قاعدة: ((الِاضْطِرَار لَا يبطل حق الْغَيْر))ظاهر القاعدة العموم؛ أي: أن كل اضطرار فإنه لا يبطل حق الغير.
مثال ذلك: لو صال شخص على شخص، فقتله هذا الشخص دفعًا لأذاه، فإنه يقتل به، أو تلزمه الدية.
وكذلك لو صال حيوان على شخص، فقتله هذا الشخص دفعًا لأذاه، فإنه يضمن ثمن الحيوان لصاحبه.
ولو تعرضت سفينة للغرق، فقام شخص بإلقاء بعض المتاع بدون إذن أصحابها، للتخفيف، فإنه يضمن ثمن المتاع.
ومن نظر إلى هذا العموم وجد أنه غير صحيح، والفقهاء على خلاف ذلك في كثير من الفروع.
ولذلك فإن الإمام ابن رجب رحمه الله ضبط هذه القاعدة فقال ((قواعده)) (36):
(("مَنْ أَتْلَفَ شَيْئًا لِدَفْعِ أَذَاهُ لَهُ لَمْ يَضْمَنْهُ، وَإِنْ أَتْلَفَهُ لِدَفْعِ أَذَاهُ بِهِ ضَمِنَهُ".
وَيَتَخَرَّجُ عَلَى ذَلِكَ مَسَائِلُ:
(مِنْهَا) لَوْ صَالَ عَلَيْهِ حَيَوَانٌ آدَمِيٌّ أَوْ بَهِيمَةٌ فَدَفَعَهُ عَنْ نَفْسِهِ بِالْقَتْلِ لَمْ يَضْمَنْهُ، وَلَوْ قَتَلَ حَيَوَانًا لِغَيْرِهِ فِي مَخْمَصَةٍ لِيُحْيِيَ بِهِ نَفْسَهُ ضَمِنَهُ.
(وَمِنْهَا) لَوْ صَالَ عَلَيْهِ صَيْدٌ فِي إحْرَامِهِ فَقَتَلَهُ دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ لَمْ يَضْمَنْهُ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، وَإِنْ اُضْطُرَّ فَقَتَلَهُ فِي الْمَخْمَصَةِ لِيُحْيِيَ بِهِ نَفْسَهُ ضَمِنَهُ
(وَمِنْهَا) لَوْ أَشْرَفَتْ السَّفِينَةُ عَلَى الْغَرَقِ فَأَلْقَى مَتَاعَ غَيْرِهِ لِيُخَفِّفَهَا ضَمِنَهُ، وَلَوْ سَقَطَ عَلَيْهِ مَتَاعُ غَيْرِهِ فَخَشِيَ أَنْ يُهْلِكَهُ فَدَفَعَهُ فَوَقَعَ فِي الْمَاءِ لَمْ يَضْمَنْهُ.
(وَمِنْهَا) لَوْ وَقَعَتْ بَيْضَةُ نَعَامَةٍ مِنْ شَجَرَةٍ فِي الْحَرَمِ عَلَى عَيْنِ إنْسَانٍ فَدَفَعَهَا فَانْكَسَرَتْ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ احْتَاجَ إلَى أَكْلِهَا لِمَخْمَصَةٍ.
(وَمِنْهَا) لَوْ قَلَعَ شَوْكَ الْحَرَمِ لِأَذَاهُ لَمْ يَضْمَنْهُ، وَلَوْ احْتَاجَ إلَى إيقَادِ غُصْنِ شَجَرَةٍ ضَمِنَهُ. ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ، وَخَالَفَ صَاحِبُ الْمُغْنِي فِي جَوَازِ قَطْعِ الشَّوْكِ لِلنَّصِّ الْوَارِدِ فِيهِ)) انتهى كلام ابن رجب رحمه الله.