تقديم المفعول على المعطوف
تقوم اللغة على الاحتياج المعنوي والأهمية المعنوية ، والإنسان يتحدث بمستويات متعددة تحت رعاية الاحتياج المعنوي غالبا واللفظي نادرا مع علامات أمن اللبس ليكون بعيدا عن اللبس والتناقض وهو غاية كل لغة من لغات العالم ،كما هو الحال في قوله تعالى:"وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا"حيث قدم المفعول الثاني ففصل بين المتعاطفات بسبب أهمية المفعول الثاني للفعل ،وإن تأخر إلى ما بعد المتعاطفات طالت المسافة بينه وبين الفعل ،وضعفت العلاقة المعنوية بينهما ،ومن هنا قدم المفعول لإفراد المعطوف عليه، للعناية به ولتعظيم حقه ، ومثل ذلك قوله تعالى :"وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن"فقدم المفعول الثاني ففصل بين المتعاطفين ،حتى لا يتأخر وتضعف العلاقة المعنوية بينه وبين الفعل ، ويبدو أن الفتنة في الرؤيا أعظم منها في الشجرة الملعونة ومثل ذلك قوله تعالى :" وَوَصَّىٰ بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ "حيث تقدم المفعول بسبب أهميته للفعل وتأخر المعطوف ليتصل مع فحوى الوصية ،ويبدو أن سيدنا إبراهيم شدد في التوصية لأبنائة أكثر من سيدنا يعقوب ،ومثله قوله تعالى"وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيلُ ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم"جاء في التحرير والتنويرلابن عاشور:وعطف إسماعيل على إبراهيم تنويه به إذ كان معاونه ومناوله،وللإشار ة إلى التفاوت بين عمل إبراهيم وعمل إسماعيل أوقع العطف على الفاعل بعد ذكر المفعول والمتعلقات ، وهذا من خصوصيات العربية في أسلوب العطف فيما ظهر لي ولا يحضرني الآن مثله في كلام العرب ، وذلك أنك إذا أردت أن تدل على التفاوت بين الفاعلين في صدور الفعل تجعل عطف أحدهما بعد انتهاء ما يتعلق بالفاعل الأول ، وإذا أردت أن تجعل المعطوف والمعطوف عليه سواء في صدور الفعل تجعل المعطوف مواليا للمعطوف عليه .ويمكن أن نمثل على ذلك بقولنا: أعدَّ المعلم والمنسق امتحان اللغة العربية للطلاب ،وهذا يعني اشتراك المعلم والمنسق في عملية الإعداد ،وعندما نقول :أعد المعلم امتحان اللغة العربية للطلاب والمنسقُ ،فهذا يعني أن المعلم كان يقوم بالعمل الأساسي أما عمل المنسق فقد كان ثانويا ومساعدا،فالكلام يترتب بحسب الأهمية المعنوية ،والمتقدم في المنزلة والمكانة متقدم في الموقع والمتأخر في المنزلة والمكانة متأخر في الموقع كذلك .