وجوب الطمأنينة في صلاة التراويح وغيرها من الصلوات


من صالح بن أحمد الخريصي، إلى من يراه ويسمعه من إخواننا المسلمين، وفقني الله وإياهم لما يحبه ويرضاه، آمين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أما بعد:
فاعلموا - وفقني الله وإياكم - أن التراويح من أعلام الدِّين الظاهرة، وأنها سُنة مؤكَّدة أجمع المسلمون عليها، وفعلُ الصحابة لها مشهور، تلقَّتْه الأمة عنهم خلفًا بعد سلف، وأول من جمعهم على هذه الكيفية الخليفةُ الراشد عمرُ بن الخطَّاب - رضي الله عنه - كما روى مالك - رحمه الله - عن يزيد بن رومان، قال: كان الناس يقومون في زمن عمر - رضي الله عنه - في رمضان بثلاث وعشرين ركعة، وهذا في مظنة الشهرة بحضرة من الصحابة، فكان إجماعًا[2]، مع أنه - صلى الله عليه وسلم - صلَّى بأصحابه لياليَ ثم تركها؛ خشيةَ أن تُفرض؛ كما في المتفق عليه من حديث عائشة - رضي الله عنها - ولم ينكرها إلا أهلُ البدع من الرافضة وغيرهم؛ ولهذا يذكرها أهلُ السنة والجماعة في عقائدهم.


إذا تقرَّر هذا، فغير خافٍ ما وردتْ به السنةُ من فضْل قيام رمضان، والترغيب فيه، وما يترتب على ذلك من الأجر والثواب؛ ولكن ينبغي أن يُعلَم أن الصلاة والقيام - بل وسائر الأعمال حقيقة هي التي تقع على الوجْه الشرعي الذي أمر الله به في كتابه، وعلى لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - وما سوى ذلك فإن العبد لا يُثاب عليه؛ بل قد يعاقب، وبعض الإخوان - وفقنا الله وإياهم للصواب - لا يحسن في هذه العبادة، ويُسرع فيها سرعةً تخلُّ بالمقصود، وهذا أمر لا يجوز؛ لأن العبد يطلب ثواب الله في هذه العبادة، والله - تبارك وتعالى - لا يُتقرَّب إليه إلا بما يحِب ويرضى، وقد قال - عزَّ وجلَّ -: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} الآية [البقرة: 43]، وقال: {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ} [الأنفال: 3]، وقال: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ} [العنكبوت: 45]، وقال: {وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ} [النساء: 162]، وقال الخليل - عليه السلام -: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ} [إبراهيم: 40].

والآيات في هذا كثيرة، ولا تكاد تجد ذِكر الصلاة في موضع من التنزيل إلا مقرونًا بإقامتها، وإقامتُها هي الإتيان بها قائمة تامة القيام، والركوع، والسجود، والأذكار، وهذا لا يحصل مع هذه العجلة، وقد علَّق الله - تبارك وتعالى - الفلاحَ بخشوع المصلي في صلاته، ويستحيل حصولُ الخشوع مع العجلة والنقر، وكلما زادتِ العجلة قلَّ خشوعُ المصلي، حتى تصير هذه العبادة بمنزلة العبث الذي لا يصحبه خشوعٌ ولا إقبال عليها.

أفلا يتصور صاحبُ هذه الصلاة أنها معروضة على الله - عزَّ وجلَّ - فلا يأمن أن تُلفَّ كما يُلف الثوب الخَلق، ويُضرَب بها وجهُه؟! وربما ظن بعض الناس أن التراويح تطوع، ولا يلزم إتمام الركوع والسجود والاعتدالين فيها، وهذا غلط ممن ظنَّه، أية رسالة؟ الرسالة للشافعي؛ لأنه لما دخل في هذه العبادة وجب عليه إتمامُها، وإكمالها، وإحكامها، وقد نفى - صلى الله عليه وسلم - اسمَ الصلاة وحقيقتَها عن المُسيء في صلاته، حيث كانت خاليةً من الطمأنينة، فقال: «ارجع فصلِّ؛ إنك لم تصلِّ»، وقد صلى صلاة ذات قيام وركوع وسجود واعتدالين؛ ولكن لما أخلَّ بالطمأنينة، خاطبه النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله: «فإنك لم تصلِّ».

فاحذر أيها المصلي كصلاة المسيء أن تكون كذلك، وقد سئل الشيخ عبدالله بن الشيخ محمد - رحمهما الله - عن العجلة في صلاة التراويح، فأجاب - رحمه الله -:
قولك: إن الإمام إذا استعجل صلى معه أكثرُ الناس، وإذا طول لم يصلِّ معه إلا القليل، فإن الشيطان له غرض، ويحرص على ترك العمل، فإن عجز عن ذلك، سعى فيما يبطل العمل، وكثيرٌ من الأئمة في البلدان يفعل في التراويح فعلَ أهلِ الجاهلية، ويصلُّون صلاةً ما يعقلونها، ولا يطمئنون في الركوع والسجود، والطمأنينة ركنٌ لا تصح الصلاة إلا بها، والمطلوب في الصلاة حضورُ القلب بين يدي الله - عزَّ وجلًَّ - واتِّعاظه بكلام الله إذا تُلي عليه، إلى آخر كلامه - رحمه الله[3].


وكلام الشيخ هذا هو الواقع في كثير من الأئمة - عصمنا الله وإياهم.

فيا أيها الإخوان:
انتبهوا لما أشرتُ إليه في هذه الكلمة، ولا يكن حظِّي القول وحظكم الاستماع فقط دون العمل، واعلموا أن التراويح سُمِّيت بذلك؛ لأن السلف كانوا يتروحون بعد كل أربع ركعات؛ أي: يستريحون من طول القيام، وأنهم كانوا يعتمدون على العصيِّ من طول القيام، وهذا لا مطمع فيه، ولكن الذي ينبغي للعاقل اللبيب، الناصح لنفسه، الذي يريد نجاتها غدًا: أن يتَّقي الله في أموره عامة، وفي هذه العبادة خاصة، فرضها ونفلها، التي أصبحتْ مضمارًا لبعض الناس يحرص كل الحرص على أن يسبق غيره في الخروج، وليس السابق في الحقيقة من خرج قبل الناس؛ إنما السابق من قام بما أمر به، وحصلت له مغفرة ربِّه؛ كما قال - تعالى -: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ} [الواقعة: 10 - 12].

وقال عمر بن عبدالعزيز - رحمه الله - عند الانصراف من عرفة: «ليس السابق من سبق به بعيرُه؛ إنما السابق من غُفر له».

فاتقوا الله عباد الله؛ {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [البقرة: 281]، {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور: 31].

هذا، وأسأل الله الكريم، رب العرش العظيم، أن يهدينا وإخواننا صراطه المستقيم، إنه جواد كريم، رؤوف رحيم، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.


رابط الموضوع: http://www.alukah.net/sharia/0/9263/#ixzz36kcqTnJT