قصة سيدنا موسى مع قومه
تقوم اللغة على الاحتياج المعنوي والأهمية المعنوية ، والإنسان يتحدث بمستويات متعددة تحت رعاية الاحتياج المعنوي غالبا واللفظي نادرا مع علامات أمن اللبس ليكون بعيدا عن اللبس والتناقض وهو غاية كل لغة من لغات العالم كما هو الحال في قوله تعالى:"وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاءَ وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ (*يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ*قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىٰ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ * قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَاادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ *قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَاأَبَدًا مَّا دَامُوا فِيهَا ۖ فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَاإِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ *قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي ۖ فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ* قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ ۛ أَرْبَعِينَ سَنَةً ۛ يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ ۚ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ *
وفي هذه الآيات الكريمة ما يلي:
1-قال تعالى على لسان سيدنا موسى :" قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي " فبدأ بنفسه ثم عطف عليها أخاه ، وهذا هو الأصل ،حيث يبدأ بالنفس بحسب الأهمية المعنوية يليه الغير ،تقول في أصل الكلام :هذا لي وهذا لغيري ، وقد تعدل عن الأصل فتقول:هذا لغيري وهذا لي إن كانت الأهمية المعنوية للغير، ثم قال بعد ذلك:" فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ* وكذلك هنا جاء الكلام على الأصل حيث قدم نفسه مع نفس أخيه على القوم الفاسقين .
2-اقتصر سيدنا موسى على نفسه ونفس أخيه ولم يضم إليهما الرجلين المؤمنين لأنهما لم يحوزا على الأهمية المعنوية عنده مع أنهما مؤمنان ،وما حذف من العقل حذف من الكلام ، لأنه لم يكن يثق بهما ولهذا لم يذكرهما كما يقول المفسرون أو لأنه رأى تقلب قومه من حال إلى حال .
3-إن وقفنا على " عليهم" صارت"أربعين سنة " ظرفا للتيه ،وإن وقفنا على "سنة " صارت "أربعين سنة" ظرفا للتحريم ،ولا يجوز الوقوف عليهما بسبب الاحتياج المعنوي بين أجزاء التركيب وعدم اكتمال المعنى.
4- هناك فرق في المعنى بين :
كتب لكم .
وكتب عليكم .
فهذان التركيبان يتمايزان من حيث المعنى في إطار الصيغة على المحور الرأسي للغة ،فالأول يعني:أعطاها لكم أو قدرها لكم ، والثاني يعني:ألزم نفسه أو التزم بكذا ، أو فرض ،يقول تعالى:كتب ربكم على نفسه الرحمة ،أي ألزم نفسه بالرحمة ،وقال تعالى:كتب عليكم الصيام :أي :فُرض،وقال تعالى:قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا:أي قدر أو أعطى لنا .