حديث العجن في الصلاة. كتبه فؤاد الحاتم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فهذا بحث في حديث العجن في الصلاة، ذكرت فيه طريقي الحديث، وأقوال العلماء في ضعفه، أسأل الله ان ينفع به كاتبه، وقارئه.
الحديث روي من طريقين عن ابن عمر؟ احدهما مرفوع، والآخر موقوف.
▪️الطريق الاول: روي من طريق يونس بن بكير، عن الهيثم بن علقمة بن قيس بن ثعلبة، عن الأزرق بن قيس قال: رأيت عبدالله بن عمر وهو يعجن في الصلاة، يعتمد على يديه اذا قام، فقلت: ما هذا يا أبا عبدالرحمن؟ قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجن في الصلاة، يعني يعتمد" [أخرجه للطبراني في المعجم الاوسط رقم ٤٠٠٧]
وقال الطبراني: لم يروِ هذا الحديث عن الأزرق إلا الهيثم، تفرد به يونس بن بكير اهـ
وقول الطبراني تعليل للحديث؛ لأن المعجم الاوسط كتاب علل، والهيثم مجهول لا يعرف، ويونس فيه كلام.
فإن يونس بن بكير بن واصل الشيباني، مختلف فيه، فمن الأئمة من وثقه، ومنهم من ضعفه.
فوثقه ابن معين، وقال مرة: كان ثقة صدوقا، وهو ممن روى عنه.
وقال أبو حاتم: محله الصدق.
وقال الامام احمد: ما كان ازهد الناس فيه، وانفرهم عنه، وهو ممن روى عنه.
وكان ابن المديني لا يحدث عنه، وقد روى عنه.
وقال ابو داود: ليس هو عندي بحجة، كان يأخذ ابن إسحاق فيوصله بالأحاديث.
وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال مرة: ضعيف. [تهذيب التهذيب لابن حجر ٦/٢٧٤]
والهيثم بن علقمة: مجهول.
واختلف في اسم الهيثم، فقيل بن علقمة بن قيس بن ثعلبة، كما في رواية البزار السابقة، وقيل انه الهيثم بدون نسبة، كما ذكره ابن رجب في فتح الباري، و رجح العلامة الالباني انه الهيثم بن عمران. [السلسلة الضعيفة رقم ٩٦٧]
وسواء كان الهيثم بن عمران، او الهيثم بن علقمة، فهو غير معروف.
قال ابن رجب: الهيثم هذا غير معروف اهـ [فتح الباري لابن رجب ٥/١٤٨]
تضعيف العلماء لهذا الحديث:
قال ابن حجر: قال ابن الصلاح في كلامه على الوسيط: هذا الحديث لا يصح، ولا يعرف، ولا يجوز ان يحتج به!
وقال النووي في شرح المهذب: هذا حديث ضعيف، أو باطل لا أصل له!
وقال في التنقيح: ضعيف باطل! اهـ [تلخيص الحبير ١/٢٦٠]
وظاهر كلام هؤلاء العلماء تضعيف الحديث جداً؛ وذلك لتفرد هذا المجهول بهذه السنة!
وهذا التفرد نوع من أنواع الحديث المنكر.
قال الذهبي: المنكر: وهو ما انفرد الراوي الضعيف به، وقد يعد مفرد الصدوق منكرا اهـ [الموقظة ص ٤٢]
وقال السخاوي: وأما اذا انفرد المستور، أو الموصوف بسوء الحفظ، أو المضعّف في بعض مشايخه خاصة، أو نحوهم ممن لا يحكم لحديثهم بالقبول بغير عاضد يعضده، بما لا متابع له ولا شاهد، فهذا أحد قسمي المنكر، وهو الذي يوجد إطلاق المنكر عليه لكثير من المحدثين، كأحمد والنسائي.
وان خولف مع ذلك فهو القسم الثاني، وهو المعتمد على رأي الأكثرين في تسميته اهـ [فتح المغيث ١/٣٧٥]
فإذا كان تفرد الضعيف المعروف، والصدوق، والمستور منكرا، فيكون تفرد المجهول غير المعروف أشد نكارة من ذلك؛ ولذا حكم ابن الصلاح والنووي وغيرهما على هذا الحديث بألفاظ قوية جداً في التضعيف!
▪️الطريق الثاني: وروي من طريق معاذ بن نجدة، حدثنا كامل بن طلحة، حدثنا حماد بن سلمة، عن الأزرق بن قيس قال: "رأيت ابن عمر اذا قام من الركعتين اعتمد على الارض بيديه، فقلت لولده وجلسائه: لعله يفعل هذا من الكبر؟ قالوا: لا؛ ولكن هذا يكون" [أخرجه البيهقي في السنن الكبرى ٢/١٣٥]
أولا: ليس في هذا الأثر ذكر للعجن.
ثانيا: ان هذا الاسناد منكر، تفرد به كامل بن طلحة، عن حماد بن سلمة، وحماد روى عنه الثقات الأثبات مثل: ابن جريج، والثوري، وشعبة، وابن المبارك، وابن مهدي، والقطان، وغيرهم، فأين هم عن رواية مثل هذا الحديث؟!
ومعاذ بن نجدة قال عنه الذهبي: صالح الحال، قد تُكلم فيه اهـ [ميزان الاعتدال ٤/١٣٢]
مما تقدم يتضح ضعف حديث العجن؛ لسببين:
أحدهما: تفرد الهيثم بهذا الحديث، وهو غير معروف.
الآخر: تضعيف ابن الصلاح، والنووي، وابن حجر، وغيرهم لهذا الحديث جداً.
والله اعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
كتبه: فؤاد بن عبدالله الحاتم
رد مع اقتباس
