تقوم اللغة على الاحتياج المعنوي والأهمية المعنوية ، والإنسان يتحدث بمستويات متعددة وبلغات متعددة تحت رعاية الاحتياج المعنوي غالبا واللفظي نادرا مع علامات أمن اللبس ليكون بعيدا عن اللبس والتناقض وهو غاية كل لغة من لغات العالم ،كما هو الحال في الجمل التالية :تقول:ما ضربت أنا من رجل ، وهنا جئت بحرف النفي ثم الفعل ثم الفاعل ثم بالتوكيد ثم المفعول ،والاحتياج المعنوي متوافر بين أجزاء التركيب ،والتركيب يترتب بحسب الأهمية المعنوية عند المتكلم ، من الأهم إلى الأقل أهمية ، ومثلها :ما ضرب زيدا أحد ،وما ضربت أنا إلا زيدا ،وهي جمل تتوافر فيها منزلة المعنى بين أجزاء التركيب ،وهي جمل مستقيمة حسنة ، ولكنك إذا قدمت التوكيد بحسب الأهمية المعنوية بعد حرف النفي وقلت :ما أنا ضربت من رجل ، ،وما أنا ضربت إلا زيدا ، وما زيدا ضرب أحد ، صارت الجمل قبيحة ، لأنك قدمت زيدا وخصصته بعدم الضرب وهذا يعني ضرب غيره ،فالحسن أن تقول: ما زيدا ضربت بل عمرا " وما أنا ضربت من رجل بل سعيد ٌ، يقول الجرجاني :ومما ينبغي أن تعلمه أنه يصح لك أن تقول:ما ضربت زيدا ولكن أكرمته "فتعقب الفعل المنفي بإثبات فعل هو ضده ،ولا يصح أن تقول:ما زيدا ضربت ولكن أكرمته "وذلك أنك لم ترد أن تقول لم يكن الفعل هذا ولكن ذاك ولكنك أردت لم يكن المفعول هذا ولكن ذاك فالواجب إذن أن تقول:ما زيدا ضربت ولكن عمرا"(1)المستويات اللغوية في جملة "ما ضربت أنا من رجل "
ويقول السامرائي : يصح أن تقول:ما شتمت خالدا ولا غيره "ولا يصح أن تقول:ما خالدا شتمت ولا غيره "لأنه تناقض، إذ قولك :ما خالدا شتمت ،معناه شتمت غيره ،فكيف يصح أن تقول ولا غيره "(2) والذي أدى إلى القبح أو التناقض هو منزلة المعنى بين أجزاء التركيب ،فالفرق بين الجملة المستقيمة الحسنة والقبيحة والمتناقصة هو الفرق في تنفيذ قانون الرتبة أو تجاهله أو إهداره ،ومن جملة ما ذُكر يتضح لنا أن إعادة توزيع الرتبة"الموقع والأهمية المعنوية " تؤدي إلى اختلاف مستويات التراكيب ،ويبدو أن كل العمليات التي تتم داخل اللغة تعتمد على منزلة المعنى،فمنزلة المعنى هي المعيار في تصنيف وتمايز مستويات التراكيب ،فالكلام في حسنه أو قبحه أو تناقضه يعتمد على رتبة المعنى ، ورتبة المعنى هي المسؤولة عن ضبط وبناء الجمل وتراكيبها اللغوية ، وهي ضابط معنوي فطري ذهني كلي عالمي .
=====================
(1)دلائل الإعجاز-ص98
(2)د.فاضل السامرائي-معاني النحو-ج2 ص88