المأخذ العاشر : في تعريف الحدّ
في المعجم (ص : 160) الحدّ ... في اصطلاح الشّرع : عقوبة وجبت على الجاني .
قلت : الجاني في عرف الفقهاء إنّما هو القاتل أو القاطع أو الجارح .
قال الفيومي في المصباح (ص : 154) و( جَنَى ) على قومه (جِنَايَةً ) أي أذنب ذنبا يؤاخذ به وغلبت ( الجِنَايَةُ ) في ألسنة الفقهاء على الجرح و القطع والجمع ( جِنَايَاتٌ ) و( جَنَايَا ) مثل عطايا قليل فيه .اهــ
وممّا ينبغي أن لا يُتورّط فيه إضافة الاصطلاح إلى الشّرع لأنّ الشّرع وحيٌ منزّل من عند الله العزيز العليم لا اصطلاحات البشر .
والحقائق عند الأصوليين ثلاثة
الأولى : الحقيقة الشّرعية وهِيَ مَا تُلَقَّى مَعْنَاهَا مِنْ الشَّارِعِ .
الثانية : الحقيقة اللغوية وهي ما ثبت في اللسان العربي.
الثّالثة : الحقيقة العرفية أو الاصطلاحية وهي اتِّفَاقُ طَائِفَةٍ عَلَى أَمْرٍ مَعْهُودٍ بَيْنَهُمْ .
المأخذ الحادي عشر : جعل حديث نبويٍّ في كلام العرب
في المعجم (ص: 759) :وفي كلامهم :"ويل لأقماع القول "
قلت بل هو حديث نبويّ رواه أحمد في مسنده (2/865) وصححه الألبانيّ .
قال أبو منصور الأزهريّ في التهذيب (1/192) وروي عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال : ( ويلٌ لأقماع القَول ، ويلٌ للمصرِّين )اهــ
ومقصودي في إيراد قول الأزهري هو الإعلام أنّ أئمة اللغة يعزون هذه الكلمة إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم والله أعلم
المأخذ الثّاني عشر : في معنى الكفر .
في المعجم (ص : 792) " الكفر : الجحود "
قلت : هذا مذهب المرجئة الّذين لا يرون الكفر إلا التكذيب والجحود
قال النسفيّ الماتريديّ في التّمهيد (ص : 100) : الكفر هو التكذيب والجحود وهما يكونان بالقلبيّ
والصّواب أنّ الكفر يكون اعتقادياً وعملياً وقولياً كما يكون جحوداً وإنكاراً وعناداً ونفاقاً وإعراضاً وشكاً وهذا قول أهل السنّة والجماعة خلافاً للمرجئة .
قال شمر : قال بعضُ أهلِ العلم : الكفر على أربعة أنحاء : كفر إنكارٍ ، وكفرُ جُحودٍ ، وكفر مُعاندةٍ . وكفر نفاقٍ . ومن لِقي رَبَّهُ بشيء من ذلك لم يغفر له ويغفرُ ما دونَ ذلك لمن يَشَاء ، فأَما كُفرُ الإنكارِ فهو أن يَكفُرَ بقلْبه ولسانِه ولا يَعْرفُ ما يُذكَر له من التوحيد .
وكذلك رُوي في تفسير قوله جل وعز : ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ ءَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ) ( البقرة : 6 ) ، أي الذين كفروا بتوحيد الله .
وأما كُفرُ الجُحُودِ فأَنْ يعرِفَ بقلبه ولا يُقِرَّ بلسانه ، فهذا كافرٌ جاحِدٌ ككُفر إبليسَ ، وكفر أُمَيَّةَ ابن أَبي الصَّلْت .
ومنه قوله سبحانه : ( فَلَمَّا جَآءَهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ ) ( البقرة : 89 ) يعني كُفر الجُحود .
وأما كُفْرُ المعاندة فهو أَنْ يَعرف بقلبه ويَقِرَّ بلسانه ، ويأْبَى أَنْ يَقبَل ككفْر أَبي طالب حيثُ يقول :
ولقد عَلِمْتُ بأَنَّ ديِنَ محمدٍ *** مِن خيرِ أَدْيان البَرِيَّة دينَا
لوْلا المَلامةُ أو حِذارُ مَسَبَّةٍ *** لوَجَدْتَنِي سمْحاً بذاكَ مُبينَا
وأما كُفر النِّفاق فأَن يَكفر بقلبه ويقِرَّ بلسانه" .اهــ
[راجع : تهذيب الأزهري 10/110]
قال الجوهريّ في "صحاحه" الكفر ضدّ الإيمان .اهــ
هؤلاء أئمّة اللغة ودواوين العربيّة فأين أتى هذا الخطأ الشنيع !!!
المأخذ الثّالث عشر : اثبات اسم الماجد لله سبحانه وتعالى .
في المعجم (ص : 1013)" الواجد من أسماء الله تعالى "
قلت هذا الإسم لم يرد إلا في خبر ضعيف عند أهل الحديث وأسماء الله الحسنى وصفاته العليا لا يثبت إلا بالكتاب والسنّة الثّابتة مع كون الاسم وارد بصفة الإسمية وشموله معنىً بلغ في الحُسن غايته .
وقد وقع في الكتاب أيضاً أسماء على منوال الواجد مثل الباقي والجليل والجامع والرّشيد فيقال على ما قيل في الماجد .
المأخذ الرّابع عشر : في تعريف الصّدق
في المعجم (ص : 511) " الصدق مطابقة الكلام للواقع بحسب اعتقاد المتكلّم "
قلت : إنّ هذا خطأ حيث عرّفوا الصّدق مطابقة الواقع كما يحسب المتكلّم ويوافق اعتقاده ولو كان خطأً في نفس الأمر وهو قول النّظام المعتزليّ وأتباعه .
قال التفتازاني في المطوّل (ص 173) : - شارحاً كلام القزويني – (وقيل) قائله النّظام ومن تابعه : صدق الخبر (مطابقته لاعتقاد المخبر ولو ) كان ذلك الاعتقاد (خطأً) غير مطابق للواقع (و) كذب الخبر (عدمها) أي : عدم مطابقته لاعتقاد المخبِر ولو كان خطأً فقول القائل : السّماء تحتنا معتقداً ذلك صدق وقوله : السّماء فوقنا غير معتقد كذب "اهـــ
والصواب أن يقال : الصدق هو مطابقة الواقع سواء كان موافقاً باعتقاد المتكلم أم لا ؟ والكذب بخلافه .
فإن لم يقصد المرء الكذب فلا ملامة عليه شرعاً .
وقال علاء الدين أبي الحسن علي بن سليمان المرداوي الحنبلي في "التحبير شرح التحرير في أصول الفقه" (4/1727) قوله : " فصل " " الأكثر الخبر صدق وكذب " أعني : أنه محصور في هذين القسمين لا يخرج شيء عنهما ، ولا واسطة بينهما ، وهذا هو الصحيح ، وعليه الأكثر ؛ لأن الحكم الذي هو مدلول الخبر إما مطابق للخارج الواقع ، أو غير مطابق ، فإن كان مطابقاً فهو الصدق ، وسواء كان مع اعتقاد مطابقة أو لا ، وإن لم يكن مطابقاً فهو كذب .اهــــ
المأخذ الخامس عشر : في تعريف البدنة
في المعجم (ص : 44) "البدنة : ناقة أو بقرة يُنحر بمكّة قرباناً "
قلت : هذا التعريف منتقد من وجهين
الأوّل ادخال البقرة في البُدن ليس بصوابٍ عند التحقيق لأحاديث المفرِّقة بينهما وهو قول بعض الأئمّة منها حديث أبي هريرة عند الشيخين "من اغْتَسَلَ يوم الجمعة غُسْلَ الجنابة ، ثم راح فكأنَّما قَرَّب بَدَنَة ، ومن راح في الساعة الثانية ، فكأنَّما قرَّبَ بقرة ، ومن راح في الساعة الثالثة ، فكأنَّما قرَّبَ كَبْشا أقْرَنَ ، ومن راح في الساعة الرابعة ، فكأنَّما قَرَّبَ دَجاجة ، ومن راح في الساعة الخامسة ، فكأنَّما قرَّب بيضة ، فإذا خرج الإمام حضرتِ الملائكةُ يستمعون الذِّكر"
وحديث جابر بن عبد الله قال : نحرنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم عام الحديبية البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة" رواه مسلم
وفي رواية "اشْتَرَكْنَا مَعَ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- فِى الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ كُلُّ سَبْعَةٍ فِى بَدَنَةٍ فَقَالَ رَجُلٌ لِجَابِرٍ أَيُشْتَرَكُ فِى الْبَدَنَةِ مَا يُشْتَرَكُ فِى الْجَزُورِ قَالَ مَا هِىَ إِلاَّ مِنَ الْبُدْنِ. وَحَضَرَ جَابِرٌ الْحُدَيْبِيَةَ قَالَ نَحَرْنَا يَوْمَئِذٍ سَبْعِينَ بَدَنَةً اشْتَرَكْنَا كُلُّ سَبْعَةٍ فِى بَدَنَةٍ "
قال الطّحاويّ في "شرح مشكل الآثار" – بعد ذكر أحاديث – : فَكَانَ فِيمَا رَوَيْنَا فِي هَذَا الْفَصْلِ مِنْ هَذَا الْبَابِ مَا قَدْ دَلَّنَا عَلَى أَنَّ الْبُدْنَ خِلَافُ الْبَقَرِ لِتَمْيِيزِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهَا فِي الْأَسْمَاءِ ، وَفِي الثَّوَابِ عَلَيْهَا ، وَإِنْ كَانَ كُلُّ صِنْفٍ مِنْهَا يُجْزِئُ مِمَّا يُجْزِئُ مِنْ الصِّنْفِ الْآخَرِ لَا لِأَنَّهَا كُلَّهَا بُدْنٌ وَلَكِنْ لِأَنَّ الْبُدْنَ هِيَ الْبُدْنُ الْمَعْقُولَةُ مِنْ الْإِبِلِ ، وَالْبَقَرَ يُجْزِئُ مِمَّا يُجْزِئُ مِنْهَا لَا لِأَنَّهَا بُدْنٌ وَاَللَّهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ ". اهـــ
وقال الفيومي في "المصباح" : ففرق الحديث بينهما بالعطف إذ لو كانت البدنة في الوضع تطلق على البقرة لما ساغ عطفها لأن المعطوف غير المعطوف عليه وفي الحديث ما يدل عليه قال اشتركنا مع رسول الله r- في الحج والعمرة سبعة منا في بدنة فقال رجل لجابر أنشترك في البقرة ما نشترك في الجزور فقال ما هي إلا من البدن والمعنى في الحكم إذ لو كانت البقرة من جنس البدن لما جهلها أهل اللسان ولفهمت عند الإطلاق أيضا "اهـــ
الوجه الثّاني : أنّ قيدهم بالتي يُنحر بمكّة قرباناً فليس بذاك لأنّ البدنة وصف من أجل عظم بدنها ومن ثَمّ فتعمّ بالّتي يُنحر قرباناً وغيرها فتأمّل .
المأخذ السّادس عشر : في معنى البُكرة
في المعجم (ص :76) "البكرة : أوّل النّهار إلى طلوع الشمس "
ووجه الانتقاد هو تقييدهم زمن البكرة إلى طلوع الشمس والمعروف في كتب اللغة عدم تقييدها إلى الطلوع .
قال الفيروزأبادي في "القاموس" :البُكرة بالضمّ : الغُدوة "اهــ
وقال : الغدوة بالضّمّ : البُكرة أو ما بين صلاة الفجر وطلوع الشمس "اهـــ
ويستفاد من كلامي الفيروزأبادي أنّ الغدوة والبكرة مترادفين إذا كانتا غير مقيّدتين بطلوع الشمس فتأمّل .
وقال بدر الدّين العيني في "عمدة القاري" : فالبكرة أول النهار من طلوع الشمس إلى نصف النهار والعشية آخره "اهـــ
المأخذ السّابع عشر : تعريف المدرج
في المعجم (ص: 278) " المدرج في مصطلح الحديث : أن تُزاد لفظة في متن الحديث من كلام الرّاوي فيحسبها من يسمعها مرفوعاً في الحديث فيرويها كذلك "
قلت : أهملوا الإدراج في السند وهو قسيم المذكور عند المحدّثين فقال السيّوطيّ في أرجوزته :
وَمُدْرَجُ الْمَتْنِ بِأَنْ يُلْحَقَ فِي *** أَوَّلِهِ أَوْ وَسَطٍ أَوْ طَرَفِ
كَلامُ رَاوٍ مَّا بِلا فَصْلٍ ، وَذَا *** يُعْرَفُ بِالتَّفْصِيلِ فِي أُخْرَى،كَذَا
بِنَصِّ رَاوٍ أَوْ إِمَامٍ ، وَوَهَى *** عِرْفَانُهُ فِي وَسْطٍ اْوْ أَوَّلِهَا
وَمُدْرَجُ الإِسْنَادِ مَتْنَيْنِ رَوَى *** بِسَنَدٍ لِوَاحِدٍ ، أَوْ ذَا سِوَى
طَرْفٍ بِإِسْنَادٍ فَيَرْوِي الْكُلَّ بِهْ *** أَوْ بَعْضَ مَتْنٍ فِي سِوَاهُ يَشْتَبِهْ
أَوْ قَالَهُ جَمَاعَةٌ مُخْتَلِفَا ***فِي سَنَدٍ ، فَقَالَ هُمْ مُؤْتَلِفَا
وَكُلُّ ذَا مُحَرَّمٌ وَقَادِحُ ***وَعِنْدَيَ التَّفْسِيرُ قَدْ يُسَامَحُ
المأخذ الثّامن عشر : في تعريف الدّين
في المعجم (ص:307)" الدّين : الاعتقاد بالجنان والإقرار باللسان وعمل الجوارح بالأركان"
قلت : أهملوا عمل القلب واللسان وكلاهما من الدّين وأمّا الاعتقاد بالقلب فمن باب قول القلب .
قال شيخ الإسلام في " الواسطية" ومن أصول أهل السنّة والجماعة أنّ الدّين والإيمان قول وعمل قول القلب واللسان وعمل القلب واللسان والجوارح " اهـــ
المأخذ التّاسع عشر : في تعريف الرّبا
في المعجم (ص:326) " الرّبا ... في الشّرع : فضل خال عن عوض شرط لأحد المتعاقدين "
قلت : أهلموا في التعريف ربا النّسيئة – وهي البيع إلى أجل معلوم وإن كان بغير زيادة كما في نهاية ابن الأثير – وربا اليد وهي تأخير القبض .
وأحسن تعريف للرّبا – بحسب علمي – هو تعريف شيخ الإسلام زكريا الأنصاري قائلاً : "الرّبا لغة : الزيادة وشرعاً : عقد على عوض مخصوص غير معلوم التّماثل في معيار الشرَّع حالة أو مع تأخير في البدلين أو أحدهما " اهــ
قال الشرقاوي : قوله " أو مع تأخير ..." والتأخير صادق بتأخير القبض وتأخير الاستحقاق فالأوّل في ربا اليد والثّاني في ربا النّسأ "اهـــ [حاشية الشرقاوي على تحفة الطلاب 2/31]