يقول:
كما يحل للخليل الأخذ مِن مال خليله بغير إذنه ،
منهم : "رباح" و"كليب" ،
كانا يقولان بهذه المقالة ويدْعُوَان إليها ،
- وهؤلاء أيضاً ممن ذُكر أنَّهم مِن أئمَّة التصوف القدامى - .
يقول:
كما يحل للخليل الأخذ مِن مال خليله بغير إذنه ،
منهم : "رباح" و"كليب" ،
كانا يقولان بهذه المقالة ويدْعُوَان إليها ،
- وهؤلاء أيضاً ممن ذُكر أنَّهم مِن أئمَّة التصوف القدامى - .
يقول :
ومنهم صنفٌ مِن الرَّوْحانية
زعموا أنَّه ينبغي للعباد أنْ يدخلوا في مضمار الميدان
حتى يبلغوا إلى غاية السبقة ،
منتظمين لأنفسهم – يعني : تجميعها -
وحملها على المكروه
فإذا بلغت تلك الغاية :
أعطى نفسَه كلَّ ما تشتهي ، وتتمنى ،
وإنَّ أكْلَ الطيبات كأكْل الأراذلة مِن الأطعمة ،
وكان الصبر والخبيث عنده بمنـزلة ،
وكان العسل والخل عنده بمنـزلة ! ؛
فإذا كان كذلك :
فقد بلغ غاية السبقة ،
وسقط عنه تضمير الميدان ،
وأتْبع نفسه ما اشتهت ،
منهم ابن حيان كان يقول هذه المقالة.
ويقول رحمه الله :
ومنهم صنف يقولون إنَّ ترك الدنيا :
إشغال للقلوب ، وتعظيم للدنيا ، ومحبة لها ،
ولمـَّا عظُمت الدنيا عندهم :
تركوا طيِّب طعامها ، ولذيذ شرابها ،
وليل لباسها ، وطيب رائحتها ؛
فأشغلوا قلوبهم بالتعلق بتركها ،
وكان من إهانتها مُواتات الشهوات عند اعتراضها
حتى لا يشتغل القلب بذكرها ،
ويعظم عنده ما ترك منها.
قال :
ورباح وكليب كانا يقولان هذه المقالة .
هذا كلام الإمام خشيش بن أصرم رحمه الله ،
المكتوب قبل منتصف القرن الثالث الهجري
- حوالي 240هـ –
هذا الكلام كما لاحظنا
هو عقيدة الصوفية ،
الحب – حبُّ الله كما يدَّعون - ،
تحريم الدنيا ،
تحريم الحلال ،
دعوى أنَّهم يرون الله ،
ويخاطبونه في الدنيا ،
وأنَّه يحدِّثهم …
إلى غير ذلك مِن الدعاوى:
هي دين الصوفية ،
لكن لاحظ أنَّ الإمام خشيش لم يقل :
"الصوفيَّة" ؛
إنما قال : "الزنادقة"
- قال :
هذه مذاهب قوم مِن الزنادقة - ،
وصدق
هذا هو مذهب الزنادقة في حقيقته .
ننتقل إلى مصدر بعده ،
وهو من أوثق المصادر في الخلافات ، والفرق :
وهو كتاب "مقالات الإسلاميين"
للإمام أبي الحسن الأشعري رحمه الله
الذي رجع إلى مذهب أهل السنَّة والجماعة ،
وإن كان الأشاعرة ما يزالون يتَّبعون
ما كان عليه قبل رجوعه ،
نسأل الله أن يهديهم إلى الحق .
يقول - في صفحة (288) من طبعة هيلموتايتر - الثالثة - :
هذه حكاية قولِ قومٍ مِن النُّساك
– والنساك : هو أيضاً اسم عبَّاد الهند -
وهي مأخوذة مِن النسك ، أو التعبد .
وهذا هو الذي ترجم به عبد الله بن المقفع صوفية الهند ،
وسمَّاهم : "النُّساك" في كتاب "كليلة ودمنة" ،
فيسمَّى العابد : النَّاسك .
يقول :
وفي الأمَّة قوم ينتحلون النُّسك
يزعمون أنَّه جائزٌ على الله سبحانه
الحلول في الأجسام ،
وإذا رأوا شيئاً يستحسنونه قالوا :
لا ندري لعله ربنا!! ،
ومنهم من يقول :
إنّه يرى الله سبحانه وتعالى في الدنيا على قدر الأعمال !
فمَن كان عمله أحسن :
رأى معبوده أحسن !
ومنهم مَن يجوِّز على الله سبحانه وتعالى المعانقة ،
والملامسة ،
والمجالسة في الدنيا ،
وجوزوا مع ذلك
على الله تعالى – على قولهم- أنْ نلمسه ،
ومنهم مَن يزعم أنَّ الله سبحانه
ذو أعضاء ،
وجوارح ،
وأبعاض لحم ،
ودم
على صورة الإنسان
له ما للإنسان مِن الجوراح
– تعالى ربُّنا عن ذلك علوّاً كبيراً - .
وهذا القول الذي ذكره الأشعري هنا :
هو قول أبي هاشم المشبِّه ، الصوفي ، الشيعي،
مؤسِّس هذا الدين ،
أو مِن مؤسِّسيه -كما قلنا - .
يقول الإمام الأشعري :
وكان في الصوفيَّة رجلٌ يُعرف بأبي شعيب :
يزعم أنَّ الله يُسرُّ ويَفرح بطاعة أوليائه ، ويغتمُّ ،
ويحزن إذا عصَوْه
- يعني :
كَفَرح المخلوقين وكغَمِّهم -.
ويقول :
وفي النُّساك قومٌ
يزعمون أنَّ العبادة تبلغ بهم
إلى منـزلةٍ تزول عنهم العبادات ،
وتكون الأشياء المحظورات على غيرهم
– من الزنا ، وغيره - :
مباحات لهم .
وفيهم من يزعم :
أنَّ العبادة تبلغُ بهم أنْ يروا الله سبحانه وتعالى ،
ويأكلوا مِن ثمار الجنَّة ،
ويعانِقوا الحورَ العين في الدنيا ،
ويحارِبوا الشياطين .
ومنهم مَن يزعم :
أنَّ العبادة تبلغ بهم إلى أن يكونوا
أفضلَ مِن النَّبيِّين ،
والملائكة المقرَّبين .
هذا كلام الإمام الأشعري ،
وهو يؤكِّد ما قاله الإمام خشيش ،
ويذكر عنهم قضية
سقوط التكاليف وسقوط التعبدات ،
وأنَّ الإنسان يترقَّى -كما يقول الصوفيَّة
أنَّ الله تعالى يقول
{ واعبد ربك حتى يأتيك اليقين } ،
فإذا جاء اليقين أو إذا وصلت إلى الحقيقة:
سقطتْ عنك الشريعة ؛
لأنَّ المريد عندهم – أو الصوفي – يبدأ مُريداً ،
ثمَّ سالكاً ، ثم واصلاً ، الواصل : وصل للحقيقة ،
وسقطت عنه التكاليف ،
وسقطت عنه التعبدات .
هذا الكلام يقوله الإمام الأشعري
– وهو المتوفى سنة 324 هـ -
أي : أيضاً ما يزال متقدماً بالنِّسبة لانتشار الصوفيَّة ،
ولم يذكر أنَّ هؤلاء صوفيَّة أبداً ،
إنَّما قال : "هؤلاء نساك" ،
وهذا القول لا شك
أنَّه قول زنادقةٍ ، وكفَّارٍ ،
سيحكيه على أنَّهم قومٌ يدَّعون ،
أو ينتسبون إلى هذه الأمَّة ،
وليسوا مِن هذه الأمَّة ،
ليسوا مِن أمَّة الإسلام ،
ولا مِن أمَّة محمَّد صلى الله عليه وسلم ،
فلنرى كيف أنَّ هذا القول
أصبح ديناً عند المتأخرين من المسلمين
المنتسبين للإسلام من الصوفيَّة ،
ويدَّعون مع ذلك
أنَّهم هم أهل السنَّة والجماعة!!.
لا نقف عند الأشعري ،
وإنَّما - أيضاً - ننتقل إلى إمامٍ مِن المؤلِّفين في الفرق ،
وهو "فخر الدين الرازي" –
وقد توفي سنة 606 هـ ،
ونحن نتابع المسألة بتطور الزمن
- ، وهو مِن أكبر أئمَّة الأشاعرة ،
يعني : الرجل ليس مِن أئمَّة أهل السنَّة والجماعة ،
بل هو مِن أئمَّة الأشاعرة الذي ألَّف كتاب "أساس التقديس" ،
وردَّ عليه شيخ الإسلام ابن تيمية
في كتاب "بيان تلبيس الجهمية" ،
فهو مِن أكبر الأشاعرة ،
وأقواله عندهم مِن أهمِّ الأقوال ،
سننقل ، ونقرأ لك بعض كلامه في هؤلاء الصوفيَّة ،
ما كان فيه مدح ،
وما كان فيه ذم .
يقول :
الباب الثامن
في أحوال الصوفية :
اعلم أنَّ أكثر مَن قصَّ فِرَق الأمَّة لم يذكر الصوفيَّة ؛
وذلك خطأ لأنَّ حاصل قول الصوفيَّة :
أنَّ الطريق إلى معرفة الله تعالى :
هو التصفية ، والتجرد مِن العلائق البدنيَّة ،
وهذا طريقٌ حسنٌ !
وهم فِرقٌ .
الأولى : أصحاب العادات ،
وهم قومٌ منتهى أمرِهم ، وغايتهم :
تزيين الظاهر كلبس الخرقة ،
وتسوية السجادة .
الثانية :
أصحاب العبادات ،
وهم قومٌ يشتغلون بالزهد ، والعبادة ،
مع ترك سائر الأشغال .
والثالثة :
أصحاب الحقيقة ،
وهم قومٌ إذا فرغوا مِن أداء الفرائض :
لم يشتغلوا بنوافل العبادات ؛
بل بالفكر ، وتجريد النَّفس عن العلائق الجسمانية
– يعني : مثل ما قلنا عن جماعة "باتنقل"
في أقوال البيروني –
يقول :
وهم يجتهدون أنْ لا يخلو سرُّهم ،
وبالهُم عن ذكر الله تعالى ،
وهؤلاء خير فرق الآدميين !!
- قال سفر :
طبعاً متعاطف معهم - .
الرابعة :
النُّوريَّة ،
وهم طائفة يقولون :
الحجاب حجابان نوري ، وناري ،
أمَّا النوري :
فالاشتغال باكتساب الصفات المحمودة كالتوكل ،
والشوق ، والتسليم ، والمراقبة ،
والأُنس ، والوحدة ، والحالة ،
أمَّا الناري
فالاشتغال بالشهوة ، والغضب ، والحرص ، والأمل ؛
لأنَّ هذه الصفات : صفات نارية ،
كما أنَّ إبليس لما كان ناريّاً
فلا جرم وقع في الحسد .
طبعاً ،
هذه النظرية اليونانية التي تُروى عن قدماء اليونان أرسطو وجماعته :
أنَّ الكون يتركب مِن أربعة عناصر :
الماء ، والتراب ، والنار ، والهواء …إلى آخره !!
رتَّبوا هـذه على تلك .
الخامسة
- مِن فِرقهم - :
الحلوليَّة،
وهم طائفةٌ مِن هؤلاء القوم الذين ذكرناهم ،
يرَوْن في أنفسهم أحوالاً عجيبة ،
وليس لهم مِن العلوم العقليَّة نصيبٌ وافر ،
فيتوهَّمون
أنَّه قد حصل لهم الحلول أو الاتحاد
– يعني : بالله تعالى -
يقول :
فيدَّعون دعاوى عظيمة ،
وأوَّل مَن أظهر هذه المقالة في الإسلام :
الروافض ؛
فإنَّهم ادَّعوا الحلول في حقِّ أئمَّتهم .
هنا فائدة مهمة :
وهو أنَّ الرازي
يربط الصوفيَّة بالشيعة ،
وهو ربط مؤكد – كما سبق أن قلنا –
يقول الرازي :
السادسة :
المباحية ،
وهم قوم يحفظون طامَّاتٍ لا أصل لها ،
وتلبيساتٍ في الحقيقة
وهم يدَّعون محبة الله تعالى
وليس لهم نصيبٌ مِن شيءٍ مِن الحقائق ؛
بل يخالفون الشريعة ،
ويقولون :
إن الحبيب رُفع عنه التكليف ،
وهو الأشرُّ مِن الطوائف ،
وهم على الحقيقة على دين "مزدك" ،
كما سنذكر بعد هذا -
قال سفر :
وهو الدين الذي هو أصل الشيوعية ،
ودين "مزدك"
كما تكلم عنه هو يقول :
أن المزدكية هم أتباع مزدك بن موبذان ،
وكان موبذان في زمن قبَّاز بن فيروز
والد أنو شروان العادل ،
ثمَّ ادَّعى النُّبوة ،
وأظهر دين الإباحة ،
وانتهى أمره إلى أن ألزم قبَّاز
أن يبعث امرأته ليتمتع بها غيره !!
فتأذى أنو شروان مِن ذلك الكلام
– يعني : تأذى مِن كلامه غاية التأذي –
وقال لوالده :
اترك بيني وبينه لأناظره ؛
فإنْ قطعني طاوعته ،
وإلا قتلته
فلمَّا تناظر مع أنو شروان :
انقطع مزدك
– يعني : انقطع في المناظرة وأفحم –
وظهر عليه أنو شروان ،
فقتله وأتباعه ،
وكلُّ مَن هو على دين الإباحة
في زماننا هذا
فهم بقية أولئك القوم .