قال العلامة عبد الرحمن السعدي
" يا عجباً لمن هو عاقل ويدعي العقل، وهو يعمل ما ينافي العقل من جميع الوجوه!!
فإن العقل يأمر بكل نافع، وبالاشتغال بالأهم عن المهم، وبترجيح أعلى المصالح على أدناها، وبردع صاحبه عن جميع الأمور الضارة.
وأكثر الخلق غير مستقيمين على هذا الأمر من كل وجـه، وكثير
من العقلاء يسلكه في بعض الأمور ويدعه في بعضها لأغراض نفسية رأى تقديمها على ما يقضي به العقل والشرع.
يا عجباً لمن يضيع أوقاته الثمينة في غير ما ينفعه وهي جواهر لا قيمة لها ولا يمكن استدراكها!!
ويا عجباً لمن أعطوا فهوماً وذكاءً؛ فصرفوها في العلوم الضارة، ومن أعطوا قوة وقدرة متنوعة؛ فصرفوها في الأمور الدنية وضيعوا الأمور العلية!!
ويا عجباً لمن كان شغلهم البحث عن عيوب من لا يحبونه، والاعتراض المتنوّع على من يبغضونه، كيف غطى السكر على عقولهم ولم يعلموا أن ذلك عين نقصهم والتعبير عن عدم فضلهم،
والسعي في نقل حسناتهم إلى من يبغضونه بحسب بغضهم لهم،
وهكذا تجد خلقاً كثيراً يدّعون أن لهم عقولاً كباراً وهم على هذه
الصفة!!
ويا عجباً لمن أغناهم الله وموَّلهم وأعطاهم وهم لم يستغنوا لا في دينهم ولا في دنياهم،
لا قاموا بالنفقات الواجبة ولا المستحبة، بل سعوا في تحصيل الأموال وتجميعها، ولم يعرفوا
أن المقصود منها أن تغني صاحبها بصرفها فيما ينفع في دينه ودنياه؛ فجمعوا بين التعب العظيم
في تحصيلها وبين الشح الزائد والبخل في إمساكها حتى انتقلت دنياهم إلى غيرهم
في حالة لا يحمدون عليها؛ فما أعظم حسرة هؤلاء وأشد أسفهم!!
وقس على أمثال ذلك أموراً تشاهدها وتسمع عنها في الخلق تنافي العقل ويستحق صاحبها أن يكون من أهل الحمق والجهل، وهذا من الأدلة على أن الذكاء والفطنة والعقل وحده، لا يهدي صاحبه إلا بهداية
خاصة من الله وعناية من توفيقه ولطفه، وهذا مما يوجب للعاقل أن لا يزال ملحًّا على ربه في توفيقه لأحسن الأعمال والأخلاق وأهداها وأرشدها."

[مجموع الفوائد واقتناص الاوابد]
[للعلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي]