بحث عن التسبيح بعد ذكر الثناء على الله

سألني أحدهم : هل التسبيح في القرآن لا يعني إلا التنزيه؟!
وهل يصح أن نقول بعد دعاء الإمام في التراويح ؛ إذا أثنى على الله : ( سبحانك ) ؟
فقلت : إنه قد شاع عند كثيرين أن التسبيح بمعنى التنزيه ، وهذا ليس بدقيق ، بل التسبيح فيه جانبان : التنزيه والتعظيم ، ويُقدِّم أحد المعنيين على الآخر بحسب السياق .
ومن أدلة كون التسبيح تعظيمًا تفسيره في مواطن بالصلاة ، والصلاة فيها جانب التعظيم للمعبود كما هو ظاهر .
ولو تأملت قول الملائكة : ( قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك) فإنك ستجد أنه لم يقع سوء يُنزَّه الله عنه كما في قوله تعالى : ( وقالوا اتخذ الله ولدا سبحانه ) والفرق بين الموضعين ظاهر .
ومن ثَمَّ ، فجانب التعظيم في هذا السياق أظهر من جانب التنزيه ، وإن كان بعض السلف قد فسَّر التقديس بالتطهير والتعظيم أيضًا ، غير أن جانب التطهير في التقديس أولى .
وانظر أيضًا إلى قوله تعالى : ( سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ) فأين جانب النقص المزعوم ليكون المراد بالتسبيح هاهنا التنزيه ، إن جانب التعظيم في هذا الموطن هو الأظهر ، والله أعلم .
وإذا كان في التسبيح معنى التعظيم = جاز قولنا ـ بعد ثناء الإمام على الله : ( سبحانك ) .
وهاأنذا أنقل لك بعض نصوص العلماء في كون التسبيح يعني التَّنْزيه والتعظيم :
1 ـ في قوله تعالى : (اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رِزَقَكْم ثمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِكُمْ هَلْ منْ شُرَكائِكْم مَن يَّفْعَلُ مِنْ ذلِكم مِّنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالى عَمَّا يُشْرِكُونَ ) قال أبو عبيدة معمر بن المثنى في كتابه مجاز القرآن : (ومجاز " سبحانه " مجاز موضع التنزيه والتعظيم والتبرؤ قال الأعشى :
أقول لمّا جاءني فخرهُ ... سُبْحاَن مِن عَلْقَمة الفاخرِ
يتبرؤ من ذلك له ) .
2 ـ وفي كتاب مسألة في ( سبحان ) لنفطوية ، قال : (ومعنى « سبحان » : التنزيه ، والتعظيم ، والتكبير ، والإبعاد ) ، ثم ذكر جملة من الآيات التي ورد فيها التسبيح بمعنى التنزيه عنده ، ثم أتبعها بما يأتي : (وكل ما كان في القرآن من قوله : فسبح بحمد ربك ، و سبح اسم ربك ، فمعناه كله : نزهه ، وعظمه من غير ما وصف الله به نفسه . وقوله في سورة الرعد : ويسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته (5) ، أي كل ينزهه ويعظمه بأسمائه ، وأسماء الله صفات له ، وصفات الله مدح . وكل من ذكر الله باسم من أسمائه فقد أطاعه ، إذا وصفه بصفته التي رضيها لنفسه ونفى سواها عنه . وكذلك قوله في الحجر : فسبح بحمد ربك ، وقوله في سورة النمل : سبحان الله عما يشركون (6) ، أي تعظيما له ، وتنزيها عن إشراكهم به . ولست ترى ذكر سبحان (7) في سائر القرآن إلا ومعها إثبات ونفي ، فالإثبات لأسمائه التي هي صفاته ، والنفي فيما سوى ذلك ، فتأمله تجده في سائر القرآن . كذلك قوله : ويجعلون لله البنات سبحانه (8) ، وقوله : سبحان الذي أسرى بعبده ، أي تنزيها له ، وتعظيما عن قول المكذبين بأنبائه على ألسنة أنبيائه ) .
3 ـ في قوله تعالى : (سبح اسم ربك الأعلى) ، قال ابن تيمية ( ت : 728) : ، قال (والأمر بتسبيحه يقتضي ـ أيضًا ـ تنزيهه عن كل عيب وسوء وإثبات صفات الكمال له، فإن التسبيح يقتضي التنزيه والتعظيم، والتعظيم يستلزم إثبات المحامد التي يحمد عليها . فيقتضي ذلك تنزيهه، وتحميده، وتكبيره، وتوحيده ) الفتاوى 16: 125 .
4 ـ في قوله تعالى : (ألم تر أن الله يسبح له من في السموات ومن في الأرض) قال ابن جزي : ( الرؤية هنا بمعنى العلم والتسبيح التنزيه والتعظيم ) .
5 ـ وفي قوله تعالى : (يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا (107) وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا) قال الطاهر بن عاشور : (وعطفت ويقولون سبحان ربنا على يخرون للإشارة إلى أنهم يجمعون بين الفعل الدال على الخضوع والقول الدال على التنزيه والتعظيم ).
والله أعلم .
د. مساعد الطيار