لماذا تقدم المفعول وتأخر المعطوف على الفاعل؟
تقوم اللغة على الاحتياج المعنوي والأهمية المعنوية ،والإنسان يتحدث بمستويات متعددة تحت رعاية الاحتياج المعنوي غالبا واللفظي نادرا مع علامات أمن اللبس ليكون بعيدا عن اللبس والتناقض وهو غاية كل لغة من لغات العالم ،ومما يدل على ذلك قوله تعالى :"وإذ يرفع إبراهيمُ القواعدَ من البيت وإسماعيلُ ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم" فلماذا تقدم المفعول وشبه الجملة " القواعد من البيت" وتأخر المعطوف "اسماعيل"؟
هناك سببان لذلك : أولهما: من أجل أن يتصل بعض الفاعلين مع الدعاء أو لكي يتصل بعض الداعين مع الدعاء " ربنا تقبل منا" بحسب قوة العلاقة المعنوية والاحتياج المعنوي. ثانيهما:لأن سيدنا إبراهيم يشكل العامل الأساسي في عملية البناء ولهذا اتصل بالفعل بحسب قوة العلاقة المعنوية تلاه المفعول وشبه الجملة ، أما سيدنا اسماعيل فكان يقوم بالعمل الثانوي أو المساعد ،أو أنه كان يقوم بعمل غير مهم ، والمتقدم في المنزلة والمكانة متقدم في الموقع والمتأخر في المنزلة والمكانة متأخر في الموقع كذلك .جاء في التحرير والتنوير لابن عاشور:وعطف إسماعيل على إبراهيم تنويه به إذ كان معاونه ومناوله،وللإشارة إلى التفاوت بين عمل إبراهيم وعمل إسماعيل أوقع العطف على الفاعل بعد ذكر المفعول والمتعلقات ، وهذا من خصوصيات العربية في أسلوب العطف فيما ظهر لي ولا يحضرني الآن مثله في كلام العرب ، وذلك أنك إذا أردت أن تدل على التفاوت بين الفاعلين في صدور الفعل تجعل عطف أحدهما بعد انتهاء ما يتعلق بالفاعل الأول ، وإذا أردت أن تجعل المعطوف والمعطوف عليه سواء في صدور الفعل تجعل المعطوف مواليا للمعطوف عليه .ويمكن أن نمثل على ذلك بقولنا: أعدَّ المعلم والمنسق امتحان اللغة العربية للطلاب ،وهذا يعني اشتراك المعلم والمنسق في عملية الإعداد ،وعندما نقول :أعد المعلم امتحان اللغة العربية للطلاب والمنسقُ ،فهذا يعني أن المعلم كان يقوم بالعمل الأساسي أما عمل المنسق فقد كان ثانويا ومساعدا.