الفرق بين المدَاراة والمداهنة
قد نسمع كثيرا هذين اللفظين ولا نعرف المعنى المراد منهما لذلك أحببت أن أضع بين أيديكم هذه السطور لنزداد معرفة بهما
قال ابن بطال: (المداراة من أخلاق المؤمنين وهي خفض الجناح للناس ولين الكلمة وترك الإغلاظ لهم في القول وذلك من أقوى أسباب الألفة وظن بعضهم أن المداراة هي المداهنة فغلط لأن المداراة مندوب إليها والمداهنة محرمة والفرق أن المداهنة من الدهان وهو الذي يظهر على الشيء ويستر باطنه وفسرها العلماء بأنها معاشرة الفاسق وإظهار الرضا بما هو فيه من غير إنكار عليه والمداراة هي الرفق بالجاهل في التعليم وبالفاسق في النهي عن فعله وترك الإغلاظ عليه حيث لا يظهر ما هو فيه والإنكار عليه بلطف القول والفعل ولا سيما إذا احتيج إلى تألفه ونحو ذلك .[3457] ((فتح الباري)) لابن حجر (10/528).
وقال القرطبي في الفرق بينهما: (أنَّ المدَاراة: بذل الدنيا لصلاح الدنيا، أو الدين، أو هما معًا، وهي مباحة وربما استحبت. والمداهنة: ترك الدين لصلاح الدنيا) [3458] ((فتح الباري)) لابن حجر (10/454). .
وقال الغزالي: (الفرق بين المدَاراة والمداهنة بالغرض الباعث على الإغضاء؛ فإن أغضيت لسلامة دينك، ولما ترى من إصلاح أخيك بالإغضاء، فأنت مدار، وإن أغضيت لحظِّ نفسك، واجتلاب شهواتك، وسلامة جاهك فأنت مداهن) [3459] ((إحياء علوم الدين)) للغزالي (2/182).
وقال ابن القيم: المداراة صفة مدح ، والمداهنة صفة ذم ، والفرق بينهما أن المداراة / تلطف الإنسان بصاحبه حتى يستخرج منه الحق أو يرده عن الباطل ، وأما المداهن / فهو الذي يتلطف مع صاحبه ليقره على ذنب أو يتركه على هواه فالمداراة لأهل الإيمان ، والمداهنة لأهل النفاق ) قال رحمه الله ( وقد ضُرِب لذلك مثل من أروع الأمثلة وذلك كرجل أصابته قرحة في قدمه فجاء الطبيب الرفيق فأخذ يعالج هذه القرحة ويخرج ما فيها ثم إذا به يضع الدواء الذي يُنبت اللحم ثم يتعاهدها ثم يضع عليها المراهم حتى ينشفها ثم يضع عليها خرقة فلا يزال يتابع هذا وهذا حتى نشفت رطوبتها ، وأما المداهن فهو الذي أتى إلى صاحب هذه القرحة وقال لا بأس عليك إنما هي شيء يسير واسترها عن عيون الناس بخرقة وتلهى عنها فلا يزال يزداد شرها وتكثر عفونتها حتى يهلك . ( كتاب الروح )
وقال ابن القيم أيضاً : المداراة والمداهنة فالأول من المطمئنة والثاني من الأمارة . ( كتاب الروح )
وقال ابن القيم أيضاً : المداراة، وهي المدافعة بالتي هي أحسن .( زاد المعاد م1ص162)
وسُئل الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن؛ عن الفرق بين المداراة والمداهنة؟
فقال :أما الفرق بين المداراة والمداهنة:فالمد هنة: ترك ما يجب لله من الغيرة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتغافل عن ذلك، لغرض دنيوي، وهوى نفساني.كما في حديث: (إن من كان قبلكم كانوا إذا فعلت فيهم الخطيئة، أنكروها ظاهراً، ثم أصبحوا من الغد يجالسون أهلها، ويواكلونهم ويشاربونهم كأن لم يفعلوا شيئا بالأمس) متفق عليه.
فالاستئناس والمعاشرة، مع القدرة على الإنكار، هي المداهنة.
وثمود لو لم يدهنوا في ربهم لم تدْم ناقتهم بسيف قدارِ
وأما المداراة:فهي درء الشر المفسد بالقول اللين، وترك الغلظة، أو الإعراض عنه، إذا خيف شره، أو حصل منه أكبر مما هو ملابس,وفي الحديث: (شركم من اتقاه الناس خشية فحشه).وعن عائشة رضي الله عنها:
أنَّهُ اسْتَأْذَنَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ فَقَالَ ائْذَنُوا لَهُ فَبِئْسَ ابْنُ الْعَشِيرَةِ أَوْ بِئْسَ أَخُو الْعَشِيرَةِ فَلَمَّا دَخَلَ أَلَانَ لَهُ الْكَلَامَ فَقُلْتُ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قُلْتَ مَا قُلْتَ ثُمَّ أَلَنْتَ لَهُ فِي الْقَوْلِ فَقَالَ أَيْ عَائِشَةُ إِنَّ شَرَّ النَّاسِ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ تَرَكَهُ أَوْ وَدَعَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ فُحْشِهِ .( متفق عليه )
أمثلة للمدارة : 1- شعيب عليه الصلاة والسلام لما نقص قومه المكيال ماذا قال ؟ (بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ )
2-الرجل المؤمن من آل فرعون لما كان يخاطب قومه لما أتى موسى عليه الصلاة والسلام ودعا فرعون ومن معه {وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُم مِّثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ } {وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ }
3- إبراهيم عليه الصلاة والسلام
{ إذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئاً{42} يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً }
4-في صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها :
أنَّهُ اسْتَأْذَنَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ فَقَالَ ائْذَنُوا لَهُ فَبِئْسَ ابْنُ الْعَشِيرَةِ أَوْ بِئْسَ أَخُو الْعَشِيرَةِ فَلَمَّا دَخَلَ أَلَانَ لَهُ الْكَلَامَ فَقُلْتُ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قُلْتَ مَا قُلْتَ ثُمَّ أَلَنْتَ لَهُ فِي الْقَوْلِ فَقَالَ أَيْ عَائِشَةُ إِنَّ شَرَّ النَّاسِ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ تَرَكَهُ أَوْ وَدَعَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ فُحْشِهِ .( متفق عليه )
قال الحافظ في الفتح قال القرطبي :والفرق بين المدارة والمداهنة أن المداراة بذل الدنيا لصلاح الدنيا أو الدين أو هما معا وهي مباحة وربما استحبت والمداهنة ترك الدين لصلاح الدنيا والنبي صلى الله عليه و سلم إنما بذل له من دنياه حسن عشرته والرفق في مكالمته ومع ذلك فلم يمدحه بقول فلم يناقض قوله فيه فعله فإن قوله فيه قول حق وفعله معه حسن عشرة .
5- معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه ماذا كان يقول ؟ كان يقول (ورُوي عن معاوية أنه قال: "لا أضع سيفي حيث يكفيني سوطي، ولا أضع سوطي حيث يكفيني لساني ولو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت قيل وكيف يا أمير المؤمنين قال كانوا إذا مدوها خليتها وإذا خلوها مددتها".
انظر غريب الحديث لابن قتيبة (2/413))
وقد عرضت قريش المداهنة على رسول صلى الله عليه وسلم وذلك عندما عرضت قريش أن يعبد النبي صلى الله عليه وسلم آلهتهم سنة وهم يعبدون الله سنة فنزل قول الله تعالى : ((فلا تطع المكذبين ** ودوا لو تدهن فيدهنون )) .
هذا والحمد لله رب العالمين
أمير عادل الرابحي
المدينة المنورة