الفصل الثّاني : الآثار الوارة في المسألة .
وردت في الباب آثار كثيرة بثيرة منها :
الأوّل : أثر عمر .
قال شريح: " أتانى عروة البارقى من عند عمر: " أن جراحات الرجال والنساء تستوى فى السن والموضحة وما فوق ذلك فدية المرأة على النصف من دية الرجل ".رواه ابن أبى شيبة (رقم :28068) وعبد الرِّزاق (رقم : 17752) والبيهقى (8/95 - 96) وهو في غاية الصحة .
الثّاني : أثر علي بن أبي طالب .
الثّالث : أثر عبد الله بن مسعود .
الرّابع : أثر زيد بن ثابت .
قال ابن أبي شيبة كما في مصنّفه (رقم : 28069) حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، قَالَ : حدَّثَنَا زَكَرِيَا ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، قَالَ : كَانَ عَلِّيٌّ يَقُولُ : دِيَةُ الْمَرْأَةِ فِي الْخَطَأِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ ، فِيمَا دَقَّ وَجَلَّ.
وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَقُولُ : دِيَةُ الْمَرْأَةِ فِي الْخَطَأِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ ، إِلاَّ السِّنَّ وَالْمُوضِحَةَ فَهُمَا فِيهِ سَوَاءٌ.
وَكَانَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ يَقُولُ : دِيَةُ الْمَرْأَةِ فِي الْخَطَأِ مِثْلُ دِيَةِ الرَّجُلِ ، حَتَّى تَبْلُغَ ثُلُثَ الدِّيَةِ ، فَمَا زَادَ فَهِيَ عَلَى النِّصْفِ.
وهذا إسناد صحيح .
أخرجه محمد بن الحسن الشيباني في كتاب الحجّة (4/278)عن أبي حنيفة عن حماد عن إبراهيم عن عليّ-رضي الله عنه – بلفظ : "عقل المرأة على النصف من عقل الرجل، والمرأة في العقل إلى الثلث، ثم النصف فيما بقي"
ومحمد بن الحسن الشيبانيّ وشيخه أبو حنيفة ضعيفان في الرّواية عند المحقّيقين .
وأخرجه أيضاً (4/284) من طريق محمد بن أبان ، عن حماد ، عن إبراهيم ، عن عمر وعليّ .
ومحمّد بن أبان بن صالح بن عمير الجعفي الكوفى ضعَّفه أحمد وابن معين والبخاري وأبو داود والنسائي كما تعجيل المنفعة (2/165)
الرّابع: أثر شُريح القاضي .
قال الشَّعْبِيِّ ، عَنْ شُرَيْحٍ ؛ أَنَّ هِشَامَ بْنَ هُبَيْرَةَ كَتَبَ إِلَيْهِ يَسْأَلُهُ ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ : إِنَّ دِيَةَ الْمَرْأَةِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ ، إِلا فِي السِّنِّ وَالْمُوضِحَةِ.
رواه ابن أبي شيبة في مصنّفه (رقم : 28068)وإسناده صحيح .
الخامس : أثر الحسن بن أبي الحسن البصريّ .
قال ابْنِ عَوْنٍ ، عَنِ الْحَسَنِ ، قَالَ : تَسْتَوِي جِرَاحَاتُ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ عَلَى النِّصْفِ ، فَإِذَا بَلَغَتِ النِّصْفَ فَهِيَ عَلَى النِّصْفِ.
رواه ابن أبي شيبة في مصنّفه (رقم : 28071) بسند صحيح .
السّادس : أثر عمر بن عبد العزيز .
السّابع : أثر سعيد بن المسيّب .
رواه ابن أبي شيبة في مصنفه (رقم : 28078) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ (ح) وَعَنْ مَكْحُولٍ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ؛ أَنَّهُمَا قَالاَ : يُعَاقِلُ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ فِي ثُلُثِ دِيَتِهَا ، ثُمَّ يَخْتَلِفَانِ.
إسناد حسن إن شاء الله .
الثّامن : أثر الزهريّ .
قال معمر عن الزهري قال دية الرجل والمرأة سواء حتى يبلغ ثلث الدية وذلك في الجائفة فإذا بلغ ذلك فدية المرأة على النصف من دية الرجل"
رواه عبد الرزاق (رقم : 17746) بسند صحيح .
التّاسع :أثرعروة .
قال هشام بن عروة عن أبيه أنه كان يقول دية المرأة مثل دية الرجل حتى يبلغ الثلث فإذا بلغ الثلث كان ديتها مثل نصف دية الرجل تكون ديتها في الجائفة والمأمومة مثل نصف دية الرجل"
رواه عبد الرزاق (17752) وسند صحيح .
قلت : فهذه الآثار كلها تتّفق على تنصيف دية المرأة من دية الرّجل ما فوق الثّلث وأمّا ما دونه فمحلّ اختلاف فِمن قال بالتّصنيف مطلقاً ومِن قائل بالمساوات فيما دون ثلث الدّية والمناصفة فيما فوق ذلك .
الفصل الثّالث : الإجماع .
أجمع العلماء على أنّ دية المرأة على نصف دية الرّجل فيما فوق الثلث وقد نقل هذا الإجماع علماءٌ مختلفُو العصور والأمصار فمن متقدّم ومتأخّر فإليك بعض أقوالهم لا كلّهم لصعوبة الحصر .
الإمام محمّد بن إدريس الشّافعيّ (المولود عام :150 /الموفّى عام : 204هـ)
قال في الأمّ (6/106) : لَمْ أَعْلَمْ مُخَالِفًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ قَدِيمًا وَلَا حَدِيثًا فِي أَنَّ دِيَةَ الْمَرْأَةِ نِصْفُ دِيَةِ الرَّجُلِ ... فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَهَلْ فِي دِيَةِ الْمَرْأَةِ سِوَى مَا وَصَفْت مِنْ الْإِجْمَاعِ أَمْرٌ مُتَقَدِّمٌ ؟ فَنَعَمْ " اهــ
الإمام أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد الطّبريّ (المولود عام : 224 /المتوفّى عام : 310 هـ )
قال في تفسيره (9/43) لأن دية المؤمنة لا خلافَ بين الجميع إلا من لا يُعدُّ خلافًا= أنها على النصف من دية المؤمن"
الإمام أبو بكر بن المنذر (المولود عام : 242/المتوفى عام : 319 هـ)
قال في الإجماع (ص: 116) وأجمعوا على أن دية الرجل مائة من الإبل، وأجمعوا على أن دية المرأة نصف دية الرجل ).
الإمام أبو بكر الجصاص (المولود عام : 305/ المتوفّى عام : 370هـ)
قال في الفصول في الأصول (3/279) : اتِّفَاقُهُمْ عَلَى أَنَّ عِدَّةَ الْأَمَةِ عَلَى نِصْفٍ مِنْ عِدَّةِ الْحُرَّةِ .. وَأَنَّ دِيَةَ الْمَرْأَةِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ).
الإمام أبو عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري، ( المولود عام : 368هـ /المتوفّى عام : 463هـ)
قال في التّمهيد (17/358) : قَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ دِيَةَ الْمَرْأَةِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ ".
أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي القرطبي الظاهري ( المولود عام : 384/المتوفى : 456هـ)
قال في المحلّى (10/441) : صح الاجماع على أنَّ في أربعة أصابع من المرأة فصاعدا نصف ما في ذلك من الرجل بلا خلاف"
الإمام علاء الدين السمرقندي (المتوفى عام : 540هـ)
قال تحفة الفقهاء (3/113) : (إن دية المرأة على النصف من دية الرجل بإجماع الصحابة)
الإمام أبو الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن رشد القرطبي الشهير بابن رشد الحفيد (المتوفى : 595هـ)
قال : بداية المجتهد (2/413) :"اتفقوا على أن دية المرأة نصف دية الرجل في النَّفْس "اهـــ
الإمام أبو محمّد عبد الله بن قدامة المقدسي (المولود عام : 541 /المتوفّى عام : 620هـ)
قال في الكافي (4/12): "ودية الحرة المسلمة نصف دية الرجل لما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم في كتاب عمرو ابن حزم أنه قال : " دية المرأة على النصف من دية الرجل " ولأنه إجماع الصحابة روي ذلك عن عمر وعثمان وعلي وزيد وابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم ولا مخالف لهم" اهــ
الإمام شمس الدين أبو الفرج المقدسي (المولود عام : 597/المتوفى عام : 682هـ)
قال في الشرح الكبير على متن المقنع (9/518) : إذا كانت المرأة حرة مسلمة فَدِيَتُها نصف دِيَة الحر المسلم، أجمع على ذلك أهل العلم).
الإمام أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي شمس الدين القرطبي (المتوفى : 671هـ)
قال في الجامع لأحكام القرآن (7/19 ) : " أَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ دِيَة الْمَرْأَة عَلَى النِّصْف مِنْ دِيَة الرَّجُل" اهــ
الإمام تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني (المتوفى : 728هـ)
قال في منهاج السنة النبوية (4/238) : "ميراث إحداهن نصف ميراث رجل، ودِيَتُها نصف دية رجل، وهذا كله باتفاق المسلمين".اهــ
الإمام شمس الدين محمد بن أحمد المنهاجي الأسيوطي الشّافعيّ (المتوفى : 880هـ)
قال في "جواهر العقود ومعين القضاة و الموقعين والشهود"(2/222) وأجمعوا على أن دية المرأة الحرة المسلمة في نفسها: على النصف من دية الرجل الحر المسلم " اهــ
وغير هؤلاء الأجلاء قد نقلوا إجماعاً في هذه المسألة ولكن نكتفي بهذا القدر .
مخالفو الإجماع
وقد خالف الإجماع وشذّ عن الجماعة في هذه المسألة رجلان قد اشتهرا بالبدعة وسوء القول والمعتقد أعمى الله بصيرتهم وأصمّ آذانهم بأن يستمعا القول ويتّبعا أحسنه تركا المحكم وأخذا المتشابه وهما الأصمّ وابن عليّة فدونك أيّها الأخ الكريم أقوال العلماء فيهم .
قال يَزِيد بْنَ هَارُونَ : بِشْرٌ الْمِرِّيسِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ الأَصَمُّ , كَافِرَيْنِ , حَلاَلَيِ الدَّمِ "رواه الخلال في السّنّة (رقم : 1746)
وقَالَ اِبْنُ شَوْذَبٍ تَرَكَ جَهْمٌ اَلصَّلَاةِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا عَلَى وَجْهِ اَلشَّكِّ.
وَمِنْ أَتْبَاعِهِ وَأَشْيَاعِهِ بِشْرٌ اَلْمَرِيسِي وَالْمِرْدَارُ وَأَبُو بَكْرٍ اَلْأَصَمُّوَإِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ابْنُ عُلَيَّةَ وَابْنُ أَبِي دُؤَادٍ وَبُرْغُوثُ وَربَالُويَةُوَالْأَرْمَنِيّ ُ وَجَعْفَرٌ اَلْحَذَّاءُ وَشُعَيْبٌاَلْحَجَّامُ وَحَسَنُ اَلْعَطَّارُ وَسَهْلٌ اَلْحرَارُوَأَبُو لُقْمَانَ اَلْكَافِرُ فِي جَمَاعَةٍ سِوَاهُمْ مِنْ اَلضُّلَّالِ وَكُلُّ اَلْعُلَمَاءِ يَقُولُونَ فِيمَنْ سَمَّيْنَاهُمْ إِنَّهُمْ أَئِمَّةُ اَلْكُفْرِ وَرُؤَسَاءُ اَلضَّلَالَةِ " اهــ ذكره ابن بطّه في الشرح والإبانة على أصول السنة والديانة (ص:332)
قال إمام الحرمين أبو المعالي الجويني في الأصمّ :" هذا الرجل لا يسمى إلاعند مخالفة الإجماع والانسلال من ربقة الهدى والاتباع" اهــ
وقال الحافظ في اللسان (1/34) إبراهيم بن إسماعيل بن علية عن أبيه جهمي هالك كان يناظر ويقول بخلق القرآن مات سنة ثمان عشرة ومائتين انتهى وذكره أبو العرب في الضعفاء ونقل عن أبي الحسن العجلي قال قال إبراهيم بن علية جهمي خبيث ملعون قال وقال بن معين ليس بشيء وقال بن يونس في تاريخ الغرباء له مصنفات في الفقه شبه الجدل حدث عنه بحر بن نصر الخولاني وياسين بن أبي زرارة وقال الدوري عن بن معين ليس بشيء وقال الخطيب كان أحد المتكلمين وممن يقول بخلق القرآن قال الشافعي هو ضال جلس بباب السوال يضل الناس قلت باب السوال موضع كان بجامع مصر وقد ذكر الساجي في مناقب الشافعي هذه القصة مطولة وقال بن عبد البر له شذوذ كثيرة ومذاهبه عند أهل السنة مهجورة وليس في قوله عندهم مما يعد خلاف وذكر البيهقي في مناقب الشافعي عن الشافعي انه قال انا أخالف بن علية في كل شيء حتى في قول لا اله الا الله فاني أقول لا اله الا الله الذي كلم موسى وهو يقول لا اله الا الله الذي خلق كلاما سمعه موسى وله كتاب في الرد على مالك نقضه عليه أبو جعفر الأبهري صاحب أبي بكر الأبهري وذكر بن أبي حاتم في كتاب الرد على الجهمية ان إبراهيم هذا سأل أباه فقال يا ابت أليس كل شيء سوى الله مخلوق قال بلى قال فأخبر الناس ان أباه يقول القرآن مخلوق فبلغ ذلك الشيخ فأنكر على ولده "اهــ
وقال الذهبيّ في السير (9/113) في ابن علية :" جهمي شيطان"اهــ
وهل يعتمد شخصٌ مؤمن بالله على هذين الرّجلين وأمثالهم لا كثّرهم الله ويعدل عن أئمّة الهدى ومصابيح الدّجى من الصّحابة وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدّين ؟!!!