلاف الحديث الصحيح، بل كانوا يأخذون بفتاوى بعض المتأخرين التي لا يجوز أن تكتب في كتب الفقه أبداً، فمثلاً هناك كتاب من أهم كتب الأحناف المتأخرة ذكر فيه الإمامة في الصلاة ومن أحق الناس بها، ووصل به الحال أن يقول بعدما يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فأكبرهم سناً، فأقدمهم هجرة، فأجملهم زوجة، فأكبرهم رأساً، فأصغرهم عضواً! وهذا مكتوب في كتب الفقه، فهل هذا الكلام يكتب في كتب الفقه ويكون عمدة؟! (أجملهم زوجة) ولا يتأتى هذا إلا إذا كشفنا عن وجوه النساء وقلنا: أجمل واحدة هي امرأة الشيخ الفلاني، إذاً فهو الذي يؤم الناس، ولماذا أجملهم زوجة؟ قالوا: هذا يدل على أنه عفيف. ولا ينظر إلى النساء لأنها تكفيه، فهل يعقل هذا الكلام؟! وهل هذه الآراء تسمى فقهاً؟ وهناك كثير من الآراء التي لا تصل في الفساد إلى هذا، ولكنها آراء تعتمد على أحاديث ضعيفة موضوعة ومنكرة باتفاق علماء الحديث، ومع ذلك جاء الفقهاء الذين لا يعلمون الصحيح من الضعيف، فأسسوا عليها أقوالاً وأحكاماً فقهية، ولقد وقف الشيخ ضد هؤلاء وقفة قوية صامدة، ولذلك فإن أعداءه كثيرون، لماذا؟ لأنه فل جموعهم بالحجة القوية البالغة. فالشيخ ناصر لا يقول: بأنه لا يجوز لأحد أن يتمذهب بأحد المذاهب الأربعة، بل يقول: تمذهب، ولا بأس أن تتخذ المذهب وسيلة لدراسة الفقه، ولكن إذا علمت أن الحق في مذهب آخر فإنه يجب عليك أن تتبع الحق مهما كان. ولقد سألته: أي المذاهب تختار -أي: لو أن هناك طالب علم أراد أن يدرس الفقه ويتخذ المذهب سُلماً لدراسة الفقه، مع الشرط الذي ذكرناه، وهو أنه إذا علم الحق في مذهب آخر فيجب عليه أن يتبع الحق حيث كان. قلت له: فأي المذاهب تفضل لطالب العلم؟ قال: المذهب الشافعي، هو أثرى المذاهب جميعاً، ثم المذهب الحنبلي، ثم المذهب المالكي، ثم المذهب الحنفي، وهذا مع رعاية الدليل والنظر إليه.

    ترقبوا في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى
    تواضع الشيخ الألباني - رحمه الله -وبساطته وبعض الحقائق العلمية والشخصية عن حياته
    صدق من قال:
    بين الشيعة والصوفية شعرة فلوسب الصوفية الصحابة لصاروا شيعة ولولم يسب الشيعة الصحابة لكانواصوفية .

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •