تقديم العلم على القوة
صاحب العلم والقوة أفضل من صاحب المال
تقوم اللغة على الاحتياج المعنوي والأهمية المعنوية ،والإنسان يتحدث بمستويات متعددة تحت رعاية الاحتياج المعنوي غالبا واللفظي نادرا مع علامات أمن اللبس ليكون بعيدا عن اللبس والتناقض وهو غاية كل لغة من لغات العالم كما هو الحال في قوله تعالى:" وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنْ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * .
وفي هذه الآية الكريمة عدة أمور ،منها:
الأول: تقديم العلم والقوة على المال والنسب ،فالعلم والقوة أفضل وأشرف من المال والنسب في الميزان الإلهي ،فالعلم ملاك الإنسان ورأس الفضائل ،والقوة يظهر بها الأثر في الحروب ، فكان طالوت قويا في دينه وبدنه وحسن تدبير أمور الحرب ،وهذا هو المعتبر،لا شرف النسب والمال ،فإن فضائل النفس مقدمة عليهما.
الثاني :تقديم العلم على الجسم بالأهمية والفضل والشرف لأن العلم ملاك الإنسان ورأس الفضائل وأعظم وجوه الترجيح ،قال تعالى:" يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات " وقال تعالى " من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال " فقدم جبريل على ميكال لأن جبريل صاحب العلم والوحي وميكال صاحب الأرزاق ،وصاحب الحاجات النفسية مقدم على صاحب الحاجات الجسمية .
الثالث:قوله تعالى:" يؤتي ملكه من يشاء " يترتب من العام إلى الخاص عدولا عن الأصل من أجل أمن اللبس ،فقد تقدم المفعول الثاني "ملكه" (المأخوذ) على المفعول الأول"مَن"(الآخذ) بحسب الأهمية المعنوية ومنزلة المعنى بين الفعل "يؤتي" والمفعول الثاني ،لأن بقاء المفعول الثاني متأخرا في مكانه يجعله مفعولا به للفعل يشاء بفعل علاقة الاحتياج المعنوي بين أجزاء التركيب ،وهذا ملبس ،مما أدى إلى العدول عن الأصل في الترتيب ،وتقدم المفعول نحو الكلمة التي تربطه معها علاقة معنوية وهي الفعل "يؤتي" .
الرابع :هناك احتياج معنوي بين الفاصلة القرآنية "والله واسع عليم " ومضمون ما قبلها ،حيث الحديث عن الملك والمال والرزق.