الهلع الفرنسي من الحجاب ... لماذا ؟

ليلى البيومي



إن ضعف الوازع الديني، وانتشار التحلل الأخلاقي، وتآكل دور الكنيسة في الغرب عموماً غير خاف على أحد، فلم يعد الوازع الديني يحرك أوروبا، بقدر ما أصبحت تحركها خريطة الجغرافيا السياسية والاستراتيجيات المتوسطة والبعيدة المدى، في ظل احتكار الولايات المتحدة لقيادة الحلف الأطلسي.
والرأي العام الغربي حيل بينه وبين المعرفة الكاملة بالعالم الإسلامي، وتولي الإعلام المغرض صناعة صور مشوهة مقلوبة لتحولات الإحياء الإسلامي، بالتمييز المصطنع بين مسلمين علمانيين ومسلمين متشددين.
هذه نقاط هامة نحتاجها ونحن نتحدث عن أزمة الحجاب في فرنسا هذه الأيام.
والحضور الإسلامي في ديار العلمانية لم يتجاوز قرابة خمسين عامًا من الزمان، فقد توجه إلى البلدان الغربية أفواج من المهاجرين منذ الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين، بحثًا عن عمل يرفع مستواهم المادي والاجتماعي، أو سلوكًا لطريق علم تجريبي أو إنساني ينفع النفوس والمجتمعات، أو هروبًا من استبداد سياسي واحتماءً بالديمقراطية والحرية.
لكن الإسلام تحول من الجيل الثاني والثالث، من مهاجر غريب، إلى مواطن أوروبي يسعى إلى التخلص من جذوره الثقافية والسياسية الأولى، ليندمج في الثقافة الغربية والحياة السياسية العامة، وبذلك أصبح هذا الإسلام الأوروبي رقمًا صعبًا داخل المعادلات الداخلية والدولية، بالنظر إلى الصحوة الدينية المتزايدة للعالم الإسلامي، والنزعات التوسعية للولايات المتحدة، والصراع العربي الصهيوني حول فلسطين المحتلة والشرق العربي الإسلامي.

صورة الإسلام في الضمير الفرنسي:

استقبل الغرب بعامة، وفرنسا بخاصة، هجرة الإسلام إلى أوروبا بذاكرة مشحونة بالمعارك الحربية والمواجهات السياسية بين العالم الإسلامي والعالم النصراني في حوض البحر الأبيض المتوسط.

وبالإضافة إلى الذاكرة المشحونة تزاحمت في المنطقة الدماغية البصرية صور ذهنية سيئة للإسلام والمسلمين، ومرة أخرى كان الإعلام المهيمن والاستشراق المتحيز وراء صناعة التحريف والتخويف.
الحالة الفرنسية لها علة أخرى في مواجهة الإسلام تتعلق بماضيها الاستعماري وما عانته مع المقاومة وجيوش التحرير، وبخاصة في الجزائر، وذلك ما سماه بعض المتخصصين بعقدة"ما بعد الاستعمار"، وتفسيرها أن فرنسا تحتضن مسلمين ذوي أصول جزائرية يذكرونها وهم على ترابها بهزيمتها وانهيار إمبراطوريتها الاستعمارية.
فالهزيمة الفرنسية في الجزائر كانت سياسية أكثر من كونها عسكرية، وتركت جرحًا غائرًا في الشخصية الفرنسية الوطنية (سيزاري: التمثلات الفرنسية للإسلام، في كتابها:"هل يجب الخوف من الإسلام؟").
ويكفي استقراء البرامج التلفزيونية الفرنسية خلال السنوات العشر السابقة لإدراك صعوبة تجاوز الذاكرة الفرنسية للهاجس الجزائري، ومن الطبيعي أن تتحفز النفس الفرنسية، وهي تستقبل الجزائريين والمغاربة القادمين إليها من المستعمرات السابقة، وتلجأ إلى الرفض بطرق ملتوية، منها الحذر الشديد من الإسلام، ولو كان فرنسيا!، وتخشى فقدان الهوية الأصلية والانتماء، وترى في القادمين الجدد والدين الجديد تهديدًا للجوهر والأصل.

محطات فرنسية بارزة في قضية الحجاب:

قضية الحجاب
التي تختزل قضية الحضور والمستقبل الإسلامي في فرنسا والغرب، شهدت شوطين كبيرين وساخنين، الأول عام 1989 والثاني عام2003.
وقد اعتبر بعض الكتاب الفرنسيين سنة 1989م سنة إسلامية لكثرة قضايا الحجاب في فرنسا وأوروبا وتركيا، ففي تلك السنة التهبت فرنسا وأوروبا بصدى الثورة الإيرانية، وظهور الجبهة الإسلامية للإنقاذ بالجزائر وانفجار"الآيات الشيطانية"لسلما رشدي، وتحول كثير من شباب ضواحي المدن الفرنسية نحو الإسلام.
وفي خريف تلك السنة تفجرت قضية الحجاب بفرنسا واحتلت كل شاشات التلفزيون الفرنسي رغم انشغال أكثر من 53% من الفرنسيين بانهيار حائط برلين وسقوط المعسكر الشيوعي وإسقاط الطاغية الشيوعي الروماني"تشاوشس و".
وبدأ الانفجار في جريدة"لوكورييه بيكاريو"في الثالث من أكتوبر، بعد أن أقدمت إدارة ثانوية"دوكرييه"ع لى طرد ثلاث تلميذات محجبات, لتتوالى الأحداث من بعد ذلك؛ ابتداء من احتجاج أسر التلميذات، وانتهاء بالموقف الذي اتخذته يومذاك"دانييل ميتيران"زوجة الرئيس الفرنسي المتوفى"فرانسوا ميتران"، مرورًا بمواقف جمعيات مناهضة للتمييز العنصري وجمعيات مسلمي فرنسا مثل"الدعوة والتبليغ"و"اتحاد المنظمات الإسلامية"و"الفي درالية الوطنية لمسلمي فرنسا".
ومنذ ذلك التاريخ وقضية الحجاب تسخن وتبرد حسب درجة حرارة الأحداث, إلى أن جاءت قضية تمثيلية المسلمين وتنظيم أنفسهم لتعيين مخاطب للحكومة.
أما سنة 2003 فهي سنة الاعتراف الرسمي بالإسلام في فرنسا، إذ تأسس فيها المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، المجلس الذي يعد المخاطب الرئيس في قضايا المسلمين بفرنسا؛ اجتهد وزراء سابقون في تأسيسه، إلى أن كللت جهود وزير الداخلية الحالي"نيكولا ساركوزي"بالنجاح بعد أن استطاع جمع جميع المسلمين في هيئة واحدة تنطق باسمهم وتنظم أمورهم وتدافع عنهم وتحظى بالاعتراف الرسمي من لدن الحكومة الفرنسية.

لتتمة تفاصيل و شرح المقال: هنا