تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: أدب الطلب في قصة موسى مع الخضر

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Aug 2010
    المشاركات
    3,673

    Lightbulb أدب الطلب في قصة موسى مع الخضر

    أدب الطلب في قصة موسى مع الخضر
    قال الله سبحانه وتعالى: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ} [يوسف: 3].
    قص الله علينا في كتابه الكريم قصة لرجلين عظيمين وشخصين كريمين اصطفاهما الله فرفع قدرهما، وأعلا مكانتهما، هذه القصة هي لنبي الله موسى عليه السلام مع الخضر عليه السلام، وموسى عليه السلام هو أفضل من الخضر بلا شك ولا ريب.

    هذه القصة فوائدها متعددة وفرائدها متنوعة، وثمارها كثيرة، قصة تأخذك بجمالها وتجذبك بحسنها، أخذ منها العلماء الدروس والعبر، والفوائد والفرائد، فهي قصة عظيمة، ونحن بإذن الله سنجتني من فوائدها وثمارها ما يتعلق بآداب الطلب، وسنعيش في ظلال هذه القصة مع جملة من الآداب التي ينبغي أن يتحلى بها الطالب مع معلمه وأستاذه وشيخه.

    وقبل الشروع نبدأ بقول أحكم الحاكمين وأصدق القائلين: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا * فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا * فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا * قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا * قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا * فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا * قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا * قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا * وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا * قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا * قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا}[سورة الكهف: من 60 -70]
    في ظلال هذه الآيات نتعلم ونتدبر ونأخذ الفوائد والدروس والعبر، فيا طلب العلم هذا هو المنبع الصافي، وهذا هو المنهل العذب، فخذ الهداية والرشاد منه، ففيه الكفاية، وفيه الغُنية عما سواه.
    قـرآن ربـك يا محـمد عزنا *** ونظامنا الداعي لعيش أرغدِ

    سبب القصة:
    ذكر البخاري ومسلم عن أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "قام موسى النبي خطيباً في بني إسرائيل فسئل أي الناس أعلم؟ فقال: أنا أعلم، فعتب الله عليه، إذ لم يرد العلم إليه"(1). وفي رواية: "بينما موسى في ملإ من بني إسرائيل جاءه رجل فقال: هل تعلم أحداً أعلم منك؟ قال موسى: لا، فأوحى الله عز وجل إلى موسى: بلى، عبدنا خضر، فسأل موسى السبيل إليه، فجعل الله له الحوت آية، وقيل له: إذا فقدت الحوت فارجع ..."(2).

    لما علم موسى عليه السلام أن هناك من هو أعلم منه ما كان منه إلا أن سأل ربه كيف الوصول إليه وأين يجده وذلك من حرصه على طلب العلم والزيادة منه، وهذا يدلنا على مكانة العلم وفضله وأهميته، فإذا كان نبي الله وكليمه موسى عليه السلام الذي يأتيه الوحي من ربه يذهب ويطلب العلم من عند غيره لما علم أن عنده من العلم ما ليس عند موسى، ونرى ذلك الحرص متجليا في قوله: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا}. يقول ابن القيم رحمه الله: "وَهَذَا هُوَ الَّذِي حمل مُوسَى على الرحلة إلى عَالم الأرض ليعلمه مِمَّا علمه الله، هَذَا وَهُوَ كليم الرَّحْمَن وَأكْرم الْخلق على الله فِي زَمَانه وَأعلم الْخلق فَحَمله حرصه ونهمته فِي الْعلم على الرحلة إلى الْعَالم الَّذِي وصف لَهُ، فلولا أن الْعلم أشرف مَا بذلت فِيهِ المهج وأنفقت فِيهِ الأنفاس لاشتغل مُوسَى عَن الرحلة إلى الْخضر بِمَا هُوَ بصدده من أمْر الأمة وَعَن مقاساة النصب والتعب فِي رحلته وتلطفه للخضر فِي قَوْله: (هَل اتبعك على أن تعلمن مِمَّا علمت رشدا) فَلم ير اتِّبَاعه حَتَّى استاذنه فِي ذَلِك وأخبره أنه جَاءَ متعلماً مستفيداً، فَهَذَا النَّبِي الْكَرِيم كَانَ عَالما بِقدر الْعلم وأهله صلوَات الله وَسَلَامه عَلَيْهِ"(3).

    ولنا أن نتأمل تلك الرحلة الشاقة التي رحلها نبي الله موسى عليه السلام في طلبه ذلك الرجل وقد وصف له مكانه: {فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا} أي أنه وصل ذلك المكان الذي وصف له، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "فأوحى الله إليه: أن عبداً من عبادي بمجمع البحرين، هو أعلم منك. قال: يا رب، وكيف به؟ فقيل له: احمل حوتاً في مكتل، فإذا فقدته فهو ثم، فانطلق وانطلق بفتاه يوشع بن نون، وحملا حوتا في مكتل، حتى كانا عند الصخرة وضعا رءوسهما وناما، فانسل الحوت من المكتل فاتخذ سبيله في البحر سربا، وكان لموسى وفتاه عجبا، فانطلقا بقية ليلتهما ويومهما، فلما أصبح قال موسى لفتاه: آتنا غداءنا، لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا، ولم يجد موسى مسا من النصب حتى جاوز المكان الذي أمر به، فقال له فتاه: {أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان} قال موسى: {ذلك ما كنا نبغي فارتدا على آثارهما قصصا} فلما انتهيا إلى الصخرة، إذا رجل مسجى بثوب، أو قال تسجى بثوبه، فسلم موسى، فقال الخضر: وأنى بأرضك السلام؟ فقال: أنا موسى، فقال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم، قال: {هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا* قال: إنك لن تستطيع معي صبرا}، يا موسى إني على علم من علم الله علمنيه لا تعلمه أنت، وأنت على علم علمكه لا أعلمه، قال: {ستجدني إن شاء الله صابرا، ولا أعصي لك أمرا}"(4). وهذا الحديث يبين لنا الآيات التي سبقت ويوضحها.

    في الآيات دروس وعبر كثيرة منها ما يلي:
    أولاً: التأدب مع المعلم:
    خطابات موسى عليه السلام للخضر تدل على قمة الأدب وأعلاه وأرفعه وهو يخاطب الخضر بقوله: {هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا}، يقول ابن سعدي: "فخرج الكلام بصورة الملاطفة، والمشاورة، وأنك هل تأذن لي في ذلك أم لا، وإقراره بأنه يتعلم منه، بخلاف ما عليه أهل الجفاء، أو الكبر، الذي لا يظهر للمعلم افتقاره إلى علمه، بل يدعي أنه يتعاون هم وإياه، بل ربما ظن أنه يعلمه معلمه، وهو جاهل جداً، فالذل للمعلم وإظهار الحاجة إلى تعليمه، من أنفع شيء للمتعلم"(5).

    ثانيًا: القصد من العلم الصلاح:
    الأصل أن طالب العلم إنما يطلبه لأجل الرشد، وهو صلاح القول والعمل والاعتقاد ومحبة القلب لذلك، وكراهة الكفر، والفسوق، والعصيان، ونفرة القلب عنها، ف"العلم النافع، هو العلم المرشد إلى الخير، فكل علم يكون فيه رشد وهداية لطرق الخير، وتحذير عن طريق الشر، أو وسيلة لذلك، فإنه من العلم النافع، وما سوى ذلك، فإما أن يكون ضارا، أو ليس فيه فائدة لقوله: {أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا}"(6). وفي هذه الآية أيضا فائدة أخرى وهي: إضافة العلم وغيره من الفضائل لله تعالى، والإقرار بذلك، وشكر الله عليها لقوله: {تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ} أي: مما علمك الله تعالى(7).

    ثالثاً: الصبر:
    من ليس له قوة الصبر على صحبة العالم والعلم، وحسن الثبات على ذلك، يفوته بحسب عدم صبره كثير من العلم، فمن لا صبر له لا يدرك العلم، ومن استعمل الصبر ولازمه، أدرك به كل أمر سعى فيه، {إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا * وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا * قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا}، فاصبر يا طالب العلم على معلمك وعلى تحصيل العلم، فالعلم لا ينال براحة الجسد.

    رابعاً: ربط الأمور بمشيئة الله:
    بمعنى أن يقرن المتعلم أفعاله وتصرفاته بالمشيئة {قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا}، فما أحوج طالب العلم إلى أن يرد أموره لله، ويكل الأشياء لباريها سبحانه.

    خامساً: الاصغاء الحسن للمعلم فيما يقول:
    ونلحظ ذلك من قوله تعالى: {قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا * قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا}، فوسى عليه السلام أبدى استعداده وعدم مخالفته لمعلمه، وفي هذا إشارة إلى ضرورة أن يحسن المتعلم الاستماع والإصغاء الشديد للمعلم أثناء الدرس وعندما يقوم المعلم بالنصح والتوجيه والإرشاد.

    سادساً: التواضع
    وهذا الأدب من أهم الآداب، وأولاها بالعناية، هذا الأدب هو قطب الرحى الذي تدور عليه العملية التعليمة فإذا لم يتواضع المتعلم لمعلمه ويعرف قدره فلا تعليم إذا.

    ندرك ذلك من خلال هذه القصة بكل وضوح وجلاء، فموسى بلا شك أفضل من الخضر عليهما السلام، ومع هذا تواضع وأخذ عنه العلم، وهو دونه في المنزلة، فكيف بطالب العلم الذي مكانة معلمه ومنزلته في العلم أعلا منه ولا يتواضع له، هذا الأدب له أهمية بالغة لا سيما في وقتنا الحاضر الذي أصبحت العلوم سهلة تناولها، فقد يترفع الطالب لمعرفته بعض المسائل التي عند معلمه أو لا يعلمها معلمه، فنقول لطالب العلم: قد تواضع من هو أفضل منك.

    روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "تعلموا العلم وتعلموا للعلم السكينة والحلم، وتواضعوا لمن تعلمون منهم، وليتواضع لكم من تعلمون، ولا تكونوا من جبابرة العلماء؛ فلا يقوم علمكم بجهلكم"(8).

    وكما أن التواضع مطلوب من المتعلم أن يتأدب به، فهو أيضاً خلق يجب على المتعلم أن يتحلى به، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "وإن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد، ولا يبغي أحد على أحد"(9).

    هذه جملة من الآداب التي اقتطفناها من تلك الحديقة الغناء، وهي قطرة من ذلك البحر، ولا يمكن أن نستقصي كل الفوائد من هذه الآيات، فسبحان من قال: {وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ} [البقرة: 255]، فلا نحيط بشيء من علمه، ولا نحيط بفهم جميع معاني كلامه، {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف: 23]، {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة: 201].

    نسأل الله أن يتجاوز عنا ويغفرنا خطأنا وعمدنا، وجدنا وهزلنا، وكل ذلك عندنا، والحمد لله رب العالمين.

    --------------------------------------
    (1) رواه البخاري (122) ومسلم (2380)
    (2) رواه البخاري (74).
    (3) مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة (1/159)
    (4) رواه البخاري (1/ 36).
    (5) تفسير السعدي (ص: 484).
    (6) تفسير السعدي (ص: 484)
    (7) المصدر السابق.
    (8) المجالسة وجواهر العلم (4/ 39)
    (9) رواه مسلم (2865).

    ((إنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرُهُمْ عَلَيَّ صَلاةً))

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    7,532

    افتراضي رد: أدب الطلب في قصة موسى مع الخضر

    بارك الله فيكم ،، أليس من الأفضل نقل الموضوع إلى منتدى المنهجية في طلب العلم ؟
    اللهم اغفر لأبي وارحمه وعافه واعف عنه اللهم اجعل ولدي عمر ذخرا لوالديه واجعله في كفالة إبراهيم عليه السلام

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    1,334

    افتراضي رد: أدب الطلب في قصة موسى مع الخضر

    من المواضيع الجميلة التي قرأتها أيضا هذا الموضوع
    http://majles.alukah.net/t125465/
    وليت صاحبه يكمله
    وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    13,804

    افتراضي رد: أدب الطلب في قصة موسى مع الخضر

    نفع الله بكم .

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •