الممهدون لحياة الانهزام !! ..
حكم الشريعة منهج رباني جاء متسقاً مع الفطرة الإنسانية ، صلاحه وإصلاحه دالٌّ عليه حاكم الواقع بالمناسبة والموافقة للطبيعة الإنسانية في عاطفتها ، وحماسها ، ومنعها ورضاها .. ؛ لأنه منهج الله .. وذلك الوجود الحاكم ضرورة في سائر هرم وفروع الدولة الـمُسَلِّمةِ بهذه الشريعة الخالدة ..
على هذا الأصل سائر الوجود الإسلامي مئات السنين على قوة وضعف في التطبيق والإعمال .. حتى جاء عصر الاحتلال المتأخر فأجال عقيدةَ المسلمين ، وجعلهم منبهرين بحضارته الزائفة ، أو جد لنا من أبناء المسلمين من ينادي بضرورة إبعاد وإلغاء الشريعة من سياسة الناس ، والحكم بها في أمور دنياهم واجتماعهم ومعاشهم ، بل حتى في قضائهم وأموالهم !! ..
ولا عجب أنْ يتأثر عوام المسلمين بقوة بهرج المحتل ، لكن العجب أن يقع التأثر ، أو بصحيح الوصف والعبارة < العمالة ، أو الانهزام > : من ثلة ينظر الناس إليهم أنهم من المصلحين .. فكانوا بأفكارهم ، وتقريراتهم ، وكتاباتهم حلقةَ وصلٍ بين العلمانية الأوروبية والعالم الإسلامي ، ومن ثم فقد باركها المخطط اليهودي الصليبي، واتخذها جسراً عبر عليه إلى إفساد التعليم والتوجيه في العالم الإسلامي ، وتنحية الدين عن الحياة الاجتماعية ، بالإضافة إلى إبطال العمل بالشريعة ، والتحاكم إلى القوانين الجاهلية المستوردة، واستيراد النظريات الاجتماعية الغربية، وهو ما تم جميعه تحت ستار الإصلاح !! ..
وكان من أبرز أولئك النفر : < الأفغاني > صاحب الشخصية الغامضة ، وتلميذه الشهير < الشيخ محمد عبد > .. وغيرهم مما هو معروف لمن درس تلك الفترة الحالكة بأحداثها العظام ، وأثرها البالغ في الأمة التي جاءت بعدها من الجماهير الإسلامية التي اتخذت أفكار الشيخ فلان الإصلاحية مبرراً نفسياً لتقبلها للتغيير والتحريف المتدرج في الدول العربية ..
وقد كشف أحد العقلاء حال عوام الأمة المسلمة كيف تأثرت ورضيت بدلاً عن شريعة الله حكماً وفصلاً بينها .. كيف ساغ لها ذلك ؟! فكانت الإجابة أنَّ الأمة رضيت بقانون الغرب لـمَّـا أقسم بالله < المفتي > أنه موافق للشريعة !! ..
وأول من نادى بفكرة فصل السياسة عن الدين موافقةً للمفهوم الأوروبي ، وممن ينسب إلى دعاة الإصلاح ، هو عبد الرحمن الكواكبي (ت1902) يقول في كتابه طبائع الاستبداد (ص 113 ) الذي يفرح بالنظر إليه ، والنقل منه بعض الطلبة دون فهم مراده وتقريراته !! : ( .. فهذه أمم أوروبا وأميركا قد هداها العلم لطرائق الاتحاد الوطني دون الديني، والوفاق الجنسي دون المذهبي، والارتباط السياسي دون الإداري ..
دعونا ندبر حياتنا الدنيا، ونجعل الأديان تحكم الأخرى فقط !! دعونا نجتمع على كلمات سواء، ألا وهي فلتحيى الأمة، فليحيى الوطن، فلنحيى طلقاء أعزاء) ..
عبد الرحمن الكواكبي المنحدر من أصول < إيرانية شيعية > ، يؤصل مبدأ الفصل بين السلطة الدينية ، والسلطة السياسية للخليفة ، بوضوح تام في كتابيه ( طبائع الاستبداد ) و ( أم القرى ) واقترح أن يكون للخليفة سلطة محددة بمنطقة الحجاز فقط ، تشبه سلطة البابا على مدينة الفاتيكان ، وقد اقتبس الكواكبي ذلك الطرح عن تيار ( العثمانيين الجدد أتاتورك ورفاقه) الذين نقلوه بدورهم عن مؤلفات الأرمني النصراني ( مورداجا وهسون ) وقرينه ( غريك سوفاس ) ..
وهكذا تتناقل الأجيال أخطاء من سبقها دون دراسة واعية لتلك المنقولات ، والمؤثرات ، وتاريخها الذي كان سبباً في وجودها .. فتقلدها ظناً فيها النجاة والصلاح لواقعها الذي تعيش فيه .. ثم مع مرور الأيام تستيقظ بعد فوات الأوان ؛ لتعلم أنها على غير شيء من الصواب والحقيقة ..
ويذكرنا التاريخ : بـحماسة عاطفية قديمة لم تفد أصحابها إلا الحسرة والندم .. يوم فرح الناس في ابتداء دعوة أتاتورك المخلص من ظلم العثمانيين - زعموا - فأطلق أحمد شوقي أبياته المشهورة ، وصفق له المغفلون :
الله أكبر كم في الفتح من عجبِ ... يا خالد الترك جدد خالد العربِ
ولكن أحمد شوقي ومن معه بعد فترة من الزمان : أُسقط في يده بعد ذلك عندما فوجئ بأن ( خالد الترك ) بدلاً من أين يجدد خالد العرب ، فإنه بَدَدَ مجد الترك ومجد العرب !! ..
فهل نكون عقلاء فيما ننقل ، أو ننظر ، أو نقول ؟! .. ودروس الزمان عبرةٌ لكل ناظر ومجرب ..

حسن الحملي ..