اليهودية.. ديانة توحيدية أم شعب مختار
عرض/إبراهيم غرايبة
يحاول مؤلف هذا الكتاب أن يعرّف بالديانة اليهودية وفقا للمصادر الإسرائيلية، ويجيب عن سؤال "هل اليهودية ديانة توحيدية أم شعب مختار؟ وهل مقولة التفريق بين الصهيونية واليهودية وانتقاد الصهيونية والتسامح مع اليهودية مقولة صحيحة وقادرة على الاستمرار في ظل التعصب والتطرف المنتسب إلى اليهودية والذي يفوق الصهيونية؟".

الديانة اليهودية
- الكتاب: اليهودية.. ديانة توحيدية أم شعب مختار؟
- المؤلف: عمر أمين مصالحة
- عدد الصفحات: 223

- الطبعة: الأولى، 2005
- الناشر: دار الجليل للنشر والدراسات الأبحاث الفلسطينية، عمان
كانت بداية الديانة اليهودية في موقع جبل سيناء حين تسلم النبي موسى عليه السلام الوصايا العشر، التي تعتبر لب الشريعة اليهودية "الموسوية"، والتي تجمع بين فرائض العبادة والعمل الصالح بين بني البشر.


وبعد وفاة النبي موسى وأخيه هارون عليهما السلام تولى قيادة بني إسرائيل من بعدهما يوشع بن نون وبعد وفاته قاد الشعب اليهودي طبقة من القضاة كان آخرهم شاؤول "طالوت".

ثم تولى النبي داود عليه السلام الملك وكانت مملكته مثال القوة والاستقرار، وخلفه ابنه النبي سليمان عليهما السلام والذي شيد هيكلا مقدسا في أورشليم، وحسب معتقدات اليهود حفظت في هذا المعبد ألواح الوصايا العشر، وقد هدم الهيكل الذي بناه سليمان عام 586 ق.م، ثم أعيد بناؤه وهدم عام 70م.

وبعد وفاة سليمان عام 975 ق.م انقسمت الدولة اليهودية إلى مملكتين، الأولى هي الجنوبية "يهودا" بقيادة رحبعام بن سليمان وعاصمتها القدس، وقد انتهت هذه الدولة عام 586 ق.م على يد نبوخذ نصر البابلي.

والثانية هي مملكة شومرون الشمالية وعاصمتها نابلس، وقد استمرت مائتين وخمسين عاما ثم انتهت سنة 722 ق.م على يد الآشوريين بقيادة سرغون الثاني.

وفي العهد الروماني تعرض اليهود لاضطهاد شديد قتل فيه أكثر من نصف مليون يهودي، وفي هذه المرحلة أيضا بدأ اليهود يستوطنون في أوروبا حيث عانوا من الخرافات والمعتقدات العامة، ومن أخطر الإشاعات "فرية الدم" 1121م في مدينة بلو الفرنسية التي أدت إلى حرق جميع يهود المدينة، وتحولت فرية الدم هذه إلى سلاح في أوروبا الوسطى والشرقية ضد اليهود.

ثارت موجة الاعتداءات الأولى على اليهود في ألمانيا فور قيام الحملة الصليبية الأولى عام 1096م، ومنذ كارثة "الطاعون الأسود" تناقص عدد اليهود، وتردت أوضاعهم الاقتصادية، وهكذا أصبحت الغيتوهات من مميزات المدن الألمانية فقط.

وطرد اليهود من إنجلترا عام 1290م، ومن فرنسا في السنوات1306م -1361م واتجهوا إلى شمال شرق أوروبا.

أما في روسيا فقد تم تقسيم اليهود وتصنيفهم حسب المقياس نافعين وغير نافعين، وأدخل تحت بند غير النافعين العديد من الجماهير اليهودية لتتم مطاردتهم، واستبدل هذا القانون بقانون الخدمة العسكرية الإلزامية، للشباب اليهود لمدة خمس وعشرين سنة.

الشعب المختار
حاول عدد من الحاخامات والفقهاء والمفكرين تفسير فكرة الاختيار، فجاؤوا بتفسيرات كثيرة وكلها تؤكد فكرة الانفصال والانعزال عن الآخرين وشبهوا أنفسهم بحبة الزيتون مع المواد الأخرى، أي استحالة اختلاطهم مع الشعوب الأخرى.


ولم يخترهم الله بوصفهم شعبا وحسب بل كجماعة دينية تجمعها أفكارها وعقائدها، ويدل الاختيار على تفوق اليهود عرقيا، فقد اختير اليهود لأنهم من ذرية النبي إبراهيم، مثل ما جاء في التلمود: كل اليهود مقدسون، كل اليهود أمراء.

وقد اختار الله الشعب اليهودي حتى يكون خادما له، وليكون الوسيلة التي يصلح بها العالم -كما يعتقدون- أي أنهم أنبياء أو شبه أنبياء.

أما في العصر الحديث فقد حاول بعض المفكرين من اليهود التخفيف من حدة الاختيار: إن كل شعب يتم اختياره ليكون الشعب المختار وقد حظي اليهود بنصيب يفوق الآخرين.

ويصبح الشخص يهوديا إذا كانت أمه يهودية فقط، أما إذا كان والد الطفل يهوديا وأمه غير يهودية فلا يعتبر يهوديا.

وقانون الهجرة اليهودية يمنح كل يهودي حق العودة إلى إسرائيل، وبمجرد دخوله يمكنه الحصول على المواطنة.

وتشترط المؤسسة الحاخامية على الذين يرغبون في اعتناق اليهودية القيام بجميع الفرائض الدينية، الصغيرة منها قبل الكبيرة وهذا الشرط لا يساوم فيه.

ويصنف اليهود الأغيار إلى درجات أدناها عبدة الأوثان والأصنام وأعلاها أولئك الذين تركوا عبادة الأوثان، أي المسيحيون والمسلمون الذين يسمون "جيرهم" أي الأغيار المؤمنين بالله.

وتنص الشريعة اليهودية على أن الأتقياء من كل الأمم سيكون لهم نصيب في العالم الآخر، أما الزواج من الأغيار فغير معترف به في الشريعة اليهودية، ولا يؤخذ بشهادة الأغيار في المحاكم الشرعية اليهودية على اعتبار أنهم غير صادقين.

الحركات اليهودية
يستعرض الكاتب الحركات والتيارات اليهودية التي كان لها الأثر في تكوين المجتمع اليهودي، مثل اليهودية الأرثوذكسية التي ظهرت في أوائل القرن التاسع عشر والتي جاءت كردة فعل على التيارات التحررية الإصلاحية بين اليهود، وتنطلق من نقطة الثبات الكونية التي تقع خارج نطاق الطبيعة، وأن التوراة أنزلت على سيدنا موسى فوق جبل سيناء.


ويؤمنون أيضا بالتوراة والشريعة الشفوية بالرغم من أن الأرثوذكسية كانت مناهضة للصهيونية، ولكنها مع الأيام تقاربت معها على يد بعض الحاخامات، وينتمي معظم اليهود الأرثوذكس سياسيا إلى حزب "أغوادت يسرائيل" أو إلى حركة شاس لليهود الشرقيين، ويسيطرون على المؤسسات الدينية في دولة إسرائيل.

وتوجد أيضا حركة الحريديم المتزمتين، التي نشأت نتيجة التحرر العلماني وهجرة السكان من منطقة إلى أخرى، الأمر الذي زعزع استقرار الحياة التقليدية.

ويمتازون من خلال مظهرهم الخارجي ولباسهم، وتعتبر التوراة حجر الزاوية في جميع مجالات الحياة لديهم، ولهم معاهدهم التعليمية الخاصة، ويؤمنون بالتعاون مع العلمانية والصهاينة من أجل البقاء.

وهناك حزب أغودات يسرائيل الذي تأسس في أروربا عام 1912م، و يعتبر مرحلة جديدة في تطور ونمو المجتمع اليهودي التقليدي وبلورة الهوية اليهودية الشاملة وبديلا عن الهوية المحلية الضيقة.

وهناك حركة شاس الدينية لليهود الشرقيين، ولوحظ ظهورها عندما دخلت انتخابات عام 1983 ونجحت بها قوائم المتدينين.

وقام هذا الحزب بتأسيس العديد من المعاهد الدينية التعليمية والاجتماعية والجمعيات الجماهيرية التي تضم مئات المؤسسات التعليمية، وكذلك الحركة الحسيدية التي بدأت في جنوب بولندا وفي أوكرانيا في القرن الثامن عشر.

وقد لاقت هذه الحركة نجاحا كبيرا، فقد كان أتباعها من الفقراء والجماهير اليهودية التي عاشت في بؤس وفقر اقتصادي إثر تدهور الاقتصاد البولندي، وبعد طرد اليهود زاد عدد اللصوص والمتسولين، وكانت أعداد هذه الجماعات كبيرة، حيث وصلت إلى خمس عدد السكان.

الحياة الاجتماعية
تذهب العقيدة اليهودية إلى أن حواء خلقت من ضلع آدم، ويحتوي التلمود على نصوص تؤكد أهمية المرأة في حياة الأسرة والرجل، وتتحدث عن المرأة بكثير من العطف والتفهم.


ولكن هناك دعاء يتعين على اليهودي أن يردده كل يوم، إذ يحمد الله على أن خلقه يهوديا وليس من الأغيار، وأنه خلقه رجلا وليس امرأة، وكذلك تذكر اليهودية للمرأة دورها الفاعل في السياسة والمجتمع خاصة في المجتمعات المنفتحة.

أما الفتاة الحريدية فلها تعامل خاص، فمنذ الصغر تتم تربيتها على الاحتشام والسير مغطاة الرأس، ولا تعمل خارج المنزل إلا في الظروف الاقتصادية الحرجة وفي أعمال معينة.

ومع ظهور الحركات الإصلاحية اليهودية، أخذ اليهود يندمجون سياسيا وثقافيا ولغويا مع المجتمع الذي يعيشون فيه، وخفت حدة شروط الزواج، وقام الإصلاحيون بإلغاء الصلوات ذات الطابع اليهودي القومي، وأدوا الصلاة باللغة الإنجليزية والألمانية، مهملين المحظورات التي ينص عليها القانون اليهودي، وخاصة المتعلقة بالطعام والكهنة.

كما سمحوا بتنصيب نساء لمنصب الحاخام، وأسقطوا معظم شعائر السبت، حتى ازداد التكيف مع روح العصر، ونادوا بحذف جميع مميزات الخصوصية اليهودية من كل طقوس الدين والتخلي عن فكرة الحلولية الخاصة بالشعب المختار كليا والإبقاء على هذه الفكرة لإعطائها الدلالة الأخلاقية.

فجعلوا الشعب اليهودي يحمل رسالة واليهود تشتتوا في العالم لينشروا رسالتهم بين البشر، واعتبروا النفي وسيلة لتقريبهم من الآخرين وليس لعزلهم عنهم.

أما أصحاب الفكر "القبالي" أي الصوفية فهي تدور في إطار توحيدي، يصدر عن الإيمان بالله الذي يتجاوز الإنسان والطبيعة والتاريخ، ويؤمن بالثنائيات الدينية: سماء/أرض، إنسان/طبيعة، إله/إنسان، ويخضع لقانون واحد.

ويستطيع المتمكن من هذا القانون أن يتحكم في العالم بأسره، ويظهر أثر القبالاة في الصلوات والأدعية والتسابيح والابتهالات وشعائر السبت والعادات والأخلاق،..إلخ.

ومن الفئات الاجتماعية عند اليهود "الكهنة"، ويجب أن يكون حامل هذا اللقب من نسل هارون أخي النبي موسى عليهما السلام، والذي يلقب بالكاهن تنطبق عليه المحظورات المختلفة ويتمتع بمزايا خاصة، مثل تلاوة التوراة في الكنيس اليهودي، وهي طبقة مغلقة لا يستطيع أحد من خارجها الانتماء إليها.

ولا يحق للكهنة امتلاك أرض أو أن يرثوا مالا لكنهم يعفون من الضرائب، وكذلك يوجد في المجتمع اليهودي "القراؤون" الذين يعتبرون أنفسهم اليهود الحقيقيين.

ويعتبر عنان بن داود المؤسس لهذه الطريقة, ويقال إنه التقى الإمام محمد بن علي بن أبي طالب "ابن الحنيفية" الذي نصحه بإعادة تفسير الوصايا في التوراة وبالفعل نفذ ذلك.

ويعتقد البعض أن للتأثير الإسلامي دورا رئيسيا في تطور القرائية، مثل إبطال نجاسة الميت، وتحريم شرب الخمر، وتشابه كبير في أحكام المحارم والميراث، وعادات الوضوء والاغتسال قبل دخول المعبد، ولكن بعد وفاة عنان زادت الخلافات حول كثير من المسائل حول اعتماد التوراة أم التلمود...

ويوجد في المجتمع اليهودي "العبرانيون السود" أو اليهود الزنوج ذوو البشرة السوداء المؤمنون باليهودية والملتزمون بتطبيق الشريعة اليهودية.

ويؤكد هؤلاء أن أنبياء اليهود كانوا من السود، وأن إسرائيل كانت دولة لذوي البشرة السوداء، وقد أثارت وسائل الأعلام الشك حول يهودية الزنوج كما أنكرت المؤسسة الدينية انتماءهم إلى الدين اليهودي حتى تقدم بعض قادتهم بالشكوى إلى الأمم المتحدة لتعرضهم لللقمع والتمييز.

وبعد قدوم "الفلاشا" اختلطت الأوراق بين العبرانيين السود من جهة ويهود الفلاشا من جهة أخرى، فهم جميعا سود البشرة والفلاشا هم المنفيون، ويعود أصلهم إلى جنوب شبه الجزيرة العربية، وربما جاؤوا من صعيد مصر، أو ربما كانوا من الذين استوطنوا إثيوبيا وآمنوا بالعناصر اللاهوتية المشتركة بين المسيحيين واليهود في إثيوبيا، و"الجعرية" هي لغة العبادة بين اليهود والمسيحيين هناك.

وبالرغم من اعتراف الحاخامية بالفلاشا فإن الاعتراف لم يكون كاملا حتى إن مدينة إيلات رفضت أن تمد لهم الماء والكهرباء، لأنها مدينة سياحية ووجودهم لا يجتذب السياح.

وترفض جماعات الفلاشا أن تبعث أولادها إلى المدارس الدينية، ويقال إن هناك تقاربا بين عقيدتهم مع المسلمين، ولكنهم اندمجوا فيما بعد مع المؤسسات الحديثة، وظهر نموذج الفلاشي الجديد المتعلم الذي يتولى أمور الجماهير ويدافع عن حقوقهم.