المفاسد المترتبة على عدم التخلق بهذه الخصال الثلاث عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
1-العلم:
الداعي إلى الله لا بد أن يكون على بصيرة فيما يأمر به وفيما ينهى عنه، وهي الدليل الواضح الذي لا لبس في الحق معه، كما قال تعالى: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي فإن كان جاهلًا فقد يأمر بما ليس بمعروف، وينهى عما ليس بمنكر، لا سيما في هذا الزمن الذي انتشر فيه الجهل، وصار المعروف منكرًا، والمنكر معروفًا عند كثير من الناس.
2- الرفق:
ينبغي للداعية أن تكون دعوته إلى الله بالحكمة واللطافة مع إيضاح الحق، كما قال تعالى: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ فإن كانت دعوته بقسوة وعنف وخرق، فإنها تضر أكثر مما تنفع، وكانت سببًا في نفرة المأمور والمنهي، وربما أخذته العزة بالإِثم فاستمر على ما هو عليه من المنكر وترك المعروف، أو زاد في ذلك بسبب طريقة الداعية الخرقاء.
3-الصبر:
الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر لا بد له من الصبر؛ لأن الأمر بالمعروف وظيفة الرسل وأتباعهم وهو مستلزم للأذى من الناس؛ لأنهم مجبولون بالطبع على معاداة من يخالفهم في أهوائهم وشهواتهم وأغراضهم فيعادونه ويؤذونه، ولهذا لما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لورقة بن نوفل في أول البعثة حين أخبره أن قومه سيخرجونه: أومخرجيّ هم؟ أخبره أن هذا الدين الذي جاء به لم يأت به أحد إلا عودي، وروي عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه قال: "ما ترك الحق لعمر صديقًا".
فإذا لم يصبر على الأذى لزم من ذلك، إما تعطيل هذا الواجب العظيم -الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر- وإما حصول فتنة وفساد بسبب عدم احتمال الأذى من تعدٍّ على المأمور أو المنهي بالقول أو بالفعل، وقد يؤدي عدم الصبر على الأذى إلى الانتصار للنفس، فيخرج بذلك عن كونه منتصرًا لله ولرسوله ولدينه، وعن الغيرة لله ولحرماته إلى الانتصار لنفسه والحمية لها، وذلك معصية وفساد .
قال الشيخ تقي الدين "الصبر على أذى الخلق عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إن لم يستعمل، لزم أحد أمرين: إما تعطيل الأمر والنهي، وإما حصول فتنة ومفسدة أعظم من مفسدة ترك الأمر والنهي، أو مثلها أو قريب منها، وكلاهما معصية وفساد، قال تعالى: وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ فمن أمر ولم يصبر، أو صبر ولم يأمر، أو لم يأمر ولم يصبر حصل من هذه الأقسام الثلاثة مفسدة، وإنما الصلاح في أن يأمر ويصبر" اهـ .
وقال القرطبي في تفسيره على آية لقمان وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ قوله تعالى: وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ يقتضي حضًّا على تغيير المنكر وإن نالك ضرر، فهو إشعار بأن المغيّر يؤذى أحيانًا" اهـ .
وقال ابن كثير في تفسير على آية لقمان أيضًا وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ "أي: بحسب طاقتك وجهدك وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ علم أن الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر لا بد أن يناله من الناس أذى، فأمره بالصبر، وقوله: إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ أي: إن الصبر على أذى الناس لمن عزم الأمور" اهـ .
وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي في تفسيره على آية لقمان وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ "وذلك يستلزم العلم بالمعروف ليأمر به، والعلم بالمنكر لينهى عنه، والأمر بما لا يتم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا به من الرفق والصبر، وقد صرح به في قوله: وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ ومن كونه فاعلا لما يأمر به كافًّا لما ينهى عنه، فتضمن هذا تكميل نفسه بفعل الخير وترك الشر، وتكميل غيره بذلك بأمره ونهيه، ولما علم أنه لا بد أن يبتلى إذا أمر ونهى، وأن في الأمر والنهي مشقة على النفوس، أمره بالصبر على ذلك فقال: وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ الذي وعظ به لقمان ابنه مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ أي: من الأمور التي يعزم عليها ويهتم بها، ولا يوفق لها إلا أهل العزائم" اهـ .

http://shrajhi.com/Books/ID/9411