قال الشيخ ابن عثيمين في نظمه

77ـ قد يَثْبُتُ الشيءُ لغيرِهِ تَبَعْ***وإنْ يكنْ لوِ استَقَلَّ لامْتَنَعْ

قوله: (قد) : هنا يحتمل أن تكون للتحقيق، ويحتمل أن تكون للتقليل، والمراد الأول يعني: أن الشيء يثبت لغيره تبعاً، لكن بشرط أن تتحقق التبعية، فإذا تحققت التبعية تحقق الإتباع.
وقوله: (تبع) : حال من فاعل (يثبت) وسكَّنها، مع أنها منصوبة، لأجل القافية، وكذلك وفقاً للغة ربيعة الذين يقفون على المنصوب بالسكون.
وهذه القاعدة وهي أن الشيء قد يثبت تبعاً لغيره مع أنه لو استقل لكان حراماً قد نَصَّ عليها الفقهاء رحمهم الله، فقالوا: يثبت تبعاً ما لا يثبت استقلالاً، وللقاعدة أمثلة كثيرة منها:
ـ اللبن: بيعه في الضرع حرام؛ للجهالة، ولعدم التمكن التام من استيفائه، فلا يحل بيعه. لكن لو باع شاة لبوناً، يعني فيها لبن، فإنه يجوز، فيكون صحة العقد على اللبن تبعاً.
ـ رجل باع شاة فيها لبن، بإناء كبير مملوء لبناً فهل يجوز بيع اللبن باللبن متفاضلاً؟ نقول: لا يجوز، ولكن هنا يجوز مع أن اللبن في الضرع أقل من اللبن الذي في هذا الإناء الكبير، لأن اللبن صار تبعاً.
ـ ومن ذلك تبعية الإنسان لأبويه في الدِّين، فإن الولد يثبت إسلامه تبعاً لوالديه وإن لم ينطق بالإسلام، قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه»[(انظر: الإنصاف (20/416))].
ومثّل الناظم بقوله:
78ـ كحاملٍ إنْ بِيعَ حملُها امْتَنَعْ***ولو تُباعُ حاملاً لم يَمْتَنِعْ

قوله: (حامل) : سواء كان حَمْلَ أمة أو بعير أو شاة أو بقرة أو غير ذلك، فلو أنه باع الحمل وحده لكان هذا حراماً، والبيع باطلاً لأن فيه غرراً، لكن لو باع الأم وفيها هذا الحمل، صار البيع صحيحاً لأن الحمل صار تبعاً لها أي حزءاً من أجزائها. ولهذا لو قال: بعتك هذه الشاة وحملها لم يصح البيع لأنه أفرده عن أمه حيث عطفه عليها والعطف يقتضي المغايرة، أي أن المعطوف غير المعطوف عليه والمغايرة تكون بالعين كقولك: جاء زيد وعمرو، وتكون بالصفة كقوله تعالى: {{ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى * الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى * وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى }} [الأعلى: 1 ـ 4] .

قوله: (حاملاً) حال من نائب الفاعل المستتر في قوله: (ولو تباع) ، يعني: لو تباع حال كونها حاملاً لم يمتنع، ولا يصح المعنى لو جعلت (حاملاً) نائب الفاعل.
ـ ومثل ذلك ثمر النخل؛ فبيع ثمر النخل وحده لا يجوز، حتى يبدو صلاحه كأن يَحْمَر، أو يصفر، وبيع النخل وعليه الثمر ولو قبل بدو صلاحه جائز.
أما الأول، فلأن النبي صلّى الله عليه وسلّم: «نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها»[(
أخرجه الإمام أحمد (1/379)، وأبو داود الطيالسي في «مسنده» رقم (246)، والبزار في «البحر الزخار» (5/212 رقم 8583)، والطبراني في «الكبير» (9/118) ـ وفيه عندهم زيادة ـ، وأخرجه الحاكم (3/79)، والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (1/167) من قول ابن مسعود رضي الله عنه وصحّحه الحاكم ووافقه الذهبي.)]، وهو بأن تحمر، أو تصفر.
وأما الثاني، فلأن النبي صلّى الله عليه وسلّم، قال: «من باع نخلاً بعد أن تؤبر، فثمرتها للبائع إلا أن يشترط المبتاع»[(
أخرجه النسائي في كتاب الطلاق، باب الثلاثة المجموعة وما فيه من التغليظ (3407)، من طريق مخرمة عن أبيه قال: سمعت محمود بن لبيد رضي الله عنه... فذكره مرفوعاً. وصححه ابن حجر في بلوغ المرام ص198.)]؛ فمفهومه أن الثمرة قبل أن تؤبر تكون للمشتري، تبعاً لبيع أصلها، مع أنها لم يبدُ صلاحها بعد.
مسألة: هل يجوز بيع الثمرة لمالك الأصل قبل بُدُوِّ صلاحها؟
الجواب: في هذا خلاف بين العلماء، ومثال ذلك أن يبيع الفلاح نصيبه من الثمرة على صاحب الشجرة، مثل أن يكون الفلاح قد عامل صاحب النخل بنصف الثمرة، ثم بدا للفلاح ألا يستمر في العمل، وباع نصيبه من الثمرة على صاحب الأصل، فمن العلماء من قال: إن هذا جائز، لأنه باع الثمر على صاحب الأصل، ومنهم من قال: إنه ليس بجائز، وهذا هو الحق، لأن نصيب العامل مستقل، ولم يملكه صاحب الأصل من جهته، بخلاف ما إذا اشترطه المشتري الذي اشترى الأصل، وهو عليه الثمر.