تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 14 من 14

الموضوع: مسألة بحاجة إلى تحرير في كتاب الدكتور حاتم الشريف (الولاء والبراء بين الغلو والجفاء)

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Feb 2007
    المشاركات
    22

    افتراضي مسألة بحاجة إلى تحرير في كتاب الدكتور حاتم الشريف (الولاء والبراء بين الغلو والجفاء)

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    فقد قرأتُ كتاب الدكتور كاملا ، ووجدته يركّز على نقطة بحاجة إلى تحرير وتوضيح ومناقشة ، يقول الدكتور حاتم : " فقد سبق أن مناط التكفير في (الولاء والبراء) هو عَمَلُ القلب ، فحُبّ الكافر لكُفْره ، أو تمنِّي نصرة دين الكفار على دين المسلمين ، هذا هو الكفر في (الولاء والبراء) . أمّا مجرّد النصرة العمليّة للكفار على المسلمين ، فهي وحدها لا يُمكن أن يُكَفَّر بها ؛ لاحتمال أن صاحبها مازال يُحبُّ دين الإسلام ويتمنّى نصرته ، لكن ضَعْفَ إيمانه جعله يُقدِّمُ أمراً دنيويًّا ومصلحةً عاجلة على الآخرة ."
    والسؤال الذي يطرح نفسه :
    ماهي كيفية التفرقة فى النوايا بين من كانت نصرته للكفار بنية نصرة دين الكفار يكون فيه الولاء المكفـِّر ، وبين من كانت نصرته العملية للكفار لمصالح دنيوية لضعف ايمانه مع حب دين الاسلام ليس ولاؤه مكفـِّرا ..
    ألا يفتح هذا المجال للكثير من المنافقين لموالاة ونصرة الكفار على الاسلام والمسلمين تحت مسمى المصالح الدنيوية حتى لا يكفرهم الآخرون ، فكيف يمكن التمييز بين الحالتين .. خصوصا وأن العمل الذي يراه الدكتور حاتم مكفـِّرا هو في اعتقاد القلب ، فكأنه أخرج العمل .
    ثم كيف لنا أن نعرف أن مظاهرة الكفار على المسلمين كفرا مادامت المسألة عنده مرتبطة بالقلب الذي لايعلمه إلا الله جل جلاله .
    وكلام الدكتور ينطبق تماما على المعــيّن في السؤال عن حال قصده ، بينما العلماء حينما يتكلمون في التكفير فإنهم يصفون العمل بالكفر ، وأما انطباقه على الشخص بعينه يـُرجَع فيه إلى ماذكره الدكتور حاتم .
    أتمنى من الإخوة إفادتي في هذا الموضوع المهم .

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Feb 2007
    المشاركات
    214

    افتراضي رد: مسألة بحاجة إلى تحرير في كتاب الدكتور حاتم الشريف (الولاء والبراء بين الغلو والجف

    بسم الله
    مسألة خطيرة جدا جدا ،،
    ومسألة إعانة المسلم للكافر ضد المسلم أخطر من مسألة الموالاة بالقلب أو اللسان ، أو بهما معا دون الفعل وهو الأمرالذي جعله الله سببا ليكون الموالي مثل الموالى " ومن يتولهم منكم فإنه منهم ".
    28/2/1429

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Dec 2007
    المشاركات
    80

    افتراضي رد: مسألة بحاجة إلى تحرير في كتاب الدكتور حاتم الشريف (الولاء والبراء بين الغلو والجف

    السلام عليكم

    أخطأ الدكتور حاتم ......

    انظر هذا الرابط المفيد
    http://majles.alukah.net/showthread.php?t=3390

    الحد الفاصل بين موالاة وتولي الكفار

    ما الحد الفاصل بين الموالاة وتولي الكفار؟ وكيف نفرق بينهما؟
    * * *
    الجواب:
    تولي الكفار:
    هذا كفر اكبر وليس فيه تفصيل، وهو اربعة انواع:

    محبة الكفار لدينهم:
    كمن يحب الديمقراطيين من أجل الديمقراطية ويحب البرلمانيين المشرعين ويحب الحداثيين والقوميين... ونحوهم، من أجل توجهاتهم وعقائدهم؛ فهذا كافر كفر تولي، قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم}، فإن من معاني " ولي " أي ؛ المحب، قاله ابن الاثير في النهاية [5/228].

    تولي نصرة وإعانة:
    فكل من أعان الكفار على المسلمين فهو كافر مرتد، كالذي يعين النصارى أو اليهود اليوم على المسلمين، قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم}.

    تولي تحالف:
    فكل من تحالف مع الكفار وعقد معهم حلفا لمناصرتهم، ولو لم تقع النصرة فعلا، لكنه وعد بها وبالدعم وتعاقد وتحالف معهم على ذلك، قال تعالى: {ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحدا أبدا وإن قوتلتم لننصرنكم}، وهذا حلف كان بين المنافقين وبعض يهود المدينة.
    قال القاسم بن سلام في الغريب [3/142]: (إنه يقال للحليف "ولي")، وقاله ابن الأثير في النهاية [5/228] , ومثله عقد المحالفات لمحاربة الجهاد والمجاهدين، وهو ما يسمونه زورا "الإرهاب".

    تولي موافقة:
    كمن جعل الديمقراطية في الحكم مثل الكفار وبرلمانات مثلهم ومجالس تشريعية أو لجان وهيئات، مثل صنيع الكفار، فهذا تولاهم، وهذا قد بينه أئمة الدعوة النجدية أحسن بيان، بل ألف فيه الكتب فيمن وافق المشركين والكفار على كفرهم وشركهم، فقد ألف سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب كتاب "الدلائل" المسمى "حكم موالاة أهل الإشراك"، وألف حمد بن عتيق كتاب "النجاة والفكاك من موالاة المرتدين وأهل الإشراك".

    وكل هذه الأنواع الأربعة يكفر بمجرد فعلها، دون النظر إلى الإعتقاد، وليس كما يقول أهل الإرجاء.

    أما الموالاة:

    فهي قسمان:
    1) قسم يسمى التولي:
    وهو الأقسام التي ذكرنا قبل هذا، وأحيانا تسمى الموالاة الكبرى أو العظمى أو العامة أو المطلقة، وهذه كلمات مترادفة للتولي.

    2) موالاة صغرى أو مقيدة:
    وهي كل ما فيه إعزاز للكفار من إكرامهم أو تقديمهم في المجالس أو اتخاهم عمالا ونحو ذلك، فهذا معصية، ومن كبائر الذنوب، قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة}، فسمى إلقاء المودة موالاة ولم يكفرهم بها بل ناداهم باسم الإيمان.
    وهذه الآية فسرها عمر فيمن اتخذ كاتبا نصرانيا لما أنكر على أبي موسى الأشعري , ومن أراد بسط هذه المسألة فليراجع كتاب "أوثق عرى الإيمان" لسليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب في "مجموعة التوحيد"، ورسالة "الموالاة" لبعد اللطيف بن عبد الرحمن في رسائله في "مجموع الرسائل والمسائل".

    [جواب سؤال طرح على الشيخ ضمن أسئلة "منتدى السلفيون"]


    وأنصحك بالكتب التالية الموجودة على النت

    السيف البتار على من يوالي الكفار
    سبيل النجاة والفكاك من موالاة المرتدين والأتراك للشيخ حمد بن علي بن عتيق
    أوثق عرى الإيمان للشيخ سليمان بن عبد الله آل الشيخ
    الولاء والبراء في الإسلام للشيخ محمد بن سعيد القحطاني
    الدلائل في حكم موالاة أهل الإشراك للشيخ سليمان بن عبد الله آل الشيخ


    والسلام عليكم

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Aug 2007
    المشاركات
    178

    افتراضي رد: مسألة بحاجة إلى تحرير في كتاب الدكتور حاتم الشريف (الولاء والبراء بين الغلو والجف

    بارك الله فيك اخي أبو موسى ، ونفع بك.

  5. #5

    افتراضي رد: مسألة بحاجة إلى تحرير في كتاب الدكتور حاتم الشريف (الولاء والبراء بين الغلو والجف

    بسم الله و الحمد لله و الصلاة و السلام على رسوله و مصطفاه محمد بن عبد الله و آله و صحبه و من والاه، و بعد...
    الأخ السفير:
    الشيخ حاتم لم يتكلم عن حكم الدنيا أو قل " هذا ليس بلازم من كلامه" إنما يتكلم عن الكفر بغض النظر أننا استطعنا تعيينه فى الدنيا أم لا. لكنه يتكلم عن الكفر من حيث هو كفر لا من حيث استطاعة استبانة الشرط المذكور أم لا.

    الأخ أبا موسى :
    عندى إشكال فى النقل الذى نقلته:
    قصة حاطب بن أبى بلتعة.

    المسألة تحتاج إلى نقل أقوال السلف يا إخوان.

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Dec 2007
    المشاركات
    80

    افتراضي رد: مسألة بحاجة إلى تحرير في كتاب الدكتور حاتم الشريف (الولاء والبراء بين الغلو والجف

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    بالنسبة لقضة حاطب بن أبن بلتعة فهنا بحثان في الموضوع

    البحث الأول

    الأخ والشيخ علوي السقاف - حفظه الله -
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    لقد كثر الكلام والنقاش بين بعض الرواد في أنا المسلم عن قصة حاطب بن أبي بلتعة عندما أرسل برسالة إلى كفار قريش مع المرأة التي حملت الرسالة فلحق بها بعض الصحابة بأمر من الرسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك عن طريق الوحي وقد اختلف المناقشون في الحكم على حاطب هل يعد فعله الذي قام به من النفاق الأكبر أم من النفاق الأصغر؟
    ونرغب منكم حفظكم أن تبينوا لنا بما يفتح الله عليكم في هذه المسألة بياناً شافياً وافياً.
    وجزاكم الله خيرا
    محبكم في الله: عبد الله زقيل صفر 1422هـ



    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
    اعلم أخي الكريم -وفقني الله وإياك- أنَّ هذه المسألة –أعني هل فعل حاطب رضي الله عنه يُعدُّ كفراً أم لا؟- من مسائل الاجتهاد التي يسوغ فيها الخلاف، وأصل منشأ الخلاف هو: هل الموالاة بجميع صورها تُعدُّ كفراً أم أنَّ منها ما هو كفر ومنها ما دون ذلك؟ وهل هناك فرقٌ بين الموالاة والتولي؟ وهل قوله تعالى {ومن يتولهم منكم فإنه منهم} أي كافر مثلهم، أم هو كقوله صلى الله عليه وسلم ((من تشبه بقوم فهو منهم)) ومعلوم أن ليس كلُّ تشبهٍ بالكفار يعد كفراً، فإذا علمت ذلك تبين لك خطأ من يجعل هذه المسألة من مسائل العقيدة ويبدع من لم يقل بقوله، فإما جعله مرجئاً أو خارجياً، وهذا مما ابتليت به الأمة في الآونة الأخيرة.
    أما مسألة الموالاة والمعاداة ومظاهرة الكافرين على المسلمين فهي من مسائل العقيدة بل أصلٌ من أصول التوحيد، وأما تكفير حاطب -رضي الله عنه- فلم يقل به أحدٌ من أهل السنة فهو صحابي بدري قد وجبت له الجنة، وإليك البيان بشيء من الإيجاز والاختصار:
    الموالاة: أصلها الحب كما أن المعاداة أصلها البغض، وتكون بالقلب والقول والفعل، ومن الموالاة النصرة والتأييد، فمن جعل الموالاة نوعاً واحداً مرادفاً لمظاهرة الكافرين عدَّ فعل حاطب -رضي الله عنه- كفراً، ومن جعلها صوراً مختلفة وأدخل فيها: مداهنتهم ومداراتهم، واستعمالهم، والبشاشة لهم ومصاحبتهم ومعاشرتهم وغيرها من الصور؛ جعلها نوعين موالاة مطلقة عامة أو (كبرى) وموالاة خاصة دون موالاة. ومن هؤلاء من عدَّ فعل حاطب -رضي الله عنه- من النوع الأول ومنهم من عَدَّه من النوع الثاني، وأكثر العلماء على أن الموالاة نوعان: مُكفِّرة وغير مُكفِّرة، وسواء قلنا هما نوعان أو نوع واحد فالذي يهمنا هنا هو هل فعل حاطب -رضي الله عنه- من النوع المُكفِّر أم لا؟ -وسيأتي-، كما أنَّ منهم من فرَّق بين الموالاة والتولي وجعل التولي موالاة مطلقة ومنهم عددٌ من علماء الدعوة النجدية -رحمهم الله-، وهناك من لم يفرق بينهما كالشيخ عبدالرحمن السعدي في تفسيره وهذا أقرب والله أعلم، وعلى كلٍ فهذه مصطلحات لا مشاحة فيها، لأن الذين فرَّقوا بينهما يعنون بالتولي الموالاة المطلقة وأنها كفر ولا يقولون بتولي غير مُكفِّر بل يقولون أن هناك موالاة غير مُكفِّرة فآل الأمر إلى وجود موالاة مُكفِّرة يسميها البعض تولي وأخرى غير مُكفِّرة وهذا كله على قول من يقسم الموالاة إلى قسمين.
    وعمدة من يقول أن الموالاة نوع واحد وأنها كفر، قوله تعالى: { ومن يتولهم منكم فإنه منهم} وقوله تعالى: {ومن يتولهم منكم فأؤلئك هم الظالمون} قالوا لم ترد الموالاة في القرآن إلا بوصف الكفر، قال ابن جرير: ((ومن يتولى اليهود والنصارى دون المؤمنين فإنه منهم، يقول: فإن من تولاهم ونصرهم على المؤمنين فهو من أهل دينهم وملتهم، فإنه لا يتولى متولٍ أحداً إلا هو به وبدينه))
    وقال ابن حزم في ((المحلى)) (11/138): ((وصح أنَّ قول الله تعالى: {ومن يتولهم منكم فإنه منهم} إنما هو على ظاهره بأنه كافر من جملة الكفار فقط، وهذا حقٌ لا يختلف فيه اثنان من المسلمين))
    وقال الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله في ((مجموع الفتاوى)) (1/274): ((وقد أجمع علماء الإسلام على أنَّ من ظاهر الكفار على المسلمين وساعدهم بأي نوع من المساعدة فهو كافر مثلهم)) ثم استشهد بالآيتين السابقتين.
    هذه مقدمة لابد منها قبل الإجابة على سؤالكم: هل فعل حاطبٍ -رضي الله عنه- كان كفراً أم لا؟
    واعلم أن قصة حاطب -رضي الله عنه- رواها البخاري في الصحيح(3007،4272،4890 6259) ومسلم في الصحيح(4550) وأبو داود في السنن(3279) والترمذي في الجامع (3305) وأحمد في المسند (3/350) وأبو يعلىفي المسند (4/182) وابن حبان في صحيحه(11/121) والبزار في مسنده(1/308) والحاكم في المستدرك(4/87) والضياء في الأحاديث المختارة(1/286) وغيرهم، وقد جمعت لك ما صحَّ من رواياتهم في سياق واحد –وأصلها من صحيح البخاري- ليسهل تصور القصة واستنباط الأحكام منها، والذي يهمنا منها ألفاظ حاطب وعمر رضي الله عنهما أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم،
    [فعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا مَرْثَدٍ الْغَنَوِيَّ وَالزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ وَكُلُّنَا فَارِسٌ قَالَ انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ فَإِنَّ بِهَا امْرَأَةً مِنْ الْمُشْرِكِينَ مَعَهَا كِتَابٌ مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ فَأَدْرَكْنَاهَ ا تَسِيرُ عَلَى بَعِيرٍ لَهَا حَيْثُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْنَا الْكِتَابُ فَقَالَتْ مَا مَعَنَا كِتَابٌ فَأَنَخْنَاهَا فَالْتَمَسْنَا فَلَمْ نَرَ كِتَابًا فَقُلْنَا مَا كَذَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ أَوْ لَنُجَرِّدَنَّك ِ فَلَمَّا رَأَتْ الْجِدَّ أَهْوَتْ إِلَى حُجْزَتِهَا وَهِيَ مُحْتَجِزَةٌ بِكِسَاءٍ فَأَخْرَجَتْهُ فَانْطَلَقْنَا بِهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
    فَقَالَ عُمَرُ: ((يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِين َ)) ((دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ)) ((فَإِنَّهُ قَدْ كَفَرَ))
    فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْت.
    َ قَالَ حَاطِبٌ: ((وَاللَّهِ مَا بِي أَنْ لا أَكُونَ مُؤْمِنًا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)) ((وَلَمْ أَفْعَلْهُ ارْتِدَادًا عَنْ دِينِي وَلا رِضًا بِالْكُفْرِ بَعْدَ الإِسْلام)) ((وَمَا فَعَلْتُ ذَلِكَ كُفْرًا)) ((وَمَا غَيَّرْتُ وَلا بَدَّلْتُ))ِ ((مَا كَانَ بِي مِنْ كُفْرٍ وَلا ارْتِدَادٍ)) ((أَمَا إِنِّي لَمْ أَفْعَلْهُ غِشًّا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلا نِفَاقًا قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ اللَّهَ مُظْهِرٌ رَسُولَهُ وَمُتِمٌّ لَهُ أَمْرَهُ)) ((فقلت أكتب كتاباً لا يضر الله ولا رسوله)) أَرَدْتُ أَنْ يَكُونَ لِي عِنْدَ الْقَوْمِ يَدٌ يَدْفَعُ اللَّهُ بِهَا عَنْ أَهْلِي وَمَالِي وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِكَ إِلاَّ لَهُ هُنَاكَ مِنْ عَشِيرَتِهِ مَنْ يَدْفَعُ اللَّهُ بِهِ عَنْ أَهْلِهِ وَمَالِه.
    ِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صَدَقَ وَلا تَقُولُوا لَهُ إِلاَّ خَيْرًا.
    فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّهُ قَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِين َ فَدَعْنِي فَلأَضْرِبَ عُنُقَهُ.
    فَقَالَ: أَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ، فَقَال:َ لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ إِلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ وَجَبَتْ لَكُمْ الْجَنَّةُ أَوْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ فَدَمَعَتْ عَيْنَا عُمَرَ وَقَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.]
    فأنت ترى أنَّ حاطباً -رضي الله عنه- شعر بخطئه في إفشاء سر رسول الله صلى الله عليه وسلم وموالاته لكفار قريش، وظهر له أنَّ هذا كفرٌ وردة لكنه يعلم من نفسه أنه لم يفعله ارتداداً عن دين الله فقال: ((ولم أفعله إرتداداً عن ديني ولا رضاً بالكفر بعد الإسلام، وما غيرت ولا بدلت -أي ديني- أما إني لم أفعله غشاً يا رسول الله ولا نفاقاً)) إذن هذا العمل بمجرده يُعَدُّ كفراً وارتداداً وغشاً ونفاقاً، وكأنه -رضي الله عنه- ذُهل عن هذا الأمر أثناء الوقوع في المعصية بعذر قدَّمه لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قوله: ((أَرَدْتُ أَنْ يَكُونَ لِي عِنْدَ الْقَوْمِ يَدٌ يَدْفَعُ اللَّهُ بِهَا عَنْ أَهْلِي وَمَالِي)) فإمَّا أن يقال كان جاهلاً وما تبين له هذا إلا بعد أن استجوبه رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو يقال كان -رضي الله عنه- متأولاً وهذا أصوب بدليل أنه قال كما صحت به رواية أحمد وأبو يعلى وابن حبان: ((أَمَا إِنِّي لَمْ أَفْعَلْهُ غِشًّا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلا نِفَاقًا قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ اللَّهَ مُظْهِرٌ رَسُولَهُ وَمُتِمٌّ لَهُ أَمْرَهُ)) فهو يعلم أن المولاة كُفر لكنه لا يَعِدُّ ما فعله موالاة -تأولاً- لثقته أن الله ناصرٌ رسوله صلى الله عليه وسلم، وكما صحت به رواية البزار والحاكم والضياء من قوله: ((كان أهلي فيهم فخشيت أن يغيروا عليهم فقلت أكتب كتاباً لا يضر الله ولا رسوله)) فهو لثقته الكبيرة بربه ونصره لرسوله صلى الله عليه وسلم وأن كتابه سيفرحُ به كفار قريش ويحموا له أهله لكن لن يضر الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم، لذلك قال الحافظ في الفتح (8/634): ((وَأَطْلَقَ عَلَيْهِ مُنَافِقًا لِكَوْنِهِ أَبْطَنَ خِلاف مَا أَظْهَرَ , وَعُذْر حَاطِب مَا ذَكَرَهُ , فَإِنَّهُ صَنَعَ ذَلِكَ مُتَأَوِّلاً أَنْ لا ضَرَر فِيهِ))، ويؤكد ذلك لفظ الخِطاب –إن صح- فقد قال الحافظ في الفتح (4274): ((وَذَكَرَ بَعْض أَهْل الْمَغَازِي وَهُوَ فِي (تَفْسِير يَحْيَى بْن سَلام) أَنَّ لَفْظ الْكِتَاب: ((أَمَّا بَعْد يَا مَعْشَر قُرَيْش فَإِنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَكُمْ بِجَيْشٍ كَاللَّيْلِ , يَسِير كَالسَّيْلِ , فَوَاَللَّهِ لَوْ جَاءَكُمْ وَحْدَهُ لَنَصَرَهُ اللَّه وَأَنْجَزَ لَهُ وَعْده. فَانْظُرُوا لأَنْفُسِكُمْ وَالسَّلام)) كَذَا حَكَاهُ السُّهَيْلِيُّ)) وفيه كما ترى تخذيل وتخويف لقريش، كلُّ ذلك جعل حاطباً -رضي الله عنه- يتأول أن ليس في هذا موالاة لكفار قريش وكيف يواليهم وهوالصحابي البدري؟! والواقع أن قصة حاطب وقصة قدامة ابن مظعون -رضي الله عنهما- الذي استباح شرب الخمر متأولاً أنه لاجناح على الذين آمنوا أن يطعموها من أقوى ما يمكن أن يستشهد به على أنَّ التأويلَ مانعٌ من موانع التكفير.
    أمَّا عمر -رضي الله عنه- فقد كفَّر حاطباً أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل له رسول الله صلى الله عليه وسلم إنَّ حاطباً لم يفعل الكفر، بل بيَّن له أنَّ حاطباً كان صادقاً ولم يكفر، ومعلوم لديك أنَّ ثَمَّتَ فرقٌ بين الحكم على الفعل بالكفر وتكفير المعين الذي صدر منه الكفر، وهذا مبسوط في كتب العقائد والتوحيد، وقد وصف عمر حاطباً -رضي الله عنهما- بأوصاف ثلاثة يكفي الواحدُ منها للقول بأنه كفَّره، فوصفه بأنه: منافق، كفر، خان الله ورسوله؛ وعمر -رضي الله عنه- وإن كان قد أخطأ في تكفير حاطب -رضي الله عنه- إلا أنَّ خطأه مغفورٌ له لأنه ناتج عن غيرة لله ورسوله وهذا معروف عن عمر -رضي الله عنه- ولأنه حكم بالظاهر وهذا هو الواجب على المسلم، ولم يكلفنا الله بالبواطن. قال ابن حزم في ((الفصل)) (3/143): ((وقد قال عمر رضي الله عنه - بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم - عن حاطب: دعني أضرب عنق هذا المنافق. فما كان عمر بتكفيره حاطباً كافراً بل كان مخطئاً متأولاً)) وقال شيخ الإسلام ابن تيمية (3/282): ((إذا كان المسلم متأولاً في القتال أو التكفير لم يكفر بذلك)) ثم استشهد بتكفير عمر لحاطب -رضي الله عنهما-.
    أمَّا تصديق النبي صلى الله عليه وسلم لحاطب فليس فيه دلالة على أنَّه لم يفعل الكفر بل فيه أنَّه لم يكفر ولم يرتد لأن عمر -رضي الله عنه- قال عنه أنه كفر ونافق وخان الله ورسوله وحاطب يقول لم أكفر ولم أرتد وما غيرت وما بدلت –أي ديني- فصدقه النبي صلى الله عليه وسلم في أنه لم يكفر ولم يرتد، أمَّا قتله وعقوبته فقد شفع له فيها شهوده بدراً.
    إذا علمت ذلك، فاعلم أنَّ هناك من العلماء من عَدَّ ما بدر من حاطب -رضي الله عنه- من الموالاة الخاصة غير المكفِّرة، ومن هؤلاء: شيخ الإسلام ابن تيمية حيث قال في مجموع الفتاوى (7/523): ((وقد تحصل للرجل موادتهم لرحم أو حاجة فتكون ذنباً ينقص به إيمانه ولا يكون به كافراً، كما حصل من حاطب بن أبي بلتعة لما كاتب المشركين ببعض أخبار النبي صلى الله عليه وسلم وأنزل الله فيه { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة})) والشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ كما في ((عيون الرسائل والأجوبة على المسائل)) (1/179).
    لكن ليُعلم أنَّ هذا النوع من الموالاة شيء ومظاهرة المشركين على الكافرين ونصرتهم وتأيدهم والقتال معهم شيء آخر، فكما سبق في أول الحديث أنَّ هذا (الثاني) كفر وردة والعياذ بالله ويكون بالقول والفعل كما يكون بالاعتقاد، قال الشيخ الإمام محمد بن عبدالوهاب في نواقض الإسلام: ((الثامن: مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين، والدليل قوله تعالى: {ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين} المائدة:51)) وقال الشيخ حمد بن عتيق في ((الدفاع عن أهل السنة والاتِّباع))(ص32): ((وقد تقدم أنَّ مظاهرة المشركين ودلالتهم على عورات المسلمين أو الذب عنهم بلسان ٍ أو رضى بما هم عليه، كل هذه مُكفِّرات ممن صدرت منه من غير الإكراه المذكور فهو مرتد، وإن كان مع ذلك يُبْغض الكفار ويحب المسلمين)، وقال الشيخ عبدالعزيز بن باز -رحمه الله- في ((مجموع الفتاوى)) (1/274): ((وقد أجمع علماء الإسلام على أنَّ من ظاهر الكفار على المسلمين وساعدهم بأي نوع من المساعدة فهو كافر مثلهم))

    والخلاصة:
    أنْ نقول إنَّ حاطباً -رضي الله عنه- حصل منه نوع موالاةٍ للكفار، فمن قال أنَّ الموالاة كلها كفر قال إنه وقع في الكفر ولم يكفُر لأنه كان متأولاً، ومن قال أنَّ هناك موالاة مُكفِّرة وموالاة غير مُكفِّرة عدَّ ما بدر منه -رضي الله عنه- من النوع غير المُكفِّر، وليعلم أنه لم يقل أحدٌ من أهل السنة أنَّ حاطباً -رضي الله عنه- كَفَر، أو أنَّ ما صدر منه ليس موالاةً أو ذنباً، أو أنَّ مظاهرة الكافرين على المسلمين ليست كفراً، فكلُّ ذلك متفقون عليه فلا ينبغي أنَّ يحدث نوع خلافٍ وشرٍ فيما كان من مسائل الاجتهاد طالما أنَّ الجميع متفقون على مسائل الاعتقاد، ولذلك لَمَّا سئل الشيخ سليمان بن عبدالله آل الشيخ عن مسألة سبَبت خلافاً بين أهل السنة في زمانه عن الموالاة والمعاداة هل هي من معنى لا إله إلا الله، أو من لوازمها؟ أجاب: ((الجواب أنَّ يقال: الله أعلم، لكن بحسب المسلم أنْ يعلم أنَّ الله افترض عليه عداوة المشركين، وعدم موالاتهم، وأوجب عليه محبة المؤمنين وموالاتهم، 000و أمَّا كون ذلك من معنى لا إله إلا الله أو لوازمها، فلم يكلفنا الله بالبحث عن ذلك، وإنما كلفنا بمعرفة أنَّ الله فرض ذلك وأوجبه، وأوجب العمل به، فهذا هو الفرض والحتم الذي لا شك فيه، فمن عرف أنَّ ذلك من معناها، أو من لازمها، فهو خير، ومن لم يعرفه، فلم يُكلف بمعرفته، لاسيما إذا كان الجدل والمنازعة فيه مما يفضي إلى شرٍ واختلافٍ، ووقوع فرقة بين المؤمنين الذين قاموا بواجبات الإيمان، وجاهدوا في الله وعادوا المشركين ووالوا المسلمين، فالسكوت عن ذلك متعين)) انتهى كلامه. انظر: ((مجموعة التوحيد)) (ص69)

    والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Dec 2007
    المشاركات
    80

    افتراضي رد: مسألة بحاجة إلى تحرير في كتاب الدكتور حاتم الشريف (الولاء والبراء بين الغلو والجف

    وهنا البحث الثاني وهو مفيد كتبه بعض طلبة العلم
    بِسمِ الله الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ
    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره نحمده بأوصافه الجميلة وفضائله الجليلة ونستعينه فنطلب منه العون على أمور ديننا ودنيانا ونستغفره نطلب منه المغفرة لذنوبنا وآثامنا فإنا مقرون بالإساءة على أنفسنا ولكننا نرجو الله عفوه ومغفرته إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن ضلل فلا هادي له اللهم أهدنا فيمن هديت لا هادي لنا إلا أنت وأشهد الا اله إلا الله وحده لا شريك له لا معبود حق سوى الله فكل ما يعبد من دون الله من نبي أو ملك أو شجر أو حجر أو شمس أو قمر فانه باطل ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل وأن الله هو العلي الكبير وأشهد أن محمدا عبده ورسوله عبد لا يعبد
    ورسول لا يكذب فهو بشر كسائر البشر ميزه الله تعالى بخصائص النبوة وليس له حق في الألوهية ولا حق في الربوبية (قل لا أقول لكم عندي خزائن الغيب ولا أقول لكم إني ملك إن أتبع الا ما يوحى إلى) يعني فانا عبد مأمور ممتثل لما أمرت به صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليما كثيرا...
    هذا البحث جهد بشري يعتريه ما يعتري أعمال البشر كافة من القصور أو التقصير، وهو معروض على القراء الكرام للإفادة مما فيها من خير،
    وللنصيحة لصاحبه فيما يمثل قصورا أو تقصيرا، وكاتبه يعلن أن كل ما جاء فيها مما لا يمثل منهج أهل السنة والجماعة ، أو يثبت في خلافه دليل شرعي صحيح سالم عن المعارض فهو راجع عنه في حياته وبعد مماته،
    والقول ما قال الله ورسوله، والمنهج الصحيح الواجب الإتباع هو منهج القرون الفاضلة المشهود لها بالخيرية على لسان المعصوم صلى الله عليه وسلم،
    وكل منهج سواه فهو رد على صاحبه كائنا من كان، فما من أحد من الناس إلا ويعزب عنه حديث، أو يذهل عن قاعدة أو عن تطبيقها في مناط من المناطات، ولهذا كان كل الناس يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم!
    والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل.
    بسم الله الرحمن الرحيم
    ـــــــــ
    أولاً :- من هو حاطب ابن أبي بلتعة . ثانياً :- وماذا فعـل.
    ثالثاً :- ماذا قيل عنه ( التهمة ) رابعاً :- الدفاع
    أولاً :- هو حاطب بن أبي بلتعة اللخمي من ولد لخم بن عدي في قول بعضهم يكنى أبا عبد الله وقيل يكنى أبا محمد واسم أبي بلتعة عمرو بن عمير بن سلمة بن عمرو وقيل حاطب بن عمرو بن راشد بن معاذ اللخمي حليف قريش ويقال إنه من مذحج وقيل هو حليف الزبير بن العوام وقيل كان عبد العزى بن قصي فكاتبه فأدى كتابته يوم الفتح وهو من أهل اليمن والأكثر أنه حليف لبني أسد بن عبد العزى شهد بدرا والحديبية ومات سنة ثلاثين بالمدينة وهو ابن خمس وستين سنة وصلى عليه عثمان
    وقد شهد الله لحاطب بن أبي بلتعة بالإيمان في قوله : "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ)(الم متحنة: من الآية1
    وروى يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال جاء غلام لحاطب بن أبي بلتعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : لا يدخل حاطب الجنة وكان شديدا على الرقيق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يدخل النار أحد شهد بدرا والحديبية " .
    ثانياً :- وماذا فعـل حاطب 
     اعلم أن قصة حاطب -  -
    رواها البخاري ومسلم وأبو داود في السنن(3279) والترمذي في الجامع (3305) وأحمد في المسند (3/350) وأبو يعلى في المسند (4/182) وابن حبان في صحيحه(11/121) والبزار في مسنده(1/308) والحاكم في المستدرك(4/87) والضياء في الأحاديث المختارة(1/286) وغيرهم .
    وقد جمعت لك ما صحَّ من رواياتهم في سياق واحد –وأصلها من صحيح البخاري ليسهل تصور القصة واستنباط الأحكام منها، والذي يهمنا منها ألفاظ حاطب وعمر  عنهما أمام رسول الله  .
    فعَنْ عَلِيٍّ قَالَ بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ وَأَبَا مَرْثَدٍ الْغَنَوِيَّ وَالزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ وَكُلُّنَا فَارِسٌ قَالَ انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ فَإِنَّ بِهَا امْرَأَةً مِنْ الْمُشْرِكِينَ مَعَهَا كِتَابٌ مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ فَأَدْرَكْنَاهَ ا تَسِيرُ عَلَى بَعِيرٍ لَهَا حَيْثُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ فَقُلْنَا الْكِتَابُ فَقَالَتْ مَا مَعَنَا كِتَابٌ فَأَنَخْنَاهَا فَالْتَمَسْنَا فَلَمْ نَرَ كِتَابًا فَقُلْنَا مَا كَذَبَ رَسُولُ اللَّهِ  لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ أَوْ لَنُجَرِّدَنَّك ِ فَلَمَّا رَأَتْ الْجِدَّ أَهْوَتْ إِلَى حُجْزَتِهَا وَهِيَ مُحْتَجِزَةٌ بِكِسَاءٍ فَأَخْرَجَتْهُ فَانْطَلَقْنَا بِهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ .
    فَقَالَ عُمَرُ:- (يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِين َ) (دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ) (فَإِنَّهُ قَدْ كَفَرَ) فَقَالَ النَّبِيُّ  :- مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْت. قَالَ حَاطِبٌ:- ((وَاللَّهِ مَا بِي أَنْ لا أَكُونَ مُؤْمِنًا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ))- ((وَلَمْ أَفْعَلْهُ ارْتِدَادًا عَنْ دِينِي وَلا رِضًا بِالْكُفْرِ بَعْدَ الإِسْلام)) - ((وَمَا فَعَلْتُ ذَلِكَ كُفْرًا)) - ((وَمَا غَيَّرْتُ وَلا بَدَّلْتُ)) - ((مَا كَانَ بِي مِنْ كُفْرٍ وَلا ارْتِدَادٍ)) - ((أَمَا إِنِّي لَمْ أَفْعَلْهُ غِشًّا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلا نِفَاقًا قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ اللَّهَ مُظْهِرٌ رَسُولَهُ وَمُتِمٌّ لَهُ أَمْرَهُ)) - ((فقلت أكتب كتاباً لا يضر الله ولا رسوله)) أَرَدْتُ أَنْ يَكُونَ لِي عِنْدَ الْقَوْمِ يَدٌ يَدْفَعُ اللَّهُ بِهَا عَنْ أَهْلِي وَمَالِي وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِكَ إِلاَّ لَهُ هُنَاكَ مِنْ عَشِيرَتِهِ مَنْ يَدْفَعُ اللَّهُ بِهِ عَنْ أَهْلِهِ وَمَالِه. فَقَالَ النَّبِيُّ  :- صَدَقَ وَلا تَقُولُوا لَهُ إِلاَّ خَيْرًا فَقَالَ عُمَرُ:- إِنَّهُ قَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِين َ فَدَعْنِي فَلأَضْرِبَ عُنُقَهُ. فَقَالَ:- أَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ، فَقَال:َ لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ إِلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ وَجَبَتْ لَكُمْ الْجَنَّةُ أَوْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ فَدَمَعَتْ عَيْنَا عُمَرَ وَقَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.]
    وقد ذكر الحافظ ابن حجر في فتح الباري (7/521) ويؤكد ذلك لفظ الخِطاب –إن صح- فقد قال الحافظ في الفتح (4274): ((وَذَكَرَ بَعْض أَهْل الْمَغَازِي وَهُوَ فِي (تَفْسِير يَحْيَى بْن سَلام) أَنَّ لَفْظ الْكِتَاب: ((أَمَّا بَعْد يَا مَعْشَر قُرَيْش فَإِنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَكُمْ بِجَيْشٍ كَاللَّيْلِ , يَسِير كَالسَّيْلِ , فَوَ اَللَّهِ لَوْ جَاءَكُمْ وَحْدَهُ لَنَصَرَهُ اللَّه وَأَنْجَزَ لَهُ وَعْده. فَانْظُرُوا لأَنْفُسِكُمْ وَالسَّلام)) كَذَا حَكَاهُ السُّهَيْلِيُّ))
    ثالثاً :- ماذا قيل عنه- ( التهمة )
    قال البعض :- ( )
    قالوا أن رسالة حاطب رضي الله عنه لكفار مكة مناصرة للكفار على المسلمين وأن مظاهرة الكفار وإعانتهم كفر وردة عن الإسلام وأن فعل حاطب كفر ولكنه عذر بتأويله ولذلك لم يكفره رسول الله e .
    قلنا مجرد فعل( إرسال رسالة ) ليس بكفر بل الكفر حسب ( مضمون الرسالة ) .( )
    " فأين تحديداً مناط الكفر في الروايات أو في فعل حاطب رضي الله عنه ؟.
    قالوا :- هناك ثلاثة مناطات في الروايات تدل علي ما قلنا . 
    المناط الأول :- أن قول عمر رضي الله عنه في هذا الحديث : دعني أضرب هذا المنافق ،
    وفي رواية :- فقد كفر ، وفي رواية : بعد أن قال الرسول e : أوليس قد شهد بدراً ؟.
    قال عمر :- بلى ولكنه نكث وظاهر أعداءك عليك .
    قالوا : فهذا يدل على أن المتقرر عند عمر والصحابة أن مظاهرة الكفار وإعانتهم كفر وردة عن الإسلام ، ولم يقل هذا الكلام إلا لما رأى أمراً ظاهره الكفر.
    المناط الثاني :- إقرار الرسول e لما فهمه عمر ، ولم ينكر عليه تكفيره إياه ، وإنما ذكر عذر حاطب .
    المناط الثالث :- أن حاطباً رضي الله عنه قال : وما فعلت ذلك كفراً ولا ارتداداً عن ديني ولا رضاً بالكفر بعد الإسلام .وهذا يدل على أنه قد تقرّر لديه أيضاً أن مظاهرة الكفار (كفر وردة ورضا بالكفر) ، وإنما ذكر حقيقة فعله .
     رابعاً :- الدفاع :-
    مناقشة قولهم في المناط الأول :- ( فهذا يدل على أن المتقرر عند عمر والصحابة أن مظاهرة الكفار وإعانتهم كفر وردة عن الإسلام )
    الجواب :- نعم إن المتقرر عند عمر والصحابة وعلماء المسلمين إلي يومنا هذا أن مظاهرة الكفار وإعانتهم كفر وردة عن الإسلام . لأنه من المتقرر شرعاً أن هذه الصورة من الموالاة الكفريه .
    يقول شيخ المفسرين الطبري في تفسير قولة تعالي (لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ)( آل عمران : 28) لَا تَتَّخِذُوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْكُفَّار ظَهْرًا وَأَنْصَارًا , تُوَالُونَهُمْ عَلَى دِينهمْ , وَتُظَاهِرُونَه ُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ دُون الْمُؤْمِنِينَ , وَتَدُلُّونَهُم ْ عَلَى عَوْرَاتهمْ , فَإِنَّهُ مَنْ يَفْعَل ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنْ اللَّه فِي شَيْء ; يَعْنِي بِذَلِكَ , فَقَدْ بَرِئَ مِنْ اللَّه , وَبَرِئَ اللَّه مِنْهُ بِارْتِدَادِهِ عَنْ دِينِهِ , وَدُخُوله فِي الْكُفْر . انتهي
    ولكن فعل حاطب ليس فيه مظاهرة الكفار وإعانتهم وإنما فيه :-
    الوجه الأول : أن حاطباً لم يكن محباً لقريش، بل كان خائفاً منها، محاولا اتقاء شرها وبطشتها بذوي قرابته المقيمين في مكة، بل الأرجح أنه كان يبغض قريش كما يبغض الشياطين. فـ«المودة» ها هنا لا علاقة لها بالمحبة أو الميل القلبي ، وإنما هي ضرورة بمعنى التقرب والمصانعة، والتظاهر بالمحبة والصداقة، وإظهار الحرص على مصلحة الطرف المتقرب منه. ولعل النكتة البلاغية من استخدام لفظة «المودة» هو المبالغة في التوبيخ والتشنيع على فعل حاطب لأنه في ظاهره كأنه محبة قلبية، وهو يريد قريش أن تفهمه هذا الفهم، وهو ليس كذلك في حقيقة الأمر، فلم إذاً فعلته، وأنت لست لهم محباً بقلبك؟!
    الوجه الثاني : أن حاطباً رضي الله عنه إنما أعان الرسول e على أعدائه ، وناصره بنفسه وماله ، ولسانه ، و رأيه ، في جميع غزواته ، وشهد معه بدراً ، والحديبية ، وأهلها في الجنة قطعاً ، وأعان الرسول e في هذه الغزوة أيضاً ؛
    فقد خرج فيها غازياً مع المسلمين بنفسه وماله لحرب المشركين ، ولم تقع منه مناصرة للكفار على المسلمين مطلقاً ؛ لا بنفس ، ولا مال ، ولا لسان ، ولا رأي ، وله من السوابق ما عرفه كل مطلع .
    ومع هذا كله :فإنه لما كاتب المشركين يخبرهم بخروج النبي e - ولم يكن ذلك منه مظاهرة لهم ولا مناصرة ؛ لأنه سيقاتلهم بنفسه مع النبي e وقد تيقن من الانتصار. فقد اتهمه عمر بالنفاق ، وسأله الرسول e عن ذلك ، ونفى هو عن نفسه الكفر والردة
     الوجه الثالث : أن رسالة حاطب رضي الله عنه لكفار مكة ليست من المظاهرة والإعانة لهم على المسلمين في شيء ، فقد روى بعض أهل المغازي كما في (الفتح 7/520) أن لفظ الكتاب : أما بعد ، يا معشر قريش ، فإن رسول الله e جاءكم بجيش كالليل ، يسير كالسيل ، فو الله لو جاءكم وحده لنصره الله وأنجز له وعده ، فانظروا لأنفسكم والسلام)
    وفيه كما ترى تخذيل وتخويف لكفار قريش، وكيف يواليهم وهو الصحابي البدري؟!
    وليس في هذا ما يفهم منه أنه مظاهرة ومناصرة لهم ، بل هو قد عصى الرسول e بكتابته لهم ، وهي معصية كبيرة كفرتها عنه سوابقه
    ومع هذا فهو – الفعل - بريد للكفر وطريق إليه مع عدم وجود صورة المناصرة للكفار لما سبق في الوجه الأول ، فلا يستدل بهذه الصورة على مسألتنا هذه ، ولا تقدح في هذا الأصل ولهذا فإن مناط الإنكار والتشنيع كان على سلوكه الظاهر الذي اعتبر مظنة ميل القلب ومحبته للكفار .
     الوجه الرابع :- أن حاطباً  إنما فعل ذلك متأولاً أن كتابه لن يضر المسلمين ، وأن الله ناصر دينه ونبيه حتى وإن علم المشركون بمخرجه إليهم ، وقد جاء في بعض ألفاظ الحديث أن حاطباً قال معتذراً (قد علمت أن الله مظهر رسوله ومتم له أمره) . ففرق كبير بين ما فعله وهو موقن بأن الكفار لن ينتفعوا من كتابه في حربهم مع الرسول e ، وبين من ظاهرهم وأعانهم بما ينفعهم في حربهم على الإسلام وأهله !! .
    فهو حين أفشى ذلك السر كان يعلم أنه لن يضر به رسول الله eوالمسلمين، لأنه مؤمن بنصر الله لرسوله كما قال ، وقد صدقه رسول الله eوصدق سريرته التي أيدها بقوله وبما كان من فحوى الرسالة فقال رسول الله e (صدقكم) فعلم انه لم يكن بعمله ذلك ناصراً للمشركين مظاهراً لهم على المسلمين ، فقد استقر في يقينه أن الرسول منصور لا محالة من ربه وأن عمله ذاك لن يضره ولن ينصر المشركين
    ومعلوم أن حاطبا لم يوادد أعداء الله وإنما دفعه إلى ذلك العمل كما في حديث البخاري خوفه على ضعفه أهله الذين كانوا في مكة .. لكن الآيات نزلت عامة - كعادة القرآن في كثير من الوقائع - تقطع الطريق الموصلة إلى ما ينهى عنه، وتسد ذرائع المودة والتولي لأعداء الله ..
    كما قال ابن كثير في الآية :- قلت : والصحيح أن الآية عامة وإن صح أنها وردت على سبب خاص فالأخذ بعموم اللفظ لا بخصوص السبب عند الجماهير من العلماء والخيانة تعم الذنوب الصغار والكبار اللازمة والمتعدية .أهـ
    مناقشة قولهم في المناط الثاني : ( إقرار الرسول e لما فهمه عمر ، ولم ينكر عليه تكفيره إياه وإنما ذكر عذر حاطب ) .
    الجواب أولاً :- لم يقر الرسول e قول عمر علي الإطلاق بل رد عليه بما يفيد أن فعل حاطب ليس بكفر وهو قوله " فَقَالَ: أَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ، فَقَال:َ لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ إِلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ وَجَبَتْ لَكُمْ الْجَنَّةُ أَوْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ فَدَمَعَتْ عَيْنَا عُمَرَ وَقَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.]
    فيفهم منه :- أن فعل حطب ليس كفر وإنما معصية كبيرة كفرتها عنه سوابقه .
    وقد جاءت الأحاديث في تجاوز الله عز وجل عمن شهد بدر بشهادة النبي وآله و سلم ، وعند أحمد وأبي داود وابن أبي شيبة من حديث أبي هريرة بالجزم ولفظه أن الله أطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم . وعند أحمد بإسناد على شرط مسلم "لن يدخل النار أحد شهد بدرا " .
    والدليل علي أن فعل حطب ليس كفر وإنما معصية :-
    أ- لأنه من المعلوم من الدين بالضرورة أن الله لم يأذن لأهل بدر ولا لغيرهم في فعل الكفر
    وأما ما جاء في الأحاديث قوله"ما شئتم" دليل على أن الله عَزَّ وَجَلَّ غفر لأهل بدر كل ذنب اكتسبوه حتي الكفر فهذا غير صحيح لأن المكفرات خصصت بعدم المغفرة لصاحبها إذا لم يتب منها وهو قول جميع أهل العلم كما سيأتي .
    ب*- ومن المعلوم من الدين بالضرورة أيضاً أن الله لا يغفر الكفر والشرك دون توبة . - قال تعالى: إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء " فالله تعالى يقرر أن الشيء الذي لا يغفره هو الشرك.
    وقال تعالى: " الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدَى بِهِ )(آل عمران: من الآية91) وهذا دليل على عدم المغفرة.
    فالكفر لا يغفر والشرك لا يغفر فهما سواء. وقال تعالى: )ِإن الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً)(النساء 168:169) "فكيف يغفر لحاطب فعله إذا كان كفر .
     فهذا دليل علي أن فعل حاطب ليس كفر .
    ج*- ومعلوم من الدين بالضرورة أيضاً أن الكفر يحبط العمل لا العكس فلا يجوز أن يقال أن شهود حاطب لبدر يحبط الكفر بل العكس صحيح .
    لقوله تعالي )ومن يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ ُفأولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّار ِهُمْ فِيهَا
    خَالِدُونَ)(البق رة: من الآية217)
     وقوله :- " أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ)(ا لأحزاب: من الآية19) "
    وقال الله تعالى ذكره : "وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْأِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ "(المائدة: من الآية5)
    وفي مثل قوله تعال " والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة" (النور: من الآية39)
    فهذا دليل أيضاً علي أن فعل حاطب ليس كفر .
    وسنورد أقوال العلماء في أن عمر قد أخطأ في تأويل فعل حاطب وأنه صرفه علي أنه مودة للكفار أي محبة لهم من دون المسلمين وظهاراً عليهم .
    ولأن في ظاهر فعل حاطب كأنه محبة قلبية ، وحاطب كان بالفعل يريد قريش أن تفهم هذا الفهم ، وهو ليس كذلك في حقيقة الأمر الظاهر من قول حاطب ومن نص الرسالة .
    ولهذا نظر أفضل القضاة رسول الله في القضية من جميع نواحيها وملابستها ولم يتسرع في الحكم كما فعل عمر رضي الله عنه بوصفه حاطباً -رضي الله عنهما- بأوصاف ثلاثة يكفي الواحدُ منها للقول بأنه كفَّره، فوصفه بأنه: منافق، كفر، خان الله ورسوله ؛ وعمر -- وإن كان قد أخطأ في تكفير حاطب -- إلا أنَّ خطأه مغفورٌ له لأنه ناتج عن غيرة لله ورسوله وهذا معروف عن عمر -- لذلك جاء في الروايات " فَدَمَعَتْ عَيْنَا عُمَرَ وَقَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ .
    وإليك بعض أقوال العلماء :-
     قال ابن حزم في: ((وقد قال عمر رضي الله عنه - بحضرة النبي - عن حاطب: دعني أضرب عنق هذا المنافق. فما كان عمر بتكفيره حاطباً كافراً بل كان مخطئاً متأولاً)). أهـ
    وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : ((إذا كان المسلم متأولاً في القتال أو التكفير لم يكفر بذلك كما قال عمر بن الخطاب لحاطب بن أبي بلتعة يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق )) فاستشهد شيخ الإسلام ابن تيمية بتكفير عمر لحاطب - .
    كما استشهد البخاري أيضاً :-
    وقد بوب البخاري باباً في صحيحه سماه "باب مَنْ لَمْ يَرَ إِكْفَارَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ مُتَأَوِّلاً أَوْ جَاهِلاً " واستشهد فيه أيضاً بتكفير عمر لحاطب -رضي الله عنهما- علي أن من كفر أخاه متأولاً لا يكفر .  قال فيه :- وَقَالَ عُمَرُ لِحَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِنَّهُ مُنَافِقٌ ؛ فَقَالَ النَّبِيُّr :- وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ قَدْ اطَّلَعَ إِلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ قَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ
    قال الحافظ ابن حجر في الشرح:- قوله‏:‏ ‏(‏باب من لم ير أكفار من قال ذلك متأولا أو جاهلا‏)‏ أي بالحكم أو بحال المقول فيه‏.‏ قوله ‏(‏وقال عمر لحاطب بن أبي بلتعة إنه نافق‏)‏ ، كذا للأكثر بلفظ الفعل الماضي‏.‏ وفي رواية الكشميهني ‏"‏ منافق ‏"‏ باسم الفاعل‏.‏ وهذا طرف من حديث علي في قصة حاطب بن أبي بلتعة وقد تقدم موصولا مع شرحه في تفسير سورة الممتحنة .أهـ
    وقد أخرج البخاري رحمه الله قصة حاطب في كتاب (استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم) في (باب ما جاء في المتأولين) .
    وقد قال الحافظ في (الفتح 8 / 634) : " فقال عمر دعني يا رسول الله فأضرب عنقه إنما قال ذلك عمر مع تصديق رسول الله r لحاطب فيما اعتذر به لما كان عند عمر من القوة في الدين وبغض من ينسب إلى النفاق وظن أن من خالف ما أمره به رسول الله r استحق القتل لكنه لم يجزم بذلك فلذلك استأذن في قتله وأطلق عليه منافقا لكونه أبطن خلاف ما أظهر وعذر حاطب ما ذكره فإنه صنع ذلك متأولا أن لا ضرر فيه وعند الطبري من طريق الحارث عن علي في هذه القصة فقال أليس قد شهد بدرا قال بلى ولكنه نكث وظاهر أعداءك عليك قوله فقال إنه قد شهد بدرا وما يدريك أرشد إلى علة ترك قتله بأنه شهد بدرا فكأنه قيل وهل يسقط عنه شهوده بدرا هذا الذنب العظيم فأجاب بقوله وما يدريك ") .أهـ
    وهذا الذنب العظيم هو أنه قد عصى الرسول e بكتابته لهم ، وهي معصية كبيرة كفرتها عنه سوابقه . وكما قال ابن كثير :- والخيانة تعم الذنوب الصغار والكبار اللازمة والمتعدية .أهـ
    وقال أبو بكر الجصاص :- وقال ما يدريك لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم فجعل العلة المانعة من قتله كونه من أهل بدر وقيل له (أي عمر)ليس كما ظننت . لأن كونه من أهل بدر لا يمنع أن يكون كافرا مستحقا للنار إذا كفر . وإنما معناه ما يدريك لعل الله قد علم أن أهل بدر وإن أذنبوا لا يموتون إلا على التوبة .أ.هـ( )
    وقال الشيخ العلامة ابن سحمان النجدي : قال شيخنا الشيخ عبد اللطيف رحمه الله تعالى في رده على الصحاف............ وأما من اختلف العلماء فيه فنحن لا نرى تكفير من شك في كفره منهم بل هو عندنا مخطئ غير مصيب وأما من كفر بعض صلحاء الأمة متأولا مخطئا وهو ممن يسوغ له التأويل فهذا وأمثاله ممن رفع عنه الحرج والتأثيم لاجتهاده وبذل وسعه كما في قصة حاطب بن أبي بلتعة فإن عمر رضي الله عنه وصفه بالنفاق واستأذن رسول الله في قتله فقال له رسول الله وما يدريك أن الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ومع ذلك فلم يعنف عمر على قوله لحاطب أنه قد نافق وقد قال الله تعالى ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا وقد ثبت أن الرب تبارك وتعالى قال بعد نزول هذه الآية وقراءة المؤمنين لها قد فعلت انتهى من كلام شيخنا رحمه الله تعالى .أهـ( )
    فإذا علمت ذلك، فاعلم أنَّ هناك من العلماء من عَدَّ ما بدر من حاطب -- من المودة الغير مكفره ، ومن هؤلاء :-
    شيخ الإسلام ابن تيمية ((وقد تحصل للرجل موادتهم لرحم أو حاجة فتكون ذنباً ينقص به إيمانه ولا يكون به كافراً، كما حصل من حاطب بن أبي بلتعة لما كاتب المشركين ببعض أخبار النبي صلى الله عليه وسلم وأنزل الله فيه { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة}
    ..... ولهذه الشبهة سمى عمر حاطبا منافقا فقال دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق فقال إنه شهد بدرا فكان عمر متأولا في تسميته منافقا للشبهة التي فعلها)) .أ.هـ( )
    والشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ كما في ((عيون الرسائل والأجوبة على المسائل)) (1/179).
    مناقشة قولهم في المناط الثالث : (أن حاطباً قال : وما فعلت ذلك كفراً ولا ارتداداً عن ديني ولا رضاً بالكفر بعد الإسلام .وهذا يدل على أنه قد تقرّر لديه أيضاً أن مظاهرة الكفار (كفر وردة ورضا بالكفر) ، وإنما ذكر حقيقة فعله ) .
    الجواب : - إنما كان قوله ذلك في موقف الدفاع عن نفسه في موقف قد يفهم منه أنه يوالي كفار قريش فكان الحكم الأولي عليه بمجرد إرساله الرسالة سراً لقوم بينه وبينهم عداء وحرب أنه ما يفعل أحد ذلك إلا إذا كان في الأمر أمراً مريباً .
    ولذلك كان مناط الإنكار والتشنيع كان على سلوكه الظاهر الذي اعتبر مظنة ميل القلب ومحبته للكفار كما فهم عمر
    والحقيقة أن فعل حاطب فعل له دلالتان .
    الدلالة الأولي ما فهم منها عمر  أن حاطب نافق وبينه وبين أعداء الله صله وولاء وهذا ما حمل عمر  علي تأول فعل حاطب علي الكفر ؛ وحاطب كان بالفعل يريد قريش أن تفهم هذا الفهم ، وهو ليس كذلك في حقيقة الأمر.
    والدلالة الأخرى وهي الأقوى؛ بعد النظر في الخطاب وقول حاطب المصدق والموافق لما في الخطاب قد وضح أن فعله ما هو إلا مدارة أو مداهنة أو تقية ( )وليس ما قد يفهم من الدلالة الأولي . وهذا مما جعل رسول الله عليه وسلم يحمل فعل حاطب عليه ولم
    يحكم بكفره .
    وتأكيداً لما سبق :- قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى : في هذا الحديث مع ما وصفنا لك طرح الحكم باستعمال الظنون لأنه لما كان الكتاب يحتمل أن يكون ما قال حاطب كما قال من أنه لم يفعله شاكا في الإسلام وأنه فعله ليمنع أهله ويحتمل أن يكون زلة لا رغبة عن الإسلام واحتمل المعنى الأقبح كان القول قوله فيما احتمل فعله وحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه بأن لم يقتله ........
    قيل للشافعي : أفرأيت إن قال قائل : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "قد صدق" إنما تركه لمعرفته بصدقه لا بأن فعله كان يحتمل الصدق وغيره ؛ فيقال له : قد علم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن المنافقين كاذبون وحقن دماءهم بالظاهر فلو كان حكم النبي صلى الله عليه وسلم في حاطب بالعلم بصدقه كان حكمه على المنافقين القتل بالعلم بكذبهم ولكنه إنما حكم في كل بالظاهر وتولى الله عز وجل منهم السرائر ولئلا يكون لحاكم بعده أن يدع حكما له مثل ما وصفت من علل أهل الجاهلية وكل ما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو عام حتى يأتي عنه دلالة على أنه أراد به خاصا. أهـ ( )
    ويقول الإمام الشاطبي في الموافقات في مراعاة الصيغ مع النظر في المقاصد وتدبر المعاني
    (ب)- بالنسبة لأعمال المكلفين :
    1- الأعمال الظاهرة إنما تعتبر من حيث دلالتها علي الباطن فإذا وجد ظاهر؛ لا يعارضه ما هو أقوى منه من حيث دلالته علي الباطن أخذ به فإذا عارضه ظاهر آخر أقوي منه في دلالته علي الباطن, صرنا إلي هذا الأقوى. وذلك كالعمل بأقوى الدليلين عند التعارض في الأدلة الشرعية. فإذا قامت البينة القاطعة علي أن مراد المتكلم أو الفاعل غير ما أظهره من قول أو فعل فلا عبرة بهذا القول أو الفعل الذي أظهره . أهـ
    ولمزيد من الإيضاح ننقل ما قاله الدكتور/ نصر فريد واصل في كتابë (القواعد الفقهية وأثرها في الأحكام الشرعية ) ë
    تحت عنوان (قاعدة الأمور بمقاصدها )
    î معني هذه القاعدة : أن الحكم الذي يترتب علي أمر ينشأ عن فعل المكلف أو قوله إنما يكون علي مقتضي ما هو المقصود من ذلك الأمر ؛ وهي تتعلق بكل الأفعال؛ أو الأمور التكليفية المنهي عنها في التشريع الإسلامي .
    îومفهوم هذه القاعدة :
    أن النوايا القلبية المجردة التي لا تقترن بظاهر يفصح عنها من قول أو فعل لا يترتب عليها حكم دنيوي ؛ لأن القاعدة بمنطوقها إنما تربط الحكم بالأمور الظاهرة من الأقوال أو الأفعال ؛ وإن كانت قد جعلت تحديده منوطا بالنية والقصد من وراء تلك الأمور
    îويقول أيضا بعد ضرب أمثله توضيحيه علي ما سبق
    ومن الواجب ملاحظته في هذا الشأن أنه عند صدور أمر من الأمور عن شخص ما إنه لا يبحث عن نيته عند فعله ؛ ولا عن قصده الذي يهدف إلي تحقيقه به وترتيب الحكم الذي ينوي بناء علي تلك النية وذاك القصد إلا حيث يكون ذلك الأمر مما يمكن أن تتعدد النوايا والمقصود به ؛ وتختلف ؛ أما حيث لا يكون محتملا إلا قصدا واحدا ؛ فإنه لا يكون هناك ما يدعو للبحث عن النية والقصد ؛ بل إنه لا يقبل من القائل أو الفاعل ادعاء أن نيته العكس ؛ لأن هذا الادعاء يتلخص في أنه رغبة في التخلص من الآثار التي تترتب علي قوله أو فعله ؛ وهو طريق ينبغي أن يسد علي من يريد أن يسلكه ؛ ومن هنا كانت الألفاظ الصريحة لا تحتاج إلي نية من حيث بناء الحكم الدنيوي عليها ويرتب علي اللفظ الصريح آثاره ؛ ولو ادعي من صدر منه أنه لم يقصد التلفظ به أو أنه لم يرد منه ترتيب آثاره عليه .
    îويقول أيضا
    علي أن ما كان من الألفاظ صريحا ولكنه كان يحتمل الدلالة علي غير المعني المشتهر استعماله فيه لغة؛ فإن نية المعني الآخر له تؤثر في عدم ترتيب آثاره عليه ديانة ولكن لا تأثير لها قضاء؛ فمن قال لامرأته: أنت طالق من كل قيد يريد بذلك إطلاق حرية التصرف . لا يقع طلاقه ديانة أي فيما بينه وبين الله تعالي ؛ ويقع قضاء ؛ بمعني أنه لو عرض علي القاضي لحكم بوقوعه ولا يلفت إلي نية الزوج ؛ وكذا لو كان أراد النطق بلفظ آخر غير لفظ الطلاق وسبقه لسانه إلي النطق دون قصد لا يقع طلاقه ديانة ويقع قضاء ؛ أما لو تلفظ بالطلاق هازلا وقع ديانة وقضاء لأن الشارع الإسلامي قرر أن هزل الطلاق كجده ؛ لأنه لا يحتمل الهزل لخطر وعظم شأنه وكذا الزواج والرجعة واليمين والردة ؛ فلو قال : إنه يهودي أو نصراني هازلا صار مرتدا.
    أما الألفاظ غير الصريحة والأفعال التي مارس لأغراض متعددة فإن حكمها يختلف باختلاف قصد المتلفظ بها أو الفاعل لها؛ انتهي بلفظه
    وخلاصة كل ذلك نقول أن لأفعال العباد مع المقاصد أربعه حالات :
    1) أن يكون القصد كفرا ولكن لا يدل عليه العمل الظاهر (مثل المنافقين ) وهنا نشهد لهم بالإسلام الظاهري حسب ما ظهر منهم كما فعل الرسول
    2) أن يكون العمل الظاهر كفرا لا يحتمل معني أخر(مثل سب الدين أو دعاء الأموات وعبادتهم من دون الله ومثل التحاكم إلي شرع غير شرع الله ومثل تولي المشركين) وهنا نحكم علي مرتكب تلك الأفعال بالكفر دون تردد حسب الظاهر لنا.
    3) أن يكون الفعل الظاهر محتملا للكفر وغيره (مثل قول بعض الناس الله في كل مكان ومثل قول القران مخلوق ) ومثل فعل حاطب ابن أبي بلتعة رضي الله عنه فهذه كلها أقوال وأفعال ممكن أن تكون في ذاتها كفرا وممكن أن تكون مؤداها إلي الكفر(أي اللازم منها ) وذلك حسب القصد
    4) أن يكون بالمعين ما هو كفر قطعا ولكن يمنع من تكفيره الاحتمال في قصده وذلك لدخوله في احدي عوارض الأهلية.
    (مثل الرجل الذي قال من شده فرحه أنت عبدي وأنا ربك فقد علم انه لم يقصد ذلك لذهاب عقله حينما وجد راحلته . ومثل من وطئ كتاب الله وهو لا يقصد لكونه اعمي حال عدم معرفته بان هذا كتاب الله ولكنه يعلم حكم من يفعل ذلك. ( )
     ملاحظات هامة " إذا قصد الشخص قول أو فعل ما ولا يحتمل إلا الكفر ولكنه لا يعلم أنه كفر فلا يعذر بجهله فيكفر لأنه قاصد مختار لفعله ولكنه يجهل حكمه فذلك شي أخر. قال في ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية "( و بالجملة فمن قال أو فعل ما هو كفر كفر بذلك و إن لم يقصد أن يكون كافرا إذ لا يقصد الكفر أحد إلا ما شاء الله ) . أ.هـ( )
    وقال محمد بن فراموز والحنفي ت 885 هـ في " المحيط " :- " من أتي بلفظ الكفر مع علمه أنها لفظة كفر الكفر ؛وإن كان عن اعتقاد لا شك أنه يكفر . وإن لم يعتقد أو لم يعلم أنها لفظة الكفر ولكن أتي بها اختياراً فقد كفر عند عامة العلماء ولا يعذر بالجهل .أهـ
    أما عدم قصده الفعل أو القول وإن كان يعلم أنه كفر أو لا يعلم فلا يأخذ به لأنه غير قاصداً لفعله وغير مختار له فهو كالمخطأ والناسي والمكره وهذه الحالة لايؤاخذ فيها وهو نحو قول القائل الآخر الذي غلب عليه الفرح حين وجد راحلته أنت عبدي وأنا ربك فلم يكفر بذلك الدهش والغلبة والسهو وإنما هو كسبق اللسان وهذا قول أكثر أهل العلم .( )
     توضيحات وتعريفات مهمة :-
    التُقية: هي إظهار الموالاة والمداراة للمشركين باللسان ـ خوفاً منهم على النفس والأهل ـ مع إضمار العداوة والبغضاء لهم في القلب( ).وإظهار الموالاة باللسان للمشركين لا شك أن منه ما يكون من الكفر، وأن صاحبه يكفر لو أظهر ذلك من غير تقية أو خوف معتبر .. والدليل على ذلك قوله تعالى: لا يتخذِ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيءٍ إلا أن تتقوا منهم تُقاةً ويُحذركم الله نفسَه وإلى الله المصير  آل عمران:28 .
    قال ابن جرير الطبري في التفسير 3/227: ومعنى ذلك: لا تتخذوا أيها المؤمنون الكفارَ ظهراً وأنصاراً توالونهم على دينهم، وتُظاهرونهم على المسلمين من دون المؤمنين، وتدلونهم على عوراتهم، فإنه من يفعل ذلك  فليس من الله في شيء يعني بذلك: فقد برئ من الله وبرئ الله منه بارتداده عن دينه ودخوله في الكفر  إلا أن تتقوا منهم تقاة  إلا أن تكونوا في سلطانهم فتخافوهم على أنفسكم، فتظهروا لهم الولاية بألسنتكم، وتضمروا لهم العداوة، ولا تشايعوهم على ما هم عليه من الكفر، ولا تُعينوهم على مسلم بفعل .
    وعن السدي قال: إلا أن يتقي تقاةً؛ فهو يُظهر الولاية لهم في دينهم، والبراءة من المؤمنين.
    وعن ابن عباس قال: التقاة التكلم باللسان، وقلبه مطمئن بالإيمان .
    وعنه قال: فالتقية باللسان؛ من حُمل على أمر يتكلم به وهو لله معصيةٌ، فتكلم مخافةً على نفسه، وقلبه مطمئن بالإيمان، فلا إثم عليه، إنما التقية باللسان .
    وعن عكرمة في قوله: إلا أن تتقوا منهم تقاة  قال:ما لم يُهرِق دم مسلم، وما لم يستحل ماله . أهـ .
    وقال ابن كثير في التفسير: إلا أن تتقوا منهم تقاة  أي من خاف في بعض البلدان والأوقات من شرهم فله أن يتقيهم بظاهره لا بباطنه ونيته، كما قال البخاري عن أبي الدرداء أنه قال: إنا لنكشر في وجوه أقوام وقلوبنا تلعنهم .
    وقال الثوري: قال ابن عباس: ليس التقية بالعمل إنما التقية باللسان، وكذا رواه العوفي عن ابن عباس إنما التقية باللسان، وكذا قال أبو العالية وأبو الشعثاء، والضحاك، والربيع ابن أنس.
    وقال البخاري: قال الحسن التقية إلى يوم القيامة . أهـ . أي إذا توفرت دواعيها وأسبابها ..
    وقال ابن كثير في تفسير قوله تعالي "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ)(الم متحنة:1) إن سبب نزول صدر هذه السورة الكريمة قصة حاطب بن أبي بلتعة ......... وقوله تعالى : { لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ } (آل عمران:28) ولهذا قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم عذر حاطب لما ذكر أنه إنما فعل ذلك مصانعة لقريش لأجل ما كان له عندهم من الأموال والأولاد . أهـ
    قلت: وأهل التقية هم المستضعفون في الأرض الذين لا يجدون حيلة ولا يهتدون سبيلاً للخروج من دار التقية؛ دار الكفر والقهر والظلم، فيلجأون مضطرين للتقية كمتنفسٍ لهم وللحفاظ على أنفسهم ووجودهم من دون أن يتعرضوا للاستئصال أو القتل .. وهم نفسهم المعنيين من قوله تعالى: إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً . فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان اللهُ عفواً غفوراً  النساء:98-99. فالتقية لهؤلاء وليس للأقوياء الذي يستطيعون حيلةً ويهتدون سبيلاً ..( )
    2- المداهنة والمداراة :- مداهنتهم ومداراتهم ورغم أن المداهنة تختلف جذرياً عن المداراة، ولكن يبقي أن كلاهما لا علاقة لهما بالنصرة أو القرب أو الحلف أو الإعانة ، لا من قريب ولا من بعيد .
    أ- فالمداراة ، وتسمَّى أيضاً «المجاملة»، وربما قصرت لفظة «المجاملة» على أعلى درجات المداراة وحسن المعاملة، فهي، كما قال القرطبي تبعاً للقاضي عياض: (بذل الدنيا لصلاح الدنيا أو الدين أو لكليهما)، قلت: لعل الأدق أن يقال: (بذل الدنيا، وحظوظ النفس، لصلاح الدنيا أو الدين أو لكليهما)، وهي مباحة، وقد تكون في أحوال معينة مستحبة.
    ومن ذلك سهم «المؤلفة قلوبهم» يعطى للأقوياء من الكفار لاستمالتهم إلى الإسلام، وهذا للدين، أو لاكتفاء شرهم، ودفع خطرهم عن المسلمين، وهذا لمصلحة الدنيا والدين معاً.
    ب - المداهنة :- فهي علامة على ضعف الشخصية أو ذوبانها، وفقدان عزة المؤمن بدينه، وضعف توكله على ربه، وكل ذلك منكر شنيع إلا أنه ليس من باب «نصرة الكافر وإعانته على المسلم»، ولا من جنسه، ولا علاقة له به. فالمداهن :- (1) ليس معهم في حالة حرب، ولا هو في كر وفر، فلا يرد في حقه أصلاً تحريم «اتخاذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين» لأن ذلك قصر على الكفار الحربيين فقط،.
    (2) وهو عادة ليس معيناً ضد المسلمين، وإنما هو محصل لمصلحة ما .
    وعليه فلا يجوز أن يقال أن ما سمَّوه بعض العلماء «موالاة » إنما هو اصطلاح، ولا مشاحة في الاصطلاح، لا يقال ذلك لأن الشرع حدد ما هي «الموالاة» التي هي «اتخاذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين» وحكم على فاعلها بالكفر، فقط لا غير: فلا يجوز إدخال ما ليس منها فيه، ولا إخراج ما هو منها خارجها، لأن في هذا هدم للحكم وإبطال له، وهو في غاية الشناعة، وقد يفضي إلى تكفير المسلم ، أو الحكم بإسلام كافر، وهذا شنيع أيضا ً.
    فهناك فرق بين عدم الحسم و التبرؤ الكامل من المشركين وبقاء بعض الثقة بهم أو الوشائج معهم أو الرقة لهم ؛ وبين موالاتهم بمظاهرتهم على المؤمنين ومسالمة من يسالمونه ومعاداة من يعادونه أو الوقوف في منتصف الطريق بينهم وبين المؤمنين (حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَن يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُواْ قَوْمَهُمْ) أو الكشف لهم عن عورات المسلمين و مقاتلهم ليستأصلوهم
    وكذلك لا ينبغى أن يقال هذا كذاك ولم يحكم الله في هذا بالكفر فهكذا يكون الأخر . أو يقال أيضا هو كذلك وقد حكم الله بالكفر في هذا فيكون الأخر كذلك كلا والله فلكل حكمه عافانا الله من التلبيس وتحريف الكلم عن مواضعه والغضب لغير الله والانتصار لغير دينه و سنة رسوله صلى الله عليه وسلم وبالله التوفيق.
    ولكن يبقى معنى كل منهما متميزا عن الأخر ومناط كل حكم منهم متميزا عن الأخر ولا يصرف الحكم عن مناطه ولا يدخل مناط تحت حكم غير حكمه كما يصرف الحكم الى غير مناطه؛
    فلا يجوز إدخال المعاني التي تصح أن تدخل في مسمي الولاء اللغوي (الغير مكفرة ) أو المقيده فيسميها القرآن " ركون" أو" طاعة " أو " خلة " أو " بطانة " أو " ظهير" أو " مداهنة " أو تقية " . لان الله، تباركت أسماؤه، هو خالق البشر، وهو خالق عقولهم، وناطقيتهم، ولغاتهم، وهو أعلم بذلك كله ، وهو الذي يسمي الأشياء بأسمائها، أليس هو الذي علَّم آدم الأسماء كلها؟!
    وقد سمى الله ورسوله ذلك قسطاً، وبراً، وإحساناً، وصلة، ومداراة، ومداهنة، واتخاذ بطانة، وتشبُّه بالكفار، وغير ذلك، ولم يسمه أبداً: «تولياً»، أو «موالاة»، ومن أحسن من الله حديثاً، ومن أصدق من الله قيلاً؟!
    (وقد تكون تلك الصور كفرية إذا كان هناك رضي أو نصرة علي المسلمين أو انشراح صدر بكفرهم )
    هذا وقد أعجبني ما قاله الأستاذ عبد المجيد الشاذلي
    في ( كتابه حد الإسلام ) في قصة حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه فأحببت أن أنقله لزيادة الإيضاح حيث أنه قد أصاب الحق فيه بالدليل والبرهان .
    فإليك ذلك ëجاء تحت عنوان ë
    أولا . الجاسوس :-
    يقول الإمام الشافعي في كتاب الأم: ] أخبرنا سفيان ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن الحسن بن محمد عن عبيد الله بن أبي رافع قال سمعت عليا رضي الله عنه يقول: بعثني رسول الله صلي الله عليه وسلم أنا والزبير والمقداد فقال:" "إنطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ، فإن بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها". فانطلقنا تعادي بنا خيلنا حتى أتينا الروضة، فإذا نحن بالظعينة، فقلنا: أخرجي الكتاب. فقالت: ما معي كتاب. فقلنا: لتخرجن الكتاب أو لنلقين الثياب. قال: فأخرجته من عقاصها فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا فيه: من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس بمكة من المشركين، يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "يا حاطب ما هذا؟" فقال: يا رسول الله لا تعجل عليّ إني كنت امرءا ملصقا في قريش - يقول: كنت حليفا ولم أكن من أنفسها - وكان من معك من المهاجرين من لهم قرابات يحمون بها أهليهم وأموالهم، فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ عندهم يدا يحمون قرابتي ولم أفعله ارتدادا عن ديني، ولا رضا بالكفر بعد الإسلام. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما إنه قد صدقكم". فقال عمر: يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق. فقال: "إنه قد شهد بدرا وما يدريك لعل الله قد اطلع على من شهد بدرا فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم". فأنزل الله السورة ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة ) .
    ولتوضيح الصورة نذكر قصة أخري ونقارن بينهما
    يقول ابن كثير في تفسير قولة تعالي
    (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِين َ أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)( التوبة: 107)
    أَنَّهُ كَانَ بِالْمَدِينَةِ قَبْل مَقْدِم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهَا رَجُل مِنْ الْخَزْرَج يُقَال لَهُ أَبُو عَامِر الرَّاهِب وَكَانَ قَدْ تَنَصَّرَ فِي الْجَاهِلِيَّة وَقَرَأَ عِلْم أَهْل الْكِتَاب وَكَانَ فِيهِ عِبَادَة فِي الْجَاهِلِيَّة وَلَهُ شَرَف فِي الْخَزْرَج كَبِير فَلَمَّا قَدِمَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُهَاجِرًا إِلَى الْمَدِينَة وَاجْتَمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ وَصَارَتْ لِلْإِسْلَامِ كَلِمَة عَالِيَة وَأَظْهَرَهُمْ اللَّه يَوْم بَدْر شَرِقَ اللَّعِين أَبُو عَامِر بِرِيقِهِ وَبَارَزَ بِالْعَدَاوَةِ وَظَاهَرَ بِهَا وَخَرَجَ فَارًّا إِلَى كُفَّار مَكَّة مِنْ مُشْرِكِي قُرَيْش يُمَالِئهُمْ عَلَى حَرْب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاجْتَمَعُوا بِمَنْ وَافَقَهُمْ مِنْ أَحْيَاء الْعَرَب وَقَدِمُوا عَام أُحُد فَكَانَ مِنْ أَمْر الْمُسْلِمِينَ مَا كَانَ وَامْتَحَنَهُمْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَكَانَتْ الْعَاقِبَة لِلْمُتَّقِينَ وَكَانَ هَذَا الْفَاسِق قَدْ حَفَرَ حَفَائِر فِيمَا بَيْن الصَّفَّيْنِ فَوَقَعَ فِي إِحْدَاهُنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُصِيبَ ذَلِكَ الْيَوْم فَجُرِحَ وَجْهه وَكُسِرَتْ رَبَاعِيَته الْيُمْنَى السُّفْلَى وَشُجَّ رَأْسُهُ صَلَوَات اللَّه وَسَلَامه عَلَيْهِ وَتَقَدَّمَ أَبُو عَامِر فِي أَوَّل الْمُبَارَزَة إِلَى قَوْمه مِنْ الْأَنْصَار فَخَاطَبَهُمْ وَاسْتَمَالَهُم ْ إِلَى نَصْره وَمُوَافَقَته فَلَمَّا عَرَفُوا كَلَامه قَالُوا : لَا أَنْعَمَ اللَّه بِك عَيْنًا يَا فَاسِق يَا عَدُوّ اللَّه وَنَالُوا مِنْهُ وَسَبُّوهُ فَرَجَعَ وَهُوَ يَقُول : وَاَللَّه لَقَدْ أَصَابَ قَوْمِي بَعْدِي شَرّ , وَكَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ دَعَاهُ إِلَى اللَّه قَبْل فِرَاره وَقَرَأَ عَلَيْهِ مِنْ الْقُرْآن فَأَبَى أَنْ يُسْلِم وَتَمَرَّدَ , فَدَعَا عَلَيْهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَمُوت بَعِيدًا طَرِيدًا فَنَالَتْهُ هَذِهِ الدَّعْوَة ; وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا فَرَغَ النَّاس مِنْ أُحُد وَرَأَى أَمْر الرَّسُول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي اِرْتِفَاع وَظُهُور ذَهَبَ إِلَى هِرَقْل مَلِك الرُّوم يَسْتَنْصِرهُ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَعَدَهُ وَمَنَّاهُ وَأَقَامَ عِنْده وَكَتَبَ إِلَى جَمَاعَة مِنْ قَوْمه مِنْ الْأَنْصَار مِنْ أَهْل النِّفَاق وَالرَّيْب يَعِدهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ أَنَّهُ سَيَقْدَمُ بِجَيْشٍ يُقَاتِل بِهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَغْلِبهُ وَيَرُدّهُ عَمَّا هُوَ فِيهِ , وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَتَّخِذُوا لَهُ مَعْقِلًا يَقْدَم عَلَيْهِمْ فِيهِ مَنْ يَقْدَم مِنْ عِنْده لِأَدَاءِ كَتْبه وَيَكُون مَرْصَدًا لَهُ إِذَا قَدِمَ عَلَيْهِمْ بَعْد ذَلِكَ , فَشَرَعُوا فِي بِنَاء مَسْجِد مُجَاوِر لِمَسْجِدِ قُبَاء فَبَنَوْهُ وَأَحْكَمُوهُ وَفَرَغُوا مِنْهُ قَبْل خُرُوج رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى تَبُوك وَجَاءُوا فَسَأَلُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَأْتِي إِلَيْهِمْ فَيُصَلِّي فِي مَسْجِدهمْ لِيَحْتَجُّوا بِصَلَاتِهِ فِيهِ عَلَى تَقْرِيره وَإِثْبَاته وَذَكَرُوا أَنَّهُمْ إِنَّمَا بَنَوْهُ لِلضُّعَفَاءِ مِنْهُمْ وَأَهْل الْعِلَّة فِي اللَّيْلَة الشَّاتِيَة فَعَصَمَهُ اللَّه مِنْ الصَّلَاة فِيهِ فَقَالَ " إِنَّا عَلَى سَفَر وَلَكِنْ إِذَا رَجَعْنَا إِنْ شَاءَ اللَّه " فَلَمَّا قَفَلَ عَلَيْهِ السَّلَام رَاجِعًا إِلَى الْمَدِينَة مِنْ تَبُوك وَلَمْ يَبْقَ بَيْنه وَبَيْنهَا إِلَّا يَوْم أَوْ بَعْض الْيَوْم نَزَلَ عَلَيْهِ جِبْرِيل بِخَبَرِ مَسْجِد الضِّرَار وَمَا اِعْتَمَدَهُ بَانُوهُ مِنْ الْكُفْر وَالتَّفْرِيق بَيْن جَمَاعَة الْمُؤْمِنِينَ فِي مَسْجِدهمْ مَسْجِد قُبَاء الَّذِي أُسِّسَ فِي أَوَّل يَوْم عَلَى التَّقْوَى . فَبَعَثَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى ذَلِكَ الْمَسْجِد مَنْ هَدَمَهُ قَبْل مَقْدِمه الْمَدِينَة كَمَا قَالَ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة عَنْ اِبْن عَبَّاس " انتهي
    وقد وضعت السياقين موضع المقابلة والمقارنة لنرى:
    هل الخلاف بين فعل حاطب وفعل هؤلاء المنافقين يرجع إلى:-
    1- العمل الظاهر ؟
    2- أم العمل الظاهر متفق والخلاف في الاعتقاد أو في الباطن من ناحية الشك في الدين والرضا بالكفر ؟
    وبأي منهما تتعلق الأحكام الشرعية ؟وما هي أركان العمل الظاهر هل هي مجرد الأفعال المحسوسة مجردة عن القصد ؟
    وهل القصد يرجع أو يدخل في تكييف العمل الظاهر أو الاعتقاد والباطن أم هو فقط دال عليه ؟
    *وواضح من السياق الخاص بمسجد الضرار:
    أن هناك عملا ظاهرا له أركانه المادية المتكاملة من التكاتب وبناء المسجد للغرض الذي تكاتبوا فيه واتفقوا عليه وأرسلت في شأنه الرسل والكتب وكذلك واضح فيه عنصر القصد وهذا العمل الظاهر لو قامت عليهم به البينة- قطعي الدلالة على كفر الباطن وبه بناء على هذا يتعلق الحكم الشرعي .
    وكما سبق أن قلنا إن ولاية الكافرين كفر. وليس كفر المنافق للشك فقط ثم هذه صفة من صفاته لو كانت فى غيره ممن لا يشك لا يكون بها كافرا . كلا ليس الأمر كذلك بل حكم ولاية الكافرين في ذاتها سواء قامت فيمن يشك أو فيمن لا يشك أو فيمن يبغض أو فيمن لا يبغض وذلك إنما يعرف بكلامه ((وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى)) أنها كفر.
    وذلك لقوله تعالى ((فليس من الله في شيء )) ولقوله(ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ) ولقوله ((فانه منهم )) وغير ذلك .
    وسبق قول ابن تيمية والطبري وغيرهم فيها وواضح جدا أنه الكفر الصريح البواح وهو الذي حذر الله المؤمنين أن يقع منهم (( ويحذركم الله نفسه )). وكذلك جاء في أقوال الطبري وغيره في نفس السياق في معنى ولاية الكافرين: إنها المظاهرة وكشف عورات المسلمين للكافرين.
    ويقول الطبري في تفسير قولة تعالي (لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) ( آل عمران : 28)
    لَا تَتَّخِذُوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْكُفَّار ظَهْرًا وَأَنْصَارًا , تُوَالُونَهُمْ عَلَى دِينهمْ , وَتُظَاهِرُونَه ُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ دُون الْمُؤْمِنِينَ , وَتَدُلُّونَهُم ْ عَلَى عَوْرَاتهمْ , فَإِنَّهُ مَنْ يَفْعَل ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنْ اللَّه فِي شَيْء ; يَعْنِي بِذَلِكَ , فَقَدْ بَرِئَ مِنْ اللَّه , وَبَرِئَ اللَّه مِنْهُ بِارْتِدَادِهِ عَنْ دِينِهِ , وَدُخُوله فِي الْكُفْر انتهي
    وتكرر في التفسير دخول: الدال على عورات المسلمين في معنى موالاة الكافرين وواضح من هذا أنه كفر لهذا الدخول في مناط حكم الله عليه بالكفر.
    قال الشاطبي في الموافقات وكذلك ما قاله ابن تيمية ردا علي الجهمية في كتاب الإيمان؛ يقول الشاطبي) فمن التفت إلى المسببات من حيث كانت علامة على الأسباب في الصحة والفساد لا من جهة أخرى فقد حصل على قانون عظيم يضبط به جريان الأسباب على وزان ما شرع أو على خلاف ذلك. ومن هنا جعلت الأعمال الظاهرة في الشرع دليلاً على ما في الباطن فإن كان الظاهر منخرماً حكم على الباطن بذلك, أو مستقيماً حكم على الباطن بذلك, وهو أصل عام في الفقه وسائر الأحكام والعاديات والتجريبيات، بل الإلتفات إليها من هذا الوجه نافع في جملة الشريعة جداً، والأدلة على صحته كثيرة جداً، وكفى بذلك عمدة أنه الحاكم بإيمان المؤمن وكفر الكافر وطاعة المطيع وعصيان العاصي وعدالة العدل وجرحة المجرح" (الموافقات (1/171).
    وكذلك ما قاله ابن تيمية في تفسير قوله تعالي (( من كفر بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا )) الآيات. (إنه لو كان التكلم بالكفر لا يكون كفرا إلا إذا شرح به الصدر لم يستثنى المكره فلما أستثني المكره علم أن كل من تكلم بالكفر غير المكره فقد شرح به صدرا. فهو حكم وليس قيدا للحكم.. وكذلك عن المنافقين الذين نزل فيهم قوله تعالى ((ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب ))
    ويقول ابن تيمية (فقد أخبر بأنهم كفروا بعد إيمانهم مع قولهم إنا تكلمنا بالكفر من غير اعتقاد له بل كنا نخوض ونلعب وبين أن الاستهزاء بآيات الله كفر ولا يكون هذا إلا ممن شرح صدره بهذا الكلام ولو كان الإيمان في قلبه منعه أن يتكلم بهذا الكلام )اهـ.
    فليس كلاما واحدا له حكمان مختلفان حسب شرح الصدر أو عدم شرحه
    وهو مالا يمكن الوقوف عليه من الظن بل لا يكون هذا إلا ممن شرح صدره بالكفر. فالظاهر لا يتقيد بالباطن في الأحكام الشرعية وإنما هو دال عليه وحاكم عليه.
    ولكن الأعمال أن خلت من المقاصد كانت كأفعال العجماوات والجمادات لا تدخل في الأحكام الخمسة. إذن فالقصد داخل في العمل الظاهر والقصد يعرف بدلائله الحالية والمقالية وبه يختلف حكم الفعل.
    والعمل الظاهر من الفعل المحسوس والقصد المقارن دال وحاكم على الباطن وهذا أمر في غاية الظهور.
    وإذا الخلاف في فعل حاطب وفعل المنافقين ليس راجعا إلي الاعتقاد بل راجع إلي التكيف الشرعي للفعل باختلاف القصد وبالتالي اختلاف العمل الظاهر الذي به وحده يتعلق الحكم الشرعي لا بالفعل المحسوس المجرد عن القصد فهذا لا تكيف له.
    ولا بالاعتقاد المتعذر الوقوف عليه فهذا لا يتقيد به . فالعمل الظاهر هو الذي يتعلق به الحكم الشرعي .

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Dec 2007
    المشاركات
    80

    افتراضي رد: مسألة بحاجة إلى تحرير في كتاب الدكتور حاتم الشريف (الولاء والبراء بين الغلو والجف

    ولهذا اختلف حكم الجاسوس بين أن يعاقب بالقتل حدا أو بما دون ذلك من عقوبات أو أن يقتل كفرا كالزنديق و لا يستتاب و ذلك حسب التكييف الشرعي لفعلة بالوقوف علي القصد الذي ربما يتضح تماما من الفعل أو يحتاج إلي بحث و سؤال و تحر .
    وواضح من فعل حاطب أنة رأي أنه يمكن أن يستفيد من أمر لن يضر المسلمين بل كتب للكفار بذلك قائلا: إنه لو قاتلكم وحدة لانتصر عليكم فإن الله وعده النصر و هو لابد لاقيه و مع ذلك فقد جاءكم لما لا قبل لكم به فسارعوا إلي الإسلام.
    سقطة في لحظة ضعف افتقد فيها التوكيل ووقع في سوء التأويل.
    ولكن لم يذهب القصد إلي المظاهرة لتغليبهم علي المسلمين أولدلهم على عورات المسلمين ومقاتلهم التي لا نجاة للمسلمين منهم بعدها.
    وقد تبين الرسول قصده وقال إنه قد صدق فهو لم يتركه مع وقوع فعل الموالاة منه إنما تبين له صدقة فخرج فعله عن وصف مولاة الكافرين إلى مجرد وصف التجسس أو خيانة سر الرسول صلى الله علية وسلم وهذا له عقوبته التي درأها لإسلامه .
    لأنه كما يقول ابن القيم :- وقد علل صرف العقوبة عنه بوصف أخص من الإسلام وإذا كانت العلة أمرا عاما كان الخاص عديم التأثير وبحيث علل بالخاص امتنع أن يكون العام عله لذلك الفعل ولهذا كان الأرجح في عقاب الجاسوس القتل حدا أو أن يترك لرأى الإمام. أ.هـ  من زاد المعاد غزوة الفتح
    أما من كان ولاؤه للكافرين لأي سبب من الأسباب أو لم يكن له ولاء إلا لمصالحه وشهواته ليس غير، عرف ذلك مما أخذ علية فهذا حكمه الكفر ولا شأن لنا باعتقاده فهذا ما لا يمكن الوقوف عليه وما يقال عن فعل حاطب يقال عن فعل أبي لبابه وهو يختلف تماما عمن قال الله فيه (وبشر المنافقين بان لهم عذابا أليما الذين يتخذون الكافرين أوليا ء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله) وواضح الفرق بين القصد إلي الإضرار بل المحق والاستئصال في أصحاب مسجد الضرار وبين عدم القصد إلي الإضرار ووضوح السقطة فمع بقاء الولاء لله ولرسوله وللمؤمنين .
    وهذا الفرق لم يعلم بإخبار غيبي بل بدلالة الأفعال والأقوال وهذا الفرق في العمل الظاهر دليل علي الفرق في الباطن والاعتقاد.
    يقول ابن القيم في كتاب زاد المعاد، الجزء 5، صفحة 64.
    واختلف الفقهاء في ذلك فقال سحنون إذا كاتب المسلم أهل الحرب قتل ولم يستتب وماله لورثته وقال غيره من أصحاب مالك رحمه الله يجلد جلدا ويطال حبسه وينفى من موضع يقرب من الكفار وقال ابن القاسم يقتل ولا يعرف توبة وهو كالزنديق وقال الشافعي وأبو حنيفة وأحمد رحمهم الله لا يقتل والفريقان احتجوا بقصة حاطب تقدم ذكر وجه احتجاجهم ووافق ابن عقيل من أصحاب أحمد مالكا وأصحابه. اهـ
    علي أن التبرؤ من مودة الكافرين ليس علي درجة واحدة بين المؤمنين ولذلك ذكر الله اتخاذ البطانة ولم يصفه بالكفر؛ وذكر الموالاة ولم يصفها ولو مرة واحدة بغير الكفر؛ وحددت الموالاة بأنها المظهرة والمناصرة والدل علي عورات المسلمين.
    وانظر إلى قصة عمر و أبى موسى والغلام النصراني الذي اتخذه أبو موسى كاتبا فنهاه عمر عن ذلك وساق إليه قوله تعالى "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً"(آل عمران: من الآية118)) الآيات وذلك عندما قال له أبو موسى له دينه ولى كتابته وانظر إلى هذه الآية لا يأتي فيها حكم الكفر لا لفظا ولا معنى.وانظر إلى آيات الله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ)(المائد ة: من الآية51) ( الآيات و إلى قوله تعالى (وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ )(المائدة: من الآية81)
    يقول ابن تيمية في تفسيرها ( بين سبحانه و تعالى أن الإيمان بالله والنبي وما انزل إليه يستلزم عدم ولايتهم فثبوت ولايتهم يوجب عدم الإيمان لان عدم اللازم يقتضى عدم الملزوم). ويقول سبحانه وتعالى )لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ )(آل عمران: من الآية28)
    يقول الطبري يعنى بذلك بريء من الله بارتداده عن دينه و دخوله في الكفر.
    ويقول سبحانه تعالى (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ )(المجادلة: من الآية22) الآيات.
    ويقول ابن تيمية فاخبر الله سبحانه وتعالى انه لا يوجد مؤمن يواد كافرا فمن واد الكفار فليس بمؤمن).
    وانظر الى قول النسفى في تفسير(إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ )(النساء: من الآية97)) يقول النسفى ونزل فيمن أسلم ولم يهاجر حين كانت الهجرة فريضة وخرج مع المشركين إلى بدر مرتداً فقتل كافراً ........
    ويقول أيضا : { ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ } حال من ضمير المفعول في «توفاهم» أي في حال ظلمهم أنفسهم بالكفر وترك الهجرة { قَالُواْ } أي الملائكة للمتوفّين { فِيمَ كُنتُمْ } أي في أي شيء كنتم في أمر دينكم؟ ومعناه التوبيخ بأنهم لم يكونوا في شيء من الدين { قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ } عاجزين عن الهجر { في الأرْضِ } أرض مكة فأخرجونا كارهين { قَالُواْ } أي الملائكة موبخين لهم { أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وٰواسعة فَتُهاٰجِرُواْ فِيهَا } أرادوا أنكم كنتم قادرين على الخروج من مكة إلى بعض البلاد التي لا تمنعون فيها من إظهار دينكم. أ.هـ
    والي قول ابن كثير في تفسير قوله تعالي (أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ) (قَالَ اِبْن جَرِير فَأَهْل النِّفَاق مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْض بِمَعْصِيَتِهِم ْ فِيهَا رَبّهمْ وَرُكُوبهمْ فِيهَا مَا نَهَاهُمْ عَنْ رُكُوبه وَتَضْيِيعهمْ فَرَائِضه وَشَكّهمْ فِي دِينه الَّذِي لَا يُقْبَل مِنْ أَحَد عَمَل إِلَّا بِالتَّصْدِيقِ بِهِ وَالْإِيقَان بِحَقِيقَتِهِ وَكَذِبهمْ الْمُؤْمِنِينَ بِدَعْوَاهُمْ غَيْر مَا هُمْ عَلَيْهِ مُقِيمُونَ مِنْ الشَّكّ وَالرَّيْب وَمُظَاهَرَتهمْ أَهْل التَّكْذِيب بِاَللَّهِ وَكُتُبه وَرُسُله عَلَى أَوْلِيَاء اللَّه إِذَا وَجَدُوا إِلَى ذَلِكَ سَبِيلًا فَذَلِكَ إِفْسَاد الْمُنَافِقِينَ فِي الْأَرْض وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ بِفِعْلِهِمْ ذَلِكَ مُصْلِحُونَ فِيهَا . وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ حَسَن فَإِنَّ مِنْ الْفَسَاد فِي الْأَرْض اِتِّخَاذَ الْمُؤْمِنِينَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ كَمَا قَالَ تَعَالَى " وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضهمْ أَوْلِيَاء بَعْض إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَة فِي الْأَرْض وَفَسَاد كَبِير " فَقَطَعَ اللَّه الْمُوَالَاة بَيْن الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ كَمَا قَالَ تَعَالَى " يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِنْ دُون الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا " ثُمَّ قَالَ " إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْك الْأَسْفَل مِنْ النَّار وَلَنْ تَجِد لَهُمْ نَصِيرًا" فَالْمُنَافِق لَمَّا كَانَ ظَاهِره الْإِيمَان اِشْتَبَهَ أَمْره عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فَكَانَ الْفَسَاد مِنْ جِهَة الْمُنَافِق حَاصِل لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي غَرَّ الْمُؤْمِنِينَ بِقَوْلِهِ الَّذِي لَا حَقِيقَة لَهُ وَوَالَى الْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَلَوْ أَنَّهُ اِسْتَمَرَّ عَلَى حَاله الْأَوَّل لَكَانَ شَرّه أَخَفّ وَلَوْ أَخْلَصَ الْعَمَل لِلَّهِ وَتَطَابَقَ قَوْله وَعَمَله لَأَفْلَحَ وَأَنْجَحَ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى " وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْض قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ " أَيْ نُرِيد أَنْ نُدَارِي الْفَرِيقَيْنِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ وَنَصْطَلِح مَعَ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ كَمَا قَالَ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق عَنْ مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد عَنْ عِكْرِمَة أَوْ سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ اِبْن عَبَّاس " وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْض قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ " أَيْ إِنَّمَا نُرِيد الْإِصْلَاح بَيْن الْفَرِيقَيْنِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَأَهْل الْكِتَاب .أ.هـ
    يقول الله لهم (أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ) فموالاة الكافرين نفاق يستحق صاحبه أن يكون في الدرك الأسفل من النار. وهذا هو الذي حذر الله المؤمنين منه وفتح الباب للمنافقين أن يتوبوا منه.
    ويقول القرطبى نقلا عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْأِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (التوبة:23) ويقول ابن عباس في تفسير الظالمون) هو مشرك لان من رضي بالشرك فهو مشرك ) .أ.هـ
    وغير ذلك كثير فهناك فرق بين عدم الحسم و التبرؤ الكامل من المشركين وبقاء بعض الثقة بهم أو الوشائج معهم أو الرقة لهم ؛ وبين موالاتهم بمظاهرتهم على المؤمنين ومسالمة من يسالمونه ومعاداة من يعادونه أو الوقوف في منتصف الطريق بينهم وبين المؤمنين ( حصرت صدورهم إن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم ) أو الكشف لهم عن عورات المسلمين و مقاتلهم ليستأصلوهم .
    وكذلك لا ينبغى أن يقال هذا كذاك ولم يحكم الله في هذا بالكفر فهكذا يكون الآخر . أو يقال أيضا هو كذلك وقد حكم الله بالكفر في هذا فيكون الأخر كذلك كلا والله فلكل حكمه عافانا الله من التلبيس وتحريف الكلم عن مواضعه والغضب لغير الله والانتصار لغير دينه و سنة رسوله صلى الله عليه وسلم وبالله التوفيق.
    وليكن منا على بال ما سبق أن بيناه من استدلال السلف بالآيات الغائبة الحكم كقوله تعالى : ( لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين) على ما هي نص فيه وعلى ما هو دون ذلك مما يصح أن يؤخذ منها حكم له .
    فيصح بناء على ذلك الاستدلال بهذه الآية على تصرفات يكون النص فيها هو قوله تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً )(آل عمران: من الآية118)
    ولكن يبقى معنى كل منهما متميزا عن الآخر ومناط كل حكم منهم متميزا عن الآخر ولا يصرف الحكم عن مناطه ولا يدخل مناط تحت حكم غير حكمه كما لا يصرف الحكم الى غير مناطه . اهـ من كتاب حد الإسلام .


    انتهى

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Jun 2007
    المشاركات
    111

    افتراضي رد: مسألة بحاجة إلى تحرير في كتاب الدكتور حاتم الشريف (الولاء والبراء بين الغلو والجف

    http://www.ibnamin.com/rad_hatem.htm

    تخريج أحاديث كتاب "الولاء والبراء" للشيخ حاتم العوني


    بسم الله الرحمان الرحيم

    وإن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره. ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مُضِلَّ له. ومن يُضْلِلْ فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمداً عبدُهُ ورسوله. و إن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي ؛ هدي محمد r. وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً. يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم. ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً}.

    أما بعد،

    قال إسماعيل بن إسحاق القاضي: دخلت على المعتضد، فدفع إلي كتاباً نظرت فيه. وكان قد جمع له الزلل من رخص العلماء، وما احتج به كل منهم لنفسه. فقلت له: يا أمير المؤمنين، مُصنِّف هذا الكتاب زنديق! فقال: لم تصحّ هذه الأحاديث؟ قلت: «الأحاديث على ما رويت. ولكن من أباح المسكر، لم يبح المتعة. ومن أباح المتعة، لم يبح الغناء والمسكر. وما من عالم إلا وله زلة. و من جمع زلل العلماء، ثم أخذ بها، ذهب دينه». فأمر المعتضد، فأحرق ذلك الكتاب.

    روى البخاري في صحيحه عن عروة قال: حج علينا عبد الله بن عمرو فسمعته يقول: سمعت النبي r يقول: إن الله لا ينزع العلم بعد أن أعطاكموه انتزاعاً، ولكن ينتزعه منهم مع قبض العلماء بعلمهم. فيبقى ناس جهال، يستفتون فيفتون برأيهم، فيضلون ويضلون.

    وقد أتانا الشيخ حاتم -هداه الله- بكتاب يهون فيه على المسلمين الاستعانة بالكفار في حربهم على المسلمين. وقد أسفني جداً وقوعه في أخطاء حديثية وعقائدية متعددة. أما الأخطاء العقائدية فلأنه تكلم في غير فنه. وقد كنت أنوي الرد عليه فيها، لولا أني وجدت من كفى ووفى في هذه المسألة.

    فبقيت الأخطاء الحديثية، فرأيت تبيينها في هذا الموضوع. أما الأحاديث التي في صحيح البخاري ومسلم فهي صحيحة. وما تبقى (سواء أصاب الشيخ في حكمه عليه أم أخطأ) أنقله هنا، وأنقل تخريج الشيخ باللون البني، وأعلق عليه مبيناً الصواب أو الخطأ. وأرجو أني قد استوفيت، وعلى الله توكلنا وحسبنا الله ونعم الوكيل.

    --------------------------------------------------------------------------------

    قال الشيخ حاتم:

    وأمّا في البراء، فيقول r، في حديث جرير بن عبد الله البجلي، عندما جاء ليبايعه على الإسلام، فقال جريرٌ لرسول الله r: يا رسول الله، اشْترطْ عليَّ، فقال r: ((أُبَايِعُك على أن تعبد الله ولا تُشْرِكَ به شيئاً، وتُقيمَ الصلاة، وتؤتيَ الزكاة، وتنصحَ المسلم، وتفارقَ المشرك [ وفي رواية: وتبرأ من الكافر])). أخرجه الإمام أحمد (رقم 19153، 19162، 19163، 19165، 19182، 19219، 19233، 19238)، والنسائي 7|147 - 148 رقم 4175، 4176، 4177)، من حديث أبي وائل شقيق بن سلمة، واختُلف عنه: فمن راوٍ له عنه عن جرير بغير واسطة، ومن راوٍ له عنه عن أبي نُحَيلة عن جرير. وقد رجّح ابن معين الأولى، كما في تاريخه (رقم 2814)، وانظر علل الدارقطني (4|91|ب). ولو صحّ الوجه الثاني، فأبو نُحَيلة أثبت له جماعةٌ الصحبة، وإن خالف في ذلك أبو حاتم الرازي، فمثله مقبول الحديث. وعلى هذا فالحديث صحيح.

    قال ابن الأمين: لم يعرفه ابن معين إلا عن أبي وائل عن جرير كما في تاريخه برواية الدوري (3|575). ورجح النسائي في المجتبى (7|148): عن أبي وائل عن أبي نخيلة عن جرير. والراجح إثبات صحبة أبي نحيلة، فيكون الحديث صحيحاً. لكنه ليس على شرط الشيخين لأن أبا نحيلة (أو نخيلة) من الوحدان.



    وفي حديث معاويةَ بنِ حَيْدَةَ t، أنه سأل رسول الله r عن آيات الإسلام؟ فقال r: ((أن تقول أسلمتُ وَجْهِيَ لله، وَتَخَلَّيْتُ، وتُقيمَ الصلاةَ، وتُؤْتيَ الزكاةَ. كُلُّ مسلمٍ على مسلم مُحَرَّمٌ، أخوان نصيران، لا يقبل الله من مشركٍ بعدما أسلم عملاً أو يُفَارِقَ المشركين إلى المسلمين)). أخرجه الإمام أحمد (رقم 20037، 20043)، والنسائي (رقم 2436، 2568)، وابن ماجه (رقم 234، 2536)، والحاكم وصحّحه (4|600)، من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جدّه معاوية بن حَيْدة. وقد توبع بهزٌ على أصل الحديث، مما يزيد حديثَه قوّة، فأخرجه الإمام أحمد (رقم 20011)، وابن حبان (رقم 160)، من طريق أبي قَزَعة سُويد بن حُجَير، عن حكيم بن معاوية، عن أبيه معاوية بن حَيْدة بنحوه، إلا أنه خالف في آخر الحديث، وانظر التعليق على هذه المخالفة في تحقيق مسند أحمد (33|215).

    قال ابن الأمين: الرواية التي عن سويد بن حجير فيها «لا يقبل الله من مشرك أشرك بعد ما أسلم عملا» وليست فيها زيادة: «أو يُفَارِقَ المشركين إلى المسلمين». وليست في كل الروايات عن بهز، لكنها صحيحة المعنى. قال الله تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدا} (116) سورة النساء.


    وفي حديث البراء بن عازب t أن النبيّ r سأل أصحابه عن أوثق عُرَى الإيمان، فأجابوا بعدّة أجوبة، فذكروا: الصلاة والزكاة، والصيام، والحجّ، والجهاد، وفي كل مَرّة كان يقول r: (( حسنةٌ، وما هي بها))، ثم قال r: ((إن أوثق عُرى الإيمان: أن تُحِبَّ في الله، وتُبْغِض في الله)). أخرجه الإمام أحمد (رقم 1854)، من حديث ليث بن أبي سُليم، وفيه خلاف. لكن للحديث شواهد متعدّدة يتقوَّى بها، فانظر تحقيق مسند الإمام أحمد (30|488 - 489).

    قال ابن الأمين: ليس من خلاف في ليث بن أبي سليم. هو فقيه سني عابد، لكنه ضعيف الحفظ وقد اختلط في آخر عمره أيضاً. ومع ضعفه يكتب حديثه ولا يحتج به. قال الذهبي في سير أعلام النبلاء (6|184): ملخصاً حاله: «لا يبلغ حديثه مرتبة الحسن. بل عداده في مرتبة الضعيف المقارب. فيروى في الشواهد والاعتبار وفي الرغائب والفضائل. أما في الواجبات فلا». فالحديث بهذا اللفظ ضعيف، لكن المعنى صحيح.



    وفي حديث سمرة بن جندب t أنّ رسول الله r قال: ((لا تُساكنوا المشركين، ولا تجامعوهم، فمن ساكنهم أو جامعهم فهو مثلهم)). أخرجه البزار (رقم 4569، 4570)، والحاكم وصحّحه (2|141 - 142)، وأبو نعيم في أخبار أصبهان (1|123)، من طُرق لا تخلو من ضعف، لكن يُقويه وَجْهٌ آخر عن سمرة، أخرجه أبو داود (رقم 2780)، والطبراني في الكبير (رقم 7023 - 7024). ويشهد له مُرسل قيس بن أبي حازم عن النبي r أنه قال: ((إني بريءٌ من كل مسلم مع مُشْرِك، ألا لا تَرَاءَى ناراهُما)). أخرجه النسائي (رقم 4780)، وانظر: سنن أبي داود (رقم 2638)، وجامع الترمذي (رقم 1604)، والعلل الكبير له (2|686 - 687 رقم 285)، وعلل الدارقطني (4|89|أ - ب ).

    قال ابن الأمين: الطريق التي أخرجها الشيخ هي عن إسحاق بن إدريس عن همام عن قتادة عن سمرة. وفيه إسحاق بن إدريس أبو يعقوب الأسواري البصري، وهو كذاب يضع الحديث. فمثل هذا الطريق لا يعبئ به ولا يكتب في الشواهد. ومن المؤسف أن يحتج الشيخ في العقيدة بحديث كذاب يضع الحديث. فأين تلك الطرق التي قوى الحديث بها؟ طريق إسحاق الكذاب، أم طريق محمد بن عبد الملك الأزدي الذي ترجم له ابن الجوزي في الضعفاء والمتروكين (3|82)؟ ولماذا يصدر الشيخ تخريجه بذكر طريق فيه كذاب وضاع؟ فهل الكذاب يعتبر بحديثه أم لا؟ فهذا كما قال الشاعر:

    إن كنت تدري فتلك مصيبة * وإن كنت لا تدري فالمصيبة أعظم

    أما ما أخرجه الطبراني من نسخة جعفر بن سعد بن سمرة عن ابن عمه خبيب بن سليمان عن أبيه سليمان عن سمرة. وهؤلاء: ثلاث الأثافي والديار البلاقع! أحدهم كان يكفي في سقوط الحديث. فما لك وما لهذا الإسناد الساقط؟ وهل في واحد من هؤلاء توثيق معتبر أصلاً؟ فهذه نسخة مجاهيل بل ضعفاء لا حجة فيهم. وهو الإسناد الذي قال فيه ابن القطان: «ما من هؤلاء من يعرف حاله. و قد جهد المحدثون فيهم جهدهم». وكان يكفي الشيخ -هداه الله- أن يأتم بما قاله الحافظ الذهبي -رحمه الله- عن حديث سمرة: «إسناده مظلم لا نقوم بمثله حجة». وهذا شيء ما خالف فيه أحد من الأئمة المتقدمين.

    أما مرسل قيس، فمتنه مختلف. وهذا هو لتتأمله: بعث رسول الله r سرية إلى خثعم، فاعتصم ناس منهم بالسجود، فأسرع فيهم القتل. قال: فبلغ ذلك النبي r فأمر لهم بنصف العقل، وقال: أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين. قالوا: يا رسول الله، لِمَ؟ قال: لا تراءى ناراهما. اهـ.

    فهذه الحديث على انقطاعه، لا يصلح أن يكون شاهداً، لأن متنه مختلف، والحادثة التي جاء بها مختلفة. فهو يتكلم عمن قتل خطأ من المسلمين المقيمين مع الكفار الحربيين، حيث يصعب تمييزهم عن الكفار. أي أن رسول الله r أعلمهم أنه بريئ من كل مسلم مع مشرك في دار حرب، ليعلمهم أن لا ديات لهم ولا قود. وهذا واضح من المتن. قال الإمام الشافعي (كما في سنن البيهقي 8|130): «إن كان هذا ثبت، فأحسب النبي r والله أعلم أعطى من أعطى منهم متطوعاً وأعلمهم أنه بريئ من كل مسلم مع مشرك والله أعلم في دار شرك ليعلمهم أن لا ديات لهم ولا قود».

    وخلاصة الكلام أن هذه الأسانيد المتهالكة لا تقوي بعضها البعض. فإن بل المنكر أبداً منكر، كما قال الإمام أحمد.



    وقال r: (( إني بُعثت بحنيفيّةٍ سمحة )). أخرجه الإمام أحمد (رقم 24855)، من حديث عائشة، بإسناد حسن. وله شاهدٌ من حديث ابن عباس: أخرجه البخاري معلّقاً في صحيحه - كتاب الإيمان، باب (29): الدين يسر - (12)، ووصله هو في الأدب المفرد (رقم 287)، والإمام أحمد (رقم 2107)، وانظر: تغليق التعليق لابن حجر (2|41 - 42).

    قال ابن الأمين: رواه أحمد (6|233): عن سليمان بن داود عن عبد الرحمان بن أبي الزناد عن أبي الزناد عن عروة عن أمنا عائشة مرفوعاً. وابن أبي الزناد فيه ضعف. لكن يشهد له ما رواه محمد بن إسحاق (مدلس) عن داود بن الحصين (جيد إلا في عكرمة) عن عكرمة عن ابن عباس قال قيل لرسول الله r: أي الأديان أحب إلى الله؟ قال: «الحنيفية السمحة». وله شواهد مرسلة أخرى ذكرها ابن حجر في تغليق التعليق (2|42).



    وعن أبي رافع t (وكان قبطيًّا)، قال: بعثتني قريشٌ إلى رسول الله r، فلما رأيت رسول الله r أُلقيَ في قلبي الإسلام، فقلت: يا رسول الله، إني والله لا أرجع إليهم أبداً، فقال رسول الله r: (( إني لا أخيس بالعهد، ولا أحبس البُرُد. ولكن ارجع، فإن كان في نفسك الذي في نفسك الآن، فارجع)). قال: فذهبتُ، ثم أتيتُ النبيَّ r، فأسلمتُ.

    قال ابن الأمين: أخرجه الإمام أحمد (رقم 23857)، وأبو داود (رقم 2752)، والنسائي في الكبرى (رقم 8621)، وابن حبان في صحيحه (رقم 4877). وإسناده صحيح.



    وقال r: ((أيُّما رجلٍ أمِنَ رجلاً على دمه ثم قتله، فأنا من القاتل بريء، وإن كان المقتولُ كافراً)). أخرجه الإمام أحمد (رقم 21946، 21947، 21948)، والبخاري في التاريخ الكبير (3|322 - 323)، والنسائي في الكبرى (رقم 8739- 8740)، وابن ماجه (رقم 2688)، وابن حبان في صحيحه (رقم 5982)، والحاكم وصححه (4|353)، من حديث عَمرو بن الحمق t. والحديث صحيح.

    قال ابن الأمين: طرق الحديث:

    1) عبد الملك بن عمير (ضعيف مخلط) عن رفاعة بن شداد الفتياني عن عمرو بن الحمق (له صحبة) مرفوعاً: «من أمن رجلاً على نفسه فقتله، فإنه يحمل لواء غدر يوم القيامة».

    2) إسماعيل السدي (متهم بالكذب) عن رفاعة بن شداد الفتياني عن عمرو بن الحمق (له صحبة) مرفوعاً: «من أمن رجلاً على نفسه فقتله، فأنا من القاتل بريء، وإن كان المقتول كافراً».

    3) أبو ليلى (متروك) عن أبي عكاشة (مجهول) عن رفاعة عن سليمان بن صرد مرفوعاً. وهذا إسناد لا قيمة له.

    4) رشدين (ضعيف جداً) عن معاوية بن صالح عن عاصم بن رفاعة البجلي عن عمرو مرفوعاً. وهذا أنكره البخاري.

    وهناك طرق أخرى فيها كذابين و مجاهيل (انظر المعجم الصغير 1|45 والمعجم الأوسط 8|5). فرجع الحديث على الإسنادين الأول والثاني. وابن عمير أحسن حالاً من السدي الكبير. فالسدي متهم بالكذب، وابن عمير غاية ما اتهم به هو التخليط، مع إقرارهم بصدقه. ولفظه مختلف عن لفظ السدي، إذ ليس فيه لفظة "وإن كان المقتول كافرا". بل هذه اللفظة ليست في كل الطرق عن السدي. والحادثة واحدة حصلت عند المختار. ومنهج الشيخ حاتم في تقوية الحديث بطرق هالكة مخالف لمنهج الأئمة المتقدمين.



    وقال r: ((إن الله لم يُحِلَّ لكم أن تدخلوا بيوت أهل الكتاب إلا بإذن، ولا ضَرْبَ نسائهم، ولا أكلَ ثمارهم، إذا أعطوكم الذي عليهم)). أخرجه أبو داود (رقم 3045)، وفي إسناده أشعث بن شعبة مختلفٌ فيه، وهو محتملٌ للتحسين.

    قلت: الحديث ضعيف، وإن كان معناه صحيحاً.



    وعن ابن عباس t، قال: ((مرض أبو طالب فجعل النبيُّ r يعـودُه)). أخرجه الإمام أحمد (رقم 2008، 3419)، والترمذي وحسّنه (رقم 3232)، والنسائي في الكبرى (رقم 8716، 11372، 11373)، وابن حبان في صحيحه (رقم 6686)، والحاكم وصححه (2|432)، والضياء في المختارة (10|389 - 494)، من طريق الأعمش عن يحيى عن سعيد بن جبير عن ابن عباس. وقد اختُلف في يحيى هذا من هو، فمن جعله ابن عمارة، ومن جعله ابن عباد، وعلى كلا الحالين فالحديث مقبول، وإن كان ابنَ عباد فالحديث صحيح، وهو الصحيح. انظر: شرح مشكل الآثار للطحاوي (5|264 - 266 رقم 2029).

    قلت: يحيى بن عمارة الملقب بابن عباد، كوفي مجهول تفرد عنه الأعمش، وليس له إلا هذا الحديث. فالحديث ضعيف، ويدل على ذلك تحسين الترمذي له.



    قال r: (( أدِّ الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تَخُنْ من خانك)). أخرجه أبو داود (رقم 3529)، والترمذي وحَسّنه (رقم 1264)، والحاكم وصححه (2|46)، وإسناده لاينزل عن درحة الحسن. وله شواهد: انظر: سنن أبي داود (رقم 3528)، ومسند الإمام أحمد (رقم 15424).

    أقول: للحديث طرق كثيرة كلها ضعيفة متهالكة لا يصح منها شيء.

    1) حديث أبي هريرة. أخرجه الترمذي (3|564): وقال عنه: «حسن غريب». وهذه اللفظة لا يستعملها إلا مع الحديث الضعيف، كما هو معلوم. وأخرجه الطبراني في الأوسط (4|55) بسبب غرابته. قال ابن حجر: «تفرد به طلق بن غنام عن شريك». وكلاهما ضعيف. وهذا الحديث معدودٌ من منكرات طلق. قال الذهبي في ترجمته الميزان (3|472): «قال أبو حاتم: روى حديثـاً منكراً عن شريك وقيس بن أبي حصين عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعاً أد الأمانة إلى من ائتمنك». وانظر علل ابن أبي حاتم (1|375).

    قال ابن القطان كما في نصب الراية (4|119): «والمانع من تصحيحه أن شريكاً وقيس بن الربيع مختلف فيهما». وقال البيهقي في سننه: «حديث أبي حصين تفرد به عنه شريك القاضي وقيس بن الربيع. وقيس ضعيف. وشريك لا يحتج به عند أكثر أهل العلم بالحديث. وإنما ذكره مسلم بن الحجاج في الشواهد». وقال ابن حزم في المحلى (8|182) فيه: «طلق بن غنام عن شريك وقيس بن الربيع، وكلهم ضعيف».

    2) حديث أنس. أخرجه الطبراني في الصغير (1|288) وقال: «لم يروه عن أبي التياح يزيد بن حميد إلا عبد الله بن شوذب. تفرد به أيوب (بن سويد، سارق للحديث متفق على ضعفه). ولا يُروى عن أنس إلا بهذا الإسناد». وقال ابن عدي في الكامل (1|362): «وهو منكر بهذا الإسناد».

    3) حديث طريق يوسف بن ماهك عن فلان مجهول عن آخر. وهو عند أبي داود (3|290). قال ابن حجر: «وفيه هذا المجهول». وقال البيهقي في سننه الكبرى (10|271): «الحديث في حكم المنقطع. حيث لم يذكر يوسف بن ماهك اسم من حدثه، ولا اسم من حدث عنه من حدثه». وقال ابن حزم في المحلى (8|182): «أما حديث فلان عن أبيه، ناهيك بهذا السند! ليت شعري: مَن فلان؟ ونبرأ إلى الله تعالى من كل دين أُخِذَ عن فلان الذي لا يُدرى من هو، ولا ما اسمه، ولا من أبوه، ولا اسمه».

    4) حديث أبي بن كعب. قال ابن حجر في تلخيص الحبير (3|97): «ذكره ابن الجوزي في العلل المتناهية. وفي إسناده من لا يعرف». وقال ابن الجوزي في العلل المتناهية (2|593): «فيه يوسف بن يعقوب مجهول. وفيه محمد بن ميمون، قال ابن حبان: منكر الحديث جداً لا يحل الاحتجاج به».

    5) حديث الحسن البصري. قال البيهقي: «وهو منقطع». قال ابن حزم في المحلى (8|182): «مرسل. وفيه المبارك بن فضالة (الراوي عن الحسن)، وليس بالقوي».

    6) حديث أبي أمامة. قال ابن حجر: «رواه البيهقي من طريق أبي أمامة بسند ضعيف». والذي قاله البيهقي هو: «وروي عن أبي حفص الدمشقي عن مكحول عن أبي أمامة عن النبي r. وهذا ضعيف: لأن مكحولاً لا يسمع من أبي أمامة شيئاً. وأبو حفص الدمشقي هذا مجهول». وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (4|145): «رواه الطبراني في الكبير. وفيه يحيى بن عثمان بن صالح المصري: قال ابن أبي حاتم: تكلموا فيه».

    قال ابن الأمين: وهذه طرق كلها شديدة الضعف، لا يمكن أن تقوي بعضها البعض. ولذلك حكم أهل العلم على هذا الحديث بالضعف من جميع طرقه. قال الشافعي: «هذا الحديث ليس بثابت». وقال ابن الجوزي: «لا يصح من جميع الطرق». ونقل عن الإمام أحمد أنه قال «هذا حديث باطل، لا أعرفه من وجه يصح».

    قال ابن حزم في المحلى (8|182): «ثم لو صحت، لما كان فيها حجة. لأن نصها "لا تخن من خانك وأد الأمانة إلى من ائتمنك". وليس انتصاف المرء من حقه خيانة. بل هو حق واجب وإنكار منكر. وإنما الخيانة أن تخون -بالظلم والباطل- من لا حق لك عنده، لا من افترض الله تعالى عليه أن يخرج إليك من حقك أو من مثله إن عدم حقك! وليس رد المظلمة أداء أمانة، بل هو عون على الخيانة».

    قال ابن عبد البر في التمهيد (20|159): «قوله r "أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك". وهذا معناه عند أهل العلم: لا تخن من خانك بعد أن انتصرت منه في خيانته لك. والنهي إنما وقع على الابتداء أو ما يكون في معنى الابتداء. كأنه يقول ليس لك أن تخونه وإن كان قد خانك كما من لم يكن له أن يخونك أولاً. وأما من عاقب بمثل ما عوقب به وأخذ حقه، فليس بخائن. وإنما الخائن من أخذ ما ليس له أو أكثر مما له».

    هذا وللحديث بقية إن شاء الله.
    قال الحسن البصري : لقد وقذتني كلمة سمعتها من الحجاج. سمعته يقول: إن امرؤا ذهبت ساعة من عمره في غير ما خلق له لحري أن تطول عليه حسرته يوم القيامة.

  10. #10

    افتراضي رد: مسألة بحاجة إلى تحرير في كتاب الدكتور حاتم الشريف (الولاء والبراء بين الغلو والجف

    بكل أسف انتشر هذا الفكر الإرجائى فى الأمة والذى يحصر الكفر فى عمل القلب فقط وقد أجمعت الأمة على أن الكفر يكون بالقول والفعل والترك والشك وبارك الله فيك أخى أبى موسى فقد وفيت وأتيت على مافى نفسى

  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Feb 2007
    المشاركات
    22

    افتراضي

    أشكر جميع الإخوة المداخلين.

  12. #12
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    المشاركات
    1,184

    افتراضي رد: مسألة بحاجة إلى تحرير في كتاب الدكتور حاتم الشريف (الولاء والبراء بين الغلو والجف

    لا يمكن أن يكون هناك مناصرة عملية للكافر على المسلم - دون سبب أو عذر - إلا وفي قلب صاحبه حب لانتصارالكافر على المسلم ، وهذا هو الذي لا خلاف في كفر صاحبه.
    أما إن كان تحت ضغط الهروب من ضرر أو تحصيل مصلحة شخصية ، فهذا هو الذي فيه الخلاف ، ولا يستوي هذا مع الأول لا عقلاً ولا شرعاً ولا طبعاً.

  13. #13
    تاريخ التسجيل
    Feb 2007
    المشاركات
    22

    افتراضي رد: مسألة بحاجة إلى تحرير في كتاب الدكتور حاتم الشريف (الولاء والبراء بين الغلو والجف

    أتمنى أحد الإخوة يُخرج كتابا في الرد على د/حاتم ، فالموضوع مهم .

  14. #14

    افتراضي رابطان لإثراء الموضوع


الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •