قال تعالى:" لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا"
تقوم اللغة على الاحتياج المعنوي والأهمية المعنوية ، والإنسان يتحدث بمستويات متعددة تحت رعاية الاحتياج المعنوي غالبا واللفظي نادرا مع علامات أمن اللبس ليكون بعيدا عن اللبس والتناقض وهو غاية كل لغة من لغات العالم كما هو الحال في قوله تعالى:"لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا"وفي هذه الآية الكريمة ما يلي:
1- هذه الآية الكريمة تترتب من العام إلى الخاص ،والأصل فيها: جعلنا شرعة ومنهاجا لكل نبي أو قوم منكم " ولكن تقدم " المفعول الثاني "لكل قوم" أو نبي" بحسب الأهمية المعنوية ليرتبط مع الكلام السابق لأن آيات القرآن الكريم تترتب بحسب الأهمية المعنوية ،وقد سبق ذكر الأقوام والأنبياء عليهم السلام ،كما تقدم المفعول الثاني ليرتبط مع فعله أولا بحسب الأهمية المعنوية والاحتياج المعنوي.
2- دعت الحاجة المعنوية إلى الاعتراض بواسطة "منكم" من أجل أمن اللبس لأن حذفها يعني أن لكل نبي أو قوم شرعة ، والمقصود هو لكل نبي أو قوم من المذكورين سابقا شرعة ، وهي اليهودية أو المسيحية أو الإسلام، ولا يوجد ديانات غيرها ،فجاءت شبه الجملة "منكم" معترضة لأمن اللبس ،وقد قدر النحاة شبه الجملة هكذا:أعني منكم" حتى لا يظن ظان أن لكل نبي شرعة أو منهاج وفي الحقيقة لا يوجد إلا الشرائع الثلاث،وسأسوق هذا المثال للتوضيح:أقول:لكل طالب أعطينا قصة وكتابا ،وهذه الجملة تعني أن باستطاعة كل طالب أن يحصل على قصة وكتاب ،وأقول:لكل طالب أعطينا (أعني) منكم قصة وكتاب ،فالقصة والكتاب للطلبة المخاطبين أو المخصوصين بالذكر،وقد فصلنا بين الطالب والمطلوب بالجملة المعترضة وهذا كثير،والفصل ب"منكم"جاء لتخصيص العموم الذي أفادته "لكل نبي أو قوم"،وهذا يدل أيضا على أهمية الجملة المعترضة في الكلام وأنها تأتي بحسب الحاجة المعنوية إليها ولا تأتي عفو الخاطر.
3-يجوز أن تكون "منكم" صفة وقد فصل بين الصفة والموصوف أو تقدم الفاصل بحسب الأهمية المعنوية بينه وبين المفعول الثاني ،وهذا كثير في القرآن الكريم ،قال تعالى:"أفي اللهِ شكٌ فاطرِ السموات والأرض"فقد فصل بين الصفة والموصوف بواسطة المبتدأ المتأخر حتى لا تطول المسافة بين الخبر المتقدم والمبتدأ المتأخر وفي الآية الكريمة الأهمية لفعل الجعل وليست للصفة كي يرتبط مع مفعوله المتقدم.