معجزة الدماغ بين العلم والدين
محاضرة للدكتور أمل العلمي
ألقيت لأول مرة بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بجامعة الأخوين بإيفران يوم الأربعاء 26 نوفمبر 1997 على الساعة الثامنة مساء. وألقيت بجامعة محمد الخامس - كلية الطب والصيدلة بالرباط صبيحة يوم الجمعة 18محرم 1424هـ / 21 مارس 2003. بدعوة من جمعية طلبة الصيدلة بمناسبة يوم الطالب السنوي. وألقيت بدعوة من المدرسة العليا للتجارة والإعلاميات بفاس مساء يوم الأربعاء 25 رمضان، 1424 الموافق 17 نوفمبر 2003.
[CENTER] معجزة الدماغ بين العلم والدينThe Miracle of the BrainFrom Neurobiology to the Religion
Le Miracle du Cerveau de la Neurobiologie à la Religion
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
مدخل :
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته... أيها الحضور الكريم، بادئ ذي بدء أريد أن أشكر المدرسة العليا للتجارة بفاس على هذه الدعوة الكريمة التي وجهتها لي ؛ ولحرصها على تنظيم هذا اللقاء بمناسبة شهر رمضان العظيم. وهي بذلك تسن سنة حسنة وتساهم في نشر الثقافة الدينية وإبراز حقائق علمية جديرة بترسيخ الإيمان لدى المسلم المؤمن، وبتنوير سبيل الهدى "لمن يشاء" الهداية... ففي الذكر الحكيم "إن الله يهدي من يشاء" والضمير هنا يعود على الإنسان، فالشخص الذي "يشاء الهداية" ييسر الله له ذلك بوسيلة أو أخرى. ولأن يهدي الله بك رجلا خير لك مما طلعت عليه الشمس ... فأتمنى للمدرسة المذكورة وللقيمين عليها أن ينالوا أجر ذلك ... ولهذا العبد الفقير أن يجعل الله عمله خالصا لوجهه الكريم... وأستهل حديثي تيمنا بهذا الدعاء : ربي اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي ...إخواني أخواتي، إنه لمن دواعي الفخر والاعتزاز أن أتناول موضوع كلمتي باللغة العربية الفصحى لغة القرآن التي شرف الله بها أمتنا الإسلامية... فهل نحن في مستوى هذا التشريف والتكريم ونحن نقصيها ونحاول أن نستبدلها بلسان أعجمي هجين ودخيل... فلا بأس أن يفسح المجال لمن أراد مثلي أن يذكرنا من فينة لأخرى أن لغتنا هي اللغة العربية وأن نضعها في المكانة اللائقة بها في منتدياتنا ولقاءاتنا الثقافية والعلمية. ويوما سؤل جولفرن لماذا كتب في قصته الشهيرة : "رحلة إلى مركز باطن الأرض" أن فريق الرحالة عندما بلغ المركز المنشود وضع صفيحة تذكارية مكتوبة باللغة العربية... فأجاب لأنها لغة المستقبل...هذا، وسأحاول في حديثي إليكم عرض بعض الارتسامات الشخصية حول الدماغ ومظاهر إعجازه بين العلم والدين : بالتفكر في شكله وحجمه وكذلك حول مدة نموه وما يتجلى من ذلك من مظاهر الإعجاز وغير ذلك من الأمور. فيَظهر الحق جليا وتتبدد الصدفة ويزهق الباطل بالحجج العلمية ومِحَكِّ الرياضيات وقوانين حساب الافتراضات وحساب الإحصاء.لقد سنحت لي فرصة تدوين بعض مظاهر هذا الإعجاز في عدة مناسبات فتجمع لدي مادة كتاب تحت عنوان "معجزة الدماغ بين العلم والدين". وآخر مناسبة كانت لما استدعيت لإلقاء محاضرة بمدرج من مدرجات كلية الطب بالرباط وقبلها بجامعة الأخوين بإفران تحت عنوان «Le Miracle du cerveau de la Neurobiologie à la Religion» وتناولت فيها كيف أن الدماغ الإنساني مفطور على التوحيد وكذلك علاقة الدماغ بالقلب وبعض مظاهر الفزلجة العصبية وما يمكن الاستدلال به في حكمة الحجاب الإسلامي من خلال نظرة تشريحية لبعض الانعكاسات العصبية وتحدثت عن الدماغ والبعد الزمني الإحيائي وعن الدماغ وما له من أثر على القدرة العلاجية إلى غير ذلك من الأمور. هذه الأمور وغيرها تشكل موضوع حديثي إليكم حسب ما يسعف به الوقت.إخواني أخواتي، إنه ليحيرني أن أتناول موضوع الدماغ ... وكيف لا والدماغ أعقد شيء على هذه البسيطة وقوانينه جد غامضة وجهلنا به مثل جهلنا بالعالم الكوني وعالم الذرة. يقول بيير تيلار دو شاردان ما معناه : إن مع دماغ الإنسان يظهر بعد لانهائي ثالث هو اللانهاية في التعقيد. بالإضافة للبعدين اللانهائيين للكبر والصغر. وكلما تقدمت البحوث والتجارب حول الدماغ وازداد علمنا به كلما اكتشفنا مدى عجزنا ومدى جهلنا المطبق به كمن يخطو خطوة إلى الأمام وخطوات إلى الوراء في عالم مجهول... وأضيف للبعد الثالث الذي يذكره بيير تيلار دو شاردان بعدا رابعا : هو اللانهاية في جهلنا بالدماغ ... فبكل صراحة يقف أخصائيوا الدماغ وأقصد بهم العلماء الباحثون في العشرات من الاختصاصات الأساسية التي تتناول الدماغ بالدرس موقف من يكتشف مدى جهله بالدماغ ... فما بالك أن يكون موقف جراح أعصاب مثلي الذي لا يلامس الحقائق العلمية مباشرة في مختبرات البحث العلمي. وحسبي أن يكون ذا عذري وأن تتجاوزوا عن هفوات لساني.