قال الشيخ صالِح آل الشيخ حفظه الله:
«الجواب عن ذلك أنَّ الأولياء كما قرَّرَ أهل العلم على فئتين:
الفئة الأولى السابقون.
الفئة الثانية المقتصدون.

فليس للظالِم لنفسه المقيم على المعصية حظ في الكرامة لكن قد تَجري الكرامة على يدي من عنده بدعة أو معصية أو ظلمٌ لنفسه وذلك راجعٌ لأسباب:
السبب الأول:
أن يكون ليس هو المراد بِها وإنَّما يكون هذا المبتدع أو هذا الظالِم لنفسه في جهاد مع الكافر؛ في جهاد مع العدو الكافر فيعطيه الله عزَّ وجل الكرامة لا لذاته؛ ولكن لِمَا يُجاهد عليه وهو الإسلام وردِّ الكفر فيكون إعطاؤه الكرامة لا يغتر بِها لأنَّها ليست لشخصه وإنَّما هي للدليل على ظهور الإيِمان والإسلام على الكفر والإلحاد والشرك ونَحو ذلك.

السبب الثاني: أن يكون إعطاؤه الكرامة لحاجته إليها في إيِمانه أو في دنياه فتكون سبباً في استقامته أو في خير, فلهذا من جرى على يديه شيءٌ في ذلك فينظر في نفسه إن كان من أهل الإيِمان فيحمد الله عزَّ وجل ويثني عليه ويلازم الاستقامة على ما أكرمه الله عزَّ وجل به, وإن كان من أهل البدعة أو المعصية أو الظلم للنفس فيعلم أنَّ في ذلك إشارة له أن يلازم سنة النبي صلى الله عليه وسلم والإيِمان والتقوى حتى تكون البشرى له في الدنيا والآخرة ولا يكون قد قامت عليه حجة ونعمة من الله رآها ثُمَّ أنكرها»

شرح الطحاوية (2/1283,1282).
وقال في موضع آخر: «كرامات الأولياء قد تَجري للمجموع لا للأفراد, وهذا في حال الجهاد سواءٌ أكان جهاداً علمياً أم كان جهاداً بدنياً – يعني بالسنان-.
فقد يكرم الله عزَّ وجل الأمة المجاهدة, جَماعة المجاهدين من أهل العلم, يعني من الجهاد باللسان بقوة من التأثيرات الشرعية وبالنصر على من عاداهم بالملَكَة والحجة وبِما يعلمون به مواقع الحجج وما في نفوسهم بِما يكون أقوى من قُدَرِهم في العادة.
قد يكرمهم الله عزَّ وجل بذلك وإن لَم يكونوا من الملتزمين بالسنة.
وقد يكون كما ذُكِر؛ بعض أهل البدع يُعْطى قوة وينتصر على عدوه من النصارى مثلاً أو من اليهود أو من الملاحدة في أبواب المناظرات ويُكْشَفُ له من مُخبآت صدر الآخر ما لا يكون لأفراد الناس, ويُكْشَفُ له من القوة والحجة في التأثير على الناس ما يدخل في باب التأثير في الكونيات والشرعيات كما ذكرت لك سابقاً.
وكذلك في أبواب جهاد الأعداء بالسيف, فقد يُؤْتَى طائفة من المسلمين من أهل البدع والذنوب والمعاصي بعض الكرامات إذا جاهدوا الأعداء.
وهذا يُنْظَرُ فيه إلى المجموع لا إلى الفرد, والمجموع أراد نُصرة القرآن والسنة ودين الله عزَّ وجل ضدَّ من هو كافرٌ بالله وضِدَّ من هو مُعارضٌ لرسالة الرسل, أو من يريد إذلال الإسلام وأهل الإسلام.
فَيُعْطَى هؤلاء شيئاً من الكرامات وهي لا تدُلُّ على أنَّهم صالِحون وعلى أنَّ مُعْتَقَدَ الأفراد أنَّه مُعْتَقَدٌ صالِحٌ صحيح؛ بل تدلُّ على أنَّ ما معهم من أصل الدين والاستجابة لله والرسول في الجملة أنَّهم أحقُّ بنصر الله وبإكرامه في هذا الموطن لأنَّهم يُجاهدون أعداء الله عزَّ وجل وأعداء رسوله صلى الله عليه وسلم .
ولِهذا لا يُغْتَرُّ بِما يُذْكَرُ عن بعض المجاهدين أنَّهم حصلت لَهم كرامات متعددة.
وهذه الناس فيها لَهم أنْحاء: منهم من يُكَذِّبُ ويقول هؤلاء عندهم وعندهم من البدع والخرافات وإلخ, وبالتالي الكرامة لا تكون لَهم, فينفي وجود هذه الكرامات. ومنهم من يُصَدِّقُ بِها ويَجعل هذا التصديق دليلاً على أنَّهم صالحون وأنَّه لا أثر للبدعة وأنَّ الناس يتشدَّدون في مسائل السنة والبدعة.
وأمَّا أهل العلم المتبعون للسلف كما قرَّرَ ذلك ابن تيمية بالتفصيل في كتابه (النبوَّات) فإنَّهم يعلمون أنَّ المجاهد قد يُعطى كرامة ولو كان مبتدعاً, لا لذاته ولكن لِمَا جاهد له, فهو جاهد لرفع راية الله عزَّ وجل ضِدَّ ملاحدة, ضِدَّ كفرة, ضِدَّ نصارى, ضِدَّ يهود, ضِدَّ وثنيين, وهذا يستحقُّ الإكرام لأنَّه بذل نفسه في سبيل الله عزَّ وجل .
[شرح الطحاوية (2/1297,1296)].