تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: أبوة الدعوة التربوية

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Aug 2007
    المشاركات
    137

    افتراضي أبوة الدعوة التربوية

    أبوة الدعوة التربوية
    ماجد رسلان
    مجلة الرائد عدد129 صفر 1411هـ-أغسطس 1990م.
    حرصاً على سلامة الدعوة والداعية ،وحفاظاً على التصورات السليمة أن تُثلم ،وصوناً لإرث السابقين أن يبيد ..لابد من مكاشفة ومصارحة وتذكير وذكرى بين كل فينة وأخرى.
    والذكرى موجهةُ لكل الأحبة المؤمنين في حقل الدعوة إلي الله ،سواء أكانوا قادة مربين أم غير ذلك ،فالله لم يحدد هُويّة المُذكَّر ولا هوية المُذكَّرين حين قال جل وعلا:{وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} (الذاريات:55).
    وأهم قضية تشغل العقل والقلب والروح هي :
    ما هيّة العلاقة بين أجيال الدعوة السابقين واللاحقين كافة ،أي:ما بين المربّي والمتربي،أو بين الأستاذ وتلميذه،أو بين القائد والجندي.
    وكما يقال :"لكل زمان دولة ورجال"!!
    لكن الملامح لكليهما لا تتحدد إلا من خلال الظروف المتغيرة والتطورات المتلاحقة ومن خلال زخم الإمكانات والخبرات ،وتلاحم الطاقات وتلاقي الإبداعات ...ومع ذلك يبقى للسابق فضل السبق بوجوده الزمني ،واقتحامه مجاهل الحياة لاكتشاف سننها وفضّ ألغازها ..على هدى مقتضيات الخلافة الراشدة {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} (الجمعة:4).
    وصحيح أن اللاحق ربما يبدع ويطوّر بعض وسائل الحياة ،بل ربما تصل بعض قفزاته التغييرية حداً إعجازياً قياساً بما كان عليه السابق،لكن لا يستطيع أحد منصف للحق نكرانَ فضل السابق بما وضعه من بذور الخير التي نمت مع الزمن وأصبحت بفضل اللاحق –بل ربما بفضلهما معاً-دوحة غنّاء يستظل بها الجميع على حد سواء.
    وبعيداً عن السفسطات والمُماحكات الجدلية..فإن العلاقة ما بين المربي ومن يربيه لا يستطيع أحد عنده نَصَفَةُ من عدل أن يغفل ما للأول من فضل السبق بالوجود الزمني ،واكتشاف طريق الدعوة اللاحب،واستخلاص العبر ،واقتناص الخبرات وتأثيلها[1]،والحصول على التجارب القيّمة وتأصيلها،والقيا م بمسح للإمكانات ودراسة للطاقات على كل المستويات ..وهذه المحصلة –التي ما نمت إلا على عرق ودموع،وجهود مضنيات –حملها للثاني زاداً سائغاً وريّاً عذباً ليتابع بهمة متوقدة وعثاء الطريق الذي حُفت جنباته بالمكاره من الغرائب والمجاهيل ..فلولاه لما كان له أن يتعرف على الأفكار والمبادئ والقيم ..ويتذوقها ويستشعرها لو ظلت حبيسة خلف سياج التجريد والوصف الكلامي ..لكن بفضله ومن خلاله رآها قد انتفضت حيّةً ناطقة بأحلى بيان وأعذب كلام !!
    ونود أن نتنبه إلى تميز العلاقة ما بين المربي القدوة والمتربي ،عن العلاقة ما بين الثاني ووالديه،حيث نرى في أكثر الأحايين أن ليس كل أب ينظر إلى ابنه بمنظار الدين والدنيا،أو بمنظار الروح والمادة،أو بمنظار العقل للقلب !!بل على الغالب –وفي معظم الأنحاء والأحوال-نرى أن الأهل لا يهتمون بتحصيل أولادهم للعلم والمعرفة،والفكر والثقافة..إلا للحصول على الشهادة والمنصب والجاه ليصيبوا حظاً من زهرة دنيا ،ونُتفاً من فتنتها..دون أي أعتبار لتدين رشيد ،أو خلق متين،أو سلوك نظيف..!!بينما نرى العلاقة بين المربي وتلميذه متميزة وأصيلة ومتكاملة مع سنة الدين والدنيا يحرص فيها الأول للثاني أن يحصَّل كل ما يتمناه له أهله وأكثر مع تحليه بأخلاق فاضلة ،وسلوكيات شريفة ..أرفع منازل الأُحدوثة الحسنة عند الله والناس !!فهو دائم الرعاية له ،والعنابة به على مختلف الأحوال والظروف ،مشغول بتربيته الفكرية ،ومنهمك بتربيته الروحية والنفسية ،ومتابع لنموه العلمي وحياته المادية ..ومع مرور الزمن تتوثق العلاقة بينهما وتسمو وتغدو أقدس وأنبل وأصدق علاقة بين عبدين صالحين دانا بإسلام القلب والوجه لله رب العالمين ،فالمربي دائم التمني أن تكتحل عيناه برؤية تلميذه –بل قلت إن شئت بولده –وقد سبقه وتجاوزه في شتى مجالات الدين والدنيا بدرجات ودرجات ،وإن حصل المأمول وتحققت الأماني فهو فخور نشوان حيث شاهد جهوده وأعماله أصبحت دانية القطوف والعطاء ..وكله رجاء أن يتقبل الله صنيعه هذا بقبول حسن فهو لا يبتغي من أحد جزاءً ولا شكورا..هذا ما تحمله أحاسيس المربي وهمومه .
    فما هو المفترض أن تكون أحاسيس ومشاعر ومواقف التلميذ تجاه أستاذه ومربيه على المستوى الأدبي والأخلاقي بُلٌهُ على المستوى العقدي الإيماني ؟!
    هل يتذكر للماضي ويَكُعُّ لشهوات النفس الخفية ،لأنه أصبح لملء العين مشاراً إليه بالبنان ،والأحاديث عنه جارية على كل لسان ؟!
    أم هل ينسى أنه كان منذ وقت قريب يحبو ويكبو ويتعثر ..فيرى يداً حانية تمسح جراحه ،وتسدد خطاه ،ويرى نفسهاً كريمة تنفخ فيه روح الثبات والمثابرة وتبعث فيه المل من جديد حيث تفتح له كُوَّة ضياء وسط ضباب ودخان ؟!
    أم هل ينسى الماضي لمجرد أنه شبَّ عن الطوق وأبدع في فن ،أو طوَّر في عمل أو اكتشف نظرية ،أو حل مُعضلة من معضلات الحياة العويصة ،أو أو!
    إن من حق الدعوة علينا أن نُذّكر بأن العلاقة مع الدعة السابقين لابد أن تكون علاقة أبوة كريمة أعطت ومنحت وما بخلت ..تقابلها علاقة بُنّوة تربوية كريمة وشكرت وأثنت وما جحدت ..علاقة لها احترام بار كاحترام الوالدين في قدسية مميزة من التعامل الحساس الذكي النبيه ..النائي عن التجريح أو التشويه...
    فليس من تزجية القول ولا من فضول التربية والتوجيه ما قرره الكتاب الخالد عن ما هيّة العلاقة ومضمونها مع من نتعلمُ منهم ونستفيد..حين قصَّ الله علينا حادثة موسى عليه السلام مع العبد الصالح ،وكيف كان كليمُ الله معه متأدباً ولجناح التواضع خافضاً،وكيف وكَّن نفسه على السمع والطاعة والتحمل بصبر جميل...
    قال تعالى {فَوَجَدَا عَبْداً مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً*قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً*قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً*وَكَيْف تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً*قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً}[الكهف :65-69].
    ولابد من التخلي عن الأحاديث المتورمة بالغرور الشيطاني التي نفخ فيها كل سمومه ووساوسه وأرجاسه الخبيثة ..لأنها مرض عضال سرطاني،والرسول صلى الله عليه وسلم يقول(أكثر خطايا ابن آدم من كَلٌم لسانه)[2]،وما أصدق المثل العربي الذي يقول :"كَلٌمُ اللسان من كَلٌمِ السَّنان".
    ولابد من التخلص من نغمات النشاز الكنودة التي تعزف على أوتار ،لابدمن تجاوز هؤلاء فدورهم انتهى،وعطاؤهم نفد ،وعودهم يبس ،والدهر أكل عليهم وشرب ،فالزمن تغير ،والظروف تحولت ،والأحوال تبدلت،والمرحلة الجديدة تلزمها قيادة فتية وليدة..وما إلى ذلك من عبارات براقة منمقة.
    ولابد أن نذكر بقضية الأفكار والمبادئ وبمشكلة الأسبقية على الأشخاص أو عدم الأسبقية ،وأن نلقي الضوء على هذه القضية التي كثرت الدندنة حولها دون طائل ،فنقول:
    إن الأفكار والمبادئ والقيم والأخلاق..ليس لها حضور ،وليس لحضورها وجود إلا من خلال الالتزام بها والتطبيق لها قولاً وعملاً،وسلوكاً وخلقاً في الحِلّ والترحال والسّراء والضّراء على السواء ،فمثلاً :الصدق ،والأمانة ،والاستقامة،وال إخلاص ،والزهد ،صواب الرأي ،وسداد التفكير ،وسلامة التوجيه،والإقدا م والإحجام ،والرؤية السياسية ،والولاء والبراء ..وكل ما يخطر وما لا يخطر بالبال من أمثالها.
    إننا لن نتذوق أي واحدة منها،طعمها وحضورها ،إلا حين تتمثل من خلال داعيةٍ مُربّ ،فاضل وكريم ..أثّر فينا موقفه ،وحرّكَ منا سلوكه كوامن حياتنا وحياة دعوتنا بفضل استقامته وصدقه ونبله وإخلاصه..وبفضل توفيق الله له ورعايته وتسديده..
    فالدعوة بأفكارها ومبادئها وقيمها وأصالتها ..يتألق جمالها بالداعية وتَدُبُّ فيها روح الحياة من خلال تدرّعه هو –من الأخمص إلى المفرق –بالتزام سام بها حيث يكون لها ترجماناً،ويكون مضمون المنهج الإلهي هو الحكم على حياته كلها ظاهراً وباطناً في كل الأحوال والظروف ..
    فهو يكره التزييف والتمييع ،ويمقت النفاق والمداجاة ،ويعاف الدَّهَان والمماراة ..لأن جهاز المراقبة الذاتية قائم في نفسه وأحاسيسه،مركوز في فؤاده وعقله ،مسيطر على ضميره وكل شؤون حياته وحياة دعوته .
    إنه يحس إحساساً غير عادي بأن عين الله ترقبه وتلحظه ،وأن الميزان الذي يُقَوّم به لا يستقيم بالمحاباة ،ولا يصلح بالتعسف ..
    قال تعالي:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِين َ } (النساء:135)
    { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى }(المائدة:8).
    لذا فالفكر والعقل والقلب والروح لهم ميزان خاص في الدعوة إلي الله لا يعرفه إلا المتقون أولو الفراسة المبصرة الذين أدركوا حقيقة وكيفية الحياة في ظلال الإسلام العظيم ،وحقيقة وكيفية التعامل مع أبنائه البررة في بر وإحسان ..من أجل تجسيده معاً واقعاً حياً أصيلاً..كما كانت العصبة المؤمنة الأولي بقيادة محمد بن عبد الله –صلوات الله وسلامه عليه-،حيث قال الله فيهم {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً } (الفتح:29)
    وفي الختام لا يسعني إلا أن أقول :إنني لم آلو نُصحاً ولم أدخر وسعاً في المكاشفة والمصارحة ،كما لا يسعني إلا أن أردد بحماس بالغ المثل العربي الذي يقول :"تَرَكَ الخِداعَ مَنٌ كَشَفَ القنَاعَ".
    والله ولي التوفيق وهو وراء القصد .
    [1]-أثَّل الله مالهُ أي : كثرَّه وقد أثِل فلانٌ تأثيلاً إذا كًثُرَ ماله

    [2] -أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" والطبراني في "الكبير "وقال الألباني في "صحيح الجامع الصغير":حسن.
    (دين الإسلام: أن يكون السيف تابعاً للكتاب، فإذا ظهر العلم بالكتاب والسنة وكان السيف تابعاً لذلك: كان أمـــر الإسلام قائماً..)مجموع الفتاوى، جـ20، ص393.

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Dec 2007
    المشاركات
    109

    افتراضي رد: أبوة الدعوة التربوية

    بارك الله فيك أخي الكريم ونفع بك ..
    ومن يك سائلاً عني فإني . . بمكة منزلي وبها ربيت

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Aug 2007
    المشاركات
    137

    افتراضي رد: أبوة الدعوة التربوية

    وإياك أخي الكريم , جزاك الله خيرا.
    (دين الإسلام: أن يكون السيف تابعاً للكتاب، فإذا ظهر العلم بالكتاب والسنة وكان السيف تابعاً لذلك: كان أمـــر الإسلام قائماً..)مجموع الفتاوى، جـ20، ص393.

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •