الأهمية المعنوية على المحور الرأسي في سورة يوسف
تقوم اللغة على الاحتياج المعنوي والأهمية المعنوية على المحورين الرأسي والأفقى، والإنسان يتحدث بمستويات متعددة تحت رعاية الاحتياج المعنوي غالبا واللفظي نادرا مع علامات أمن اللبس ليكون بعيدا عن اللبس والتناقض وهو غاية كل لغة من لغات العالم كما هو الحال في القرآن الكريم ،وهذه مجموعة من الآيات القرآنية من سورة "يوسف"حاولت تلمس الأهمية المعنوية لبعض الكلمات فيها وبيان سبب اختيارها على محورالاختيار ،وذلك كما يلي:
قال تعالى:"قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ *
توحى كلمة "بني"بالحب والمكانة العالية لسيدنا يوسف عند أبيه،وهي تصغير لكلمة "ابن"الذي يفيد التحبب.
َوقال تعالى"وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ *
وصف الدم بالمصدر "كذب" للمبالغة ،ثم قال:"فصبر جميل" وجاء بالجملة الاسمية التي تفيد الثبات على الصبر.
وقال تعالى :"وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ *
جاء بالفعل "شروه"بدلا من باعوه ،لأن كلمة باعوه توحي بالرق والمهانة لسيدنا يوسف (1)
وقال تعالى:" وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ *
توحي كلمة "وراودته" بالإرادة والطلب برفق ولين ،وقد تختص بمحاولة الوقاع أو المواقعة، وربما كانت خاصة بالمرأة التي تطلب أن يُفجر بها ، فالكلمة مناسبة جدا للقصة، وقال تعالى:"التي هو في بيتها"ولم يقل سيدته احتراما لسيدنا يوسف ،وكلمة "غلَّقت" توحي بالحرص على كتمان الأمر ،وكلمة "هيت لك"تعني التعجب والإغراء وهي مناسبة جدا للقصة.
فرد عليها سيدنا يوسف قائلا:معاذ الله"فجاء بالمصدر بدلا من الفعل لأن التعبير بالمصدر أقوى في الدلالة على الحدث لأنه غير مرتبط بزمن ،وفيه مبالغة .
وقال تعالى:" وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ*
قالت زليخا:"ما جزاء من أراد بأهلك سوءا" واختارت كلمة "بأهلك" بدلا من "بي" لتجعل الإساءة موجهة إلى شخص العزيز ولتستدر غضبه على سيدنا يوسف (2)
وقال تعالى:"وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ *
ذكَّرالفعل "قال" للدلالة على رجاحة عقل النساء اللواتي لُمْنَ زليخا. وكلمة "شغفها توحي بالحب الشديد.
فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ *
كلمة "أعتدت"توحي بالاهتمام والتقدير
وقال تعالى:" قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ *
كلمة :استعصم توحي بشدة الامتناع
وقال تعالى:" قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ *
كلمة :أصب:توحى بشدة الحب والميل.
وقال تعالى:" ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ *
جاء بالفاعل جملة "يسجننه"وهذا يفيد السجن المتواصل
وقال تعالى:" قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ *
القرآن الكريم يستخدم العام للرخاء والسنة للشدة.
وقال تعالى:" قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ *
كلمة "حصحص"تعني الجلاء وشدة الوضوح
وقال تعالى:" وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ *
قالت زليخا "إن النفس" بدلا من "نفسي" فاحتمت بالطبيعة الإنسانية لتقلل من حجم ما أقدمت عليه ،فالخطأ صفة إنسانية عامة.(3)
وقال تعالى:" وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ *
كلمة "أستخلصه " توحي بنفاسة سيدنا يوسف ومن عادة الملوك أن يستخلصوا ما هو نادر من الناس والجواهر.
وقال تعالى :"قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ *
كلمتا" حفيظ عليم" تتناسبان مع طلبه ليكون محاسبا على الخزائن
وقال تعالى:" وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ *
كلمة "مكَّنا" توحي بتعزيز مكانته ومرتبته في الأرض ،أما كلمة "يتبوأ" فتوحي كذلك بأهميته وعلو شأنه.
وقال تعالى:" فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ *
كلمة استيأسوا تفيد المبالغة.
وقال تعالى:"قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ *
جاء بأداة القسم التاء للتناسب الصوتي مع التاء في بقية الكلمات
وقال تعالى:"يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ *
كلمة "تحسسوا"توحي بالبحث المتمهل الذي لا يثير شبهة.
وقال تعالى:"قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ *
جاء بسوف بدلا من السين وهذا يوحي بغضبه منهم وعدم رضاه وإلا لجاء بالسين التي تفيد القرب.
============================== ===================
1،2،3 ،من كتاب البيان في روائع القرآن للدكتور تمام حسان