قَالَ تَعَالَى: {وَإذا قِيْلَ لَهُ اتَّقِ اللهَ أخَذَتْهُ العِزَّةُ بِالإثْمِ} [البَقَرَة: 206]
قال ابن عباس: هي الحمية. وأنشدوا:
أخذته عزة من جهله ... فتولى مغضباً فعل الضجر
ذكره ابن الجوزي في زاد المسير
وَعَن ابْن مَسْعُود قَالَ:« كفى بِالْمَرْءِ إثمان أَن يُقَال لَهُ: اتَّقِ الله، فَيَقُول: أَنْت الَّذِي تَأْمُرنِي بالتقوى».
وقال ابن حزم فِي أَوَّلِ الإِحكَام:
« أَمَّا بَعْدُ ... فَإِنَّ اللهَ رَكَّبَ فِي النَّفْسِ الإِنْسَانِيَّة قُوَىً مختلفَة فَمِنْهَا عَدْلٌ يُزَيِّنُ لَهَا الإِنصَاف وَيُحَبِّبُ إِلَيْهَا مُوَافِقَةَ الحَقّ قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ} [النحل: 90] وقال: {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ} [النِّسَاء: 135] وَمنها غضبٌ وشهوةٌ يُزَيّنان لَهَا الجُور؛ ويَعميانها عَنْ، طَرِيْق الرشد" قَالَ تَعَالَى: {وَإذا قِيْلَ لَهُ اتَّقِ اللهَ أخَذَتْهُ العِزَّةُ بِالإثْمِ} [البَقَرَة: 206]
وقال شيخ الاسلام
«.. وَمن أذلّ نَفسه لله أعزها وَمن بذل الْحق من نَفسه فقد أكْرم نَفسه فَإِن أكْرم الْخلق عِنْد الله أَتْقَاهُم وَمن اعتز بالظلم فِي منع وَفعل الْإِثْم فقد أذلّ نَفسه وأهانها قَالَ الله تَعَالَى {من كَانَ يُرِيد الْعِزَّة فَللَّه الْعِزَّة جَمِيعًا} قَالَ الله تَعَالَى فِي صفة هَذَا الضَّرْب {وَمن النَّاس من يُعْجِبك قَوْله فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَيشْهد الله على مَا فِي قلبه وَهُوَ أَلد الْخِصَام وَإِذا تولى سعى فِي الأَرْض ليفسد فِيهَا وَيهْلك الْحَرْث والنسل وَالله لَا يحب الْفساد وَإِذا قيل لَهُ اتَّقِ الله أَخَذته الْعِزَّة بالإثم فحسبه جَهَنَّم ولبئس المهاد} ..» دقائق التفسير الجامع لتفسير ابن تيمية
قال الشنقيطي في الاضواء عند تفسيره سورة ص عند قوله تعالى بل الذين كفروا في عزة وشقاق
« وَقَدْ بَيَّنَ جَلَّ وَعَلَا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ أَنَّ مِنْ أَسْبَابِ أَخْذِ الْعِزَّةِ الْمَذْكُورَةِ بِالْإِثْمِ لِلْكُفَّارِ أَمْرَهُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَبَيَّنَ أَنَّ تِلْكَ الْعِزَّةَ الَّتِي هِيَ الْحَمِيَّةُ وَالِاسْتِكْبَا رُ عَنْ قَبُولِ الْحَقِّ »
ثم قال
« وَالظَّاهِرُ أَنَّ وَجْهَ إِطْلَاقِ الْعِزَّةِ عَلَى الْحَمِيَّةِ وَالِاسْتِكْبَا رِ: أَنَّ مَنِ اتَّصَفَ بِذَلِكَ كَأَنَّهُ
يُنْزِلُ نَفْسَهُ مَنْزِلَةَ الْغَالِبِ الْقَاهِرِ، وَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ لَيْسَ كَذَلِكَ، لِأَنَّ أَصْلَ الْعِزَّةِ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ الْغَلَبَةُ وَالْقَهْرُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِي نَ الْآيَةَ [63 \ 8]
وَلِذَلِكَ فَسَّرَهَا عُلَمَاءُ التَّفْسِيرِ، بِأَنَّهَا هِيَ الْحَمِيَّةُ وَالِاسْتِكْبَا رُ، عَنْ قَبُولِ الْحَقِّ.»
واخيرا اقول ما هذا هو موقف السلف اذا خطب احدهم بقوله اتق الله
والجواب
روى أَنه قيل لعمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ: اتَّقِ الله. فَوضع خَدّه على الأَرْض تواضعا لله.
فِي رِوَايَة قيل لعمر: اتَّقِ الله: فَأنْكر الْمُغيرَة بن شُعْبَة على قَائِله، فَقَالَ عمر: إِنَّكُم لَا تزالون بِخَير مَا قَالُوا ذَلِك لنا، وَقَبلنَا مِنْهُم ذكره السمعاني في تفسيره
فلنتواضع
ومن تواضع لله رفعه كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث ابي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من تواضع لله رفعه الله»صحيح الجامع 6162
وعن جرير بن عبد الله رضي الله عنهـ قال نزلنا الصفاح فإذا رجل نائم تحت شجرة قد كادت الشمس تبلغه قال فقلت للغلام انطلق بهذا النطع فأظله قال فانطلق فأظله فلما استيقظ فإذا هو سلمان رضي الله عنهـ فأتيته أسلم عليه فقال يا جرير تواضع لله فإنه من تواضع لله في الدنيا رفعه الله يوم القيامة يا جرير هل تدري ما الظلمات يوم القيامة قلت لا أدري قال ظلم الناس بينهم ثم أخذ عويدا لا أكاد أراه بين أصبعيه فقال يا جرير لو طلبت في الجنة مثل هذا لم تجده قلت يا أبا عبد الله فأين النخل والشجر قال أصولها اللؤلؤ والذهب وأعلاه التمر
رواه البيهقي بإسناد حسن صحيح الترغيب رقم3733
قال ابن القيم في مدارج السالكين ج2ص317
«.. وَكَمَا أَنَّ مَنْ تَوَاضَعَ لِلَّهِ رَفَعَهُ، فَكَذَلِكَ مَنْ تَكَبَّرَ عَنِ الِانْقِيَادِ لِلْحَقِّ أَذَلَّهُ اللَّهُ وَوَضَعَهُ، وَصَغَّرَهُ وَحَقَّرَهُ. وَمَنْ تَكَبَّرَ عَنِ الِانْقِيَادِ لِلْحَقِّ - وَلَوْ جَاءَهُ عَلَى يَدِ صَغِيرٍ، أَوْ مَنْ يُبْغِضُهُ أَوْ يُعَادِيهِ - فَإِنَّمَا تَكَبُّرُهُ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ. وَكَلَامُهُ حَقٌّ. وَدِينُهُ حَقٌّ. وَالْحَقُّ صِفَتُهُ. وَمِنْهُ وَلَهُ. فَإِذَا رَدَّهُ الْعَبْدُ وَتَكَبَّرَ عَنْ قَبُولِهِ: فَإِنَّمَا رَدَّ عَلَى اللَّهِ، وَتَكَبَّرَ عَلَيْهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ».
قال الشيخ ابن عثيمين في تفسيره لقوله تعالى وَإِذا قيل لَهُ اتَّقِ الله أَخَذته الْعِزَّة من سورة البقرة ومن فوائد الاية
« ومنها: التحذير من رد الناصحين؛ لأن الله تعالى جعل هذا من أوصاف هؤلاء المنافقين؛ فمن رد آمراً بتقوى الله ففيه شبه من المنافقين؛ والواجب على المرء إذا قيل له: «اتق الله» أن يقول: «سمعنا، وأطعنا» تعظيماً لتقوى الله.»
نسأل الله عز وجل سلامة الصدر والتواضع لوجهه الكريم وقبول الحق والعمل به