بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

يصيبه العرق ويجد أثر النجاسة في الملابس الداخلية
رقم: 203136
منقول من موقع الإسلام سؤال وجواب

السؤال: أنا إنسان يعرق ولاسيما في الأيام الحارة، فإذا أصبت بالعرق عرق جسمي منه (حلقة الدبر)، فيلتصق العرق الناشب بها على الملابس الداخلية ، فإذا التصقت الملابس بالحلقة الرطبة كانت المشكلة ، حيث أنها - أحيانا - يصطحب العرق لون النجاسة ( البني ) البسيط جداً ( حيث أنه لا يرى إلا في مكان فيه نور ) مع الرائحة ، وأحياناً لا فقط عرق ، وأحياناً يبقى اللون فقط حتى بعد غسل الملابس، فأصبحت في حيرة من أمري.
هل أصلي إذا تعرقت أم لا ؟ أم أتفقد الملابس - مع أنه لا ينبغي ذلك - ؟ ، أم ماذا ؟
علماً بأنها - الحلقة - تعرق بسبب أشياء بسيطة ( المشي ، حمل أشياء ، الوقوف تحت الشمس ... ).
فهل هذه الحال تبطل الصلاة بها ؟ وما حكم صلواتي التي صليتها ؟ وأحياناً يطبع اللون دون الرائحة .فهل من توجيه ؟
علماً بأني أشعر بحرج شديد جدا، فأقطع صلاتي لأتفقد ملابسي، لأني معرق، وقد أضطر إلى تغيير ملابسي أكثر من مرة في اليوم.

الجواب :
الحمد لله

أولاً:
ما يعْلق بالملابس الداخلية من آثار النجاسة ورائحتها بسبب العرق هو شيء يسير جداً في العادة، ومما يعفى عنه، كما هو مذهب الحنفية واختيار كثير من المحققين.
قال الكاساني : " لِأَنَّ الْقَلِيلَ مِنْ النَّجَاسَةِ مِمَّا لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ ، فَإِنَّ الذُّبَابَ يَقَعْنَ عَلَى النَّجَاسَةِ ، ثُمَّ يَقَعْنَ عَلَى ثِيَابِ الْمُصَلِّي ، وَلَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ عَلَى أَجْنِحَتِهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ نَجَاسَةٌ قَلِيلَةٌ ، فَلَوْ لَمْ يُجْعَلْ عَفْوًا لَوَقَعَ النَّاسُ فِي الْحَرَجِ ". -انتهى من "بدائع الصنائع" (1/ 79)-.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: " وَيُعْفَى عَنْ يَسِيرِ النَّجَاسَةِ ، حَتَّى بَعْرِ فَأْرَةٍ ، وَنَحْوِهَا فِي الْأَطْعِمَةِ ، وَغَيْرِهَا ، وَهُوَ قَوْلٌ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ ، وَلَوْ تَحَقَّقَتْ نَجَاسَةُ طِينِ الشَّارِعِ عُفِيَ عَنْ يَسِيرِهِ لِمَشَقَّةِ التَّحَرُّزِ عَنْهُ ". -انتهى من "الفتاوى الكبرى" (5/ 313)-.
وقال الشيخ ابن عثيمين : " والصَّحيح : ما ذهب إِليه أبو حنيفة ، وشيخ الإِسلام ... ومن يسير النَّجاسات التي يُعْفَى عنها لمشَقَّةِ التَّحرُّز منه: يسير سَلَسِ البول لمن ابتُلي به، وتَحفَّظ تحفُّظاً كثيراً قدر استطاعته ". -انتهى من "الشرح الممتع" (1/ 447)-.

ثانياً:
مما يزيد الأمر تخفيفاً فيما يتعلق بالأمر الذي ذكرت: أن الشريعة رخصت للإنسان بالاستنجاء بالحجارة، ومن المعلوم أن الحجارة لا تطهر المحلَّ بشكل كامل، بل لا بد من بقاء شيء يسر من آثار النجاسة، وهو مما يعفى عنه.
قال ابن قدامة: "وَقَدْ عُفِيَ عَنْ النَّجَاسَاتِ الْمُغَلَّظَةِ لِأَجْلِ مَحَلِّهَا، فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ ؛ أَحَدُهَا: مَحَلُّ الِاسْتِنْجَاءِ ، فَعُفِيَ فِيهِ عَنْ أَثَرِ الِاسْتِجْمَارِ بَعْدَ الْإِنْقَاءِ وَاسْتِيفَاءِ الْعَدَدِ، بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ" -انتهى من "المغني" (2/ 486)-.
قال القرافي: "إِذَا عَرِقَ فِي الثَّوْبِ بَعْدَ الِاسْتِجْمَارِ ... يُعْفَى عَنْهُ، لِعُمُومِ الْبَلْوَى ...، وَلِأَنَّ الصَّحَابَةَ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ كَانُوا يَسْتَجْمِرُونَ وَيَعْرَقُونَ" -انتهى من "الذخيرة" (1/211)-.
وجاء في "شرح مختصر خليل" للخرشي " (1/ 148): " فَلَوْ عَرِقَ الْمَحَلُّ ، وَأَصَابَ الثَّوْبَ ، فَلَا يَضُرُّ ".
وقال ابن قدامة : " وَلِأَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، كَانَ الْغَالِبُ عَلَيْهِمْ الِاسْتِجْمَارُ ، ... وَبِلَادُهُمْ حَارَّةٌ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ لَا يَسْلَمُونَ مِنْ الْعَرَقِ ، فَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُمْ تَوَقِّي ذَلِكَ ، وَلَا الِاحْتِرَازُ مِنْهُ ". -انتهى من "المغني" (1/119)-.
وقال ابن القيم : " فإن الصحابة لم يكن أكثرهم يستنجي بالماء ، وإنما كانوا يستجمرون صيفاً وشتاءً، والعادةُ جارية بالعرق في الإزار، ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بغسله وهو يعلم موضعه، ولا كانوا هم يفعلونه، مع أنهم خير القرون وأتقاهم لله". -انتهى من "بدائع الفوائد" (4/1490)-.
وقد سئل شهاب الدين الرملي الشافعي: عَمَّنْ اسْتَجْمَرَ ثُمَّ أَصَابَ رَأْسُ ذَكَرِهِ مَوْضِعًا مُبْتَلًّا مِنْ بَدَنِهِ وَهُوَ يُصَلِّي، هَلْ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَيَلْزَمُهُ الِاسْتِنْجَاءُ وَغَسْلُ مَا أَصَابَهُ ؟
فَأَجَابَ:"لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ، وَلَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِنْجَاءُ ، وَلَا غَسْلُ مَا أَصَابَ مَحَلَّ الِاسْتِجْمَارِ ، لِقَوْلِهِمْ: يُعْفَى عَنْ أَثَرِ اسْتِجْمَارِهِ وَلَوْ عَرِقَ مَحَلُّهُ وَتَلَوَّثَ بِالْأَثَرِ غَيْرُهُ " -انتهى من "فتاوى الرملي" (1/ 33)-.
وقال الشيخ محمد المختار الشنقيطي: " إذا تقرر أنه يعفى عن يسير النجاسة في الدبر أو القبل إذا استجمر الإنسان... فإذا عرق الإنسان أو جالت يده بالعرق ، فلابد وأن تصيب الموضع ، فإذا عرق المكان الذي يلي الموضع وسرى هذا العرق إلى الثوب أو إلى السروال الذي يلي الموضع ، فهذا معفو عنه ؛ لأننا لو حكمنا بنجاسته لدخل الناس في حرج لا يعلمه إلا الله عز وجل".
-انتهى من "شرح زاد المستقنع" (23/ 4، بترقيم الشاملة آليا)، وينظر : "المغني" ، لابن قدامة (1/ 219)-.

والحاصل : أنه لا يضرك هذا الأثر اليسير الناشئ من التعرق ، وصلاتك صحيحة ، فقط تتحقق من إنقاء المحل عند الاستنجاء ، ثم لا تشغل نفسك بهذا الأمر أكثر مما ينبغي ، بعد ذلك ، حتى لا تقع في الوسواس.
والله أعلم .

*****
والله الموفق
نحبكم في الله
ولا حول ولا قوة إلا بالله
والحمد لله