العلماء و الهوى
كلنا نعرف مكانة العلماء في الإسلام فهم ورثة الأنبياء وهم مصابيح الهدى وهم حراس العقيدة إذا زاغ واحد منهم واتبع هواه ضلت أمة من ورائه ، لهذا سأكتفي بالكلام عن تأثر بعض العلماء بالهوى وقد أشار القرآن إلى نموذج للعالم المتبع لهواه من خلال سرد قصة عالم من بني اسرائيل والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السببكما هو مقرر في علم الأصول
( وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آَتَيْنَاهُ آَيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) 176 / الأعراف
(... وكم من عالم دين رأيناه يعلم حقيقة دين الله ثم يزيغ عنها . ويعلن غيرها . ويستخدم علمه في التحريفات المقصودة ، والفتاوى المطلوبة لسلطان الأرض الزائل! يحاول أن يثبت بها هذا السلطان المعتدي على سلطان الله وحرماته في الأرض جميعاً!
لقد رأينا من هؤلاء من يعلم ويقول : إن التشريع حق من حقوق الله - سبحانه - من ادعاه فقد ادعى الألوهية . ومن ادعى الألوهية فقد كفر . ومن أقر له بهذا الحق وتابعه عليه فقد كفر أيضاً! . . ومع ذلك . . مع علمه بهذه الحقيقة ، التي يعلمها من الدين بالضرورة ، فإنه يدعو للطواغيت الذين يدّعون حق التشريع ، ويدّعون الألوهية بادعاء هذا الحق . . ممن حكم عليهم هو بالكفر! ويسميهم « المسلمين »! ويسمي ما يزاولونه إسلاماً لإ إسلام بعده! . . ولقد رأينا من هؤلاء من يكتب في تحريم الربا كله عاماً؛ ثم يكتب في حله كذلك عاماً آخر . . ورأينا منهم من يبارك الفجور وإشاعة الفاحشة بين الناس ، ويخلع على هذا الوحل رداء الدين وشاراته وعناوينه
فماذا يكون هذا إلا أن يكون مصداقاً لنبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين؟ وماذا يكون هذا إلا أن يكون المسخ الذي يحكيه الله سبحانه عن صاحب النبأ : { ولو شئنا لرفعناه بها ، ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه . فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث! } . . ولو شاء الله لرفعه بما آتاه من العلم بآياته . ولكنه - سبحانه - لم يشأ ، لأن ذلك الذي علم الآيات أخلد إلى الأرض واتبع هواه ، ولم يتبع الآيات . .
إنه مثل لكل من آتاه الله من علم الله؛ فلم ينتفع بهذا العلم؛ ولم يستقم على طريق الإيمان . وانسلخ من نعمة الله . ليصبح تابعاً ذليلاً للشيطان . ولينتهي إلى المسخ في مرتبة الحيوان!
ثم ما هذا اللهاث الذي لا ينقطع؟ .. )
ويقول علامة المغرب العربي الشيخ أبو بكر الجزائري حفظه الله
- [ ... ترك القرآن الكريم بعدم تلاوته والتدبر فيه ، وترك العمل به مفض بالعبد الى أن يكون هو صاحب المثل في هذه الآية ، فأولا يتمكن منه الشيطان فيصبح من الغواة وثانيا يخلد إلى الأرض كما هو حال الكثيرين فلا يكون لأحدهم هم إلا الدنيا..] أيسر التفاسير [2 /17]
ويقول علامة الخليج السعدي في خضم تفسيره للآية السالفة الذكر [ ...ويحتمل أن المراد بذلك أنه اسم جنس، وأنه شامل لكل من آتاه اللّه آياته فانسلخ منها.
وفي هذه الآيات الترغيب في العمل بالعلم، وأن ذلك رفعة من اللّه لصاحبه، وعصمة من الشيطان، والترهيب من عدم العمل به، وأنه نزول إلى أسفل سافلين، وتسليط للشيطان عليه، وفيه أن اتباع الهوى، وإخلاد العبد إلى الشهوات، يكون سببا للخذلان..] تفسير السعدي - (ج 1 / ص 308)
نسأل الله أن يهدي علمائنا ويجنبهم الهوى كي لا نضل أو نتردى فكم من عالم في المشرق والمغرب ممن مات أو مزال حيا زاغ عن الحق طمعا في دنيا زائلة فأفتوا بفتاوى إرضاء لحكام الجور وكسبا لرضا الجمهور
اعداد بلقاسمي الجزائري