نظرة في تطوير اللغة العربية


بقلم- فالح الحجية


اذا نظرنا في تاريخ اللغة العربية وكيف تكونت وكانت وكيف دخلتها هذه الكلمات الاعجمية وكيف سيطرت على السنتنا هذه اللهجة التي نتكلمها اليوم لراينا لهذه اللغة الخالدة تاريخا حافلا بالمعارك والعقبات واللطائف والغرائب فمن المعلوم ان العرب قبــل الاسلام - كما يقول المؤرخون - عرب عاربة وعرب مستعربة والعاربة كما يحدثنا التاريخ سكنت اليمن ومن مناطق جنوب الجزيرة العربية وكانت لهـــــا لغتها او قل لهجتها الخاصة بها كاللهجة الحميرية وحمير احدى اكبر القبائل العربية ولهجتها تختلف عن لغة الشمال الذين يسمـــــــون بالعرب المستعربة حسبما تطلق عليهم التسميات التاريخية من حيث انهم تناسوا لغتهم الاصلية واتخذوا لغة الجنوب لغة لهم قبل ان يتهدم سد مأرب في اليمن وهو سد عظيم بين الجبال اليمنية فلما تهدم اغرقت مياهه جل القبائل العربية اليمنية فنزحـــت هذه القبائل نحو الشمال وسكنت الحجاز وشمال الجزيرة العربية . ويحدثنا التاريخ ان العرب النازحين استطاعوا ان يصهروا السنــــة عرب الشمال لكثرتهم ويجعلونهم يتناسون لغتهم الاصلية بمرور الزمن ويتكلمون لغة الجنوب فسموا (العرب المستعربــــــة ) لتناسيهم لغة الاباء والاجداد واتخاذهم لغة القادمين اليهم من اليمن لغة لهم ومن العجيب ان يأتي قوم نازحون لمكان معيـــــــن فيستطيعون تغيير لغة اهله الى لغتهم والتغلب على السنة المواطنين الاصليين وقد وقف المحدثون في الادب العربي موقـــــف الحذر بل الشك والريبة من هذا الامر اذ انهم لا يصدقون ما تناقله اصحاب القديم . بل يبرهن بعضهم على ان لغة الشمال هــــي اللغة الاصلية وان عرب الجنوب النازحين الى الشمال هم الذين تناسوا لغتهم نتيجة للاختلاط مع عرب الشمال واتخذاهم لغة العدنانيين لغة لهم .

قريش هي القبيلة العربية التي كانت لها المكانة والصدارة في مكة قبل الاسلام عدنانية شمالية لغتهم ويحف بها من كل جانب القبائل العربية الاخرى النازحة والرازحة وبما ان هذه القبيلة تتكلم اللغة العربية بلهجتها الخاصة فقد استطاعت عــــــــــن طريق العلاقات الا جتماعية ورواح ومجيء العرب من والى مكة للتجارة والحج او غيرها ان تتغلغل لهجة قريش في السنة العــــــــرب المجاورين لمكة وبمرور الزمن اصبحت لغة قريش على كل لسان اذ ان لسيطرة القرشيين على مكة اهمية بالغة ولكثرتهم . وهكـــــذا اصبحت لغة قريش اللغة الرسمية العربية واجبرت القبائل العربية على النطق بها في المواسم والاسواق وفي القصيد في الشعر و الخطابة والنثر بعد ان تاثرت لغة قريش ايضا بلهجات القبائل الاخرى وبالنازحين اذ حوت لهجتها كلمات من لهجات شتى القبائل العربيـــــة بين القليل والكثير والاغلب لهجة قريش ونعود الى القول ان الفضل يرجع لقوة ومكانة وعظمة قريش بين القبائل في ذالك الوقت ومنزلتهم الدينية والاجتماعية والاقتصادية اذ انهم سدنة الكعبة المشرفة التي يؤمها الناس للحج في كل وقت وزمــــان ولأنهم الشرفاء والمسيطرون على التجارة في طول البلاد وعرضها .

واليوم اذا رجعنا الى مفردات اللغة العربية لوجدنـــــــــا فيها لغة قريش الغالبة اضافة الى لهجات اسد و مضر وهذل وغسان وغيرها من قبائل الجنوب ناهيك عن تاثير قبائل الشمال فهي لغة كل العـــــــــرب والاغلب قريش واللغة العربية لغة جامعة شاملة اذ انها لغة صوتية اشتقاقية صوتية لأنها تعرف من الصوت وتكتب علـــــى الاكثر حسبما تلفظ ونبراتها سهلة الصياغة على اللسان وان اجتماع كل حرف مع الحرف الاخر يعطيك لونا جديدا ونغمـــــــا يختلف عن النغم الاول بحيث تشكل انغاما مختلفة وفقا لسياقات الحرف وتناغمه مع الحرف الاخر وامكانية الكاتب او الشاعر في ذلك . واشتقاقية لأنها من أفعالها الأسماء وبمقدور المرء ان يتصرف كيفما يشاء ويشتق ما راق له بشرط عــــــد م الخروج على القواعد والموازين العامة لهذه اللغة العظيمة ولهذه الصفة استطاعت العربية أن تلائم كل العصور والازمنة وكل الحضارات وتنتج كـــــل هذه الاداب والعلوم وتبقي حية مدى الدهر وتساير كل الرقي والتحضر رغم تعاملها مع البداوة والغلضة وهي تحوى الكلمات الرقيقـــــــــ ـــة المتناهية في الرقة الى جانب الكلمات البدوية الجافة والشديدة الوقع والصعوبة فهي كما قال عليها الاديب المرحـــــوم عباس محمود العقاد - اللغة الشاعرة –

اتخذ الاسلام العربية لغة رسمية حيث نزل فيها القران الكريم له اذ انه نزل في بيئة عربية وانتشر في اقوام عـــــــــــرب والرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم الذي انزل عليه القرآن وارسله الله تعالى عربي قرشي فنزل القرآن الكريم بالعربية وكانت آنذاك لغة متكاملة من كل الوجوه وكان لنزوله كل الاثر في خلود هذه اللغة من جهة وتطورها من جهة اخرى فالقرآن الكريم كتاب خالد نزل من السماء وحفظه الله تعالى من كل تغيير او تحريف :
(( انا نزلنا الذكر وانا له لحافظون ))
وبحفظ القران حفظت العربية فالقرآن الكريم حفظها واخرجها في احرج المواقف متحديا كل العراقيــــــــ ـــــل والصعوبات وصانها واساليبها وقواعدها من كل ضر و وسعها واحدث فيها ثورة عامة في الكلمات والاساليب والمعاني وتقدما واسعا اذ انبرى العلماء المسلمون والعرب من دراستها والبحث فيها وفي اساليبها وقواعدها وبلاغتها .

وكل مكوناتها وقد مرت اللغة العربية بنكبات وتكالب عليها الأعاجــم لطمس معالمها في العصر الحديث خاصة بعد ان انتشت انتشارا واسعا في كل إنحاء العالم بفضل القرآن الكريم - فاينما وجــــــــد الاسلام وجد القرآن الكريم واينما وجد القرآن الكريم وجدت العربية . ومن هذه النكبات ماتعرضت له اللغة العربية من سياسة الاقوام التي انفرطت منها ورجعت الى لغتها التي كانت عليها قبل اسلامها مثل الصين و الهند والافغان والترك والفرس والاسبان وفي العصرالحديث ايضا مثل سياسة التتريك التي اتبعها الاتراك مع الشعب العربي الذي كان تحت السيطرة التركيـــــــــ ـــة والفرنسة في شمال افريقيا بالنسبة للاقطار العربية التي كانت تحت ظل الاستعمار الفرنسي.

القرآن الكريم سبيكة ذهبية للغــــــة العربية خالدة جمع اساليبها استوعبها وطورها احسن تطوير واضفى عليها قدسيته وعظمته لدى المسلمين في كافة انحاء العالـــــم واجلالاً وعظمة غرست في نفوسهم وقلوبهم ولبيان القرآن الكريم لاهميته في ذلك فقد تحدث في جميع اساليبها بين اللين والشدة والترهيب والترغيب والقصة والحكاية والخطابة وما فيه من البيان والسجع والطباق والجناس وكل البلاغة العربية فهو جامــــــــــــ ـع لنحوها وقواعدها وصرفها وبلاغتها كما استعمل لهجات وكلمات وتعابير بليغة لم تنطق العرب بمثلها قبل نزوله حتى قيل ان اللغة العربية هي لغة ( اهل الجنة ) كما جمــــــــــع لهجات بعض القبائل العربية فكان بحق الرافد الاول والاعظم فيها .

وبالاضافة الى القرآن الكريم هناك روافد اخرى اوجدها الاسلام تصب في تطوير اللغة العربية فالأسلام يحتاج الى اسلوب قوي متين وقول فصيح وقد جمع الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم كل الفصاحة والبيان فكان الحديث الشريف الرافد الثاني لها قد رفدها بأساليب وكلمات جديدة.

وكذلك الخطابة تعتبر رافدا اخر لها إذ إن الحـــــــــركة الإسلامية تحتاج إليها في بداياتها وذلك لعدم وجود وسائل أخرى لجهل الناس الكتابة فكان الرسول الكريم صلــــى الله عليه وسلم وخلفاؤه من بعده خطباء فكانت الخطابة الرافد الثالث .

إما الشعر فرغم هدوء حركته في بداية عصرصدر الأسلام فقد رقــت أساليبه وحسنت كلماته واستقى من القرآن الكريم الكثير فكان الشعر رافدا رابعا في تطوير اللغة العربية .

هذه هي الروافد التي كانت تصب في بحر اللغة العربية في الجاهلية وفي صدر الاسلام .

يتبع

امير البيــــا ن العربي
د. فالح نصيف الحجية الكيلاني
العراق- ديالى - بلـــدروز






****************