قال ابن بطة: قال يحيى بن معاذ الرازي -وكلامه جميل أشهى من عسل النحل-:
"الناس خمس طبقات فاجتنب أربعاً والزم واحدة، فأما الأربع الذين يجب عليك أن تجتنبهن ـ فذكر ثلاث طبقات ثم قال:
والرابعة: فهم منهم المتعمقون في الدين الذين يتكلمون في العقول، ويحملون الناس على قياس أفهامهم... ـ
إلى قوله: ـ وذلك حين رأى عقلَه أملى بالدين وأضبط له وأغوص على الغيب وأبلغ لما يراد من الثواب من أمر الله إياه ونهيه وفرائضه الملجمة للمؤمنين عن اختراق السدود، والتنقير عن غوامض الأمور والتدقيق الذي قد نهيت عنه الأمة، إذ كان ذلك سبب هلاك الأمم قبلها، وعلةَ ما أخرجها من دين ربها
وهؤلاء هم الفساق في دين الله، المارقون منه، التاركون لسبيل الحق، المجانبون للهدى
الذين لم يرضوا بحكم الله في دينه حتى تكلفوا طلبَ ما قد سقط عنهم طلبه، ومن لم يرض بحكم الله في المعرفة حكماً لم يرض بالله رباً، ومن لم يرض بالله رباً كان كافراً، وكيف يرضون بحكم الله في الدين وقد بيَّن لنا فيه حدوداً وفرض علينا القيام عليها والتسليم بها
جاء هؤلاء بعد قِلَّة عقولهم وجور فطنهم وجهل مقاييسهم يتكلمون في الدقائق ويتعمَّقون
فكفى بهم خزياً سقوطُهم من عيون الصالحين، يُقتصَر فيهم على ما قد لزمهم في الأمة من قالة السوء، وأُلبِسوا من أثواب التهمة، واستوحش منهم المؤمنون، ونهى عن مجالستهم العلماء، وكرهتهم الحكماء، واستنكرهم الأدباء، وقامت منهم فراسة البصراء، شكَّاكون جاهلون، ووسواسون متحيِّرون
فإذا رأيت المريدَ يطيف بناصيتهم فاغسل يدَك منه ولا تجالسه"
أخرجه ابن بطة في الإبانة (1/405-406)