رد الأستاذ أحمد الخضري على الأحاديث المحذوفة من طبعة التأصيل لسنن ابن ماجة
القسم الأول
كتب الأستاذ أحمد الخضري:
كان الشيخ محمود خليل (يحيى خليل)، قد كتب تعليقًا انتقد فيه محققي طبعة دار التأصيل على حذفهم (50) حديثًا، من طبعتهم لسنن ابن ماجه، رغم ثبوتها في بعض النسخ الخطية، وإثبات المزي لها في التحفة. فتفضلت دار التأصيل بالمشاركة، وردت على ذلك الانتقاد، بردٍ دافعت فيه عن قرارها بحذف تلك الأحاديث. فتأملتُ ردهم كثيرًا لعلي أجد فيه ما يُقنعني بصحة ما فعلوه، فلم أزدد إلا قناعة بخطئهم.
وسأبدأ هنا بإيراد ردهم، مقتبسًا من مشاركتهم، وكذلك سأورد بعض كلامهم في مقدمة تحقيقهم، ومن ثم سأُتبع ذلك بردي إن شاء الله.
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة دار التأصيل
بسم الله الرحمن الرحيم
رد على الانتقادات التي وجهت لطبعة دار التأصيل من «سنن ابن ماجه»
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وآله وصحبه وبعد،
ظهر في الآونة الأخيرة في موقع ملتقى أهل الحديث والمجلس العلمي للألوكة انتقاد موجه من الأستاذ يحيى خليل لـكتاب «السنن» للإمام ابن ماجه طبعة دار التأصيل، ويتلخص هذا الانتقاد في أن طبعة دار التأصيل لكتاب «السنن» للإمام ابن ماجه حذفت أربعين حديثا من الكتاب.
وحيث إن الحكم على الشيء فرع من تصوره، وإن الواجب أن يكون النقد صادرا من متخصص، و مبنيا على أسس علمية تأخذ في الاعتبار المنهج الذي اتبعته دار التأصيل في مقدمة الكتاب ما دام متسقا مع المناهج العلمية المعتبرة عند العلماء المتخصصين في ضبط وتوثيق كتب الحديث النبوي.
وقد ورد في المقدمة في الفصل الخاص بمنهج العمل في إخراج هذه الطبعة ما يلي:
اعتمدنا في توثيق النص على رواية أبي الحسن القطان، عن الإمام ابن ماجه رحمه الله، وهي أشهر روايات «السنن»، وهي رواية النسختين اللتين اعتمدنا عليهما.
- وقد اتخذنا النسخة (س)، وهي نسخة المكتبة السليمانية أصلا في المقابلة، وهذه النسخة لم يعتمد عليها أحد من قبل في إخراج الكتاب، وتتميز هذه النسخة بأنها عالية الإسناد، و أقدم النسخ حيث كتبت سنة (485)، وهي منسوخة من نسختين قرئتا على عدد من أصحاب الإمام ابن ماجه خاصة أبا الحسن القطان، والنسخة الثانية بخط ابن قدامة المقدسي وسمعت عليه، ومقروءة على أبي زرعة المقدسي، ثم قابلنا عليها - أي: النسخة السليمانية- النسخة (ت)، وهي نسخة دار الكتب المصرية بخط ابن قدامة، وأثبتنا الفروق بينهما، وأثبتنا في النص زيادات كل منهما على الأخرى، ما لم يكن خطأً أو تصحيفًا.
وعند الخلاف بين النسختين اللتين اعتمدنا عليهما اعتمدنا في الاسترشاد والتصويب على نسخة المكتبة الوطنية بباريس، وهي أيضا من رواية أبي الحسن القطان حسب ما كتب عليها.
- وقد رجعنا إلى بعض النسخ الخطية المساعدة لتحرير بعض المواضع المشكلة في النسختين المعتمد عليهما، منها:
أ- نسخة المكتبة المحمودية بالمدينة المنورة، المحفوظة برقم: (856)، وعدد أوراقها (212) ورقة، ونسخت سنة 1179 هـ، بخط الحاج محمد بن الحاج حسن الكانقري القسطنطيني الحنفي، وقد قوبلت هذه النسخة وصححت في سنة 1331هـ، وهي من وقف محمد أمين أفندي ابن شيخ الإسلام ولي الدين أفندي ابن الحاج مصطفى أغا ابن الحاج حسين أغا، وذلك في سنة 1307هـ.
وقد استفدنا منها فيما وافقت فيه رواية أبي الحسن القطان.
ب- نسخة مكتبة عارف حكمت بالمدينة المنورة، المحفوظة برقم: (68/ 232)، وعدد أوراقها (220) ورقة، ولم نقف على تاريخ نسخها، ولعلها متأخرة النسخ، وهي من رواية أبي الحسن القطان.
ج- نسخة المكتبة الأزهرية بالقاهرة، عدد أورقها: (178) ورقة، وما نعرفه أنها من وقف محمد بيك بجامعهم، والظاهر أنها متأخرة أيضا، وهي من رواية أبي الحسن القطان.
ويتضح مما ذكرنا أننا اعتمدنا على نسخة المكتبة الوطنية بباريس في الاسترشاد والتصويب عند الخلاف بين النسختين اللتين اعتمدنا عليهما، ولم نعتمد عليها في المقابلة خلافا لما ذكره الأستاذ يحيى خليل في انتقاده وذلك لأن هذه النسخة – كما جاء في ورقتها الثانية – يرويها الذهبي بسنده عن ابن قدامة المقدسي، عن أبي زرعة، وأنها مقابلة بأصل المنذري، وهو يروي الكتاب عن أبي زرعة المقدسي بواسطة، فهي تعتبر نسخة نازلة الإسناد إلى أبي زرعة المقدسي، والنسخة التيمورية التي بخط ابن قدامة المقدسي ويرويها عن أبي زرعة مباشرة هي أعلى إسنادا من نسخة باريس، لذا فالنسخة التيمورية تغني عن هذه النسخة؛ لأنها قد تكون فرع عنها.
وفيما يلي نص الإسناد المذكور على الورقة الثانية من نسخة المكتبة الوطنية بباريس: أخبرنا الحافظ أبو عبدالله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، قال أخبرنا القاضي تاج الدين أبو محمد عبدالخالق بن عبدالسلام بن سعيد بن علوان البغدادي، قال أخبرنا الإمام موفق الدين أبو محمد عبدالله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي، قال أخبرنا أبو زرعة طاهر بن محمد بن طاهر المقدسي.
ومع ذلك استفدنا منها – ومن غيرها - في الاسترشاد والتصويب بين أصلينا عند الخلاف والإشكال.
وكما هو معروف للمتخصصين أن هناك فروقا بين روايات كتاب «السنن» للإمام ابن ماجه، نص عليها العلماء، ومن هذه الفروق جملة من الأحاديث ذكرت في «تحفة الأشراف» للإمام المزي لم تكن من رواية أبي الحسن القطان – حسب ما وقع لنا في النسختين المعتمد عليهما في طبعتنا – وقد ذكر الحافظ ابن حجر في «النكت الظراف» (4/35) أنها من رواية سعدون، عن ابن ماجه، وأنها وقعت في كتاب الطهارة.
وهذه الأحاديث الأربعون التي انتقد الأستاذ يحيى خليل عدم وضعها في صلب طبعة دار التأصيل هي في كتاب الطهارة.
وقد ذكرنا في المنهج الذي اتبعته دار التأصيل أننا اعتمدنا في إخراج طبعتنا على رواية أبي الحسن القطان، فنحن لم نحذف من هذه الرواية شيئا قط، لا سيما وقد توثق عندنا أن الراويين عن أبي منصور المقومي - وهو صاحب أشهر إسناد لرواية أبي الحسن القطان، وعنه أخذ أكثر أهل العلم هذه الرواية - لم يذكرا هذه الزيادات التي وقعت في نسخة باريس، وهما أحمد بن محمد الأسدباذي راوي وناسخ النسخة السليمانية، وأبو زرعة المقدسي راوي النسخة التيمورية التي بخط تلميذه الإمام ابن قدامة المقدسي وراويها عنه، وهي التي تعتبر أصلا لنسخة المكتبة الوطنية بباريس حسب ظاهر السند المكتوب علىها رغم الزيادات التي زادتها على أصلها في باب الطهارة.
فدار التأصيل اعتمدت على الأصل الذي وافق النسخة الأقدم والأوثق والأعلى إسنادا وأعرضت عن الزيادات التي طرأت على الفرع، وهذا ما ينسجم مع أصول تحقيق وتوثيق وضبط كتب الحديث النبوي وهو المنهج الذي اتخذته دار التأصيل.
وقد مررنا على الأحاديث التي زادتها «تحفة الأشراف» على طبعة دار التأصيل ونسبها محققو طبعة دار الصديق لنسخة المكتبة الوطنية بباريس فوجدناها مثبتة في النسخة؛ غير أن الحديثين رقم (586)، ورقم (570) من طبعة دار الصديق مضروب عليهما في النسخة برقم «لا» «إلى»، ولم يشر إلى ذلك محققو الطبعة.
وما أورده الأستاذ يحيى خليل من أن الحديث رقم (621) في الطبعات التي ذكرها وعلق عليه محققو دار الصديق من أنه في نسخة مراد ملا وباريس فهو غير صواب؛ لأن تعليقهم عليه نص على أنه: زيادة من المحمودية والأزهرية و«تحفة الأشراف».
ثم إننا واتساقا مع منهجنا العلمي أفدنا طلاب العلم، فلم نخف شيئا عليهم، فما وجدناه خارج الأصلين اللذين اعتمدناهما وليس وفق المنهج الذي وضعناه ذكرناه من باب التوثيق العلمي في مقدمة التحقيق تحت الفصل الخاص بزيادات «تحفة الأشراف» على طبعة دار التأصيل.
وتوثيقا من دار التأصيل لعملها أرفقت مع النسخة المطبوعة قرصا مدمجا أودعته المقدمة العلمية، و النسخ الخطية التي اعتمدت عليها لطبع الكتاب، وربطناها بفهرس الكتاب مع أدوات تيسر القراءة للمخطوط، وكل ذلك تيسيرا على الباحثين المتخصصين أثناء مراجعتهم ما قامت به الدار، واستجلابا لنصح المخلصين من الباحثين لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وبعد: فالنقد العلمي الموضوعي البناء حق لكل متخصص؛ بل هو مطلوب، ولكن الانفعال الذي يجعل نقد الناقد نقدا هداما يصم بالإجرام دارا يعمل فيها منذ ثمانية وعشرين عاما علماء أجلاء وطلاب علم مشهود لهم بالتميز- غير جائز عرفا ولا شرعا، عفا الله عن الجميع.
ونذكر الأخ الناقد بما أوردناه في مقدمة التحقيق:
« ودار التأصيل لا تدعي فيما تعمله الكمال، وترحب بالنصيحة والنقد البناء في كل أعمالها، ولذا تهيب بالعلماء والباحثين ممن يقف على حرف أو معنى يجب تغييره لخلل وقع فيه أو تحسين يراه أن يراسلنا لتدارك ذلك في طبعة قادمة بعون الله، وهذا مقتضى النصح لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا، تولانا الله جميعا بتوفيقه».
نسأل الله للجميع التوفيق والقبول، وصلى الله وسلم على نبينا محمد واله وصحبه أجمعين.
دار التأصيل
مركز البحوث وتقنية المعلومات
11/02/2014م
وقال محققو دار التأصيل في مقدمة تحقيقهم لسنن ابن ماجه (ص172) عن الأحاديث المحذوفة ما نصه: [هذه هي زيادات تحفة الأشراف على طبعة دار التأصيل، من السنن للإمام ابن ماجه، رحمه الله، والملحوظ فيها أنها وقعت كلها إلا أربعة مواضع في "كتاب الطهارة" ويحتمل أن الإمام المزي زادها من رواية سعدون، فقد ذكر الحافظ ابن حجر أن رواية سعدون عن الإمام ابن ماجه وقعت فيها زيادات في "كتاب الطهارة" لم يرها في غيرها. قال في "النكت الظراف" (4/35): "وقد رأيته في رواية سعدون عن ابن ماجه، في نسخة صحيحة مجودة، وفيها عدة أحاديث في الطهارة، لم أرها في رواية غيره"].
* * *
وفيما يلي ردي على ذلك:
الإخوة الأفاضل في دار التأصيل
جزاكم الله خيرًا على مشاركتكم في الملتقى لتوضيح وجهة نظركم، وقد لفت انتباهي قولكم في أكثر من مناسبة: "ودار التأصيل لا تدعي فيما تعمله الكمال، وترحب بالنصيحة والنقد البناء في كل أعمالها، ولذا تهيب بالعلماء والباحثين ممن يقف على حرف أو معنى يجب تغييره لخلل وقع فيه أو تحسين يراه أن يراسلنا لتدارك ذلك في طبعة قادمة بعون الله، وهذا مقتضى النصح لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا، تولانا الله جميعا بتوفيقه".
• قلت: ما دام الأمر كذلك، فلتتسع صدوركم لردي على ما تفضلتم به من توضيح.
أولًا: ردكم هذا كان مختصرًا، وغير كافٍ لإقناع الكثير من القراء بعملية الحذف، وكل ما فعلتموه في هذا الرد هو نقلكم لبعض المقاطع من مقدمتكم للكتاب، وكأننا لم نقرأ هذه المقدمة قبل انتقادكم.
ما أردناه منكم هو الإجابة على الأسئلة التي وُجهت لكم، وهذا ما لم تفعلوه. لذا سأناقشكم هنا فيما ذكرتموه في هذا الرد، بالتفصيل، مع بيان الأدلة، لعل الصورة تتضح لكم أكثر.
• قلتم: ظهر في الآونة الأخيرة في موقع ملتقى أهل الحديث والمجلس العلمي للألوكة انتقاد موجه من الأستاذ يحيى خليل لـكتاب «السنن» للإمام ابن ماجه طبعة دار التأصيل، ويتلخص هذا الانتقاد في أن طبعة دار التأصيل لكتاب «السنن» للإمام ابن ماجه حذفت أربعين حديثا من الكتاب.
• قلت: الشيخ محمود خليل ليس هو الوحيد الذي يرى خطأ حذف هذه الأحاديث، بل كل من تناقشت معه في أمر هذه الأحاديث يرى خطأ حذفها، فأنتم تصورون المشكلة وكأنها بينكم، وبين الشيخ محمود خليل وحده، والواقع أن الكثيرين معه.
ثم إنكم تقولون هنا أن المحذوف (40) حديثًا، وفي مقدمة تحقيقكم للكتاب قلتم إن المحذوف (50) حديثًا، فلا أدري أين ذهبت العشرة الباقية، هل سقطت سهوًا من كاتب هذا الرد، أم أنه ليس ممن قام بتحقيق الكتاب، وبالتالي فهو لا يعرف التفاصيل جيدًا ؟!
• قلتم: وحيث إن الحكم على الشيء فرع من تصوره، وإن الواجب أن يكون النقد صادرا من (متخصص)، و مبنيا على أسس علمية تأخذ في الاعتبار (المنهج) الذي اتبعته دار التأصيل في مقدمة الكتاب ما دام متسقا مع (المناهج العلمية) المعتبرة عند العلماء (المتخصصين) في ضبط وتوثيق كتب الحديث النبوي.
• قلت: لاحظت تكراركم للفظة (المتخصصين) أكثر من مرة، وكأنكم تلمحون إلى أن مخالفيكم ليسوا من أهل الاختصاص، فمن هم يا تُرى أهل الاختصاص عندكم إن لم يكونوا ممن جمعوا العلم، ومارسوه فترة طويلة؟! هل لابد أن يكونوا ممن حملوا الشهادات العليا؟!
ثم إن كلامكم هذا يقتضي أن كل من حقق سنن ابن ماجه من قبل، ليسوا من أهل الاختصاص، لأنهم لم يحذفوا هذه الأحاديث، ومن أشهرهم الدكتور بشار عواد محقق طبعة الجيل، والشيخ شعيب الأرناؤوط محقق طبعة الرسالة، والشيخ عصام موسى هادي محقق طبعة الصديق، ومحققو طبعة المكنز. فكل هؤلاء لم يحذفوا الأحاديث التي حذفتموها، ولم يقل أحد منهم إن طبعته ملفقة من عدة روايات، أفكلهم إذن من غير أهل الاختصاص؟!
وكذلك لفت انتباهي تكراركم كثيرًا لعبارة (المنهج العلمي)، سواء في ردكم هذا، أو في مقدمة تحقيقكم للكتاب، وكأنكم تلمحون إلى أن كل من سبقكم في تحقيق الكتاب لم يلتزم بتطبيق المنهج العلمي الذي عليه المحققون من العلماء المتخصصين (على حسب وصفكم في مقدمتكم ص30).
فلننظر بتأمل في هذا المنهج الذي ذكرتموه، ولنرى إن كان بالفعل منهجًا علميًا تؤيده الأدلة.
ولتسهيل الأمر سألخص منهجكم كما يلي:
أنتم وقفتم على ست نسخ خطية لسنن ابن ماجه، فاعتمدتم على أقدم نسختين - السليمية والتيمورية – واستعنتم بالنسخ الأربعة الباقية في تحرير بعض المواضع المشكلة في النسختين المعتمد عليهما، ولم تثبتوا أي أحاديث زائدة من تلك النسخ الأربع لأنكم أردتم إخراج الكتاب من رواية القطان وحده، وهذه الأحاديث الزائدة في نظركم ليست من روايته، وإن جاء في إسناد تلك النسخ أنها من روايته. واستدللتم بدليلين على أن هذه الأحاديث الزائدة ليست من رواية القطان:
الدليل الأول: أنها ثابتة في فروع نسخة التيمورية فقط، والأصل أولى بالاتباع من الفرع.
الدليل الثاني: أن ابن حجر قد أشار إلى أن بعض الأحاديث التي ذكرها المزي في التحفة نقلًا عن كتاب الطهارة من سنن ابن ماجه، لم يرها إلا في رواية سعدون عن ابن ماجه، رغم أن المزي لم يصرح بذلك.
وقبل أن أبدأ في مناقشة منهجكم، أحببت التنبيه على أنكم سمّيتم الأصل الأول الذي اعتمدتم عليه في التحقيق بنسخة السليمانية، والصواب أنها نسخة السليمية، نسبة إلى المكتبة السليمية التي تقع بمدينة إدرنه بشمال غرب تركيا، وهي غير المكتبة السليمانية التي تقع في مدينة إستانبول بتركيا. وقد تأكدت من هذا الأمر بدخولي إلى الموقع التركي الخاص بمكتبة السليمية، فوجدتها موجودة فيه، ولزيادة التأكد بحثت في فهرس مخطوطات المكتبة السليمانية عن الرقم الذي ذكرتموه - وهو (997) – فما وجدت إلا كتابًا آخر.
فأنتم خلطتم بين نسخة السليمية، المنسوخة سنة (485هـ)، وبين نسخة السليمانية، التي اعتمد عليها محققو طبعة الرسالة، والمنسوخة سنة (861هـ).
ولنبدأ الآن في مناقشة منهجكم:
• إخواني الأفاضل في دار التأصيل، أنتم أردتم إخراج سنن ابن ماجه من رواية أبي الحسن القطان وحده، فلماذا لم تبينوا ذلك على غلاف الكتاب، هل كنتم تعتقدون أن الإشارة إلى ذلك في مقدمة التحقيق تكفي؟! أليس من متطلبات المنهج العلمي - الذي دائمًا ما تُشيرون إليه - إثبات اسم صاحب الرواية على غلاف الكتاب؟!
ثم إنه بناءًا على قراركم طبع الكتاب من رواية القطان وحده قمتم بحذف (50) حديثًا، ثابتة في بعض النسخ الأربع التي استخدتموها كنسخ مساعدة – حسب وصفكم - بحجة أن هذه الأحاديث في نظركم ليست من رواية القطان، وهذا في الواقع استنتاج خاص بكم.
أليست نسخ: باريس، والأزهرية، وعارف، قد ثبت في إسنادها أنها من رواية القطان باعترافكم؟! ونسخة المحمودية وإن سقط إسنادها إلا أنها نسخة متقنة، ومصححة، ومقابلة، ومليئة بأقوال لأبي الحسن القطان، مثبتة في أصل النسخة، ولو كانت هذه النسخة من غير روايته لجاءت أقواله على حواشيها، وليس في أصلها.
ألم تقولوا في مقدمة تحقيقكم للكتاب (ص 149) ما نصه: (ولعل) هذه الزيادات وقعت للحافظ المزي من غير رواية أبي الحسن القطان، كما سيأتي في آخر هذا المبحث، ولكن (يُعكر) على هذا أن بعض هذه الأحاديث وقعت في نسخة المكتبة الوطنية بباريس، وهي من رواية أبي الحسن القطان]؟!
أهذه هي الأدلة القوية التي اعتمدتم عليها في حذف الأحاديث: ((لعل)) و ((يعكر)) ؟!
أهذا هو المنهج العلمي الذي عليه المحققون من العلماء المتخصصين؟!
لماذا لم تفعلوا العكس، فتُثبتوا هذه الأحاديث في أصل الكتاب، ثم تقولوا في المقدمة: ويعكر على ثبوتها أنها لم ترد في الأصلين؟!
ألا يكفيكم أن المزي قد أثبتها جميعًا في التحفة منسوبة لابن ماجه بدون التصريح بصاحب روايتها، مما يدل على أنها للراوي المشهور: أبي الحسن القطان؟!
أتعرفون أن قولكم: [ولعل هذه الزيادات وقعت للحافظ المزي من غير رواية أبي الحسن القطان]، يقتضي أحد أمرين:
إما أن يكون المزي قد سها في (50) حديثًا، فلم ينسبها لصاحب روايتها، كما هي عادته في التحفة عندما ينسب الحديث لرواية غير الرواية المشهورة.
أو أن المزي مدلس، ينسب الأحاديث لابن ماجه بدون تحديد رواية معينة، فيوهم أنها لأبي الحسن القطان، الراوي المشهور، وهي في الحقيقة لراوٍ غيره.
أهذا ظنكم بالمزي؟!
إن المتتبع لعمل المزي في التحفة يعلم جيدًا أن المزي كان إذا نقل من روايات غير الرواية المشهورة لأي كتاب دائما ما يصرح بأسماء أصحاب تلك الروايات. كان يفعل ذلك في روايات سنن أبي داود، وروايات سنن النسائي الكبرى، وروايات سنن ابن ماجه، فكان إذا نقل من رواية أخرى غير رواية القطان، يصرح باسمها، فقد صرح بنقله عن رواية إبراهيم بن دينار عن ابن ماجه في (13) حديثًا: (74)، (75)، (161)، (265)، (278)، (589)، (1327)، (1436)، (1830)، (2289)، (2312)، (3392)، (3572).
•• وفيما يلي أحد تلك الأمثلة من نسختي:
278 - حَدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ حَبِيبِ بْنِ الشَّهيدِ، حَدَّثنا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو (1)، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليهِ وسَلمَ: اسْتَقِيمُوا، وَلَنْ تُحْصُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَعْمَالِكُمُ الصَّلاَةَ، وَلاَ يُحَافِظُ عَلَى الْوُضُوءِ إِلاَّ مُؤْمِنٌ.
_حاشية_________
(1) قال المزي عن هذا الحديث في "تحفة الأشراف" (8923): [(ق) في الطهارة، عن إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد، عن المعتمر بن سليمان، عن ليث بن أبي سليم، عنه به. ذكره أبو القاسم في مسند ابن عمر اعتمادًا على ما وقع في بعض النسخ المتأخرة، وهو وهم، والصواب عبد الله بن عمرو. وكذلك وقع في عدة نسخ، منها نسخة الحافظ أبي العباس أحمد بن محمد بن أحمد الأسداباذي التي كتبها بخطه، عن المقومي. وكذلك رواه إبراهيم بن دينار، عن ابن ماجه].
• إخواني الأفاضل في دار التأصيل، هل نسيتم ما كتبه ناسخ نسخة السليمة بعد فراغه من نسخ الكتاب (ق220ب)، حيث قال: [وكتبته عن نسختين، أحديهما لأحمد بن إبراهيم بن الخليل، وهو جد الخليل الحافظ، والأخرى لعلي بن محمد بن إبراهيم الجعفري، وكلاهما قرئ على عدة من أصحاب ابن ماجه، خاصة على أبي الحسن القطان، وعورض كليهما بأصله وصُحح، وأنا أيضًا استقصيت فيه جميع ما كان فيهما، إما كتبته في الأصل، وإما ذكرته على الحاشية وأثبته، ((وربما ذكرت فيها رواية غير رواية القطان))، ليكون أثبت، والزيادات التي على حواشيه هي من زيادات القطان، في أصل شيخنا ما وجدتها إلا قليلًا، ((لأن كان أصل شيخنا نُسِخ من غير أصل القطان وروايته))، وكذا عارضت كتابي أيضًا بأصل شيخي، والله الموفق للصواب].
أليس معنى كلام الناسخ هذا أن في نسخته ما ليس من رواية القطان؟!
وإذا عرفنا أن نسخة السليمية قد زادت أحاديثًا كثيرةً على نسخة التيمورية، وعرفنا أن ناسخ نسخة السليمية لم يصرح بمواضع هذه الزيادات في نسخته، ولا ذكر أصحاب هذه الروايات، ألا يُحتمل أن تكون تلك الأحاديث التي زادتها نسخة السليمية على نسخة التيمورية من غير رواية القطان؟! فلماذا لم تحذفوها أيضًا؟! أليس شرطكم إخراج رواية القطان وحده؟!
إذن كان ينبغي عليكم عدم الاستعانة بنسخة السليمة في تحقيقكم، لأن فيها ما ليس من رواية القطان باعتراف ناسخها.
ولننظر الآن في الدليلين اللذين استدللتم بهما على أن الأحاديث الزائدة في النسخ الأربع، والتي قمتم بحذفها، إنما هي من رواية غير القطان:
• فأما دليلكم الأول، ففيه تناقض كبير، فأنتم تقولون أن الأصل أولى بالاتباع من الفرع، ثم تستجيزون الاستعانة بهذه الفروع الأربعة في الترجيح عند الخلاف بين الأصلين، إذن أنتم تعترفون أن الأصل قد يأتي فيه بعض التصحيفات، وأن الفرع قد يأتي على الصواب.
•• وهذا مثال على هذا الأمر من حواشي نسختي لسنن ابن ماجه:
83 - حَدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالاَ: حَدَّثنا وَكِيعٌ، حَدَّثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ زِيَادِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ (1) ........
_حاشية_________
(1) قوله: "زِيَاد بن إِسْمَاعِيلَ"، من نسخ: باريس، والمحمودية، والأزهرية، وعارف، و"تحفة الأشراف" (14589)، وجميع طبعات الكتاب، وجميع كتب الرجال. وتحرف في نسختي السليمية، والتيمورية إلى: "زِيَاد بن أبي إِسْمَاعِيلَ".
ففي هذا المثال أثبتم في طبعتكم ما أثبته أنا في نسختي، فأثبتم ما جاء في الفروع الأربعة، وخالفتم ما جاء في الأصلين. إذن أنتم تعترفون أن الأصل ليس دائما أولى من الفرع، وإذا كان الأمر كذلك، فلم لا تعاملون الأحاديث الزائدة مثل معاملتكم للتصحيفات، بمعنى أنه كما يمكن أن يقع التصحيف في الأصل ويأتي على الصواب في الفرع، كذلك يمكن أن يفوت الأصل بعض الأحاديث، ولا تفوت الفرع. وليس هذا الأمر بمستغرب، ففي كل نسخة من نسخ سنن ابن ماجه ما لا يوجد في الأخرى من الزيادات والفوائد، وهي مكملة بعضها لبعض، رغم أن جميعها من رواية أبي الحسن القطان، وما تصحف في بعض النسخ تجده على الصواب في نسخ أخرى، ولم تأتي نسخة واحدة على الصواب في كل المواضع، وباعتراف المزي نفسه، حيث قال: [وكتاب ابن ماجه إنما تداولته شيوخ لم يعتنوا به، بخلاف صحيحي البخاري ومسلم، فإن الحفاظ تداولوهما، واعتنوا بضبطهما، وتصحيحهما، ولذلك وقع فيه أغلاط وتصحيف].
•• ولمزيد من الأمثلة الشبية بالمثال السابق، انظروا الأحاديث: (264)، (2143)، (2389)، (4130)، (3143)، (3885).
تنبيه: جميع الأرقام التي أثبتها إنما هي الأرقام المشهورة لسنن ابن ماجه، وليست أرقام طبعة التأصيل.
أحمد الخضري